رد بلهجة الأستاذ الواثق الهادئة: والتزويغ من المشرحة؟
قالت: كنت مشغولة بالمعرض.
قال: لا يا بهية، ليس هو المعرض، أنت مشغولة بشيء آخر.
انفرجت شفتاها في دهشة، ولكنها زمتهما بسرعة كأنما في غضب، واستدارت ناحية الباب لتخرج، لكنه سد عليها الطريق، وقال بلهجة الأستاذ: أنت مشغولة بشيء آخر يا بهية.
رفعت عينيها في عينيه الزرقاوين وقالت بحزم: لا.
وكأنما لم يسمع ردها وسأل بصوت هادئ شديد الثقة بنفسه: ما الذي يشغلك يا بهية؟
وردت مرة أخرى: لا شيء.
شيء ما بين الدكتور علوي وبينها، شيء غير محدد وغير مفهوم، ولكنه موجود ومحسوس. تحسه في عينيه الزرقاوين حين ينظر إليها، وفي صوته حين يحدثها، وبعض الأوقات تفكر في كنه هذا الشيء، ماذا يكون. بل إنها رأته مرة في أحلامها. كان يرتدي قميصا وبنطلونا، وجسمه ممشوق كشاب رياضي، وذراعه مشعرة محمرة ملوحة بالشمس، رفعها وحاول أن يضمها لكنها أفلتت. استطاع أن يحوطها بذراعيه الاثنتين ونزع يدها من فوق شفتيها وقبلها. وصحت من النوم هو لا يزال يقبلها، وحين دفعته بيدها ولم تجد أحدا أدركت أنها كانت تحلم. ودهشت كيف يفرض الدكتور علوي نفسه عليها في أحلامها، مع أنها في يقظتها لا ترغبه، بل إنها تكاد تكرهه. تكره عينيه الزرقاوين المقتحمتين، وتكره ضحكته. فهو لا يضحك كما يضحك الناس، ولكنه يضحك بوقار وأستاذية وقهقهته مصنوعة مبتورة لا تكاد تسمع حتى تنقطع. يشعرهم دائما أنه أستاذ، يعرف ما لا يعرفون، ويملك ما لا يملكون، وحركة ساقيه وهو يمشي فوق المنصة كحركة ساقي الأساتذة بطيئة وواثقة من نفسها إلى حد الاسترخاء. وأليتاه من الخلف مترهلتان بعض الشيء، بسبب الجلوس لفترات طويلة فوق مقعد وثير مريح.
كانت يده المشعرة المحمرة قد أصبحت فوق مقبض الباب، ويده الثانية فوق كتفها، تربت عليها بحركة الأساتذة حين يربتون على أكتاف الطلبة، لكن يده حين لامست كتفها بقيت فوقها ثابتة لحظة كالضغطة السريعة، أو انقباض عضلة باليد لا إرادية، وصوته اعترته رعشة وهو يقول: بهية تعرفين أنني أهتم بك.
تداركها بسرعة بنبرة الأستاذ الهادئة الواثقة: والامتحان أصبح قريبا، ويهمني أن تنجحي.
अज्ञात पृष्ठ