وكان أسقف الرها، إيباس، قد درس في المدرسة، وساعد على نشر الإلحاد النسطوري، وقد تم لعمل الترجمة أكبر تشجيع من هذا الوجيه، فلهذا الأسقف وتلاميذه يعد السريان مدينين بالترجمات الأولى عن اليونانية لكتب ديودرس الطرسوسي وتيودور المبسوستي،
9
وكانت هذه فرصة لترجمة كتب أرسطو الكثيرة أيضا، وفسر إيباس نفسه بعضها، وترجم المدعو بروبوس، وشرح «العبارات» وأقساما أخرى من «المنطقيات» لأرسطو على ما يحتمل، وسنلقى مترجمين مشهورين من سريان النسطورية حتى العهد العربي.
ولم يقطع انهيار الرها، مثل عاصمة علمية، دراسة الآداب اليونانية عند السريان التابعين للفرقة القائلة بطبيعة واحدة في المسيح، غير أن الأديار كانت مركزا لهذه الدراسة منذ ذلك الحين. وكان بطريرك أنطاكية القائل بطبيعة واحدة في المسيح - فيلوكسانوس المنبجي - أحد من حرضوا الإمبراطور على تخريب مدرسة الفرس، وقد كان فيلسوفا ولاهوتيا معا. ويقال: إنه يجب أن يبحث في كتبه عن بواكير السكلاسية الأولى،
10
ووجد رجل آخر قائل بطبيعة واحدة للمسيح، وهو أسقف بيت أرشام سيميون، وقد عاش في أوائل القرن السادس، ولقب بالسفسطي الفارسي.
ولكن أطرف شخصية في هذه الفرقة من حيث النقطة التي تهمنا هي شخصية العالم سرجيس الرأس عيني، ويكاد جميع عمله يتألف من ترجمة كتب يونانية، ولا يتصف القس العلامة الأديب الطبيب سرجيس الرأس عيني بطبع يناسب سمو نبوغه، فهو يلام على فساد أخلاقه، ويظهر سلوكه السياسي مذبذبا مركبا من الدسائس، فمع أنه قائل بطبيعة واحدة في المسيح كان صديقا للأسقف النسطوري تيودور المروي، وقام ببعثة دبلمية
11
لدى البابا أغابه، وذلك من قبل بطريرك أنطاكية الأرثوذكسي، وقد أتى بالبابا إلى القسطنطينية، ومات معه في العام نفسه تقريبا؛ أي سنة 536، وقد تعلم اليونانية في الإسكندرية.
وكان سرجيس الرأس عيني بليغا لغويا، وكان الأول في هيئة الأطباء، وقد ترجم من اليونانية إلى السريانية كتبا في الفلسفة والطب، وترجم قسما من كتب جالينوس، وانتهت منه ترجمة لمقولات أرسطو والإيساغوجي لفرفريوس، ورسالة العالم التي نسبت إلى أرسطو، ورسالة في النفس، مختلفة كل الاختلاف عن رسالة لأرسطو تحمل عين العنوان. وأهدى سرجيس إلى صديقه تيودور المروي، الذي كان عاكفا مثله على الفلسفة المشائية، رسالة أصلية في المنطق. وألف حول «النفي والإثبات»، وحول «الجنس والنوع والفرد»، وحول «علل الكون وفق مبادئ أرسطو»، وتبارى العرب والسريان في الثناء عليه مثل مترجم، وكانوا على حق في هذا، كما رأى أحد العلماء المعاصرين: مسيو فكتور ريسل. فعند هذا العالم أنه يجب عد رسالة «العالم» من قبل سرجيس من بدائع فن المترجم؛ فقد ظهر من مقابلة المتون اليونانية وهذا الأثر كون سرجيس لم يعتمد على مخطوط واحد فقط، بل عول على عدة مخطوطات، عرف أن يدقق فيها تدقيقا انتقاديا.
अज्ञात पृष्ठ