فكان تشديده عليهم ومبالغته في ذلك سببا في اول مجلس قضاء فعلى يتعرض له ابن تيميه في جمادى الاولى من سنه 705 ه بمحضر نائب السلطنه بدمشق، فاحضر النائب جمعا من الامراء والمشايخ والقضاه فاداروا البحث والمناظره، وتعددت المجالس، فانتهت بخلاف حاد شجر بين المشايخ، عزل على اثره قاضى القضاه الشافعى نفسه من القضاء، وتشنجت الاجواء، حتى ورد كتاب السلطان الناصر من مصر في شوال من تلك السنه، كتب فيه: انا كنا قد سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقى الدين ابن تيميه، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس، وانه على مذهب السلف، وانما اردنا بذلك براءه ساحته مما نسب اليه!.
عقب ذلك استيلاء بيبرس الجاشنكير على امور السلطنه، وله شيخ صديق من الصوفيه يدعى نصر المنبجى، وهو الذى رماه ابن تيميه بالضلال والجحود لانه يرى راى محيى الدين بن عربى، فتغيرت الامور مع ابن تيميه، واستدعى الى مصر في نفس السنه، وتمسك به النائب في دمشق وقال له: انا اكاتب السلطان في ذلك واصلح القضايا. ولكن الشيخ توجه الى مصر، والى مجلس قضاء يراسه القاضى المالكى، وبينه وبين الشيخ ابن تيميه خصومه شديده بسبب اعتقاد ابن تيميه في الصفات الذى عده المالكيه تشبيها وتجسيما محضا، فدار بينهما ما اغضب القاضى فاصدر مرسوما بسجنه فامضى في السجن نحو سنتين، ولكنه لم يعدم الناصر خلالهما، بل كان سلار نائب السلطان اقوى نصير له، وسع عليه في السجن واخدمه بمن يشاء من رفقته، واقنع القضاه والمشايخ باخراجه من السجن ولكن الشيخ ابن تيميه كان يصر على البقاء في السجن، حتى اخرجه مهنا بن عيسى ملك العرب واخذه الى بيت سلار ليمضى عنده اياما ثم يتحول الى الاسكندريه، ويستقر فيها حتى عوده السلطان الناصر الى السلطنه.
पृष्ठ 44