251

इलियड

الإلياذة

शैलियों

هكذا قال، فازداد النهر غيظا في قلبه، وراح يفكر - في نفسه - كيف يمكنه أن يوقف أخيل العظيم، ويمنعه من أداء مهمته، ويبعد الهلاك عن الطرواديين. وفي الوقت نفسه، قفز ابن بيليوس حاملا رمحه الطويل الظل، وانقض على أستيروبايوس بن بيليجون، المولود من أكسيوس - الفسيح الجريان - وبيريبويا، كبرى بنات أكيسامينوس، إذ اضطجع معها النهر العميق الدوران. فهجم عليه أخيل، ووقف أستيروبايوس خارج النهر ليواجهه، حاملا رمحين، وقد بث كسانثوس الشجاعة في قلبه، نقمة منه من أجل الشبان الذين قتلوا في المعركة، والذين كان أخيل يعمل فيهم التقتيل بحذاء مجرى الماء، دون رحمة ولا شفقة. فلما اقترب كل منهما من الآخر، تحدث أخيل العظيم السريع القدمين، إلى أستيروبايوس، قائلا: «من من القوم أنت، يا هذا؟ ومن أين قدمت، حتى تجرؤ على مواجهتي؟ ما أتعس أولئك الذين يواجه أطفالهم قوتي!»

فأجابه ابن بيليجون المجيد: «لم تتحرى عن نسبي يا ابن بيليوس، البالغ الشجاعة؟ لقد جئت من باونيا - العميقة التربة، النائية - أقود الباونيين برماحهم الطويلة. وهذا هو الصباح الحادي عشر منذ أن قدمت إلى طروادة. أما نسبي فهو من أكسيوس، الفسيح الجريان، الذي تجري مياهه كأجمل مياه على ظهر البسيطة، والذي أنجب بيليجون المشهور برمحه. فهو أبي، على حد قول الناس، والآن هيا إلى القتال يا أخيل المجيد.»

هكذا تكلم مهددا، فرفع أخيل العظيم الرمح الدرداري البيلي. وإذ ذاك قذف المحارب أستيروبايوس رمحيه دفعة واحدة؛ لأنه كان ممن يستطيعون استخدام اليدين معا. فأصاب أحد الرمحين ترس أخيل، ولكنه لم يخترقه - إذ أوقفه الذهب، هدية الرب - وأصاب الرمح الآخر ساعد أخيل الأيمن بضربة قاطعة، فتدفق الدم الأسود خارجا. بيد أن طرف الرمح مرق وانغرس في الأرض، تواقا إلى إشباع نهمه باللحم. أما أخيل فرمى رمحه الدرداري المستقيم الطيران، صوب أستيروبايوس - يروم قتله - ولكنه أخطأ، وأصاب الساحل المرتفع، فانغرس الرمح هناك حتى منتصفه. وعندئذ استل ابن بيليوس، سيفه الحاد من جانب فخذه، وانقض عليه ثائرا. ولم يفلح الآخر في أن ينزع بيده القوية رمح أخيل الدرداري من الساحل. فلقد هز الرمح ثلاث مرات، وهو يتلهف إلى انتزاعه، وثلاث مرات فشل في محاولته. وفي المرة الرابعة اعتزم ثني الرمح الدرداري - رمح ابن أياكوس - ليكسره، ولكن أخيل سلبه الحياة بحسامه، قبل أن يتم ذلك. إذ ضربه في بطنه بجانب سرته، فخرجت جميع أحشائه إلى الأرض، وغشيت الظلمة عينيه، وهو يلهث ممددا. فوثب أخيل فوق صدره وجرده من أسلحته، وتهلل قائلا: «ارقد كما أنت، فمن العسير أن تتصارع مع أنسال ابن كرونوس العتيد، ولو كنت ابن نهر! إنك تجاهر بمولدك من نهر واسع الجريان، بينما أجاهر أنا بأنني من نسب زوس العظيم. إن الأب الذي أنجبني، ملك بين المورميدون العديدين، إنه بيليوس بن أياكوس، وأياكوس من نسل زوس. وكما أن زوس أقوى من الأنهار التي تهدر نحو البحر، فكذلك نسل زوس أقوى من نسل أي نهر. وها هو ذا نهر عظيم، جد قريب منك، ولكنه لن ينفعك. فليس لأحد أن يقاتل زوس بن كرونوس، أو يتحداه، ولو كان الملك أخيلوس، بل ولا أوقيانوس - العميق الجريان بقوته وجبروته - فإن هذا الذي تخرج منه سائر الأنهار وجميع البحار، وكل الينابيع والآبار العميقة، يخاف - هو الآخر - برق زوس العظيم، ورعده الرهيب عندما يدوي من السماء!»

قال هذا، وجذب رمحه البرونزي من الساحل، وترك أستيروبايوس حيث كان عندما أزهق روحه، مسجى على الرمال، وقد بللته المياه القاتمة. فأخذت الأسماك وثعابين الماء تنهش جسمه وتمزق اللحم حول كليتيه. أما أخيل فمضى في طريقه وراء البايونيين - سادة العربات - الذين كانوا لا يزالون يحتشدون في فوضى على طول النهر الدوام، مذ أبصروا خير رجل فيهم يتردى في قتاله مع ابن بيليوس، بيديه وسيفه. وما لبث أن قتل منهم ثيرسيلوخوس، ومودون وأستوبولوس، ونيسوس، وثراسيوس وأينيوس وأوفيلستيس، ومع ذلك فقد كان في مقدور أخيل السريع، أن يقتل عددا أكبر من البايونيين، لولا أن النهر العميق الدوامات غضب غضبا شديدا، وناداه في صورة رجل، مصدرا صوتا من جوف إحدى الدوامات العميقة، قائلا: «أي أخيل، إنك لتفوق البشر قوة وشرا، إذ تمدك الآلهة بالمساعدة على الدوام. وإذا كان ابن كرونوس قد منحك الحق في أن تقتل جميع الطرواديين، فلا تقذف بهم في مجراي - على الأقل - بل أنجز عملك الفظيع فوق السهل. فلقد امتلأ حوضي الجميل بجثث القتلى، فلم أعد أستطيع أن أوفق في صب مياهي في البحر اللامع، إذ أصبحت مخنوقا بالموتى، بينما تمضي أنت في القتل دون رحمة ولا هوادة. كلا. كف عن ذلك، فإن العجب يتملكني، يا قائد الجيوش!»

فأجابه أخيل السريع القدمين، قائلا: «ليكن ما تقول يا سكاماندر، يا سليل زوس! ولكني لن أكف عن قتل الطرواديين المتغطرسين إلا بعد أن أحبسهم في مدينتهم، وبعد أن أجرب حظي مع هكتور وجها لوجه، فإما قتلني أو قتلته!»

صراع بين أخيل وسكامندر!

وما إن قال هذا حتى قفز على الطرواديين كأنه إله. وعندئذ تحدث النهر العميق الدوامات إلى أبولو قائلا: «ويحك يا رب القوس الفضية، يا ابن زوس، إنك لم تطع كلام ابن كرونوس، الذي أمرك بالوقوف فورا إلى جانب الطرواديين ومساعدتهم، حتى ساعة متأخرة من المساء، عندما تنتشر الظلمة على الأرض العميقة التربة.»

هكذا تكلم، فنهض أخيل - المشهور برمحه - من الشاطئ وقفز إلى وسطه. ولكن النهر هجم عليه بفيضان صاخب، وأثار جميع مجاريه المائية في صورة عجاجة، واكتسح أمامه الموتى الكثيرين الذين قتلهم أخيل، وكانوا يرقدون في قاعه، فقذف بهم إلى البر، وهو يخور أحيانا كأنه ثور، أما الأحياء فقد أنقذهم تحت المجاري المائية الهادئة، بأن أخفاهم في الدوامات العميقة الواسعة. وشرعت اللجج الصاخبة ترتفع عاليا حول أخيل بصورة فظيعة، ودفعه التيار إلى الخلف وهو يتلاطم فوق ترسه، فلم يفلح أخيل في الوقوف ثابتا على قدميه، وتعلق بشجرة دردار سامقة، جميلة الشكل، فانخلعت من جذورها وسقطت، فمزقت الضفة كلها، وامتدت عبر المجاري الهادئة بأغصانها الغليظة، وسدت النهر نفسه، وقد سقطت بطولها في داخله. أما أخيل فوثب خارج الدوامة وأسرع يهرب بقدم سريعة عبر السهل، إذ تملكه الخوف. ومع ذلك فلم يكف الرب العظيم عنه، بل لاحقه بموجة دكناء القمة، ليوقفه عن غايته، ويمنع الهلاك عن الطرواديين. ولكن ابن بيليوس ارتد إلى الوراء - قاب رمح - بسرعة النسر الأسود، ذلك الصياد العتيد، أقوى وأسرع الكائنات المجنحة. فانقض مثله، والبرونز يجلجل عاليا فوق صدره، وهو يفلت من تحت الفيضان ويفر إلى الأمام باستمرار، فيجد النهر مقتفيا أثره ومتدفقا بخرير قوي. وكما يحدث عندما يحفر الرجل - الذي يتحكم في مجرى الماء المتدفق من ينبوع رطب - قناة بين نباتاته وأقسام حدائقه، فيمسك الفأس في يديه، ويزيل العوائق من القناة، ليتدفق الماء فيكتسح معه جميع الحصى الموجود في قاعها، وينساب بسرعة إلى الأمام، بهدير إلى أسفل موضع منحدر، مستبقا كل ما يصادفه، حتى ذلك الذي تحكم فيه، هكذا أيضا، لحق طوفان النهر بأخيل - رغم ما كان عليه من سرعة القدم - لأن الآلهة أقوى من البشر. وكلما صارع أخيل العظيم السريع القدمين، كي يقف ضده، ويعلم ما إذا كان جميع الخالدين - الذين يحتلون السماء الفسيحة - يتعقبونه، ضربه الطوفان العظيم لهذا النهر المقدس فوق كتفيه. فكان يثب عاليا ما استطاعت قدماه بينما كان النهر يلاحق ركبتيه بتدفقه العنيف تحته، ويزيل الأرض تحت قدميه. عندئذ صرخ ابن بيليوس صرخة مريرة، واتجه ببصره نحو السماء الفسيحة وقال: «أبتاه زوس، أما من إله يتكفل بإنقاذي من النهر في محنتي القاسية هذه؟ ليحدث لي بعد ذلك ما يحدث، فلست ألوم كثيرا أيا من آلهة السماء، عدا أمي العزيزة التي خدعتني بمعسول الألفاظ، قائلة بأنني سوف أهلك بواسطة سهام أبولو السريعة، تحت سور الطرواديين المدرعين. ليت هكتور قتلني؛ فهو خير الرجال الذين تربوا هنا، عندئذ يكون قاتلي رجلا شجاعا، وقد قتل رجلا شجاعا مثله. أما الآن فهل كتبت لي هذه الميتة التعيسة، حبيسا في هذا النهر العظيم، أشبه براعي الخنازير يجرفه التيار بعيدا وهو يحاول عبوره في الشتاء؟!»

وما إن قال هذا، حتى اقترب بوسايدون وبالاس أثينا فوقفا إلى جانبه ، متنكرين في صورة البشر، وأمسكا يديه بأيديهما، ووعداه بالألفاظ. وكان بوسايدون - مزلزل الأرض - هو أول من تكلم قائلا: «لا ترتعدن - يا ابن بيليوس - أكثر مما يجب ، ولا تخافن إطلاقا، فكل منا - أنا وبالاس أثينا - مساعد لك من لدن الآلهة، إذ وافق زوس على هذا. إذ إنه غير مقدر لك أن تموت بوساطة نهر. بل إن النهر لن يلبث أن يتراجع، وستشعر بذلك من تلقاء نفسك، ولكننا سنمنحك النصح إذا ما قبلته. فلا تكف يديك عن القتال الشرير إلا بعد أن تحصر الجيش الطروادي، وكل هارب، داخل أسوار طروادة الشهيرة. أما أنت فعد إلى السفن بعد أن تزهق روح هكتور، وحينئذ نمنحك المجد.»

وما إن قالا هذا، حتى انصرفا إلى الخالدين، بينما اتجه أخيل صوب السهل، إذ أثاره كلام الإلهين. وكان السهل كله يفيض بطوفان من الماء، يطفو فوقه الكثير من الأسلحة العظيمة وجثث الشبان الذين تردوا في القتال. وأخذت ركبتا أخيل تقفزان عاليا، وهو يناضل ضد الطوفان، فلم يستطع النهر الواسع الجريان أن يوقفه؛ لأن أثينا وضعت فيه قوة عظيمة. ومع ذلك، فلم يكن لسكاماندر أن يهدئ من ثورته، بل إنه ازداد غيظا ضد ابن بيليوس، فرفع نفسه عاليا، وجعل أمواج طوفانه تعلو شاهقة. وصاح على سيمويس قائلا: «أخي العزيز، هلم بنا نكبح قوة هذا الرجل؛ إذ إنها تحتاج إلى كلينا معا، وإلا فإنه لن يلبث أن يخرب مدينة الملك بريام العظيمة، ولن يصمد الطرواديون أمامه في المعركة. هيا، قدم لي يد العون بسرعة، واملأ مجاريك بالماء من الينابيع، وأثر جميع تياراتك، وأرسل موجة ضخمة، وأطح بالأشجار والأحجار في صخب هائل، حتى نكبح جماح هذا الرجل العنيف، الذي له الغلبة الآن، وفي نيته أن يتحدى حتى الآلهة، إني لأعتقد أن قوته لن تجديه نفعا، ولا رقته، بل تلك الحلة المدرعة التي أحسبها ستستقر في أعماق البحر، تغطيها الأوحال، أما هو نفسه فسوف أطويه في الثرى، وأصب فوقه كمية ضخمة من الحصباء، لا حد لها ولا حصر، فلا يعرف له الآخيون مقرا حتى لا يجمعوا عظامه. في مثل هذا العمق من الطمي سوف أخفيه. وسيكون قبره هنا، ولن تكون به حاجة إلى أكمة متراكمة، عندما يشيع الآخيون جنازته!»

अज्ञात पृष्ठ