20

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

كان يمتنع عن كتابة مايوجب الورع ألا يكتبه، ويمتنع عن إرسال كتاب لعمه يرى أن الصلاح لا يوجبه، أو ليس رضا الله فيه خالصا، بل رضا السلطان هو المقصود الأول، كما رأيت في امتناعه عن توصيل كتاب عمه إلى الوالي، لتوصيل الأخبار إلى الخليفة، فكان ذلك الغلام هو الذي يطوي في نفسه سجايا ذلك الإمام.

اشتهر الغلام أحمد بين الأقران بالتقوى والعناية بعمله، والصبر والجد، واحتمال ما يكره، فلم يكن الغلام الذي تستغرقه ميعة الصبا، ورعونة الصبيان، بل كان الرجل الكامل، وإن كانت السن سن الصبيان، ولعل ذلك من فرط اعتماده على نفسه صغيراً، وإحساسه بالاستقلال النفسي منذ طفولته، ولقد استرعت هذه الصفات نظر العلماء الذين اتصل بهم في ذلك العقد، حتى لقد قال فيه الهيثم بن جميل: ((إن عاش هذا الفتى، فسيكون حجة على أهل زمانه))(١).

ويظهر أن هذه النبوءة قد تحققت، فقد عاش الفتى، حتى اكتملت رجولته، ووصل إلى السابعة والسبعين، وكان نورا لأهل زمانه، بعلمه، وخلقه وورعه، وصبره وقوة احتماله، واستهانته بالأذى في سبيل ما يعتقد.

١٩ - شب أحمد عن الطوق وكان يتجه إلى العلم، وجهته أسرته إليه، واستقام ذلك التوجيه مع نزوعه الخاص، وبذلك تلاقت ميوله مع الوجهة التي وجه إليها، وكانت بغداد فيها علوم الدين، واللغة، والرياضة، والفلسفة، والتصوف، وكل هذه الأشجار قطوفها دانية، فكان لابد أن يقتطف أحمد منها، وإن الذي يتفق مع النشأة الأولى هي علوم الدين لا ريب في ذلك، وما تمهد إليه، لذلك علم علوم اللغة باعتبارها طريق علوم الدين، كما كان الشأن في ذلك العصر، وكما هو المعقول في ذاته.

وإذا كان بين يديه أن يختار من علوم الشريعة، فهو إما أن يختار مسلك الفقهاء، وإما أن يختار أن يكون راويا من رواة الحديث، وحافظا من حفاظه، فقد ابتدأت الطريقتان تتميزان في عصره، وابتدأ العلمان ينفصلان، علم الفقه، واستخراج الفتاوى، والأقضية، وعلم الرواية، وتمييز الرواة، وإعداد المادة للفقهاء لتكون بين

(١) تاريخ الحافظ الذهبي في ترجمة أحمد بن حنبل.

19