111

في أفعال العباد، والفعل على ضربين مخترع وغير مخترع، فحقيقة المخترع ما وجد من جهة القادر عليه لا فيه ولا بسبب فيه. وقالت البغداذية: إنه الفعل الواقع من الفاعل بغير آلة وسبب، وغير المخترع على ضربين مباشر ومتعد، فحقيقة المباشر ما وجد من جهة من كان قادرا عليه في محل قدرته وهو على ضربين مبتدأ ومتولد، فحقيقة المبتدأ ما وجد من جهة القادر عليه في محل قدرته من غير واسطة وذلك نحو الإرادة والكراهة والظن والنظر، وحقيقة المتولد ما وجد من جهة القادر في محل قدرته بواسطة فعل وذلك نحو العلم فإنه يحصل بواسطة النظر وكذلك غيره مما يوجد متولدا فينا كالتأليف والكون والاعتماد، وأما المتعدي فحقيقته ما وجد من جهة من كان قادرا عليه متعديا عن محل قدرته بواسطة في محلها. واختلف الناس في أفعال العباد بعد الاتفاق على أنها منسوبة إليهم في الجملة. فذهب أهل العدل كافة وهم الزيدية والمعتزلة وبه قالت الخوارج وبعض الإمامية وهو قول أكثر الفرق الخارجة عن الإسلام إلى أن أفعال العباد جميعها الحسن منها والقبيح والمبتدأ والمتولد غير مخلوقة فيهم بل هي منهم وفعلهم وتأثيرهم ونسبتها إليهم حقيقة كنسبة أفعال القديم إليه، ولا يصح القول بأنها من الله تعالى وخلقه وتأثيره البتة.واختلف المعتزلة في ذلك فقال أبو الحسين: كون أفعال العباد منهم معلوما بالضرورة حتى أن الصبيان يعلمون ذلك، ألا ترى أنك لو رأيت صبيا يبكي فقلت: من ضربك؟ فقال: فلان، فنسب الضرب إلى فاعله،قال والمجبرة لا يناظرون في هذه المسألة لأنهم أنكروا الضرورة. وذهب أكثر المعتزلة إلى أنها استدلالية وأن المعلوم ضرورة إنما هو نسبتها إليهم جملة وهو الفرق الذي نجده بينها وبين الصور والألوان، وقد صرح جماعة من الأشاعرة أيضا بأن هذا الفرق ضروري، وأما الكلام بأن المؤثر فيها هو قدرتنا أو قدرة القديم تعالى فأمر وراء ذلك لا يعلم إلا بالاستدلال. وقد خالف في ذلك طوائف المجبرة وبه سموا مجبرة لقولهم أن العبد مجبر على فعله أي مكره عليه لا اختيار له فيه وابتدأ مذهبهم من معاوية وظهر في سلطان بني أمية ولهذا يقال الجبر أموي والعدل هاشمي، وهم مجمعون على أن أفعال العباد جميعها من الله تعالى وأنه أحدثها وأنها واقعة بقضاءه وإرادته.ثم اختلفوا، فقالت الجهمية وهم جهم بن صفوان ومتابعوه: لا فعل للعبد البتة بل جميع ما يصدر منه فهو فعل الله وإنما أضيف إلى العبد لأنه طرفه كما يضاف إليه اللوم فنسبة الكل إليه عندهم من باب المجاز، فقام وقعد وصلى وصام مثل طال وقصر وأبيض وأسود كما تضاف حركة الشجرة إليها وهي تحرك بتحريك الله تعالى وإرادته من غير تصرف لها في تلك الحركة ولا اختيار .

ومذهب جهم هذا حدث في زمن الظاهرية من بني العباس ظهر بنيسابور ومات قتلا. وذهبت (النجارية والكلابية) وضرار بن عمرو وحفص الفرد إلى أن جميع أفعال العباد منهم خلق له كسب للعبد فأثبتوا لفعل العبد جهتين كونه خلقا وكونه كسبا لما رأوا من بطلان قول الجهمية للفرق الضروري بين أفعالنا وألواننا ونحوها لكنهم أثبتوا ما لا يعقل فكانوا أعظم جهلا من الجهمية. وذهبت الأشعرية إلى الفرق بين المباشر والمتولد فقالوا في المتولد بقول الجهمية وفي المباشر بقول النجارية ومن ذكر معهم، فكانوا أعظم في الجهالة ممن تقدمهم لذهابهم إلى الفرق من غير فارق، وأما متأخروا علمائهم كالجويني والغزالي والرازي وأبي إسحاق الإسفرائيني وقاضيهم الباقلاني فلم يذهبوا إلى شيء من ذلك بل ذهبوا إلى أن قدرة العبد هي المؤثرة لكنهم جعلوها موجبة مقارنة فلزمهم نسبة الأفعال إلى الله لأن فاعل السبب فاعل المسبب. وأما المطرفية فإنهم يقولون: الفعل الموجود في الفاعل من جهته والذي في غيره من (جهة الله) .

पृष्ठ 131