बुद्धिजीवियों की चिंताएँ

ज़ाकी नजीब महमूद d. 1414 AH
41

बुद्धिजीवियों की चिंताएँ

هموم المثقفين

शैलियों

ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها

وعند هذه اللحظة تحدث النقلة فجأة:

كذبت ثمود ...

إلخ، فكان السؤال الذي طرحه الشاب، وطرحه الرجل الناضج من بعده، سؤالا يريد أن يفهم الرابطة بين آيات القسم في مرحلتيها السابقتين، وتكذيب ثمود الذي استدعى من رسول الله أن يوجه إليهم نذيره، ثم دارت دورة السنين مرحلة أخرى، فإذا الرابطة المقنعة تتجلى أمام الشيخ المتأمل ، وقد كان يمكن لها أن تتجلى قبل ذلك لو أنه أمعن النظر في تفصيلات الموقف، ووقع فيه على الحقيقة المفتاح.

وتلك الحقيقة المفتاح هي أن قبائل ثمود عرفت ببراعتها في فن النحت، تنحت الصخر بيوتا وتماثيل وما شاءت لها موهبتها الفنية أن «تبدعه»، كان الوادي الذي يسكنونه (فيما هو الآن حدود الأردن مع الجزيرة العربية) صخري القاع والجدران، فأغرى أهله بأن يتخذوا من فن النحت متعة ومورد كسب في آن معا؛ إذ كانوا يبيعون التماثيل (أو الأصنام إذا شئت) للمسافرين من الجزيرة العربية إلى الشام أو من الشام إلى الجزيرة العربية.

فلما أرسل إليهم «صالح» عليه السلام، كانت معجزته من جنس ما برعوا فيه - وهو الشأن في معجزات الأنبياء جميعا؟ فإذا كانت براعتهم أن يقدوا من الصخر تماثيل تحاكي الأحياء، فليخرج لهم رسول الله من الصخر ذاته كائنا حيا، هو الناقة التي انشق عنها الصخر فخرجت لهم كاملة التكوين نابضة الحياة، لم يلدها أبوان، ولم تتدرج في النماء، فبهت القوم لما يرون ماثلا أمام أبصارهم، إنها ناقة الله.

وتريد ناقة الله أن تشرب كما يشرب سائر الأحياء، ويطالب لها رسول الله صالح عليه السلام بالسقيا، فلم يكن من جماعة ثمود إلا أن تشعر بالهزيمة، وكان أقسى جوانب هزيمتهم هو شعورهم بالنكبة في موضوع اعتزازهم وفخرهم، ألا وهو إخراج الكائنات المنحوتة من صم الجلاميد، فأين يكون كل ما أخرجوه من تماثيل إذا قيس إلى هذه الآية المعجزة تنبثق من جوف الصخور؟ لكن العزة قد أخذتهم بالإثم، فكذبوا الرسول فيما تشهده الأبصار، وعقروا الناقة غيظا،

فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها .

وضحت لي الرابطة التي كنت أبحث عنها في سورة الشمس؛ فالعقل عند تلاوتها ينتقل انتقالا مسلسلا جميلا، من مشاهد الكون الفسيح إلى دخيلة النفس الإنسانية المنطوية على فطرة محايدة، تتشكل فجورا عند الفاجر وتقوى عند التقي، ثم ينتقل العقل من هذه النفس في جملتها إلى مجال إبداعها الفني، هكذا يكون التسلسل: الكون، فالإنسان مجتزأ من ذلك الكون، فالفن مجتزأ من ذلك الإنسان .

وعند انتقال الذهن - في مجال الفن - من المنحوتات الصخرية التي كانت تبدعها ثمود إلى الناقة المعجزة التي انشق عنها الصخر فكأنما تضيء له ومضة من الإلهام بأن الفن كله إما أن يكون من أجل الحياة وإما ألا يكون، وكيف يكون الفن من أجل الحياة؟ إن الإنسان يريد أن يحيا حياته طولا وعرضا وعمقا ما استطاع سبيلا، فإما أن يحياها طولا فذلك قد يكون مرهونا - من جانب الإنسان - بنتاج العلوم الخاصة بالتغذية والصحة والطب وما إليها، وإما أن يحياها بالعرض فمتوقف على اتساع الدائرة التي يجول فيها فيزداد خبرة بالأرض والسماء وما بينهما، وإما أن يحيا حياته عمقا فها هنا تأتي الفلسفة ويأتي الفن؛ لأن نتاج العلم في الحالة الأولى واتساع الخبرة في الحالة الثانية، إنما يأتيان إلينا متفرقات مجزأة لا رابطة بينها، إننا عندئذ نكون كمن يصادف أفرادا من الناس هنا وهناك دون أن يعلم أنهم أبناء أسرة واحدة حتى إذا ما عرف عنهم هذه الرابطة كان كمن يراهم رؤية أوضح، وهكذا تفعل الفلسفة بمتفرقات المعرفة تحاول أن تكشف عن الرباط الذي يجمعها عند نقطة التقاء واحدة. وأما الفن فأمره عجب لأنه هو الذي يكشف لك عما وراء الأقنعة التي تستر عنك حقائق الناس وطبائع الأشياء؛ فمن ذا الذي كشف عن العلاقة الدفينة بين الولد والوالدين إلا سوفوكليز في أوديب؟ من ذا الذي كشف عن حقيقة الازدواج الوجداني بين البنات وأبيهن إلا شكسبير في الملك لير؟ من ذا الذي كشف الستار عن دخيلة البخلاء إلا الجاحظ؟ من ذا الذي جسد تطلع الإنسان إلى الخلود أروع مما جسده الفنان المصري القديم؟

अज्ञात पृष्ठ