صوابًا كان أو خطأ، وكذبه عدم مطابقة حكمه له. واحتج له بوجهين:
أحدهما: أن من اعتقد أمرًا فأخبر به ثم ظهر خبره بخلاف الواقع يقال: ما كذب ولكنه أخطأ، كما روى عن عائشة ﵂ قالت فيمن شأنه كذلك: ما كذب ولكنه وهم.
ورد بأن المنفي تعمد الكذب لا الكذب، بدليل تكذيب الكافر كاليهودي إذا قال: "الإسلام باطل" وتصديقه إذا قال: الإسلام حق. فقولها١: "ما كذب" متأول بما كذب عمدًا.
الثاني: قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾، كذبهم في قولهم "إنك لرسول الله" وإن كان مطابقًا للواقع؛ لأنهم لم يعتقدوه. وأجيب عنه بوجوه.
أحدها أن المعنى نشهد شهادة وأطأت فيها قلوبنا ألسنتنا، كما يترجم عنه أن والسلام وكون الجملة اسمية في قولهم: ﴿إِنَّكَ لَرَسُوْلَ اللهِ ...﴾ فالتكذيب في قولهم: ﴿نَشْهَدُ﴾ وادعائهم فيها المواطأة، لا في قولهم: ﴿إِنَّكَ لَرَسُوْلَ اللهِ﴾ ٢.
وثانيهما: أن التكذيب في تسميتهم أخبارهم شهادة؛ لأن الأخبار
_________
١ أي عائشة رضوان الله عليها.
٢ وعلى هذا فالتكذيب في الشهادة لا في المشهود به، بخلاف الوجه الثالث فالتكذيب في المشهود به لكن لا في الواقع بل في زعمهم الفاسد؛ لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع. فيكون كاذبًا باعتقادهم وإن كان صادقًا في نفس الأمر، فكأنه قبل أنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا الخبر الصادق، وحينئذ لا يكون الكذب إلا بمعنى عدم المطابقة للواقع.
1 / 60