214

इंतिसार

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

शैलियों

फिक़्ह

الحجة الثانية: من جهة السنة، قوله عليه السلام: (( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله.. ))(¬4)، وقوله عليه السلام: (( إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا )). وقوله : (( لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يتوضأ فيه ))(¬1). فجميع هذه الأخبار دالة [على المنع] مما هذا حاله ولم يغير طعما ولا لونا ولا ريحا(¬2).

الحجة الثالثة: قياسية، وهو أنه ماء قليل خالطته النجاسة فوجب أن ينجس كما لو تغير، ولأنه ماء قد تيقن استعمال النجاسة باستعماله فكان نجسا كما إذا ظهرت عليه النجاسة، ولأنه اجتمع فيه الحظر والإباحة فوجب تغليب الحظر ومنعه على جانب الإباحة، كالجارية بين الرجلين في تحريم وطئها لأحدهما، والصيد قتله مسلم وكافر، وهذه الأدلة الشرعية دالة على منعه وتنجيسه.

المذهب الثاني: أنه طاهر في نفسه ولا يحكم بنجاسته إلا إذا تغير، وهذا محكي عن جلة من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان، وعن جماعة من التابعين، الحسن البصري وسعيد ابن المسيب وعكرمة وابن أبي ليلى وجابر بن زيد والأوزاعي وداود والثوري والنخعي (¬3)، واختاره مالك، وهو مروي عن الإمام القاسم بن إبراهيم، حكاه النيروسي (¬4) عنه، فإنه قال: كل ما لا تظهر فيه النجاسة لا ينجس بما وقع فيه من النجس وإن كان قليلا. والحجة على ذلك تكون من جهة الكتاب والسنة والقياس:

الحجة الأولى: من الكتاب، قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}[الفرقان:48]. وقوله تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}[الأنفال:11]. فظاهر هاتين الآيتين دال على أن كل ما نزل من السماء فهو طاهر يتطهر به من غير فصل بين قليله وكثيره، سواء اتصلت به النجاسة أو لم تتصل، لكنه خرج ما تغير أحد أوصافه أو كلها بدلالة منفصلة.

الحجة الثانية: من جهة السنة، وهو حديث ابن عباس (( الماء لا يجنب )). وحديث أبي سعيد الخدري حيث قال: (( خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء )). فهذان الخبران دالان على أن الماء كله طاهر إلا ما خرج بدليل خاص في نجاسته بتغيره.

الحجة الثالثة: القياس، وهو أنه مالم يتغير بوقوع النجاسة عليه فيجب القضاء بتطهيره كالماء الكثير، ولأنه باق على أصله في التطهير لم يعرض له ما يغيره من لون أو طعم أو ريح فكان طاهرا كالماء الكثير، فهذا تمام تقرير أدلة الفريقين قد أوضحناها.

والمختار: الحكم بتطهيره كما أشار إليه القاسم وغيره من علماء الصحابة والتابعين، وإنما يتضح بتقويته بالدلالة وبالجواب، فهذان تقريران نفصلهما:

التقرير الأول: في إيراد البراهين الشرعية على طهارته، وجملتها حجج خمس:

الحجة الأولى: هو أن المعلوم من حال الصدر الأولى من عصر النبي إلى آخر عصر الصحابة رضي الله عنهم أنهم لم تنقل عنهم واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسات، وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء والذين لا يحترزون عن النجاسات وتكثر ملابستهم لها، ولم يعلم تصونهم عن مداخلة هؤلاء ولا نقل احترازهم عنهم وانقباضهم عن تأدية(¬5) المياه ومعاناتهم لها في حملها ونقلها مع شدة الورع عن الوقوع في المناهي وبعدهم عن ما حرم الله، وبلوغهم في العبادة الغاية القصوى، وكل ذلك دال على اعتمادهم في تطهير الماء على عدم تغيره، فمهما كان على هذه الصفة فهو باق على أصله في التطهير، وهذه حجة يدين بها كل منصف.

الحجة الثانية: الحمامات، فإنها لم تزل في الأعصار الخالية والآماد المتمادية مستعملة في جميع الأمصار والأقاليم، يدخلها العلماء والأفاضل من غير نكير ولا مدافعة، ويتعاطاها الخاص والعام ويغمسون الأيدي في تلك الحياض الخارجة والداخلة مع قلة الماء فيها، ومع العلم بأن الأيدي النجسة والطاهرة كانت تتوارد عليها وهم ساكتون عن الكلام في نجاستها مكبون على استعمالها، وما ذاك إلا لما يعلمون من أن الماء لا ينجسه إلا ما غير أحد أوصافه، وأنه مخلوق على هذه الهيئة، وقد قال عليه السلام: (( ما رآه المسلمون حسنا فهو عندالله حسن ))(¬6). فاستعمالهم مع علمهم بحالها واشتمالها على ما ذكرناه من القلة وملابسة النجاسة، دلالة على ما ذكرناه.

पृष्ठ 217