19

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

العالم، من تنوع المسالك، وتعدد السبل، وتنازع المشارب، ومختلف العلوم، وقد اختارت أسرة أحمد له منذ صباه أن يكون رجل الدين الذي يتوافر له، يعكف عليه، ويتخذ له كل العلوم الممهدة له من علم باللغة، والحديث، والقرآن، ومآثر الصحابة والتابعين وأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، وسيرة أوليائه الأقربين الذين اختصوا بطول الصحبة، وفقه الدين، ولب اليقين، وقد اتفقت هذه التربية، أو هذا التوجيه، مع نزوعه النفسي، وما كانت تصبو إليه همته من غايات، لقد وجهته أسرته إلى القرآن الكريم منذ نشأته الأولى، فاستحفظه، وظهرت عليه الألمعية مع الأمانة والتقى، فكان الغلام التقي بين الغلمان، كما صار من بعد الشاب التقي، ثم الكهل الذي أبلى البلاء الأكبر في الإسلام، واحتمل المكاره في سبيل ما يعتقد، أو ما يراه تهجماً فيما ليس له به علم.

حتى إذا أتم حفظ القرآن، وعلم اللغة، اتجه إلى الديوان ليمرن على التحرير والكتابة، ولقد قال في ذلك: ((كنت وأنا غليم أختلف إلى الكتاب، ثم اختلفت إلى الديوان، وأنا ابن أربع عشرة سنة)).

وكان وهو صبي محل ثقة الذين يعرفونه من الرجال والنساء، حتى إنه ليروى أن الرشيد، وهو بالرقة مع جنده، كان أولئك الجند يكتبون إلى نسائهم بأحوالهم، فلا يجد النساء اللاتي يعرفن أحمد غيره يقرأ لهن ما كتب به إليهن، ويكتب لهن الردود، ولا يكتب ما يراه منكراً من القول.

ولقد كان نجبه واستقامته أثرين ملاحظين لكل أترابه، وآبائهم، يتخذه الآباء قدوة لأبنائهم، حتى لقد قال بعض الآباء: ((أنا أنفق على ولدي وأجلبهم بالمؤدبين، على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم!! انظروا كيف، وجعل يعجب من أدبه، وحسن طريقته (١))).

١٨ - إذا كان الطفل الصغير، هو سر الرجل الكبير، والنواة الصغيرة في مطويها الشجرة الكبيرة، فكذلك كان ذلك الغلام اليتيم أحمد بن محمد بن حنبل، الذى

(١) المناقب لابن الجوزي ص ٢١

18