140

عندما يظهر الزحام عاليا من (مواقع) النجوم

وتتجلى الحياة الرحبة الممتدة أغنى بالروح.

لم يعد الشاعر يعاني أو يتألم، بل هو الآن يشاهد ويتأمل من غربته البعيدة الهادئة. أصبحت عينه مرآة محايدة، وكل ما ينعكس عليها مظهر من مظاهر الوجود الكبير، وجزء من الدائرة التامة الشاملة. الطبيعة صارت أشبه بمسرح هائل، من ورائه الكواليس، ومن أمامه ستارة الغيب المجهول.

هلدرلين في الثانية والسبعين من عمره (من رسم لويزه كيلر).

وعلى الرغم من هذا السكون الشامل الذي خيم عليه فأطفأ سراج ذاته، وظلل كل أشعاره في هذه السنوات البائسة بالطمأنينة والرضا والسكون،تفاجئنا قصيدة واحدة انتفضت فيها الذات ونبشت جراح ماضيها وحاولت أن تستعيد أحلى ذكرياتها مع الحبيبة الغائبة تحت التراب. والقصيدة مكتوبة على لسان «ديوتيما» التي يبعث إلى نفسه رسالة على لسانها، وكأنما اتحدت ذاته بذاتها فصارا كيانا واحدا يتحدى المكان الغادر والزمن الظالم. وفي القصيدة عذوبة لا نظير لها، وفيها كذلك يأس لا نظير له. ولكنه اليأس الذي ارتفع فوق السخط والمرارة. لنقرأ القصيدة معا، فهي درة نادرة في كنز الشاعر، وجوهرة غالية بين نفائس شبابه وشيخوخته:

إن كنت لا تزال تعرفني من مسافة البعد

التي فرقت بيننا، وإن كان الماضي - أنت يا شريك أحزاني! -

لا يزال يحمل إليك بعض الخير

5

فأخبرني إذن، كيف تنتظرك الحبيبة،

अज्ञात पृष्ठ