واستشهد على صحة هذا بأنه لا يتناهى [وما لا يتناهى]، قد تقرر استحالة خروجه إلى الوجود، وما ذاك إلا لما تضمنه من التناقض بين إثبات التقدير والنهاية للموجود المفروغ من خلقه وإيجاده مع نفي النهاية عنه، ووصفه بأنه لا يتناهى، وذكر أن هذه حقائق إذا لاحت فليقل الأخرق ما شاء.
وأول ما أقدم بين يدي الكلام على هذه المسألة تحذير الواقف على كتابه هذا أن يصغي إلى هذا المذهب الذي قال، أو يتساهل في خطوره بباله، فضلا عن التشكك في محاله، فإنه أحد أركان الدين و(مع ...) يؤدي التساهل فيه إلى مطاعن الزندقة والملحدين، وبودي لو محوت هذا من هذا الكتاب بماء بصري، لأن هذا الرجل له سابقة قديمة وآثار كريمة في عقائد الإسلام، والذب عنها، وتشييدها، وحسن العبارة عن حقائقها، وإظهار ما أخفاه العلماء من أسرار، ولكنه في آخر أمره ذكر أنه خاض في فنون من علم الفلسفة، وذاكر أحد أئمتها، فإن ثبت هذا القول (ص ٤٠) عليه، وقطع بإضافة هذا المذهب في هذه المسألة إليه، فإنما سهل عليه ركوب هذه المسالك إدمانه للنظر في مذاهب أولئك.
ومن العظيمة في الدين أن يقول مسلم إن الله سبحانه يخفى عنه خافية ولو دقت، حتى لا يحيط بها العقول، ولا تتوهمها الأوهام، والمسلمون لو سمعوا أحد يبوح بخلاف هذا لتبرأوا منه، وأخرجوه عن جملتهم، ونحن لو قنعنا في رد هذا المذهب بهذا المقدار، لكنا عوّلنا على ما يعول عليه في مثل هذا، لأنا إذا كان خطابنا مع موحد مسلم، كنا نخاطبه بلسان سائر المسلمين، ونقول له إن زعمت أن الله سبحانه يخفى عليه خافية، أو يتصور العقل معنى، أو يثبت في الوجود صفة أو موصوف، أو عرض أو جوهر، أو حقائق نفسية أو معنوية، وهو تعالى غير عالم به فقد فارقت الإسلام، وإن كان كلامنا مع ملحد فنرد عليه بالأدلة.
ولابد من مقدمات نقدمها قبل أن نخوض في العقليات المختصة بهذه المسألة، فمن ذلك اختلاف أهل الأصول في وجوب اتحاد معلوم العلم الحادث، فأما ظاهر مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، فإنه يوجب اتحاد معلوم العلم الحادث، ويمنع من تعلقه بأكثر من معنى واحد، وتابعه على هذا المذهب القاضي أبو بكر بن الطيب لكنه قبل ذلك بما لا يتلازم من المعلومات، وأجاز تعلق العلم الحادث بمعلومين متلازمين يستحيل أن يعلم
1 / 125