غير أن هناك من يرى أن الفيضانات تعجز عن إطفاء أوار الحب! «إن المياه الغزيرة لا تستطيع أن تطفئ ظمأ الحب، كما أن الفيضان لا يقدر أن يغرقه.»
أما «برتون»، فلكي يدلل على قوة الحب يقول: «لكي تستطيع فهم مدى قوة الحب ووضوح نوره، ضع شمعة تحت ضوء الشمس.»
ويحدثنا «بيكنسفيلد» عن الحب وقوته فيقول: «إن كل حياتنا، بما فيها من ضرورات وعادات، لتتلاشى أمام الحب. إن الطعام والنوم اللذين - في الظاهر - يتقاسمان كياننا كما يتقاسم الليل والنهار الزمان فيما بينهما، يفقدان تأثيرهما على العاشق الولهان. المحب كائن روحاني يصلح فقط أن يعيش على طعام الآلهة الذي يحفظ المرء شابا كل أيام حياته، وأن ينام في فردوس يصوره له الخيال. لا تمسه هموم الحياة، ولا تكون أكثر حوادثها اضطرابا وشغبا في نظره سوى حوادث الأيام المنصرمة، وتكون كل ثروة العالم من غير حبيبة بؤسا، وفي وجود المعشوقة تصبح جميع مصائب الدهر حلما زائلا. إن الثورات والزلازل وانقلاب الحكومات وسقوط الإمبراطوريات ليست في نظر العاشق غير ألعاب صبيانية تشمئز منها نفس الرجل الشهم. إن الرجال ليعشقون في زمن الطاعون وينسون الوباء وخطره، ولو أنه يفتك بالعباد حولهم؛ لأنهم يعيشون في حياة مسحورة، كلها غبطة وسرور، ولا يفكرون في الفناء حتى يمس معبودهم، وحينئذ يموتون دون أن يتجرعوا كأس المنون وغمراته، كما يموت المتعصبون من أجل دينهم المضطهد.»
ولبيكنسفيلد هذا برهان آخر على قوة الحب فيذكر: «يؤثر تهكم الناس أكثر مما يؤثر تضرع الأب، ودمعة الأم قد لا تصادف غير الاستخفاف، أما زفرة الحبيبة فقد أحدثت تغييرا عظيما حتى في أشد الناس عنادا.»
أما قوة الحب فيعبر عنها «مارتن» في قوله الموجز: «الحب .. يا له من مجلد في كلمة! وأوقيانوس في دمعة، وسماء سابعة في نظرة، وعاصفة في زفرة، وألف عام في لحظة.»
وعن الحب يقول ابن حزم الذي عرف الدنيا وخبر الناس: «لقد وطئت بساط الخلفاء، وشاهدت محاضر الملوك، فما رأيت هيبة تعدل هيبة محب لمحبوبه، ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤساء وتحكم الوزراء وانبساط مديري الدول، فما رأيت أشد تبجحا ولا أعظم سرورا بما هو فيه من محب أيقن أن قلب محبوبه عنده، ووثق بميله إليه، وصحت مودته له. وحضرت مقام المعتذرين بين أيدي السلاطين، ومواقف المتهمين بعظيم الذنوب، والمتمردين الطاغين، فما رأيت أذل من موقف محب هيمان بين يدي محبوب غضبان، قد غمره السخط، وغلب عليه الجفاء ، ولقد امتحنت الأمرين وكنت في الحال الأول أشد من الحديد، وأنفذ من السيف، لا أجيب إلى الدنية، ولا أساعد على الخضوع، وفي الثانية أذل من الرداء، وألين من القطن، أبادر إلى أقصى غايات التذلل لو نفع، وأغتنم فرصة الخضوع لو نجع، وأتحلل بلساني وأغوص على دقائق المعاني ببياني، وأفنن القول فنونا، وأتصدى لكل ما يوجب الترضي.»
لا جدال إذن في أن الحب كما يقول جبران خليل جبران: «عزم يلازم كياننا، ويصل حاضرنا بماضي الأجيال ومستقبلها، وأنه قوة تبتدع قلوبنا، وقلوبنا لا تقدر أن تبتدعها.»
ولا سبيل إلى نكران قوة الحب؛ إذ رأينا كيف أنه يشجع على إتيان الأعمال العظيمة، ويرقي قوة طبيعتنا المبدعة.
لقد نجح قليل من عظماء العالم ونبغوا، ولكنهم لم يعترفوا بالفوائد الجمة التي استفادوها في فاتحة حياتهم العملية من روح المرأة وعطفها.
فكم من منصب رسمي في الوزارة لم يكن في المقدور الوصول إليه لولا روح المرأة الواثقة، وحبها القوي.
अज्ञात पृष्ठ