قال: «ماذا تفعلون هنا أيها الأولاد؟»
لم يكن ثمة الكثير من الشك حول ما كنا نفعله. لم يجبه أحد.
فزأر فجأة: «سأعلمكم كيف تصطادون في بركتي!» ثم انقض علينا ضاربا إيانا في كل اتجاه.
تفرقت مجموعة اليد السوداء وهربت. تركنا كل القصبات خلفنا وكذلك السمكة. وطاردنا العجوز بروير عبر المروج، وكانت ساقاه متيبستين ولم يستطع الحركة بسرعة، ولكنه كان قد ضربنا ضربا عنيفا قبل أن نغيب عن ناظره. تركناه في منتصف الحقل وهو يصرخ فينا بأنه يعلم أسماءنا جميعا وسيخبر آباءنا. كنت في الخلف وتلقيت معظم الضربات؛ فظهرت علي بعض آثار الضرب الحمراء الكريهة في سمانتي ساقي عندما وصلنا إلى الجانب الآخر من السياج.
قضيت ما تبقى من اليوم مع المجموعة. ولم يكونوا قد حسموا أمرهم بشأن ما إذا كنت قد أصبحت عضوا بعد، ولكنهم كانوا يعاملونني جيدا في ذلك الوقت. كان على صبي مصنع الجعة العودة إلى العمل، حيث كان متغيبا عنه في الصباح بحجة كاذبة أو أخرى. أما بقيتنا، فقد ذهبنا للسير طويلا بتسكع وتعال، في ذلك النوع من جولات السير التي يذهب فيها الأولاد عندما يكونون بعيدا عن المنزل ليوم كامل، وخاصة عندما يتغيبون دون إذن. كانت هذه أول جولة سير حقيقية خاصة بالأولاد، وهي مختلفة اختلافا كبيرا عن جولات السير التي كنت أذهب فيها أنا وأخي مع كيتي سيمونز. تناولنا الطعام في أحد خنادق المياه الجافة في طرف البلدة، الذي كان مليئا بالعلب المعدنية الصدئة ونبات الشمر البري. أعطاني الآخرون بعضا من طعامهم، وكان مع سيد لوفجروف بنس، فاشترى أحدهم به مشروب بيني مونيستير الذي تقاسمناه معا.
كان الطقس شديد الحرارة، وكانت رائحة الشمر نفاذة للغاية، والغازات الموجودة في مشروب بيني مونيستير جعلتنا نتجشأ. بعد ذلك قمنا للتجول على الطريق الأبيض المغبر إلى أبر بينفيلد؛ كانت تلك هي المرة الأولى التي أسلك فيها ذلك الطريق، على ما أعتقد، وإلى غابة أشجار الزان المفروشة بأوراق الأشجار الميتة والجذوع الناعمة الضخمة التي تصل إلى السماء فتبدو الطيور على الفروع العلوية متناهية الصغر كالنقاط. كان يمكنك الذهاب إلى أي مكان تريده في الغابة في تلك الأيام. وكان منزل بينفيلد مغلقا، ولم يعد الناس به يربون طيور التدرج، وكان أقصى ما يمكنك أن تراه هناك هو سائق عربة يحمل بعض الأخشاب. كانت ثمة شجرة مقطوعة بالمنشار، وبدت حلقات جذعها كلوح تصويب، وقد صوبنا عليها بالحجارة. ثم صوب بعضنا على الطيور بالمراجم، وأقسم سيد لوفجروف إنه أصاب شرورا، وإنه قد ألصقه بشوكة في الشجرة، ولكن جو قال إنه يكذب، وتجادلا وكادا أن يتشاجرا. ثم نزلنا إلى تجويف طباشيري مليء بطبقات من أوراق الشجر الميتة، وأخذنا نصرخ لنسمع صدى صوتنا. صرخ واحد منا بكلمة بذيئة، فصرخنا جميعا بكل الكلمات البذيئة التي نعرفها، وسخروا مني لأنني لم أكن أعرف سوى ثلاث فقط. قال سيد لوفجروف إنه يعلم كيف يولد الأطفال، وإن الأمر مشابه تماما لما يحدث لدى الأرانب باستثناء أن الطفل يخرج من سرة المرأة. وأخذ هاري بارنز يحفر كلمته على جذع شجرة، ولكنه سئم من الأمر بعد أول حرفين. ثم درنا مقتربين من كوخ في منزل بينفيلد. قيل إنه في مكان ما في هذه الأنحاء كانت ثمة بركة بها أسماك ضخمة، ولكن لم يجرؤ أحد قط على الدخول لأن العجوز هودجز، ساكن الكوخ الذي كان بمنزلة الحارس، كان «يكره» الأولاد. كان يحرث حديقة خضراواته بالقرب من الكوخ عندما مررنا بالمكان. خاطبناه بوقاحة من وراء السور حتى طاردنا وأبعدنا، ثم نزلنا إلى شارع وولتن وخاطبنا سائقي العربات بوقاحة كذلك مع الاستمرار بالسير في الجانب الآخر من السياج حتى لا ينالونا بسياطهم. وبجوار شارع وولتن، كان ثمة مكان كان بالماضي مقلع حجارة ثم مكبا للقمامة، ثم في النهاية غمرته شجيرات توت العليق الأسود. وكانت به أكوام ضخمة من العلب المعدنية القديمة الصدئة، وإطارات الدراجات، والقدور ذات الثقوب، والزجاجات المحطمة، والأعشاب التي تنمو في كل مكان حول كل ذلك، وقد قضينا ما يربو على الساعة واتسخنا من رءوسنا إلى أخمص أقدامنا ونحن نبحث عن أعمدة الأسوار الحديدية؛ لأن هاري بارنز أقسم إن الحداد في لوير بينفيلد سيدفع ستة بنسات لمن يجيء له بقنطار من الحديد الخردة. ثم وجد جو عشا على إحدى شجيرات توت العليق الأسود لطائر سمنة ميت وكان به صغاره غير مكتملي الريش. وبعد مفاوضات طويلة حول ما نفعل بها، أخرجناها من العش وألقيناها بالحجارة، ثم دهسناها بأقدامنا في النهاية. وقد كان عددها أربعا، ودهس كل منا واحدا. كان قد اقترب موعد الشاي، وكنا نعلم أن العجوز بروير سيفي بكلمته وأن آباءنا في انتظارنا ليوسعونا ضربا، ولكننا قد اعتصرنا الجوع فلم نعد نستطيع التغيب عن المنزل أكثر من ذلك. عدنا أدراجنا أخيرا إلى المنزل، مع مشاجرة أخيرة في الطريق؛ حيث رأينا جرذا ونحن نمر على المزارع وطاردناه بالعصي، وأتى خلفنا العجوز بينيت مدير محطة السكك الحديدية - الذي يعمل في مزرعته كل ليلة وكان شديد الفخر بها - وكان في غضب شديد؛ لأننا خضنا بأرجلنا في الأرض التي كان يزرعها بصلا.
مشيت عشرة أميال ولم أتعب، وتبعت المجموعة طوال النهار وحاولت فعل كل شيء يفعلونه، وكانوا ينادونني ب «الطفل» ويوبخونني كلما سنحت الفرصة، ولكنني تمكنت بشكل أو بآخر من أن أفعل ما أردت. كان في داخلي شعور رائع، شعور لا يمكنك معرفة شيء عنه إلا إذا جربته، ولكن إذا كنت رجلا، فستشعر به عاجلا أم آجلا. علمت أنني لم أعد طفلا وأنني أصبحت صبيا. وإنه لمن الرائع أن يغدو المرء صبيا، حيث التجول في أماكن لا يمكن للكبار الإمساك بك فيها، ومطاردة الجرذان، وقتل الطيور، ورمي الحجارة، ومخاطبة سائقي العربات بوقاحة، والصياح بكلمات بذيئة. إنه شعور بالقوة والتفوق، وبمعرفة كل شيء ، والخوف من لا شيء، وكل ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا بكسر القواعد وقتل الكائنات الحية. الطرق المغبرة البيضاء، والشعور بالحرارة والعرق على الملابس، ورائحة الشمر والنعناع البري، والكلمات البذيئة، والرائحة الكريهة لمكب القمامة، ومذاق شراب الليمون الفوار الذي يجعل المرء يتجشأ، ودهس الطيور الصغيرة، والشعور بالسمكة وهي تشد الخيط؛ كل ذلك كان جزءا من هذا الشعور. حمدا لله أنني رجل؛ فالنساء لا يشعرن بذلك الشعور.
بالطبع طاف العجوز بروير على الجميع وأخبرهم بأمرنا. بدا أبي شديد العبوس، وأخذ حزاما من المتجر، وقال إنه «سيقتل جو ضربا»، ولكن جو قاوم وصاح ورفس، وفي النهاية لم يتمكن أبي من أن ينال منه إلا ببعض الضربات. ومع ذلك، ضربه مدير المدرسة بالعصا في اليوم التالي. حاولت المقاومة أيضا، ولكني كنت صغيرا لدرجة مكنت أمي من أن تضعني أسفل ركبتها وضربتني بالحزام. ومن ثم أكون بذلك قد ضربت ثلاث مرات في ذلك اليوم؛ مرة من جو، ومرة من العجوز بروير، ومرة من أمي. قررت المجموعة في اليوم التالي أنني لم أكن قد أصبحت عضوا بالفعل فيها بعد، وأنه يجب علي أن أخوض «الاختبار» (تلك الكلمة التي عرفوها من قصص الهنود الحمر). كانوا صارمين في إصرارهم على أن آخذ قضمة من الدودة قبل أن أبتلعها. علاوة على ذلك، ولأنني كنت الأصغر ولأنهم كانوا يشعرون بالغيرة مني لأنني الوحيد الذي تمكن من صيد شيء؛ فقد قالوا جميعا بعد ذلك إن السمكة التي اصطدتها لم تكن كبيرة. عادة عندما يتحدث الناس عن الأسماك، تبدو أكبر في كل مرة؛ ولكن سمكتي كانت تبدو أصغر فأصغر، حتى سمعتهم يقولون إنهم يخالونها لا تزيد حجما عن سمكة المنوة.
ولكن الأمر لم يعنني؛ فقد ذهبت للصيد، ورأيت الفلينة تغطس في الماء وشعرت بالسمكة تشد الخيط، ومهما قالوا من أكاذيب فلم يتمكنوا من أن يسلبوني ذلك الشعور.
4
अज्ञात पृष्ठ