وقد سمعنا عن الصفات الإلهية، والصفات الملكية، والصفات الشيطانية، والصفات الإنسانية، والصفات البهيمية، والصفات السبعية، فمن لم يفهم هذه العناوين بمدلولاتها الحية فما هو بفاهم شيئا من فوارق الأخلاق يشرحها له ألف عالم، ويسجلها له ألف كتاب.
ولمن شاء أن يرفع هذه الكلمات ويضع في مواضعها كلمات الاصطلاح اللغوي أو الفلسفي من قبيل الأخلاق المثالية، والأخلاق الاجتماعية، والأخلاق النفعية، وأخلاق التقدميين، وأخلاق المحافظين، وما أشبه هذه الكلمات والمصطلحات؛ فإنه لا يحس منها إلا أنها بطاقات معلقة على واجهات أو شواخص لا نبض فيها ولا دم ولا حراك.
ولكنه لأول وهلة يسمع الصفات الإلهية فيفهم أنها أعلى الصفات، ويحس أنه يرتفع بالاتجاه إليها والرجاء فيها إلى أعلى عليين، ويستشرف لها بقلبه، ويتفتح لها بمغاليق سريرته، ويعرفها حقيقة حية، ولا يكون قصاراه من معرفتها أنها مادة في معجم، أو عنوان على مذهب، أو إشارة مرور إلى حيث يسير أو لا يسير.
ولأول وهلة يسمع الصفات الملكية أو صفات الملائكة فيفهم أنها الطيبة والطهارة، والحب والسلامة، ويقابلها في الوقت نفسه بالحنين إليها؛ لسلامتها ووداعتها والعطف عليها؛ لخفاء الشر عليها، واحتجاب أساليب الكيد والخداع عنها.
ولأول وهلة يسمع الصفات الإنسانية فيعرف منها ما يناقض البهيمية والسبعية، ويقابل الإلهية والملكية، ويعرف في الوقت نفسه أن الإنسان قابل للطموح إلى ما يعلو عليه، والهبوط إلى ما ينحدر دونه من صفات الكائنات جمعاء.
ولأول وهلة يسمع الصفات الشيطانية فيفهم أنه في موقف احتراس وحذر، وإن لم يخل من تطلع في أحيان، ومن إعجاب في أحيان أخرى، ولا يضطر إلى مراجعة اللغة أو مراجعة الحكمة ليفهم ما يحذره من الشيطان، وما يستقبله منه بالفكر أو الوجدان؛ فإن هذه الكلمة تقع في موقعها عنده كأنها نقلت إليه الشيء نفسه محسوسا ملموسا، معقولا مدروسا، ولم تنقله منه بإشارة أو عنوان.
وقس على ذلك ما يفهمه من كلمات الصفات البهيمية أو الصفات السبعية، فإنها كذلك تنقل إليه أشياء وأحياء، ولا تنقل إليه حروفا وكلمات.
إن خالق الكون لم يرد بإعطاء الناس حياتهم أن يعطيهم قاموسا أو موسوعة من العناوين والمصطلحات، ففي وسعهم هم أن يعطوا أنفسهم هذه القواميس، وقد أعطوا أنفسهم هذه القواميس فعلا، فإذا هي أكثر الأشياء اختلافا بين قبيل وقبيل، وبين أمة وأمة، وإذا هي برج بابل يمتد على كرة الأرض ولا يزال أبدا في حاجة إلى ترجمان.
ولو كانت هذه المدلولات في اللغات هي الحقائق المقصودة لما كان للمدلول الواحد ألف كلمة في كل لسان.
ولكن هذا النوع الإنساني تلقى وجوده من خالقه حياة تجيش في ضمائره وفيما حوله بالحقائق الحية كائنا ما كانت أصداؤها في عالم الحروف والرموز والإشارات والكلمات والطلاسم، أو في «الهيروغليفية الكونية» على الإجمال.
अज्ञात पृष्ठ