الاستقراء، وذكر أنه لو كان هذا لأمكن أن يعثر عليه على عاثر، مع تكرير البحث عنه على مر الدهور.
وقد قدمت عنه أنه منع الاعتماد على الأقسام الغير منحصرة، كالتقاسم المستعملة في المصحح للرؤية، وقد قال يمكن أن يكون هناك قسم لم يعثر عليه المقسم، وإن طال الفكر فيه، وعميت عنه بصائر سائل المقسمين، فيقال هاهنا: هلا نقلت من هنا إلى هنالك، وقلت لو أمكن أن يكون هناك قسم آخر لعثر عليه عاثر، على مر الدهور؟ إلا أن يقول معتذر عن هذا أنا أمنع أن يكون هاهنا قسم يعلم في تقاسيم الرؤية، ولكن نفي العلم به، لا ينفيه، فينتقل الكلام إلى الفصل المتقدم، وهو النظر فيما يمكن أن يعلم أو لا يعلم.
وأما النكتة السابعة فقد تقرر أن كل عاقل يجد في نفسه فرقا بين تجويزه لأمر تجويزا يرجع إلى نفس الأمر المجوز، وتجويزا يرجع إلى جهالة المجوز، وحيرة المتردد، فمن قطع بجواز رؤية الله سبحانه أحس في نفسه فرقا بين هذا القطع بالتجويز وبين تحيره وتردده بين المذهبين: مذهب الأشعرية في جواز الرؤية، ومذهب القدرية في إحالة الرؤية.
وضرب أبو المعالي لهذا مثلا آخر، وهو ما قد اشتهر من الخلاف في تجويز خلق جنس من الألوان غير الألوان المعلومة، فمن صائر إلى إحالة ذلك، ومن صائر إلى القطع بجوازه، ومن تردد بين المذهبين شاك في جوازه وإحالته.
وهذا مبلغ القول في النكت التي عددناها على الجملة، وبسط القول في هذه المذاهب في الألوان مذكور في كتب الأصول، ولكن أبا المعالي أشار هاهنا إلى اختياره القطع بالإحالة، ونفي الجواز، وعلق بذلك مسألة عظيمة يجل فيها الخطب، وهي الكلام على تعلق علم الله سبحانه بما لا يتناهى على التفصيل لآحاده، وكون كل واحد مميزا عن صاحبه، فقال إني لو أجزت خلق أجناس من الألوان لاستحال الوقوف عند عدد لا يتعدى، وإذا استحال الوقوف عند عدد لا يتعدى لم يبق إلا القطع بنفي التناهي، وإذا قطع بنفي التناهي تضمن ذلك تعلق العلم بآحاد ما لا يتناهى على التفصيل، لكون كل جنس مشار إليه يختص بحقيقة يخالف بها جنس صاحبه، وهذا الاختصاص، وتميز واحد عن واحد، يتضمن إثبات التقدير، والتناهي، وقد فرضنا عدم التناهي، وهذا جمع بين النقيضين.
وأشار إلى تجهيل من قدح في هذا باعتقاد المسلمين أن الله سبحانه يعلم ما لا يتناهى، ولم يتضمن ذلك تناقضا، واعتذر عن هذا بأن المعلوم الذي لا يتناهى متناسب الآحاد، ليس بأجناس مختلفة فيضطر اختلافها في قضية العلم بها إلى تميز بعضها عن بعض، فإنما يتعلق العلم به، تعلق استرسال عليه من غير تفصيل لبعضه عن بعض،
1 / 124