12
واشتهر بولس الفارسي في الفلسفة في أواخر القرن السادس، وروى ابن العبري أنه ألف مقدمة عجيبة في المنطق قدمها إلى كسرى أنو شروان،
13
وراج سوق تعلم اليونانية في أوائل القرن السابع في قنسرين الواقعة على ضفة الفرات اليسرى، وهناك حوالي سنة 640، شرح الأسقف ساويروس سيبوخت تحليلات أرسطو الأولى وعباراته، ويواصل تلميذان لساويروس سيبوخت أثره، والتلميذان هما: أثناسيوس البلدي (المتوفى سنة 687 أو سنة 688)، والموسوعي الكبير يعقوب الرهاوي (المتوفى سنة 708). وظهر بعدهما أسقف العرب القائلين بطبيعة واحدة في المسيح في الكوفة جورجيوس، فترجم «المنطقيات» لأرسطو، بيد أننا وصلنا إلى زمن الفتح العربي، فمال الأدب السرياني إلى الزوال.
وهكذا كان السريان على اتصال بالعلم اليوناني خمسة قرون فأساغوا عنعناته، وترجموا متونه وفسروها، وأنتجوا آثارا مهمة في ميدان الفلسفة اللاهوتية. وقد ولدت أشكال الفلسفة السكلاسية بين أيديهم، وازدهرت فنون المنطق في مدارسهم؛ ولذا كان الذهن اليوناني وآثار الأغارقة وعنعناتهم - حين ظهور الإسلام - أمورا قد نقلت إلى عالم يمت إلى العالم العربي بصلة القرابة، وسنرى - عما قليل - أن علماء المسلمين اطلعوا على الثقافة اليونانية تحت إدارة السريان واليعاقبة والنساطرة.
ومن المناسب - قبل إيضاح الكيفية التي تلقى العرب بها العلم من أيدي النصارى على الخصوص - أن نتناول المسألة ثانية من عل، وذلك لإزالة الانطباعات غير الصحيحة التي يمكن أن تكون عالقة بذهن بعض القراء؛ وذلك أن العنصر العربي كان لا يؤلف بنفسه عالما مغلقا على الإطلاق في أثناء الدور الطويل السابق للإسلام، والذي رأينا فيه أن الفرع الآرامي من الأرومة السامية يسيغ النصرانية والثقافة اليونانية.
فمما لوحظ غالبا - وذلك بسبب تاريخ الأصول الإسلامية - أن جنوب جزيرة العرب الغربي - أي اليمن - كان يشتمل في ذلك الدور على عناصر نصرانية، وأنه كان ذا صلات بالمملكة الأفريقية النصرانية: الحبشة. وأهم من ذلك أمر وكد قليلا كما يلوح، وهو توسع العرق العربي نحو الشمال قبل الإسلام، وإقامة دويلات عربية تابعة للإمبراطوريتين ؛ الفارسية والبزنطية، على طول حدودهما.
كان القياصرة والأكاسرة من البراعة بحيث استخدموا بعض القبائل العربية الحضرية؛ ليجعلوا منها متراسا حيال غارات العرب البدويين أو الأعراب. ويروي المسعودي
14
أن عرب قبيلة تنوخ أول من جاء إلى سورية، وأنهم ذهبوا إلى الروم هنالك بعد أن اعتنقوا النصرانية، وأن القيصر عهد إليهم بالسلطان على جميع العرب من الحضر المقيمين بسورية، وتعقب قبيلة السليح قبيلة تنوخ، وتصير نصرانية أيضا، وتزاح بدورها من قبل الدولة الغسانية، التي داومت على الحكم في العرب نيابة عن الروم، وكان ملوك غسان يقيمون باليرموك وغيرها من الأماكن الواقعة بين غوطة دمشق والمحال المجاورة التابعة لهذه المدينة، وقد زالت هذه المملكة حين الفتح الإسلامي، واعتنق الإسلام فريق كبير من العرب.
अज्ञात पृष्ठ