इंतिसार
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
शैलियों
الحجة الثالثة: ما علم من حال صاحب الشريعة (صلوات الله عليه)، أنه أصغى الإناء للهرة حتى شربت، وعدم تغطيتهم للآنية منها بعد أن تراها(¬1) تفترس الحيوانات من الفأرة وغيرها، والمعلوم من حالهم قطعا أنهم ما كانوا يجعلون للسنانير(¬2) حياضا على انفرادها ولا كانت تنزل الآبار للشرب، فإرسالهم إياها على ما في الآنية من الأمواء مع قلتها واستعمالهم لها بعد ولوغها فيها، فيه أمارة ظاهرة ودلالة قوية على أن الماء لم يكن نجسا بعد ولوغها فيه، وكل ذلك تعويل على عدم تغيره مع كونه قليلا.
الحجة الرابعة: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه توضأ بماء في جرة نصرانية مع العلم بقلة الماء، وملابسة النصرانية للنجاسة، وتعاطيها له في جميع أحوالها، وفي هذا دلالة على أنه لم يعول إلا على عدم تغير الماء، ولا شك أن نجاسة النصرانية تعلم بأدنى ظن قريب، فأعرض عما ذكرنا وعول على طهارة الماء بما يظهر من حاله من عدم تغيره، وكانت هذه هي الأمارة القوية في طهارته التي لا يعارضها معارض(¬3).
الحجة الخامسة: إذا وقع رطل من البول في ماء كثير، إما القلتان على رأي من قال بهما، وإما الكثير عند من أعرض عنهما، ثم أخذ من ذلك الماء في صحاف مختلفة، فكل واحدة منها ما فيها من الماء طاهر لا محالة باتفاق، فليت شعري أتعليل طهارته لعدم تغيره أولى، أو بقوة كثرة الماء مع أنا قد فرضنا انقطاع الكثرة بحصوله في صحاف كثيرة مع العلم بأن البول حاصل فيه لا محالة وإن خفي أمره؟ وفي هذا دلالة على أن التعويل إنما كان على عدم تغيره، فهذه الحجج كلها دالة على أن المراعى في طهارة الماء ونجاسته إنما هو على ما يظهر من حاله من التغير وعدمه، والله أعلم.
وممن قال بطهارة الماء القليل عند وقوع النجاسة عليه، الشيخ أبو حامد الغزالي فإنه اختاره مذهبا، وقال: كنت أود أن يكون مذهب الشافعي مثل مذهب مالك، يعني أن الماء وإن قل لا ينجس إلا بالتغير من غير حاجة إلى تقدير الكثرة بالقلتين كما هو رأيه.
पृष्ठ 219