8
الذي قد يكون عنه أفعال الحليم، فيوهم به أنه حليم، والبله الذي قد توجد عنه أفعال ذوي السمت، فيتوهم بذلك أنه ذو سمت.
ومثال ما يوهم به أنه نقيصة وليس بنقيصة، ما يعرض للكبير الهمة من أن يتجافى عن الأمور اليسيرة، فيظن به أنه يغلط وينخدع.
وقد ينبغي أن يكون المدح بحضرة الذين يحبون الممدوح، ومن المدح بالأشياء التي من خارج مدح الآباء وذكر مآثرهم، ومدح المرء بما تسمو إليه همته من المراتب، وإنما يكون المدح على الحقيقة بالأفعال التي تكون على المشيئة والاختيار.
وجودة البخت التي قيل إنها السعادة على ما يراه الجمهور، هي وسائر الأشياء الاتفاقية التي يمدح بها واحدة في الجنس، وليست هي والفضائل واحدة بالجنس، بل كما أن صلاح الحال جنس للفضيلة - أعني محيطا بها - كذلك ما يحدث بالاتفاق جنس يحيط بالسعادة، وهذان الجنسان يدخلان جميعا في باب المدح وباب المشورة.
ثم يختم التلخيص قائلا:
وينبغي أن يستعمل في المدح الأشياء التي يكون بها عظم الشيء وتنميته، وهو أن يخيل في الشيء أنه بالقوة أشياء كثيرة، وذلك إذا قيل إنه أول من فعل هذا، أو إنه وحده فعل هذا، أو إنه فعل في زمان يسير ما من شأنه أن يفعل في زمان كثير، فإن هذه كلها إنما تفيد عظم الفعل، والذين شأنهم أن يتشبهوا بالممدوحين الذين في الغاية، ويقيسوا أنفسهم معهم دائما، فقد ينبغي أن يشبهوا بأولئك، وأن يجروا مجراهم في المدح وإن لم يكونوا وصلوا مراتبهم، فإن فضائلهم في نمو دائم، ومقايسة الإنسان نفسه مع غيره لا تصح إلا من الرجل الفاضل. (3) ابن رشد الطبيب (3-1) الطب
تكلم غير واحد من مترجمي ابن رشد عن علومه ومشاركاته، فقالوا إنه كان طبيبا فقيها يرحل إلى فتواه في الطب كما يرحل إلى فتواه في أحكام الشريعة، وقد كان عمله في القضاء مقترنا بعمله في الطب عند أمراء الموحدين، ولم تكن الفلسفة ولا شك تستغرق كل وقته، ولكنها - ولا شك أيضا - كانت غالبة على تفكيره ملموسة في كثير من آرائه الطبية، وربما كانت آراء أرسطو - حيث عرض للكلام عن القلب والدماغ وعلاقتهما بالنفس الحية والعقل المجرد - أرجح عنده من كلام جالينوس، مع إحاطته بكل ما وصل إلى الأندلس باللغة العربية من كلام هذا الطبيب العظيم.
ومن أمثلة ذلك رأيه في مصدر الحركة من جسم الإنسان، فهو خلاصة مذهب أرسطو في وجود الله ووجود العالم؛ إذ كان أرسطو يقول عن الله إنه «المحرك الأول»، وإن حركة المادة لا بد أن تأتي من شيء غير مادي لا يتحرك، وإلا لزمت نسبة الحركة إلى مادة بعد مادة، والعقل لا يستقر إلى الدور والتسلسل في الأسباب الماضية.
وابن رشد يقول عن مصدر حركة الجسم في الصفحات الأولى من كتاب «الكليات»:
अज्ञात पृष्ठ