حين وصلت الشركة كان وجهها مثل سمكة مشوية، خداها عظامهما متفحمة، فوق رأسها تحت قاع البرميل حفرة عميقة، في مؤخرة عنقها ورم ينز سائلا أسود، جلبابها تعلوه البقع، والرائحة تفوح من العرق.
رمقها رئيسها في العمل من بين أطراف جفونه المغلقة. - عليك بارتداء ثوب نظيف، وضعي بعض العطر تحت الإبط. - نعم ... - حان وقت وصول جلالته ولا نريد أن نؤذي أنف جلالته، أليس كذلك؟
لم تكن عضلات لسانها تطاوعها للرد، وخرج صوتها مكتوما. - في ليلة ... العيد ... طلع ... البدر ...
تذكرت أغنية في الطفولة، كانت تغنيها مع البنات في المدرسة، حين كان يصل الرئيس، ويغنين في نفس واحد: طلع البدر علينا، ومن خلفه تقبل حرم الرئيس ترتدي دوائر من الضوء حول العنق واليدين والرجلين، من خلفها النسوة يتسابقن فوق الكعوب الرفيعة، ينكفئن على وجوههن وأردافهن تهتز من الخلف. - طلع البدر علينا ...
لم تكن تعرف لماذا ينثني عنقها ويلتوي إلى الداخل، بدا لو كانت تنحني لأداء التحية، تخفي الورم البارز بين طيات العنق، تمسح الجلد بكفها تمحو البقع السوداء. - لماذا كانت تشعر بكل هذا الخزي؟
كانت تظن أنها ضحية العيد، وعليها أن تخفي أثر الدم بعد الذبح، كان يمكن لها أن تواجه الخزي، لولا الرجل، أجل، لولاه ربما استطاعت أن تنجو، وماذا بعد أن تنجو؟!
خطر لها السؤال فجأة، ولم تعرف ماذا تفعل لو قدر لها أن تنجو. - سأكتب قصة حياتي.
سمعت الرجل يضحك بصوت كالسعال، كان منثنيا فوق البرميل يملؤه، فارتج البرميل بالصوت، سمعت القرقعة داخل بطنه الممتلئ فأدركت أنه النفط أيضا يضحك. - أتفكرين في الكتابة حقا؟! - أعني، في غير أوقات العمل، قد يهبط الوحي. - الوحي؟ - أجل قد يهبط الوحي أحيانا على راعي بقر أو دودة نفط. - هذا النفط يتغلب على أي وحي وإن هبط من السماء. - قد يختلف الأمر، حين يأتي الوحي من بطن الأرض. - ماذا تقصدين يا مره؟!
لم يكن عقلها قادرا على الرد، وبدا الحوار بلا معنى، السخونة في رأسها تشتد، والوجع في مؤخرة الدماغ كالمطرقة يدق، حشدت المنديل وعقدته فوق جبينها، لم تعرف من أي حفرة في رأسها خرجت فكرة الكتابة.
كان الوحي ينزل دون حاجة إلى كتابة أو قراءة، يرفع صاحب الجلالة عينيه إلى أعلى فإذا بالوحي يهبط من السماء كالمطر، يعبئونه في الزجاجات، وفي العيد يصرفونه من المنحة، يحصل الرجل على زجاجة كاملة لنفسه، ولامرأته النصف، لم يكن للمرأة أن تتسلم نصيبها بنفسها، ولا بد من زوج ينوب عنها أو وكيل آخر. - خداع الذات لا يفيد شيئا يا مره، ثم إن مثل هذه الأوهام لا جدوى منها. - ماذا تعني؟ - الكتابة مثلا ليست إلا نوعا من الوهم، وإذا كان صاحب الجلالة لا يكتب ولا يقرأ، وجميع الأنبياء، لم يكونوا في حاجة إلى الكتابة أو القراءة، ثم ما هو الفارق بين حمل القلم وحمل البرميل؟! هيا انطقي! ولا تكوني غبية!
अज्ञात पृष्ठ