مقدمة
شكر وتقدير
1 - الباحث والمتعبد
2 - الوحي ونقل المعرفة
3 - فهم الذات
4 - الأبطال المقدسون: التقليد الملحمي
5 - الوجود الإلهي
6 - الهندوسية والاستعمار والحداثة
7 - تحديات تواجهها الهندوسية: النساء والمنبوذون
8 - عبور المياه السوداء: الهندوسية خارج الهند
9 - الدارما والهندوسية وصور الهندوسية المتعددة
ملحق
الخط الزمني للهندوسية
مسرد المصطلحات
قراءات إضافية
مراجع
مصادر الصور
مقدمة
شكر وتقدير
1 - الباحث والمتعبد
2 - الوحي ونقل المعرفة
3 - فهم الذات
4 - الأبطال المقدسون: التقليد الملحمي
5 - الوجود الإلهي
6 - الهندوسية والاستعمار والحداثة
7 - تحديات تواجهها الهندوسية: النساء والمنبوذون
8 - عبور المياه السوداء: الهندوسية خارج الهند
9 - الدارما والهندوسية وصور الهندوسية المتعددة
ملحق
الخط الزمني للهندوسية
مسرد المصطلحات
قراءات إضافية
مراجع
مصادر الصور
الهندوسية
الهندوسية
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
كيم نوت
ترجمة
أميرة علي عبد الصادق
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
مقدمة
تنتشر آلهة الهندوس، سواء الذكور منها والإناث، في كل مكان بالهند؛ فتجدها مختفية داخل معابد خلابة ومزارات صغيرة على جانب الطريق، وتجدها أيضا مرسومة في نقوش حجرية متداخلة، كما تنتشر صورها في الإعلانات التجارية والتقويمات المطبوعة ولافتات الإعلان عن الأفلام، وتوجد أيضا على أكشاك البيع وواجهات المتاجر على شكل حلي ومنحوتات صغيرة. إنها منسوجة في نسيج الحياة في القرى والمدن الهندية، ويمكن العثور عليها اليوم أيضا في المجتمعات الهندوسية من جزر الكاريبي إلى أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة، ومن جنوب أفريقيا إلى تايلاند. تلك الآلهة تحظى بإعجاب الجميع، والأماكن العديدة التي تظهر بها وتعدد الأشكال التي تتخذها؛ دليل على تنوع وثراء الثقافة الهندوسية.
لكن الهندوسية تتجاوز نطاق الثقافة لتصل إلى نطاقات أخرى، مثل التركيب الاجتماعي والحياة الاجتماعية للهندوس، والقضايا الأخلاقية، والقضايا السياسية المتعلقة بالمساواة والنزعة القومية. تؤثر الهندوسية المعاصرة بما تحتويه من قصص وتعاليم وطقوس قديمة في العديد من جوانب حياة الهنود داخل شبه القارة الهندية وفيما وراءها حتى إننا بدأنا نتساءل عن كيفية تعريفها. فهل من المناسب أن نطلق عليها «ديانة»؟ هل هي شبيهة بالمسيحية أو الإسلام؟ فيم تختلف عنهما؟ وهل تتعارض في الواقع مع أفكارنا عن طبيعة الأديان؟
يأخذنا هذا الكتاب الذي يعد مقدمة عن الهندوسية إلى التفكير في تلك الموضوعات، وسوف نبدأ بطرح سؤال عن كيفية تأثير منطلقات مختلفة في طريقة فهمنا واستيعابنا للهندوسية. على سبيل المثال، ما مدى اختلاف دوافع واستنتاجات أتباع الهندوسية وعلمائها عن دوافع واستنتاجات الباحثين؟ في الفصول التالية، سوف نتعرف على الأهمية التي يوليها الهندوس للتقاليد التي تتضمنها نصوصهم الدينية، ولوحيها المبكر لهم، وعمليات التوارث اللاحقة لها من جيل إلى جيل على أيدي الكهنة والمعلمين الروحانيين ورواة القصص.
أحد الأسئلة المهمة التي فكر فيها الهندوس وتناقلوها عبر قرون عديدة هو «من أكون؟» أو بعبارة أخرى: «ما الذات؟» بحث الفلاسفة في طبيعة الذات وعلاقتها بالإله والعالم، وهل تبقى بعد الممات أم لا؟ وكيف تؤثر أفعالنا فيها؟ ولا تزال هذه القضايا مطروحة اليوم. في الفصل الثالث من هذا الكتاب، سوف نتناول كيفية مناقشة تلك الأسئلة في العصور الأولى، وسوف نتطرق أيضا إلى أهميتها في الوقت الحالي.
في الفصلين التاليين، سوف نتعرف على مجموعة مختلفة من الآلهة الهندوس، سواء الذكور منها والإناث، والقصص المروية عنها، والطريقة التي تصور بها في المنحوتات والصور، وأشكال العبادات التي يتقرب بها إليها. سنتحدث عن راما وسيتا ودورجا وجانيشا وفيشنو وشيفا وكريشنا، وسنتطرق أيضا إلى كيفية فهم الهندوس لما هو إلهي؛ هل يعبدون عدة آلهة في آن واحد، أم إن كل هذه الآلهة هي صور مختلفة لذات إلهية واحدة؟ هل من الوارد أن يكون هناك قدر من الحقيقة في هاتين الفكرتين؟
في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما احتك الأوروبيون لأول مرة بالأفكار الهندوسية بشأن ما هو إلهي، وبالطقوس والحياة الاجتماعية الهندوسية، أصابهم الذهول ووقعوا في حيرة من أمرهم، لقد رأوا كل شيء من خلال منظورهم الديني والثقافي، وقارنوا ذلك بخبراتهم، وكثيرا ما كانوا يخلصون إلى استنتاجات سلبية. في الفصل السادس، سنتطرق إلى علاقة الأوروبيين والأمريكيين بالهندوسية، وتأثير الاستعمار البريطاني على التطورات الدينية في الهند في القرون الأخيرة. منذ وقت مبكر، بدأ المصلحون الهندوس والحكام البريطانيون بالدعوة إلى المساواة والتغيير الاجتماعي، خاصة للنساء وللطوائف التي توصم بأنها «منبوذة» من جانب الطوائف الهندوسية الأعلى مكانة. أما في الفصل السابع، فسوف ننتقل إلى الحديث عن آراء النساء والجماعات المنبوذة - أو الداليت مثلما يطلق عليهم اليوم - ونناقش أوضاعهم داخل النظام الهندوسي.
إن هاتين الأقليتين الكبيرتين ليستا فقط هما ما تثيران أسئلة مهمة حول من يمكن أن نعتبره هندوسيا. فالهنود الذين خرجوا على التعاليم الهندوسية الأولى وعبروا «المياه السوداء» خرجوا عن الحدود المقدسة للهند. مع ذلك، ففي المجتمعات الهندية حول العالم، شيدت المعابد وانتشرت الحركات الهندوسية، وحدث تناقل للأفكار والطقوس الهندوسية، بل إن بعض جوانب الهندوسية قد درست للمهتمين من غير الهندوس؛ الأمر الذي يثير مسألة إن كانت الهندوسية ديانة مقصورة على من ولدوا في عائلات هندية وطوائف هندوسية، أم إنها الآن أصبحت دينا تبشيريا.
سيتم التطرق إلى هذا السؤال وغيره من الأسئلة حول هوية الهندوسية في الفصل الأخير من الكتاب؛ أهي دين واحد أم عدة أديان مختلفة يحدد كلا منها إقليم أو طائفة أو فرقة؟ وهل هي دين من الأساس؟ وهل تجعلنا نفكر في مسألة الدين بطرق جديدة؟ على الرغم من أنه يكاد يكون من المستحيل الإجابة عن كل هذه الأسئلة على نحو مرض، فإن التعرض لها بالنقاش يجعلنا نقدر مدى التعقيد والتنوع والديناميكية الاستثنائي الذي يتسم به كل ما يندرج تحت مصطلح الهندوسية.
شكر وتقدير
أود أن أتقدم بالشكر لكل من ساعدني في تأليف هذا الكتاب. إنني مدين لكل هؤلاء الذين تعلمت منهم شيئا عن الهندوسية: لمعلمي، وأصدقائي الهندوس وزملائي. لم يكن إدراج حواش سفلية موضحة ومفصلة مناسبا هنا، وفي ضوء غيابها فإنني أقر بالعرفان لهؤلاء الذين ساعدتني أعمالهم في شرح ووصف الهندوسية. وأتوجه بشكر خاص إلى طلابي الذين التحقوا بالمحاضرات التي ألقيتها عام 1997 عندما اختبرت أفكاري، وإلى طلبة الدراسات العليا الذين كانوا مصدر إلهام لي، وكل من أبدى على مدار سنوات عديدة اهتماما بالهندوسية وشجعني على تقديم نظرة عامة عنها بأسلوب بسيط يسهل عليهم استيعابه. فلولا كل هذا، ما كنت لأنجز هذا العمل.
أود أيضا أن أتقدم بالشكر لكل من ساعدني في إنتاج مخطوطة الكتاب ونشره: القراء لدى الناشر، وأخص بالذكر منهم جوليا ليزلي، على نصائحهم البناءة وتعليقاتهم المفيدة، وتامسين شيلتون على سرعتها ودقتها، وجورج ميللر وشيلي كوكس من مطبعة جامعة أكسفورد على الدعم والتوجيه طوال هذه الرحلة. استفدت أيضا كثيرا من اللطف والخيال والاهتمام بالتفاصيل الذي أبدته أسرتي وأصدقائي الذين قرءوا مسودة الكتاب، وأتوجه بشكر خاص إلى أمي كاي نوت، وزوجي جون موردوخ، وأورسولا كينج، وإلينور نيسبت، ورام كريشان براشار، وبوب جاكسون. أجريت مناقشات مفيدة مع أصدقاء آخرين وطلبة دراسات عليا في المراحل الأولى من وضع الكتاب، وأخص بالذكر منهم نيلابن بانكولي، وسيوا سينج كالسي، وجافين فلود، وجاكي هيرست، وسوباش شارما، وبوب إكسون، وبريتي تياجي، ودافني جرين. أود أن أعرب أيضا عن خالص تقديري للدعم الذي تلقيته من زملائي بجامعة ليدز، وعلى وجه الخصوص قسم علم اللاهوت والدراسات الدينية، لقد ساعدوني في الحفاظ على حماسي بشأن تأليف كتاب عبارة عن مقدمة قصيرة في وقت كانت للمقالات والدراسات البحثية قيمة أكاديمية أكبر. وقد مكنني الحصول على إجازة دراسية من إكمال هذا المشروع في الوقت المحدد له.
استمتعت كثيرا بكتابة هذا الكتاب، وأتوجه بالشكر للعاملين في مطبعة جامعة أكسفورد على منحي هذه الفرصة. لطالما تملكتني مشاعر الإعجاب والتقدير تجاه من يستطيعون عرض الموضوعات الصعبة على نحو مشوق وإتاحتها للآخرين دون المبالغة في تبسيط محتواها أو تشويه معناها، ولما كان هذا هو الهدف من وراء الكتاب، فإنني قد اعتبرته تحديا لا يمكن مقاومته. ومقدار توفيقي في تحقيق ذلك مع كتاب الهندوسية هو ما سيحدده قراء الكتاب.
أخيرا أعرب عن حبي وشكري لابنتي أنيتا التي كانت تعينني على قضاء أوقات راحة ممتعة ومرحة بعد انتهاء كل يوم عمل، ولولا تلك الأوقات، لما خرج الكتاب على هذا النحو.
خريطة 1: شبه القارة الهندية موضحة بها الأماكن الدينية.
الفصل الأول
الباحث والمتعبد
إذا ذهبت إلى مكتبة عامة أو متجر لبيع الكتب بنية العثور على كتاب حول الهندوسية، فإلى أي قسم ستتجه؟ هل إلى قسم «علم الاجتماع» من أجل الكتب التي تتناول النظام الاجتماعي للهندوس؟ أم إلى قسم «الفن والعمارة» حتى تتعرف على المعابد والنقوش واللوحات المدهشة التي تجسد الميثولوجيا الهندوسية؟ أم إلى قسم «اللغات» حيث الكتب التي تتحدث عن اللغة السنسكريتية وغيرها من اللغات الهندية؟ أم إلى قسم «الأنثروبولوجيا» حيث المعلومات عن الهند الريفية ومجتمعها وثقافتها؟ مع أنك سوف تجد في الأغلب مصادر قيمة في هذه الأقسام، فإنك قد تتجه إلى قسم «الأديان»؛ لأن الهندوسية في الدول الغربية تعتبر دينا مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية.
أحد الموضوعات الرئيسية التي سيتم تناولها في هذه المقدمة القصيرة هو مدى صحة هذا الزعم. هل الهندوسية دين كباقي الأديان؟ وما السمات الرئيسية التي تميزها؟ في كل فصل من الفصول التالية، إلى جانب التطرق لموضوع محدد، سوف أتطرق أيضا إلى ما يمكن أن يخبرنا به هذا الموضوع عن طبيعة الهندوسية، التي هي دين الهندوس. على سبيل المثال، في الفصل التالي، سوف نتطرق إلى مدى أهمية مجموعة من النصوص الدينية المعروفة باسم «فيدا» وثقافة البرهميين - طائفة الكهنة - بالنسبة إلى الهندوسية. (ثمة مسرد مصطلحات في نهاية الكتاب يضم معاني أهم المصطلحات الهندوسية.) وفي الفصل قبل الأخير، سوف ننظر في إمكانية ازدهار الهندوسية خارج الهند، وإمكانية اختيار شخص ما ليكون هندوسيا. هل الهندوسية دين يمكن أن يعتنقه أي شخص؟ أم إنه مقصور على هؤلاء الذين ولدوا في عائلات هندوسية؟
في الفصل الأخير، سوف أعود مجددا إلى الحديث عن طبيعة الهندوسية وتعريفها، وعلى وجه التحديد مسألة الوحدة والتنوع. يشير لفظ «الهندوسية» إلى نظام موحد، وبعض الدراسات الحديثة من جانب الهندوس وغير الهندوس يصفها على هذا النحو. رغم ذلك، يقول آخرون إن الهندوسية لها صور متعددة، هناك أوجه تلاق متعددة فيما بينها، غير أنها تختلف في نواح مهمة. فهل يمكننا البت في صحة هذين القولين، وتقديم تعريف جامع مانع للهندوسية؟ حتى الفصل الأخير من الكتاب، سوف أتبع الاستخدام المتعارف عليه وأشير إلى الهندوسية بوجه عام. (1) النظر للهندوسية من زاويتين مختلفتين
عودة إلى النقطة التي يرتكز حولها هذا الفصل، سوف أبدأ بطرح سؤال منهجي ذي صلة. والسؤال المنهجي هو الذي يسأل عن «كيفية» فعل شيء ما؛ في هذه الحالة، كيف يدرس الناس الهندوسية، وسؤالي هو: «هل من يعتنقون الهندوسية يرونها بالطريقة نفسها التي يراها بها الباحثون فيها؟» لتبسيط الأمور، سأشير إلى هاتين المجموعتين باسم «المتعبدين» و«الباحثين»، رغم أنه سيتضح لنا لاحقا أن الصورة أكثر تعقيدا مما يوحي به هذا التمييز.
ما الذي يجعلنا ندرس هاتين الزاويتين المختلفتين الخاصتين بالمتعبدين والباحثين؟ هناك سببان لذلك؛ الأول: أنه كي تختار بين الكتب المتعددة المتاحة في قسم «الأديان» في المكتبة العامة أو متجر بيع الكتب، من المفيد أن تفهم أوجه الاختلاف بين ما يكتبه الباحثون والمتعبدون. فعادة ما يختلف المقصد من وراء الكتابة لدى المجموعتين، ويختلف جمهور القراء أيضا؛ فالباحثون قد يكون مقصدهم الرئيسي التثقيف، أما المتعبدون فيكون مقصدهم الحث على الارتقاء الروحاني. يقف السبب الثاني وراء تأليف كتابنا هذا؛ فمع أن هذا الكتاب مقدمة قصيرة، فإنه ينضم إلى فئة الكتب الخاصة بالباحثين؛ فليس الغرض منه تزكية ممارسات أو أفكار هندوسية، ولا تقديم وجهة نظر هندوسية محددة، بل تعريف القراء المهتمين - هندوسا وغيرهم - ببعض السمات الأساسية للهندوسية.
شكل 1-1: التعرف على الهندوسية من خلال المشاركة. دكتورة أورسولا كينج برفقة أسرتها وأطفال محليين في أحد الطقوس الهندوسية في مدينة ليدز عام 1976.
من بين الكتب البحثية، هناك ما يكتبه الهندوس وغير الهندوس. في الغرب على سبيل المثال، توجد مقدمات للهندوسية كتبها أشخاص درسوا دينهم وكتبوا عنه، أمثال كيه إم سين، وأنانتاناند رامباشان، وأرفيند شارما. وهناك كتب أخرى كتبها أشخاص قضوا سنوات عديدة يدرسون الهندوسية، لكنهم لم يدينوا بها، أمثال كلاوس كلوسترماير وجافين فلود. هل هناك فارق بين ما كتبه الهندوس أمثال سين ورامباشان وشارما وما كتبه غير الهندوس أمثال كلوسترماير وفلود؟ وإلى أي مدى تؤثر قناعات الشخص الدينية على ما يكتبه عن دين ما؟
الواقع أن كل كتاب عن الهندوسية يختلف عن غيره من الكتب حول الموضوع نفسه باختلاف خلفية كاتبه ووجهة نظره، فبعض الكتاب الهندوس قد يكونون أتباعا مخلصين للهندوسية؛ بينما قد يرى آخرون أن الدين لا يشكل أهمية كبرى بالنسبة إليهم. بالمثل، نجد أن الالتزام الديني لدى بعض من غير الهندوس (حتى وإن كان لدين آخر) قد يثري بقوة بحثهم، بينما يظن آخرون أن ترك المعتقدات الدينية الفردية جانبا نقطة انطلاق مهمة. ليس معنى ذلك أن الكتاب يطلعون قراءهم دائما على موقفهم في هذا الصدد. في الماضي، ظن كثير من الباحثين الغربيين أنه من الممكن تقديم رؤية بالغة الدقة والموضوعية عن الهندوسية مثلما يفعل علماء الطبيعة مع ملاحظة البيانات وتسجيلها. واليوم يقر أغلب دارسي الأديان - كما هو الحال مع بعض فروع البحث العلمي الأخرى - أن الاختلافات الفردية تؤثر على البحث والكتابة. فما يختار الباحثون تضمينه داخل كتبهم أو استبعاده منها، والأمثلة التي يطرحونها، وكيفية تنظيمهم للمادة المطروحة؛ كلها قرارات ذاتية من جانبهم.
كيف إذن يمكن أن تختلف روايتي عن الروايات التي يقدمها غيري من كتاب الكتب التقديمية حول الهندوسية؟ لأن هذا الكتاب عبارة عن «مقدمة قصيرة جدا»، فإنني لم أتطرق للكثير من الأمور؛ على سبيل المثال، قررت أن أتطرق للأشكال والصور المعاصرة للهندوسية أكثر من التطرق إلى تاريخ الهندوسية ومعتقداتها وممارساتها الأولى. وبصفتي باحثة، فقد حاولت التأكد من إعطاء النساء الهندوسيات وغيرهن من المجموعات الأقل تمثيلا الاهتمام الكافي. وبصفتي مواطنة بريطانية بيضاء اللون، فإنني أنتسب تاريخيا لمستعمري الهند، ليس في وسعي أن أغير تاريخي، لكنني حاولت أن أفكر تفكيرا نقديا في الأثر الذي تركته بريطانيا على الهندوسية المعاصرة. علاوة على ذلك، فإنني لست هندوسية، بل أنتمي إلى جمعية الأصدقاء الدينية (الكويكرز)، وما سأكتبه هنا لم تؤثر فيه على نحو مقصود هويتي الدينية، ولا يقف وراءه أيضا وجهة نظر هندوسية. ولأنني لا أنتمي إلى الهندوس، فسوف أعرض وجهة نظر مختلفة. لا يمكنني الاعتماد على مصدر معرفة هندوسي داخلي؛ لذا فإنني اعتمدت على الاستماع إلى العديد من وجهات النظر والآراء الهندوسية في فهم هذا الدين بكل تعقيداته. وأتمنى أن يتضح ذلك للقراء فيما سيرد لاحقا في الكتاب.
لكل كاتب وجهة نظره الخاصة، ولكل قارئ أيضا. فمن يختارون قراءة كتاب كهذا على سبيل المثال لا بد أن لديهم بعض الأفكار بالفعل عن الدين بوجه عام، وربما عن الهندوسية على وجه التحديد. بعض القراء سيكون من الهندوس، وبعضهم يتبع دينا آخر أو لا يتبع دينا على الإطلاق. بالمثل، من سيقرأ هذا الكتاب من الطلاب لا بد أن يكون لديه اهتمام بحثي بالهندوسية، بينما هناك طلاب آخرون لن تكون مطلوبة منهم كتابة مقالات عن الهندوسية أو دراستها من منطلق تحليلي، لكنهم يريدون التعرف عليها على نحو أكبر فحسب. أتمنى أن يجد جميع أنواع القراء شيئا مفيدا لهم في هذا الكتاب، حتى ولو كان شيئا يختلفون معه. (2) البحث عن الأصول
كي نفهم جيدا الاختلافات بين رؤية المتعبدين والباحثين، سنتخذ التاريخ الهندي المبكر كمثال. سوف يفيدنا هذا أيضا في تقديم بعض الأفكار المرتبطة بالتطور التاريخي للهندوسية (انظر أيضا الخط الزمني للهندوسية في نهاية الكتاب).
كيف يفهم الهندوس أصولهم والتشكل المبكر لدينهم؟ يصف الكثيرون الهندوسية بأنها «ساناتانا دارما»؛ أي التقليد أو الدين الخالد. وهذا يشير إلى الفكرة القائلة إن أصول الهندوسية تتجاوز بداية التاريخ البشري، وحقائقها قد أوحيت من قبل الآلهة (شروتي) ثم انتقلت عبر العصور إلى وقتنا الحالي في أقدم النصوص المقدسة في العالم وهو «فيدا». يتبنى كثيرون الرؤية الدينية هذه، لكن عندما يتعلق الأمر بتفسير التاريخ البشري في الهند القديمة، نجد العديد من الآراء المختلفة. ومن الآراء الشائعة اليوم بين بعض الهندوس، وخصوصا هؤلاء الذين عادة ما يشار إليهم على أنهم قوميون هندوس وهم الذين يرون أن الهندوسية هي الدين الحق للهند؛ أن الحقيقة الإلهية قد نزلت على الآريين الذين يعتبرونهم الجنس النبيل المستنير الذي عاش في الهند منذ آلاف السنين. تحدث الآريون بلغة سامية هي السنسكريتية التي كتبت بها نصوص فيدا المقدسة، وأقاموا حضارة هندوسية عظيمة لا تزال طقوسها وأدبها وقانونها تشكل معا ثقافة الهندوس المشتركة اليوم وتراثا قوميا حقيقيا للهند. وطبقا لهذا الرأي، فإن الأشخاص الذين ينتمون إلى الأديان التي تطورت في الهند بعد حقبة الآريين - مثل البوذيين والجاينيين والسيخ - يعتبرون جميعا جزءا من الديانة الهندوسية، غير أن العديد من الهندوس - بل والبوذيين والجاينيين والسيخ أنفسهم - لا يتفقون مع هذا الرأي؛ فهم يعارضون فكرة أن أصول الهندوسية كانت آرية جملة وتفصيلا، بل يؤمنون أن بعض الآلهة الكبرى والتطورات الدينية المهمة التي نربطها اليوم بالهندوسية مصدره الشعوب الأصلية التي عاشت في الهند قبل الآريين. ووفقا لهؤلاء، كان الآريون هم الوافدين؛ إذ هاجروا إلى شمال غرب الهند، وغزوا المجتمعات المسالمة المستقرة وفرضوا أيديولوجياتهم في الوقت نفسه الذي استوعبوا فيه ما كان قيما وشائعا من الثقافة المحيطة. وقد وافق على هذا الرأي على نطاق واسع أيضا الباحثون الغربيون الذين أرجعوا هجرة الآريين إلى نحو عام 1500 قبل الميلاد، و«ريج فيدا» - أقدم النصوص المقدسة المعروفة لدى الآريين - إلى نحو عام 1200 قبل الميلاد.
بالإضافة إلى من يؤمنون بأي من هذين الرأيين العامين، هناك الكثير من الهندوس الآخرين الذين يستمدون رؤيتهم للتاريخ الهندي القديم من التعاليم الخاصة بالجماعة أو الطائفة الهندوسية التي ينتمون إليها. باختصار، لا يوجد منظور تعبدي واحد؛ وبالمثل أيضا، للباحثين رؤى مختلفة. لا يقدم الدليل المادي - سواء من البقايا الأثرية أم النصوص المبكرة - صورة واضحة، ويظل العديد من الأسئلة بلا جواب للمتعبدين والباحثين على حد سواء.
في مطلع القرن الحالي على سبيل المثال، كشف علماء آثار بريطانيون وهنود عن بقايا العديد من المدن القديمة فيما كان يعرف وقتها بشمال الهند (باكستان حاليا) التي يرجع تاريخها إلى ما بين عامي 2500 و1800 قبل الميلاد؛ أي قبل الفترة التي اعتقد أن المهاجرين الآريين دخلوا فيها شمال غرب الهند. ويشار إلى المجتمع والثقافة المنسوبين لتلك المدن الآن باسم حضارة وادي السند (في دلالة على موقعها) أو حضارة هارابا (وهارابا هي إحدى المدينتين الكبريين، أما الأخرى فعرفت باسم موهينجو-دارو). تضمن الدين الخاص بهاتين المدينتين طقوسا تعبدية، وطقوسا خاصة بالخصوبة، واستخدام الحيوانات، ربما لتقديم القرابين، وطقس الاغتسال في مسبح كبير مشيد من الحجارة. أما القراميد أو الأختام ، فكانت تصور نصا مقدسا لم يحدد بعد ورموزا دينية من أنواع شتى.
هل كان الكائن ذو القرون المتخذ وضع الجلوس والمحاط بالحيوانات الذي عثر عليه على أحد الأختام صورة قديمة للإله شيفا؟ هل الأشكال الأنثوية الكثيرة التي عثر عليها في المدن والقرى المجاورة مجرد رموز للخصوبة، أم هي دليل على أحد أشكال عبادة الإلهات التي استمرت بلا انقطاع على مر القرون، ولا تزال موجودة اليوم؟ هل نص سكان وادي السند مكتوب بلغة قديمة من عائلة اللغة السنسكريتية؛ ومن ثم تعتبر من اللغات الهندية الأوروبية، أم إن اللغة المستخدمة لغة درافيدية، تحدث بها وكتبها السكان الأصليون؟ وهل طغت الثقافة والمجتمع الريفيان للمهاجرين الآريين على الحضارة المدنية لوادي السند، أم إن كل أو بعض سكان مدينتي هارابا وموهينجو-دارو كانوا هم أنفسهم من الآريين؟
يبحث دارسو الحضارة الهندية سواء من الهند أم الغرب على نحو حثيث هذه المسائل وغيرها على أمل إلقاء المزيد من الضوء على التاريخ القديم للهند. وتستخدم مجموعة أخرى من الباحثين الهنود قدرا هائلا من البيانات والحسابات من أجل تأريخ الأحداث المذكورة في النصوص القديمة. لكن الكيفية التي يفسر بها المهتمون - سواء من الباحثين أم المتعبدين - ما يحصلون عليه من أفكار ومعلومات جديدة ليست بالأمر البسيط؛ فعادة ما تكون لهم نظرياتهم الخاصة التي يوائمون تلك البيانات الجديدة معها، وكثيرا ما يزعم الباحثون أن الدليل المتاح هو وحده الذي يوجههم في الوصول إلى استنتاجاتهم، لكننا لا نحتاج سوى النظر إلى الأعمال البحثية الأولى التي قام بها الغربيون في الهند حتى نرى كيف أثرت الاهتمامات الأيديولوجية في ذلك الوقت في عملهم.
معظم الباحثين في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر (الذين نشير إليهم عادة باسم «المستشرقين») الذين أخذوا على عاتقهم ترجمة النصوص السنسكريتية وإحياء الماضي الآري كانوا أيضا مسئولين سياسيين بريطانيين، وعلى هذا النحو، فقد احتاجوا إلى الوصول لفهم جيد للتقاليد والثقافة الهندوسية كي يساعدوا في تأسيس الحكم الاستعماري البريطاني في الهند. وقد توصل بعضهم - بإيعاز مما تعلموه عن أوجه التشابه بين اللغة السنسكريتية واللغات الأوروبية وما تعلموه عن الشعب الآري الوارد وصفه في النصوص السنسكريتية - إلى استنتاجات حول الأصول المشتركة للمجتمعات والثقافات الأوروبية الهندية. وقد راق الرأي الرومانسي الذي توصلوا إليه للبعض في أوروبا والهند؛ لأنه افترض وجود انحدار مشترك من أصول (آرية) نبيلة، ولأن هذا الرأي - القائل برقي الجنس الآري وعظم الحضارة الآرية - له جذوره في الدراسات الغربية المبكرة، فإنه قد أصبح الرأي الشائع لاحقا بين القوميين الهندوس. وقد كان قادة حركة الإصلاح الهندوسية التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر تحت اسم «آريا ساماج» - وتعني في السنسكريتية «المجتمع النبيل» - من بين أوائل من تطلعوا إلى ذلك العصر الذهبي، وزعموا وجود تاريخ متصل موحد لمجموعة منتقاة من المعتقدات والقيم والممارسات الهندوسية الخاصة بتلك الفترة. وما كانت في الأساس رؤى بحثية استعمارية أصبحت الآن معتنقة لدى هذه المجموعة وغيرها ممن تتفق آراؤهم السياسية والدينية معها.
وهناك رغبة كبيرة بين العديد من الهنود وأولئك الذين يعكفون على دراسة الهند في فهم ماضي الهند وإيجاد أجوبة لتلك الأسئلة الإشكالية. ولا يقتصر الأمر على الكشف عن المزيد من المعلومات التاريخية من أجل استكمال الفراغات في الصورة غير المكتملة، هذا غالبا حال الاكتشافات الجديدة؛ تجيب على بعض الأسئلة وتطرح أسئلة أخرى، ونادرا ما تظهر الصورة الكاملة، ودائما ما تكون هناك مساحة لظهور المزيد من التخمينات والفرضيات، علاوة على ذلك، فإن فهم المتعبدين للتاريخ المبكر يتبع قواعدهم الخاصة، بدلا من اتباع الأدلة والحجج الخاصة بالباحثين؛ إذ يسترشد المتعبدون في المقام الأول بالوحي. وعندما يدعم الدليل التاريخي أحد آراء المتعبدين، فإنه يكون محل ترحيب؛ لكن القناعة الدينية الراسخة لا تتطلب دليلا كهذا كي تقوى وتزداد رسوخا، بل إنها تعتمد على الإيمان. وعلى ذلك ينظر بعض الهندوس إلى كل هذا الجدل حول ما حدث في الهند قديما على أنه ذو صلة فحسب عندما يتفق مع ما تخبرهم به النصوص المقدسة، لكن كما أشرنا سابقا، فإن هناك كثيرين من الهندوس المعاصرين لديهم قناعة راسخة بأن النظريات البحثية والبيانات التاريخية تقدم دعما مهما لما يؤمنون به.
إن ما حدث في تاريخ الهند المبكر ليس سوى واحد من عدة مسائل خلافية تؤكد على تلك الاختلافات في الآراء. وسوف أتطرق بإيجاز هنا إلى مسألتين أخريين، هما تاريخ وأهمية النصوص الهندوسية المقدسة، والممارسات الهندوسية. (3) فهم النصوص الهندوسية المقدسة
كما أشرنا من قبل، يرى الهندوس المتدينون أن «فيدا» كتاب منزل؛ ومن ثم فليس لنشأته وقت محدد في التاريخ، بل هو أبدي وإلهي المصدر. واتفق الفلاسفة الهندوس، من أمثال شانكارا ورامانوجا، الذين سنتناول أفكارهم في الفصل الثالث، مع هذا الاعتقاد واعتبروه أساسا لأفكارهم حول العلاقة بين ما هو إلهي وما هو إنساني. لكن الباحثين الغربيين الدارسين للنصوص كانت دوافعهم مختلفة تماما؛ فمن درسوا «بهاجافاد جيتا» - أشهر النصوص المقدسة الهندوسية - كانوا مدفوعين بمبدأ الصرامة العلمية في سعيهم لتأريخ النص، وترجمته بدقة، والسماح له - من وجهة نظرهم - بالتعبير عن نفسه بدلا من أن يعكس اهتمامات المفسرين اللاحقين له. وعمد بعض هؤلاء الباحثين إلى الاعتراض على دقة الترجمات والتفاسير التعبدية. بيد أن النقاد الهندوس تشككوا مؤخرا في منهج هؤلاء الباحثين وفشله في إعطاء أهمية لدور الوحي في المعتقد الهندوسي أو تقليد التعليقات التعبدية. ورأى بعض هؤلاء النقاد أن المنهج البحثي الغربي القائم على التفكير النقدي نفسه يحرف معنى النص المقدس. ويقولون إن النصوص المنزلة لا يستوعبها استيعابا كاملا سوى من يتقبلون مكانهم داخل تقليد حي وديناميكي؛ حيث تسمع وتكرر وتتذكر الآيات والقصص، وتنقل إلى الأجيال التالية. وفي الفصل التالي، سنناقش بمزيد من التفصيل النصوص الهندوسية المقدسة وأهميتها. (4) الجدل حول الممارسات الهندوسية
تأثر هؤلاء المستشرقون، الذين درسوا لأول مرة ديانة الهندوس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تأثرا شديدا بالمفاهيم المكونة سابقا لديهم عن الدين. فتمثلت خبرتهم في المسيحية، وهي الدين القائم على الإيمان بالرب وابنه يسوع وكلمة الرب المنزلة في الكتاب المقدس، وتوقعوا أن تكون الديانة الهندوسية مشابهة لذلك؛ لذا، ربما ليس ثمة ما يثير الدهشة في تركيز هؤلاء على النصوص الدينية، مثل «ريج فيدا » و «بهاجافاد جيتا»، وما تحتويه من تعاليم وأحكام؛ بينما لم تحظ الطقوس والأنشطة الدنيوية للهندوس بالقدر نفسه من اهتمامهم، وعندما كانوا يذكرونها، كانوا يفسرونها عادة على نحو نقدي بوصفها إضافات متأخرة لما هو في الأصل نظام عقائدي نبيل. لقد تناول هؤلاء الباحثون الهندوسية تناولا عقلانيا، ووصفوا الممارسات الهندوسية في أغلب الأحيان بأنها خرافية ووثنية، ورأوا أن الهندوسية يمكن أن تكون دينا أفضل إذا تم التخلص من هذه الممارسات والتركيز على العناصر الإيمانية والفلسفية والروحانية فيها. تأثر بعض الزعماء الهندوس أنفسهم في القرن التاسع عشر بهذه الآراء. فنجد أن رام موهان روي - الذي يشار إليه أحيانا بأبي الهندوسية الحديثة - كان معارضا لكل من «عبادة الأوثان» و«تعدد الآلهة» و«حرق الأرامل» (ساتي). وكانت كتاباته مؤيدة للتوحيد؛ أي الإيمان بإله واحد بدلا من عدة آلهة، مستعينا في دعم رأيه بمختارات من النصوص الهندوسية المقدسة ومذهب التوحيد المسيحي. وقد أسس جمعية باسم «براهمو ساماج»، وهي الجمعية التي سعت لإصلاح الممارسات الهندوسية ونشر الأفكار التي تبني جسور التفاهم بين الفكر المسيحي والهندوسي. لاقت هذه الأفكار قبولا لدى عدد قليل من الهندوس الحاصلين على تعليم غربي، بينما لم يتقبلها أغلبية الهندوس. ودافع البرهميون المحافظون عن تقاليدهم. وانضم إليهم باحث غربي يدعى إتش إتش ويلسون احتج بأن طقوسا مثل حرق الأرامل كانت جزءا من التقليد الهندوسي، ويجب ألا يتدخل أحد من غير الهندوس في ذلك، وإن كان بحسن نية. (انظر الفصل السادس للاطلاع على مزيد من المناقشة حول رام موهان روي، والمستشرقين الغربيين، والجدل حول حرق الأرامل.)
يخلص كاتب يدعى نيراد تشودري، وهو الذي كتب بحماس عن هذه المجادلات، إلى أن الهندوسية لا تعتمد في تعريفها على تقاليدها الروحانية والفلسفية بقدر اعتمادها على جانبها «الدنيوي»؛ أي تركيزها على الأشياء الخاصة بهذا العالم، مثل جني الثروة والحب وممارسة الواجب. ويذهب نيراد تشودري إلى أن الممارسات الطقسية والتعبدية والاجتماعية لأتباع كريشنا وشيفا وديفي قد تجاهلها كثير من الدراسات الغربية. ويعتقد نيراد أن القوة أحد الجوانب المهمة في الهندوسية ، فيهتم معتنقوها بالسعي للحصول على المساعدة الإلهية لاكتساب هذه القوة واستخدامها لتحقيق الغايات والمكاسب المرجوة.
لقد رأينا أن الباحثين والمتعبدين دفعتهم في الغالب مبادئ مختلفة في أفكارهم بشأن الهندوسية، وتاريخها، ونصوصها المقدسة، وممارساتها، لكن ثمة اختلافات ظهرت أيضا داخل كل فريق من هذين الفريقين، فحاول بعض الباحثين من غير الهندوس التعرف بأسلوب خلاق على الرؤى الهندوسية بشأن العالم، بينما نظر باحثون آخرون لهذه الرؤى من منظور اهتماماتهم الاستعمارية أو المسيحية. وطور بعض الهندوس نوعا من البعد النقدي تجاه دينهم، يمكنهم من التفكير في دينهم بأسلوب أكثر موضوعية، بينما نشأ آخرون على الأساليب الهندوسية التقليدية، ولم يروا أي داع للتشكيك فيما تعلموه. وفي الفصل التالي، سنلقي نظرة أكثر تعمقا على الطريقة التي يتعلم بها الهندوس تقاليدهم، والأهمية التي يعطونها لمسألة الحفاظ على هذه التقاليد ونقلها إلى الأجيال القادمة.
الفصل الثاني
الوحي ونقل المعرفة
(1) رواة القصص والقادة الشانكاريون: نقل التعاليم الهندوسية إلى الأجيال القادمة
يمكن رؤيته فيما بعد ظهيرة أي يوم، وهو يجلس متربعا منتصب الظهر على أرضية منزله الطينية الباردة، منهمكا في قراءة كتاب ضخم باللغة السنسكريتية موضوع على حامل قراءة خشبي، أو يميل ناحية ضوء الشمس عند المدخل لقراءة مخطوطة قديمة مكتوبة على سعف النخيل. عندما يرغب الناس في سماع قصة بعد الانتهاء من أعمالهم الشاقة في الحقول، يتجمعون في صمت أمام منزله، ولا سيما في الأمسيات التي ينشر فيها القمر ضياءه عبر نخيل جوز الهند ... إنه شخص يعتمد بالكامل على نفسه، ويحفظ عن ظهر قلب كل مقاطع «رامايانا» البالغ عددها 24 ألف مقطع، و«مهابهارتا» البالغ عددها 100 ألف مقطع، و«بهاجافاتا» البالغ عددها 18 ألف مقطع. وإذا فتح نسخة من النص السنسكريتي أمامه، فلا يكون ذلك إلا ليثبت لجمهوره أن ما يرويه مثبت بالدليل.
البانديت (كما يطلق عليه) - رجل الدين - رجل بلغ من العمر أرذله ويواصل إحياء التقاليد التي يرجع تاريخها إلى ألف سنة من خلال عاداته وسلوكياته ... لديه إيمان راسخ بصحة فيدا الذي بدأ في تعلمه وهو في السابعة من عمره . استغرق منه الأمر اثني عشر عاما ليتقن تلاوته ... حتى الأساطير والخرافات، التي تتضمنها بورانا، والتي يوجد منها ثماني عشرة أسطورة رئيسية، ما هي إلا صور للتعبير عن الحقائق الأخلاقية والروحانية المذكورة في فيدا. ويقول الراوي عادة إنه «لا يمكن لأحد فهم مغزى أي قصة في أساطيرنا إلا إذا كان متبحرا في فيدا.» ثمة ترابط وثيق بين كل شيء.
يجسد الراوي - في مجموعة القصص القصيرة «آلهة وشياطين وآخرون» لآر كيه نارايان - مفهوما هندوسيا مهما؛ ألا وهو أن القصص المتوارثة والحقائق التي تتضمنها جديرة بمواصلة إعادة روايتها. فيمثل هذا الراوي وسطا أو قناة لنقل المعرفة؛ إنه الشخص الذي يقدم التعاليم الهندوسية لجمهور حاضر من خلال روايته العلنية لها. عمله عظيم ومهمته مهمة؛ وتتمثل في سرد القصص القديمة المذكورة في النصوص المقدسة، وإبهار جمهوره بقصص عن راما وسيتا، ورادها وكريشنا، ليظهر ملاءمتها للحياة المعاصرة، ومواصلة مسيرة الرواية التي بدأها والده وجده. ويجسد عمله مفهوم التقليد واستمراره من جيل إلى آخر. وشأنه كشأن بعض المتخصصين الهندوس الآخرين، يبلغ ما تعلمه هو نفسه من قبل. «سامبرادانا» هي الكلمة السنسكريتية التي تعبر عن هذا الأمر، وتعني «العطاء» أو «التعليم». وثمة مصطلح آخر مرتبط بهذه الكلمة، وهو «سامبرادايا»؛ أي التقليد الشفهي، ويستخدم بوجه عام للإشارة إلى كيان متمركز حول معلم روحاني (جورو) تنقل عبره التقاليد اللاهوتية والطقسية إلى الأجيال التالية، وتصان من جيل إلى آخر. ويوجد العديد من أنواع السامبرادايا في الهندوسية المعاصرة، بعضها سنتعرف عليه بمزيد من التفصيل في الفصل التالي، وهي التي ترتبط بالمعلمين الروحيين الأوائل عن طريق النسب أو سلسلة من التلاميذ. ومن الأمثلة على ذلك السامبرادايا الذي أسسه أحد المعلمين الروحيين في القرن التاسع، واسمه شانكارا، والذي لا يزال مستمرا إلى الآن في العديد من الأديرة الهندوسية في أنحاء مختلفة من الهند. وتعد هذه الأديرة أماكن رائعة للتعلم؛ حيث يتعلم فيها الرهبان اللغة السنسكريتية والفلسفة، كما يذهب الهندوس العاديون لزيارتها للعبادة والتماس النصح من المعلم الروحاني، ويرأس هذه المؤسسات قامات دينية معروفة يعرفون باسم القادة الشانكاريين (شانكارا أتشاريا) (كلمة «أتشاريا» تعني «زعيما» أو «سيدا»). وقبل ارتداء هؤلاء لعباءة السلطة الدينية، يتلقون تدريبا تقليديا يتلقاه العديد من الصبية البرهميين، وهو التدريب الذي يتعلمون فيه تلاوة نصوص فيدا. وفي مرحلة الشباب، يتعلمون أيضا على يد معلميهم الروحانيين تعاليم السامبرادايا. وعندما يقع عليهم الاختيار ليكونوا قادة المستقبل، يرتحلون لعدة أعوام بمفردهم بوصفهم معلمين روحانيين، يقدمون النصائح الروحانية للناس ويساعدونهم على أداء واجباتهم الدينية. وهكذا يصبحون مؤهلين لأداء دورهم الديني وتحمل مسئولياته. ويشتهر هؤلاء الأشخاص بشخصياتهم الجذابة وحكمتهم وورعهم، لكنهم أيضا حاملو تقليد شانكارا العظيم، يساعدون على نقل تعاليمه عبر الأجيال.
القادة الشانكاريون كهنة برهميون، ومعلمون روحانيون أيضا. ومن خلال هاتين الصفتين، يؤدون الوظيفة المهمة المتمثلة في نقل المعرفة. وعلى الرغم من أن هذين الدورين يجتمعان في القائد الشانكاري وفي بعض المعلمين المهمين الآخرين، فلا يكون هكذا الحال دائما. فقد يأتي المعلمون الروحانيون من أي طائفة، والكهنة البرهميون لا يكونون بالضرورة مرشدين روحانيين، وإن كان الكثيرون منهم كذلك. وما ينقله الكهنة البرهميون والمعلمون الروحانيون، وكيفية فعلهم ذلك، قد يكون مختلفا تماما، وهذا ما سنتعرف عليه في السطور التالية. (2) شروتي وسمريتي: الوحي والنقل
لقد أشرت في الفصل السابق إلى مفهوم «شروتي» المهم، ويعني «الموحى به». ويشير إلى تجلي الإله في العالم، ولا سيما الحقائق التي أوحي بها إلى الحكماء (ريشي) الأوائل، والتي جمعت بعد ذلك في صورة نصوص مقدسة. وثمة آراء مختلفة بين الهندوس بشأن ما يعتبر «شروتي» من النصوص المقدسة وما يدخل في الفئة الأخرى المهمة من النصوص الدينية، ألا وهي فئة «سمريتي»؛ أي «المتذكر» أو «المنقول». وتقوم النصوص السمريتي على الحقيقة الموحى بها، لكن يقوم بشر بصياغتها. ويصنف الإطار التالي النصوص الدينية الهندوسية القديمة وفق هاتين الفئتين.
ينتمي «فيدا» و«أوبانيشاد» لفئة نصوص الشروتي، ويقال إن مصدرهما هو الوحي الإلهي. أما «الملاحم»، و«البورانا»، و«السوترات»، فيقال إن الحكماء قد درسوها وذكرها تلاميذهم (سمريتي). ويحتوي «فيدا» على روايات عن الخلق، ومعلومات عن طقوس تقديم القرابين ، وصلوات للآلهة. و«ريج فيدا»، أقدم نصوص «فيدا»، عبارة عن مجموعة من الترانيم للآلهة. وكان أجني، الإله المرتبط بالنار والتضحية، أحد أشهر الآلهة. وبوصفه إله النار، كان يصلي له الناس باعتباره إلها يمكن الوصول إليه وبإمكانه جلب النور. وكان يدعى بالرسول؛ أي الشخص الذي يصل بين البشرية والآلهة الأخرى. وفيما يلي ترنيمة ابتهال له:
أصلي لأجني، كاهن الأسرة، إله التضحية، من ينشد ويبتهل ويجلب أعظم الكنوز. صلى لأجني الحكماء القدامى، وحكماء الحاضر أيضا؛ إنه من يجلب الآلهة إلى هنا. عن طريق أجني، يمكن للمرء جني الثروة والنمو من يوم لآخر، وهو ينعم بالعظمة ويحفل بالكثير من الأبناء الأبطال. أجني، يا من تحيط بك القرابين من كل جانب، أنت الوحيد الذي يمكنه الوصول للآلهة. أجني، أيها الكاهن الذي يتمتع برؤية الشاعر الثاقبة، الحق البصير، الإله الذي يأتي بالآلهة. أيا ما كان الخير الذي تتمنى فعله يا أجني لمن يعبدك، سيتحقق من خلالك. لك يا أجني، يا من يضيء له الظلام، نأتي يوما بعد يوم، جالبين أفكارنا وولاءنا لك، يا ملك التضحيات، يا حامي الجماعة الأمين، التي تزدهر في كنفك. فلتنعم علينا بالتقرب إليك، كالأب وولده. ابق معنا يا أجني؛ لكي ننعم بالسعادة.
هناك اتفاق بين الكثير من الهندوس على مكانة «فيدا» وهيمنته على النصوص الأخرى، لكن عددا قليلا منهم فقط تسنى له قراءته، وإن كانوا يستمعون جميعا إلى أجزاء منه، وهي تنشد باللغة السنسكريتية في أثناء المناسبات المهمة. وأشهر النصوص، التي يعرفها الهنود عادة معرفة جيدة، هي «مهابهارتا» و«رامايانا» (انظر الفصل الرابع). تحتوي «مهابهارتا» على «أنشودة الرب» (بهاجافاد جيتا)، وهي الأنشودة التي يعلم فيها كريشنا المحارب أرجونا أهمية أداء الواجب وكيفية التحرر من العذاب والميلاد المتكرر. ونظرا لكم العشق الذي تحظى به «الملاحم»، يشار إليها أحيانا بالفيدا الخامسة، وأن مصدرها هو الوحي الإلهي.
النصوص الهندوسية المقدسة الأساسية (1) نصوص شروتي
فيدا:
يتألف من أربع مجموعات، وأسماء هذه المجموعات هي: «ريج فيدا»، و«ساما فيدا»، و«ياجور فيدا»، و«أثارفا فيدا». تحتوي المجموعات الثلاث الأولى على ترانيم ومانترا؛ بينما تتضمن المجموعة الرابعة تعاويذ وتمائم. وتعد هذه النصوص أول نصوص مقدسة هندوسية عرفت على الإطلاق.
يوجد ثلاثة أنواع أخرى من نصوص شروتي؛ وهي: «براهمانا»، و«أرانياكا»، و«أوبانيشاد»، والأخيرة هي الأكثر أهمية.
أوبانيشاد:
تعني كلمة «أوبانيشاد» «الجلوس على مقربة»، وتوحي ضمنا بأن هذه النصوص كانت نصوصا مقدسة سرية علمها أحد الحكماء لأحد تلاميذه، وتشمل «أوبانيشاد» الرئيسية: «بريهادارانياكا»، و«تشاندوجيا»، و«كاثا»، و«مايتري»، و«شفيتاشفاتارا».
ويرجع الباحثون تاريخ النصوص المقدسة الشروتي عادة إلى الفترة ما بين عامي 1500 و300 قبل الميلاد، وكل هذه النصوص مكتوبة باللغة السنسكريتية. (2) نصوص سمريتي
الملاحم:
أقدم النصوص المقدسة السمريتي هي «مهابهارتا» - التي تتضمن «بهاجافاد جيتا» و«رامايانا» التي يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين عامي 500 قبل الميلاد و100 بعد الميلاد، وهذه النصوص عبارة عن قصائد طويلة تروي أحداثا جرت في حياة محاربين عظماء، ويظهر كريشنا في «مهابهارتا»، بينما يلعب راما دورا رئيسيا في «رامايانا».
السوترات:
في الفترة ذاتها، تم تأليف عدد من النصوص عن موضوعات مهمة، مثل الدارما واليوجا والفيدانتا (انظر مسرد المصطلحات). واحتوت هذه النصوص على أقوال وحكم (تعني كلمة «سوترا» «الخيط»). ومن النصوص المهمة التي ترجع إلى هذه الفترة «مانوسمريتي» الذي تناول الشريعة وآداب السلوك الهندوسية.
بورانا:
تلا ذلك في الفترة من 300 إلى 900 ميلاديا ظهور نصوص تتناول الأساطير وتسمى «بورانا»، تشير هذه النصوص إلى أحداث سابقة، وتروي عادة قصص الآلهة والإلهات، وتشمل نصوص البورانا الأساسية كلا من «ماركانديا بورانا»، و«فشنو بورانا»، و«فايو بورانا»، و«شيفا بورانا»، و«بهاجافاتا بورانا».
تتسم الأنواع الأخرى من النصوص بالأهمية أيضا، وتختلف المكانة التي تمنحها لها الجماعات المختلفة من الهندوس، فنصوص «تنترا»، التي يرجع تاريخها إلى القرنين الثامن والتاسع وتركز على الانضباط الروحاني والنشاط الطقسي واكتساب القوى السحرية وتتخذ عادة شكل حوار بين شيفا وديفي، تحظى بالتقدير في كشمير وبنغال ونيبال. وهذه النصوص مهمة للهندوسية التنترية المبتدعة، التي لها عقائد وطقوس خاصة تختلف عن عقائد وطقوس البرهميين. وبترجمة هذه النصوص (التي تعرف أحيانا باسم أجاماس) إلى اللغة التاميلية، صار لها الآن أيضا استخدام شعائري بين براهمة جنوب الهند، الذين يعتبرونها تكملة لنصوص فيدا. ويعد الشعر التعبدي (بهاكتي)، المؤلف باللغات الهندية المحلية، شائعا أيضا. ومن الأمثلة البارزة عليه مجموعة الأناشيد التاميلية التي أنشدها للإله فيشنو الشاعر نامالفار الذي كان يعيش في القرن العاشر وينتمي لجنوب الهند. ونظرا لأهمية هذه الأناشيد، يشار إليها عادة باسم «فيدا التاميلي».
وفقا لراوي آر كيه نارايان، تستمد كل أساطير الهند وقصصها أهميتها ومكانتها من «فيدا». ويتفق الكثير من الهندوس في هذا؛ إذ يرون نصوص «تنترا» والنصوص التعبدية اللاحقة مكملة ل «فيدا»؛ بينما يرى آخرون أن هذه النصوص تمثل تحديا للديانة المعتمدة على فيدا. لكن نظرا للأهمية الكبرى لفيدا في إجازة العديد من النصوص المقدسة اللاحقة وفي المنهج البرهمي المحافظ، ينظر إليها بعض المعلقين على أنها الجانب المعرف للهندوسية، وفي نص مهم حول الشريعة الهندوسية يرجع تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، اسمه «مانوسمريتي»، يشير مؤلفه ويدعى مانو إلى أن «فيدا» يجب عدم التشكيك فيه، وأن من يفعلون ذلك يحيدون عن الطريق القويم. ولقد أشار باحث أمريكي معاصر يدعى برايان كيه سميث إلى أن الهندوس هم من يستخدمون «فيدا» كمرجع أساسي في إقامة تقاليدهم والحفاظ عليها ونقلها للأجيال اللاحقة، وبهذا التعريف، لا يكون كل من البوذيين ولا الجاينيين ولا السيخ، الذين ينكرون مكانة «فيدا» ودور البرهميين في نقله وتفسيره؛ هندوسا. (3) البرهميون ونقل المعرفة الطقسية
على الرغم من أن مفهومي «شروتي» و«سمريتي» يشيران إلى النصوص المقدسة، فإنهما مهمان أيضا في فهم الشخصيات التي سبق ذكرها في هذا الفصل ودورها الديني. فالكهنة البرهميون والمعلمون الروحانيون ورواة القصص يعملون كوسائط أو قنوات - كل بأسلوبه المختلف - لتوصيل الحقيقة التي أوحي بها في السابق، واحتفظ بها في الذاكرة، ونقلت شفهيا عبر التاريخ. فترانيم «فيدا»، التي سمعها وأنشدها الحكماء الأوائل، صارت مسئولية العائلات البرهمية التي تناقلتها من جيل إلى جيل دون تغيير على مر القرون (إلى متلقين من أمثال راوي نارايان). وفي آية شهيرة في «ريج فيدا» (10 : 90)، عرفت طبقة البرهميين بأنها فم الإنسان الكوني (بوروشا)؛ بينما صارت ذراعاه وفخذاه وقدماه الطبقات الأخرى بالمجتمع (فارنا)؛ ومن ثم، ارتبط البرهميون في المجتمع الفيدي باللغة والتواصل، وبإنشاد الترانيم الفيدية والمانترا، وأخيرا بالقوة المقدسة المتأصلة داخلهم.
براهمان، وبرهمن، وبراهمانا، وبراهما
في ظل وجود تشابه كبير في هجاء الكلمات السابقة، يسهل الخلط بينها فيما يتعلق باستخدامها ومعناها، وفيما يلي توضيح للفرق بينها:
براهمان:
أشار هذا المصطلح في الأصل إلى قوة أو حقيقة خلاقة متأصلة في الترانيم الفيدية، ثم في طقوس تقديم القرابين التي تنشد فيها تلك الترانيم. وعند ظهور «أوبانيشاد»، صار هذا المصطلح يشير إلى المبدأ الكوني المجرد أو الحقيقة المطلقة.
برهمن:
شخص متخصص في إدارة الطقوس ويرتبط بمفهوم البراهمان؛ فهو شخص ينشد الترانيم الفيدية ويقدم القرابين؛ وهو ينتمي لطائفة الكهنة. يعرف أيضا بالبراهمانا والبراهمان.
براهمانا:
نصوص تتعلق بمفهوم البراهمان وتوصف فيها التضحية الفيدية.
براهما:
إله هندوسي مرتبط بالخلق.
عندما تحدث الحكام البريطانيون لأول مرة مع الكهنة البرهميون في الهند في القرن الثامن عشر، اندهشوا لاكتشافهم أن النصوص الفيدية المقدسة قد انتقلت من جيل إلى جيل بدقة بصورة شفهية - ولم تتعلم من نصوص مكتوبة - عن طريق عملية النقل القديمة؛ إذ تعلم الصبية البرهميون في مرحلة الطلب من حياتهم عن طريق محاكاة الكبار من بينهم. وحتى الآن، يتعلم بعض البرهميين الصغار تلاوة المانترا الفيدية بهذا الأسلوب التقليدي، على الرغم من أن الطباعة الحديثة والتعليم العلماني قد أديا إلى قراءة كثير من الناس للنصوص المقدسة بأساليب جديدة.
الفئات الاجتماعية الهندوسية (1) الطبقات الاجتماعية (فارنا)
عرفت الطبقات الاجتماعية الآرية الأربع التقليدية (فارنا) في «ريج فيدا» (10 : 90) من خلال أجزاء جسم الإنسان الكوني (بوروشا)، وهي كالتالي: • الفم: البرهميون (براهمانا). • الذراعان: المحاربون (كشاتريا). • الفخذان: عامة الناس (فايشيا). • القدمان: الخدم (شودرا).
ورتبت هذه الطبقات ترتيبا هرميا. ووصفت الطبقات الثلاث الأولى منها بأنها «مولودة مرتين»، مع منح الذكور المنتمين لها خيطا مقدسا في حفل تأهيل (أوبانايانا). وكان لا يصرح لأحد بسماع «فيدا» سوى الذكور «المولودين مرتين » فقط. وأضيفت على الأرجح طبقة شودرا للطبقات الأخرى لاستيعاب السكان المحليين غير الآريين. (2) مراحل الحياة (أشراما)
وصفت أربع مراحل للحياة في النصوص الهندوسية المتأخرة، وإن لم يكن ينظر إليها في البداية كمراحل، وإنما كخيارات حياتية بديلة. ولم يخض هذه المراحل الأربع سوى الذكور «المولودين مرتين»، وهذه المراحل هي: • الطالب (براهماتشاريا). • الزوج (جريهاستا). • ساكن الغابة (وانابرستا). • الزاهد (سانياسا).
كانت الشابات بعد أن يقضين سنوات حياتهن الأولى في منازل آبائهن، يتزوجن. وكان ينظر للزواج على أنه نسك التأهيل لهن للاضطلاع بواجبات الزوجة.
شكل 2-1: كاهن برهمي يؤدي طقسا في أحد مواقع الحج.
لكن هؤلاء البرهميين الذكور لا ينشدون المانترا الفيدية للغرض منها في حد ذاتها، وهو الإبقاء على الوحي الإلهي؛ وإنما يؤدون أيضا طقوسا للحفاظ على العالم وعلى العلاقة بين البشرية والآلهة. ويرتبطون بالدارما، التي تترجم أحيانا بالدين، لكن الترجمة الأدق لها هي الحقيقة أو القانون أو الواجب أو الالتزام. وللدارما استخدام عام واستخدام شخصي. فيجب الحفاظ على تناغم العالم، ويلزم أيضا الوفاء بدارما الفرد الشخصية. وعمل البرهمن يدعم هذين المتطلبين. ومن خلال أداء طقوس تضحية (ياجنا) مشابهة للطقوس المذكورة في فيدا، يقدم البرهميون قرابين للآلهة في النار المقدسة ويلتمسون منهم الحفاظ على العالم الطبيعي وإنزال العطاء على عبادها. بعد ذلك، يؤهل البرهميون الهندوس لأدوار جديدة في مناسك خاصة مرتبطة بدورة الحياة (سامسكارا)؛ فبإعطاء الخيط المقدس في طقس أوبانايانا، يمنح البرهميون صفة «المولود مرتين» للذكور الصغار. وفي الزواج، يربطون الزوج والزوجة معا، ويؤهلونهما لمرحلة الزواج في الحياة. وفي المناسك المتعلقة بالميلاد، يضمن البرهميون الدخول الصحيح للطفل المولود حديثا إلى المجتمع، ويساعدون الأسرة في التخلص من الدنس الناجم عن الولادة. وأخيرا، في المراسم المرتبطة بالموت، يسهلون الانتقال السلس للروح، ويتأكدون من خدمة الأسلاف على النحو الصحيح.
فارنا - أشراما - دارما
على الرغم من أن كلمة «دارما» لها العديد من المعاني المهمة، فهي تعني في هذا السياق الواجبات أو الالتزامات التي تقع على عاتق الفرد وفقا للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها ومرحلة الحياة التي يمر بها ، والرجال الذين لم «يولدوا مرتين» ولا يتمتعون بإمكانية تحصيل التعليم الفيدي لا يتوقع منهم اتباع مراحل الحياة ذاتها التي يتبعها من ينتمون للطبقات الأعلى. وكان يشار لالتزامات السيدات المتزوجات، بوجه عام، باسم «ستري-دارما»؛ أي واجبات الزوجة.
لا يشارك الكهنة البرهميون في التخلص من جثمان المتوفى؛ لأن هذه المهمة تعتبر دنسة للغاية لشخص يستمد جزءا من سلطته من طهره الطقسي. توجد كذلك طقوس أخرى خارج نطاق عمل كهنة البرهمية، مثل الاسترضاء أو طرد الأرواح الشريرة. ويتولى مسئولية هذه المهام رجال الدين الذين ينتمون لطوائف أخرى لا تكون الطهارة بهذا القدر نفسه من الأهمية لديها. وقد يكون هؤلاء أيضا قد ورثوا المعرفة والمانترا العملية الضرورية من الكبار في طوائفهم. (4) المعلم الروحاني ونقل المعرفة الروحانية
اهتم المؤلف آر كيه نارايان اهتماما كبيرا بالشخصيات الدينية، ووضعها الاجتماعي، وجاذبيتها، وسلطتها. وفي كتاب «الدليل»، كتب نارايان عن سجين سابق اعتقد خطأ أنه رجل دين، وذلك عندما آوى إلى معبد بإحدى القرى بعد خروجه من السجن بيوم واحد. فوجد نفسه يقدم النصائح ويسرد قصصا وعظية (تذكر سماعها من أمه وهو صغير)، ثم صام لينهي القحط الذي هدد معيشة أهل هذه القرية. منحه الناس مكانة جليلة، واعتبروه فوق الإغراء والضعف، وأنه قادر على التشفع لدى الإله، وأنه يتمتع بهبات روحانية تنشأ عن ممارساته التنسكية. واعتقدوا أيضا أنه حكيم ويعرف ما هو أفضل للناس. هذه بعض السمات التي ترتبط غالبا بالمعلم الروحاني (الجورو)، ذلك الشخص الذي يمكنه تنوير الآخرين ومساعدتهم في تجاوز خطر الموت والميلاد المتكرر (سامسارا) للتحرر (موكشا).
النظام الطائفي الهندي (جاتي)
من باب تحري الدقة، تعد الطبقة (فارنا) والطائفة (جاتي) كيانين اجتماعيين مختلفين، وإن كان يعتقد غالبا أن الطوائف تتوافق مع الطبقات الأربع. «جاتي» - كلمة تعني الميلاد - هو نظام تقسيم اجتماعي منظم حسب الطهر النسبي، مع اعتبار كهنة البرهمية في قمة هذا النظام، بينما توجد الطوائف الدنيا و«المنبوذون» (الذين يعتبرون أنجاسا يدنسون الطوائف «الأعلى») في قاعه. وعلى الرغم من أن النظام الطائفي هذا ليس قائما على الثروة، فإن من يحتلون قمة هذا النظام هم الأكثر ثراء، ولا شك أن من يحتلون القاع (المنبوذين) لا يملكون من الموارد سوى أقل القليل، وهم نادرا ما يملكون الأراضي ولا يتمتعون بسلطة اقتصادية كبيرة.
يكتسب الهنود المكانة الطائفية عن طريق ميلادهم في طائفة معينة؛ ويتزوجون عامة شخصا من الطائفة نفسها التي ينتمون إليها. وفي العصور السابقة، مثلت الطوائف جماعات مهنية أيضا، لكن التحضر والتصنيع أديا إلى عمل الكثير من الناس في وظائف مختلفة تماما عن تلك التي ارتبطوا بها في السابق. ونظرا للعلاقة بين الطهر والدنس والطائفة، يمكن لطائفة الفرد التأثير أيضا على علاقاته الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالأشخاص الذين يمكنه الأكل معهم والمكان الذي يمكنه العيش فيه. فالمنبوذون يجبرون عادة على العيش خارج القرية، بعيدا عمن ينتمون لطوائف أعلى منهم. ولقد جرم دستور الهند نبذ الناس، وجعله جريمة يعاقب عليها في خمسينيات القرن العشرين، لكن التغيير كان بطيئا للغاية، ووضع المنبوذين في الهند لا يزال مرضا اجتماعيا بحاجة لعلاج عاجل (انظر أيضا الفصل السابع).
من يصلح لهذه المهمة؟ وهل تتطلب التدريب على اللغة السنسكريتية الذي يحصل عليه البرهمن أو المعرفة التي تكون لدى رواة القصص بالأساطير؟ يشير دليل نارايان إلى أن سر سلطة المعلم الروحاني يكمن في الجاذبية الشخصية أكثر من التقليد الطائفي، أو التدريب الرسمي، أو حتى الفضيلة، فبعض المعلمين الروحانيين لا يحصل على تعليم علماني أو فيدي. وبعضهم أمي، لكنهم جميعا يملكون المعرفة التي اكتسبوها من خلال خبرتهم الروحانية، بالإضافة إلى تمتعهم بقدرة عميقة على استخدام هذه المعرفة بفعالية في مساعدة الآخرين.
وقد كانت أنانداماي ما من هذا النوع من المعلمين الروحانيين. ولدت أنانداماي ما في قرية تقع فيما يعد الآن بنجلاديش عام 1896. وعلى الرغم من أنها تزوجت وصارت ربة منزل، أصبحت ممارسة ومرشدة روحانية للعديد من الناس. كانت مختلفة من عدة نواح عن القادة الشانكاريين الذين عرضنا لهم سابقا؛ لأنها لم تكن جزءا من أي مؤسسة تقليدية. ولم يتم تأهيلها رسميا، ولم تحصل على تدريب أيضا في شبابها على المسئوليات الدينية. وعلى الرغم من كونها من أسرة برهمية، فلم تتلق تعليما فيديا؛ لأنها امرأة، وتزوجت وهي في الثالثة عشرة من عمرها.
على مدار عدة سنوات بعد الاستقرار مع أسرة الزوج، كانت أنانداماي ما تنشد بانتظام أسماء الرب وتجلس للتأمل، وكانت في أغلب الأحيان تستغرق تماما فيما تفعله وتصبح غير مدركة لما يحدث حولها، وعندما بلغت السادسة والعشرين، كانت لديها خبرة مذهلة في التأهيل الداخلي (ديكشا) الذي آمنت بأنها منحت المانترا الخاصة بها فيه؛ أي الكلمة أو المقطع الذي يمكنها التأمل فيه. ولقد ذكرت لاحقا معنى عميقا في هذا الشأن، وهو أنها أدركت أن المعلم الروحاني والتلميذ والمانترا جميعهم شيء واحد، وليسوا منفصلين.
شكل 2-2: معلمة روحانية وتلميذاتها: نيليما ديفي تنقل لتلميذاتها روح الرقص.
يحمل هذا الإدراك قدرا كبيرا من التشابه مع ما وصفه بعض الزهاد الهندوس الآخرين. وهو أيضا ما عرفه الفلاسفة في تقليد شانكارا بأنه خبرة البراهمان؛ الحقيقة المطلقة الوحيدة التي تمثل في الوقت نفسه المبدأ العام والجانب الشخصي أو الروحاني لكل شخص (انظر الفصل الثالث). لكن أنانداماي ما لم تهتم بالتأمل أو الجدل الفلسفي، وإنما اهتمت بالوصول للحقيقة ومساعدة من يتلمسون منها العون. وشأنها شأن العديد من المعلمين الروحانيين الآخرين، سافرت كثيرا، والتقت بتلاميذ من كل الطوائف وعبرت لهم عن ملاحظاتها. كانت تتحدث بعملية، مع الإشارة إلى العالم الطبيعي، والعلاقات، والحياة العادية. وكانت نصيحتها للناس بشأن تحقيق التقدم الروحاني بسيطة ويسيرة؛ فقد دعتهم لتخصيص وقت محدد يكرسون فيه أنفسهم للحقيقة؛ وقت يحاولون فيه الاعتدال في عاداتهم، ومساعدة الآخرين باعتبارهم تجليات للإله، والسعي للسكينة. وشجعتهم على أن يحذوا حذوها؛ أن ينشدوا أو يتأملوا ليدركوا تدريجيا طبيعتهم الحقيقية.
نقلت أنانداماي ما المعرفة التي اكتسبتها من خلال خبرتها الخاصة بالأسلوب نفسه تقريبا الذي تتبعه الأمهات الهندوسيات عند تنشئتهن أطفالهن بحنان على الطقوس والقصص التي تناقلتها الأجيال في أسرهن؛ لذا، لقبها الكثيرون، بما في ذلك أصحاب الديانات الأخرى، بلقب «ما»؛ أي الأم، لكنها كانت أيضا طفولية شأنها شأن المعلمين الروحانيين الآخرين ؛ فكانت تمرح في تجربتها الروحانية وتنقلها في ابتهاج للآخرين.
تمثل أنانداماي ما استمرارية تقليد يرجع إلى زمن «أوبانيشاد» أو ما قبله، وهو التقليد الذي يسعى فيه التلميذ من كل قلبه إلى الحقيقة الروحية مسترشدا بالذات الداخلية لينعم بالتنوير. ويقال إن أنانداماي ما قد حظيت بما يعرف باسم «جيفانموكتي»؛ أي التحرر في هذه الحياة. وصارت شخصية يبحث عنها الآخرون للحصول على الحكمة التي يمكنها نقلها. وفي الفصل التالي، سنتعرف على المزيد من المعلومات حول معنى هذه الذات الداخلية والحقيقة التي تكشفها في الهندوسية.
الفصل الثالث
فهم الذات
لقد استمر المعلمون الروحانيون في القرن العشرين في تعليم تلاميذهم وإرشادهم بالأساليب التقليدية مع استخدام تقنيات اتصال حديثة في الوقت نفسه، وأهمها الكلمة المطبوعة، ووسائل النقل الحديثة، ومؤخرا الكمبيوتر والإنترنت. وبفضل ذلك، يحظى عدد من المعلمين الروحانيين بأتباع على مستوى العالم، والجماعات الناجحة المتمركزة حول معلم روحاني، مثل إرسالية سوامينارايان الهندوسية والجمعية الدولية للوعي بكريشنا، وحركة شايفا سيدهانتا، لديها مراكز في الهند وخارجها، ويسافر معلموها حول العالم لزيارة تلاميذهم، وآخر هذه الجماعات حركة هندية جنوبية يقودها في الغرب معلم روحاني يدعى سيفايا سوبرامونياسوامي، وهو أمريكي المولد وهندوسي شايفا الأصل. استخدم سيفايا وسطا يتمثل في صحيفة توزع عالميا، وهي «هيندويزم توداي»، للوصول إلى التلاميذ الحاليين والمحتملين، وغيرهم من الأشخاص المهتمين بالأمر. وأي شخص يرغب في معرفة أفكار هذا الرجل حول الطبيعة ومصير الذات يمكنه الوصول إليها عن طريق البحث في أرشيف الصحيفة السالفة الذكر على الإنترنت. وفي إصدار نوفمبر 1996 من «بابليشرز ديسك»، أجاب سيفايا سوبرامونياسوامي على سؤال «من أنا؟» قائلا:
يشير الحكماء (ريشي) إلى أن هويتنا لا تكمن في أجسادنا أو عقولنا أو مشاعرنا، وإنما نحن أرواح سماوية في رحلة معجزة. لقد أتينا من الإله، ونعيش في الإله، ونتطور لنصير واحدا مع الإله! نحن، في الحقيقة، الحقيقة التي نسعى إليها. أوم.
نحن أرواح خالدة تعيش وتنمو في مدرسة الخبرة الدنيوية العظيمة التي نعيش فيها حيوات عديدة. وقد منحنا حكماء «فيدا» الشجاعة بالنطق بحقيقة بسيطة؛ وهي أن «الإله هو حياة حياتنا.» وذهب حكيم عظيم إلى ما هو أبعد من ذلك بقوله إن ثمة شيئا واحدا فقط لا يمكن للإله فعله، ألا وهو الفصل بينه وبيننا؛ وذلك لأن الإله هو حياتنا. الإله هو الحياة في الطيور! الإله هو الحياة في السمك! الإله هو الحياة في الحيوانات!
إن إدراك هذه الطاقة الحياتية في كل ما يحيا يعني إدراك الوجود الحنون للإله داخلنا. نحن الوعي والطاقة الأبديان المتدفقان في كل شيء.
والتلاميذ الذين التزموا باتباع تعاليم هذا المعلم الروحاني يمكنهم الوصول إليه أيضا مباشرة عن طريق البريد الإلكتروني، ليطرحوا عليه ما لديهم من أسئلة بشأن الروح أو الذات، وبذلك، تكون لدينا صورة جديدة لفكرة قديمة موجودة في «أوبانيشاد»؛ وهي صورة الباحث عن الحقيقة لدى أحد الحكماء. وعلى الرغم من أن العلاقة بين التلميذ والمعلم الروحاني لا تكون عميقة حتى يتأهل الأول على يد الأخير، يمكن للباحث عن الحقيقة الحصول على إجابات مبدئية عن الأسئلة الوجودية والعملية بغض النظر عن المسافة أو الطائفة أو الجنسية أو النوع أو الدين.
لاستكشاف المزيد من الأفكار الهندوسية عن الذات، من المفيد الرجوع إلى قصة أقدم بكثير يتلقى فيها تلميذ التعليم على يد معلمه الروحاني. تخيل تلميذا شابا في العشرينيات من عمره يدعى شفيتاكيتو، ومعلمه الذي هو في الأساس والده، والذي يدعى أودلاكا أروني. كان شفيتاكيتو قد درس «فيدا» بالفعل، واعتقد بذلك أنه قد تعلم، وعاد إلى منزل والده. وهناك، اكتشف والده أن ابنه، بالرغم من سنوات دراسته، لم يكن يدرك طبيعة الحقيقة الصحيحة إدراكا كاملا. وباستخدام مثال ثمرة التين، يوضح أودلاكا أن الجوهر نفسه موجود في كل شيء: فسمات ثمرة التين موجودة في الفاكهة، وفي البذور الموجودة بداخلها، وفي الشجرة التي طرحت منها. ولتأكيد فكرته، يعلم الأب ابنه باستخدام مثال الملح:
ضع هذه الكمية من الملح في إناء به ماء، واتركها حتى الغد.
نفذ الابن ما أمر به، وقال له والده: «أحضر إلى هنا الملح الذي وضعته في الماء الليلة الماضية.» فتلمس الابن مكان الملح في الإناء، لكنه لم يجده؛ لأنه كان قد ذاب تماما.
فقال الأب: «والآن، ارتشف رشفة من هذا الجانب، ما مذاق الماء؟» - ملح. - ارتشف رشفة من المنتصف، ما مذاقها؟ - ملح. - ارتشف رشفة من ذلك الجانب، ما مذاقها؟ - ملح. - «تخلص من الماء، وعد في وقت لاحق.» ففعل الابن ما أمر به، ووجد أن الملح كان موجودا دائما في الإناء. وقال له والده: «أنت، بالطبع، لم تره هناك يا بني، لكنه كان موجودا دائما هناك، هذا هو الجوهر الدقيق الذي تتألف منه ذات هذا العالم بأكمله، هذه هي الحقيقة؛ هذه هي الذات (أتمان). وهذا ما أنت عليه يا شفيتاكيتو!
أوبانيشاد: أوبانيشاد تشاندوجيا
إن عبارة «هذا ما أنت عليه» ترجمة لعبارة سنسكريتية شهيرة هي
Tat tvam asi . وتعبر هذه العبارة عن فكرة أن الحقيقة التي تكمن في كل شيء وتمثل جوهره هي نفسها حقيقة ذات شفيتاكيتو (أتمان)، وهذه الحقيقة أو الذات هي قوة الحياة (براهمان) في كل من العالم والبشرية، وينظر إلى هذه الكلمات الثلاث المهمة
Tat tvam asi
على أنها تحتوي على حقيقة مهمة بشأن طبيعة الحقيقة، وأن لديها القدرة على تحقيق إدراك الذات. وبالإضافة إلى ظهور هذه العبارة وغيرها من العبارات الأخرى المهمة في «أوبانيشاد»، فهي توجد أيضا في مجمع للحكم متأخر يعرف باسم «براهما-سوترا» أو «فيدانتا-سوترا». ولقد لخص هذا النص تعاليم «أوبانيشاد» حول الحقيقة المطلقة (براهمان)، وصار جوهريا في نظام فلسفي يعرف باسم «فيدانتا» (انظر الإطار التالي). وكان نظام فيدانتا أحد الأنظمة الفلسفية التقليدية الستة (دارشانا) في الهندوسية؛ وكان نظام «يوجا» أحد هذه الأنظمة أيضا (انظر الملحق).
لفهم المزيد عن نظام فيدانتا الفلسفي، ولا سيما ما يقوله عن الذات، سوف نلقي نظرة سريعة على كيفية فهم ثلاثة فلاسفة وعلماء لاهوت في الوقت نفسه للذات، واستمرار أهمية أفكارهم بالنسبة إلى الحركات الهندوسية الحديثة؛ كان شانكارا ورامانوجا ومادهفا برهميين من جنوب الهند واشتهروا بمهارتهم في التأويل الفلسفي. وصاروا معروفين بمناهجهم المختلفة المتعلقة بنظام فيدانتا. فقدم كل منهم تفسيرا مختلفا متسقا مع تقليد فيدانتا، لكنه وثيق الصلة في الوقت نفسه بالزمن الذي عاش فيه، وسوف نتعرف على المزيد من المعلومات حول هؤلاء الشخصيات بعد قليل، لكننا سنتناول أولا صلتهم بالهندوسية المعاصرة.
عندما تعرف الغربيون لأول مرة على الروحانية الهندوسية في أواخر القرن التاسع عشر على يد معلم رحالة يدعى فيفيكاناندا (انظر أيضا الفصل السادس)، حصلوا على تفسير عصري لأفكار شانكارا عن نظام فيدانتا الفلسفي. وتعلموا منه أن الحقيقة المجردة المطلقة هي أيضا الإله الشخصي الذي عبده الناس، وأن هذا الإله هو أيضا الذات العليا الموجودة داخل كل إنسان، فيقول فيفيكاناندا: «إنه هو أنت، نفسك» (وهي عبارة مشابهة لعبارة «هذا ما أنت عليه».)
نظام فيدانتا الفلسفي ومعتنقوه
فيدانتا هو نظام فلسفي ركز فيه الباحثون على دراسة النصوص الفيدية المتعلقة بالحقيقة المطلقة (البراهمان). ومن أهم هذه النصوص «أوبانيشاد» و«بهاجافاد جيتا» و«براهما سوترا». واعتنق الكثير من الباحثين هذا النظام الفلسفي، منهم ثلاثة أثروا بنحو خاص في تاريخ الفكر والممارسة الهندوسيين. وتنوعت أفكار هؤلاء الباحثين ما بين فهم العلاقة بين الحقيقة المطلقة والذات باعتبارهما متطابقين (شانكارا) وفهم الانفصال والاختلاف بينهما (مادهفا). (1) شانكارا (788-820 ميلاديا)
مؤمن باللاثنائية أو أدفايتا فيدانتا.
لا يزال النظام الذي أسسه شانكارا قائما إلى الآن في سرينجيري، ودواركا، وبادريناث، وبوري، وكانتشي.
يظهر أثر أفكار شانكارا أيضا في فيفيكاناندا، وجماعة راماكريشنا، وجمعية فيدانتا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يزال الزهاد والباحثون الهندوس يفسرون الأدافيتا فيدانتا. (2) رامانوجا (1017-1137 ميلاديا)
مؤمن باللاثنائية المؤهلة أو فيشيشتادفايتا فيدانتا.
إن نظام شري فايشنافا، الذي كان رامانوجا زعيما له وتدرس فيه فلسفته، لا يزال قائما إلى الآن ومركزه سريرانجام في جنوب الهند.
حركة سواميناريان في جوجارات هي أحد أنواع السامبرادايا التي تزعم أن أصولها ترجع لتلاميذ رامانوجا. (3) مادهفا (القرن الثالث عشر الميلادي)
مؤمن بالثنائية أو دفايتا فيدانتا.
إن المعبد والدير الموجودين في أوديبي، اللذين شيدهما مادهفا في القرن الثالث عشر، لا يزالان موجودين إلى الآن.
تزعم الجمعية الدولية للوعي بكريشنا (وحركة جاوديا فايشنافا ماث البنغالية التي ترجع أصول هذه الجمعية إليها ) أن أصولها ترجع لتلاميذ مادهفا من خلال تشيتانيا صاحب الشخصية الجذابة الذي عاش في القرن السادس عشر.
صارت هذه الصورة العصرية لنظام فيدانتا الفلسفي غير الثنائي لشانكارا واسعة الانتشار في الغرب؛ الأمر الذي جعل العديد من المعلقين يفترضون أنها سمة أساسية للهندوسية ككل. ولم يدركوا وجود وجهات نظر مختلفة تماما ومقنعة بالقدر نفسه حول الإله وعلاقته بالذات البشرية. وعندما بدأ الباحثون والدارسون في زيارة الهند بأعداد كبيرة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، التقوا بمعلمين روحانيين وحركات تمثل وجهات نظر أخرى فيما يتعلق بنظام فيدانتا، وكانت الشعبية الواسعة الانتشار للهندوسية التأليهية التعبدية، التي قامت على أفكار رامانوجا ومادهفا اللاهوتية وتلاميذهما فيما بعد، واضحة في جميع أنحاء الهند وخارجها أيضا بين المهاجرين الهندوس. وما بين سامبرادايا شري-فايشنافا التقليدي في جنوب الهند والحركات المعاصرة للسوامينارايان في جوجارات ولهار كريشنا (الجمعية الدولية للوعي بكريشنا) في البنغال وما وراءها، ازدهر اللاهوت التعبدي الذي تحدى الأفكار غير الثنائية المبكرة بشأن الحقيقة المطلقة والذات.
لكن ماذا كانت هذه الأفكار؟ ولماذا كانت مهمة للغاية لتطور الهندوسية؟ (1) شانكارا
تعني كلمة «أدفايتا» اللاثنائية. واستخدام هذه الكلمة في وصف مفهوم شانكارا عن نظام فيدانتا يشير إلى عدم إمكانية الفصل بين الماء والملح في قصة شفيتاكيتو. فمن وجهة نظر شانكارا، الحقيقة المطلقة والذات متماثلتان، وتمثلت مهمته في تفسير أسباب فشل الناس في إدراك ذلك. ومن الأساليب التي اتبعها لفعل ذلك الإشارة إلى مثال المسافر الذي اعتقد خطأ أن حبلا ما هو ثعبان، وكون انطباعا خاطئا (ثعبانا) عن الحقيقة (الحبل). وذكر شانكارا الصور العديدة التي فهم بها مختلف الناس - أو بالأحرى أخطئوا في فهم - الذات؛ على سبيل المثال، بمساواتها بالجسم أو الأعضاء الحسية أو العقل. كون كل هؤلاء الناس فكرة خاطئة عن الذات (أتمان). أما شانكارا، فرأى أن أتمان ليست في الحقيقة سوى براهمان. ولا توجد أي تعددية في الوعي أو الكينونة، فكلها واحد. ويتحقق التحرر عن طريق التخلص من الجهل، وتعلم كيفية التمييز بين ما هو أبدي وما بدا كذلك فقط، ثم اكتساب المعرفة عن هوية الذات من خلال البراهمان.
ظلت البوذية، في نظر المجتمع البرهمي، تمثل تهديدا كبيرا في الهند؛ لذا، استعان شانكارا ببراعة بأساليب بحثية استخدمت من قبل في الفلسفة البوذية لإعادة التأكيد على الأفكار البرهمية. ومن خلال إقرار مستوى أدنى مشروط من المعرفة تقدر فيه صور التمييز، مثل التمييز بين الحبل والثعبان، تمكن شانكارا من تفسير الأهمية التي أعطيت في «فيدا» للنشاط الطقسي وتقديم القرابين للآلهة. وفرق بين ذلك والمستوى الأعلى أو المطلق الذي يكون فيه كل شيء واحدا والحقيقة غير ثنائية. (2) رامانوجا
اختلفت مهمة رامانوجا، الذي كان يعلم الناس بعد أكثر من قرنين في سياق ديني مختلف، فعلى عكس شانكارا، لم يكن عليه التغلب على شعبية البوذية، وإنما التزم بالترويج لدين الفايشنافا، وهم أتباع الإله فيشنو، عن طريق تقديم الدعم الفلسفي لمزاعمهم التعبدية. عبد رامانوجا فيشنو، وكان ضليعا في «الملاحم»، و«البورانا»، والشعر الخاص بمنطقته. واستندت أفكاره إلى عمل شانكارا، الذي كان قد قبله المجتمع البرهمي واعتبر منهجا محافظا بحلول العصر الذي عاش فيه رامانوجا. واتفق رامانوجا مع فكرة أن الحقيقة المطلقة غير ثنائية، لكنه اختلف بشدة مع شانكارا بشأن طبيعة البراهمان، والذوات الفردية، والعالم. وكان حادا في نقده، واتهم أتباع شانكارا بالخطأ ونقص البصيرة، واستند في زعمه إلى أمثلة من مجموعة واسعة النطاق من النصوص المقدسة.
كان زعمه الأساسي هو أن ما لدينا من قناعة قوية بأننا مختلفون بعضنا عن بعض وعن الإله ليست خاطئة، مثلما يدعي شانكارا. واستنتاجات حواسنا ومشاعرنا ليست وهمية. وإنما تشير إلى حقيقة عميقة، وهي أن الحقيقة المطلقة مؤهلة داخليا (فيشيشتا). علاوة على ذلك، فإن الحقيقة المطلقة ليست موضوعية ومن دون سمات، كما أكد شانكارا، فرأى رامانوجا أن هذه الحقيقة هي إيشفارا؛ أي الإله الذي يتطلع إليه كل من يسعى للهروب من العذاب؛ ومن ثم، فإن براهمان ليس سوى الكائن الأسمى أو الإله المذكور في «الملاحم» و«البورانا».
لكن ما العلاقة إذن بين الذات وهذا الكائن الأسمى؟ إن الإله هو المتحكم الداخلي في كل من الذوات الفردية والعالم. وقال رامانوجا إنه مثلما يعد الجسم البشري أداة الذات الموجود بداخلها، يرتبط العالم والذوات بالإله. إن معرفة الإله تساعدنا على التحرر، لكن فضل الإله واستجابة الذات المستسلمة ضروريتان أيضا. (3) مادهفا
أيد مادهفا وجهة نظر رامانوجا إلى حد كبير، لكن رد فعله على أفكار شانكارا كان مختلفا بدوره. فعندما زهد مادهفا في الدنيا وانضم إلى إحدى جماعات الفايشنافا في سن السادسة عشرة، تعلم نظام فيدانتا الفلسفي وطور تدريجيا نقده الخاص له (دفايتا). وشأنه شأن رامانوجا، استخدم مجموعة متنوعة من نصوص «فيدا» و«بورانا»، والنصوص التعبدية اللاحقة، لكنه ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك باستنتاجه أن تعاليم النصوص المقدسة لا يمكن فهمها إلا بمنظور الثنائية؛ أي بالتأكيد على التمييز الكامل بين الإله والذات؛ فالبراهمان والأتمان ليسا متطابقين، علاوة على ذلك، رأى مادهفا أن الذوات مختلفة بعضها عن بعض، وعن العالم. وحتى داخل العالم نفسه، رأى مادهفا أن الظواهر مختلفة بعضها عن بعض. فكل شيء موجود داخل إطار إرادة الإله الأعلى، لكن مع احتفاظه بخصوصيته. ويتطلب التحرر من العذاب والانبعاث فضلا من الإله، واعتمادا عليه، وتعبدا نشطا عن طريق عبادته في صورة أيقونة (مورتي). ووضع مادهفا أيقونة للإله كريشنا في ديره في أوديبي؛ حيث ظلت في مكانها ليراها الحجاج إلى يومنا هذا.
على الرغم من أن كلا من هؤلاء الفلاسفة وعلماء اللاهوت الثلاثة قد كتب تعليقات على نصوص الفيدانتا الرئيسية، فقد توصلوا إلى نتائج مختلفة اختلافا كبيرا بعضها عن بعض فيما يتعلق، على سبيل المثال، بمعنى العبارة التي تعرضنا لها في قصة شفيتاكيتو: «هذا ما أنت عليه.» فرأى شانكارا أن هذه العبارة تشير إلى اللاثنائية؛ بمعنى أنه لا يوجد اختلاف بين الحقيقة المطلقة والذات. ومن وجهة نظر رامانوجا، كان المعنى الضمني للعبارة هو عدم الاتحاد؛ أي إنها أشارت إلى أن البراهمان والأتمان يختلفان بعضهما عن بعض على الرغم من ارتباطهما الواضح. أما مادهفا، فكان رأيه أن الاثنين منفصلان انفصالا تاما، وإن كان يرى أن الذات تظهر في صورة الرب ويسكنها شاهد داخلي إلهي.
على الرغم من أن هؤلاء الفلاسفة والعلماء الثلاثة هم أشهر الباحثين في نظام فيدانتا الفلسفي، فثمة باحثون آخرون، أغلبهم من الفايشنافا مثل رامانوجا ومادهفا، الذين يتغنون بأمجاد فيشنو أو كريشنا، وعمل آخرون، ولا سيما من بجلوا الإله شيفا، خارج تقليد نظام فيدانتا، معتمدين على النصوص التنترية في تطوير أفكارهم اللاهوتية.
اليوم، لا يزال التلاميذ في المؤسسات الدينية المرتبطة بشانكارا ورامانوجا ومادهفا يسمعون ويناقشون هذه الاستنتاجات الفلسفية. فلا يزال القادة الشانكاريون، الذين عرضنا لهم في الفصل السابق، يبشرون باللاثنائية (أدفايتا فيدانتا). وأتباع نظام شري فايشنافا الموجودون في جنوب الهند هم الورثة الطبيعيون للاهوت رامانوجا. ولا يزال الدير الموجود في أوديبي يعلم الثنائية التعبدية التي نادى بها مادهفا. كما أن حركة شايفا سيدهانتا، التي ذكرت في بداية هذا الفصل، تعلم اللاهوت الذي طوره علماء اللاهوت الشايفا القدامى. وفي وقت سابق من هذا القرن، رأى الكثير من المعلقين أن اللاثنائية التي آمن بها شانكارا، هي أهم إنجاز فكري هندي. لكن ساعد، مؤخرا، الوعي بأهمية الحركات التعبدية الهندوسية على إعادة التأكيد على أهمية وجهات النظر التأليهية التي تركز على علاقة المحبة بين المتعبدين وإلههم المختار.
ليست هذه الأفكار الفلسفية، في الواقع، موضوعا للمناقشة اليومية لدى أغلبية الهندوس، لكنها تمثل أساس فكرة الهندوس عن الإله. فتحديد إن كان الهندوسي يؤمن بحقيقة موضوعية مطلقة أم بإله شخصي له نتائج مهمة على ممارسته الدينية ورحلته الروحانية. ويعد اكتساب المزيد من المعرفة عن الحقيقة المطلقة وعلاقتها بالذات أمرا مهما للحقيقة المطلقة، بينما تعد الصلاة والعبادة محوريين للذات. لكن ثمة فكرة دينية واحدة يشير إليها كل الهندوس عادة؛ ألا وهي «الكارما». (4) الكارما واليوجا والذات
لا تكتمل أي مناقشة موجزة حول الآراء الهندوسية عن الذات دون النظر في مفهومين معروفين؛ ألا وهما «الكارما» و«اليوجا». إنهما كلمتان يعرفهما الجميع، ليس فقط في الهند وإنما أيضا في الغرب؛ حيث ترتبط الكارما عادة بالقدرية والتناسخ، وتمارس اليوجا - عادة الهاثا يوجا (اليوجا الحركية) - لتحسين الصحة والعافية. ولقد ذكرت هاتان الكلمتان في «أوبانيشاد» و«بهاجافاد جيتا»، وناقشهما شانكارا ورامانوجا ومادهفا. وعرفهما - بوصفهما أفكارا - الزاهدون أو الحكماء في الهند القديمة.
أي شخص يعرف قصة بوذا سيدرك أن المجتمع الهندي القديم في عصر بوذا كان مكانا للبؤس والشقاء في نظر الباحث الروحاني. فالسعادة زائلة وسرعان ما يحل محلها التقدم في السن والمرض والموت. وأوضح الباحثون أيضا أن ذلك الوقت شهد تغيرا اجتماعيا وسياسيا؛ إذ اتسعت المدن وقضي على نمط الحياة الزراعية وتآكل تنظيمها الاجتماعي. ومع التنمية الحضرية، سنحت فرصة أكبر للتنقل والتواصل. وانتقلت الأفكار الجديدة من مكان إلى آخر، وهكذا الحال بالنسبة إلى الناس. واشترك الكثير ممن نبذوا المجتمع ليرتحلوا ويعيشوا حياة الزهد من وجهة النظر القائلة بأن شخصية المرء أو ذاته يتقمصها جسد جديد عند الموت، وتدفع دورة الانبعاث (سامسارا) سلسلة من الأسباب والنتائج المرتبطة بالأفعال (كارما). وتمر كل الكائنات الحية بهذه الدورة. وعلى الرغم من أن الأفعال الصالحة قد تؤدي إلى نتائج سارة وميلاد أفضل، فقد رأى الكثيرون أن العذاب والحتمية المتأصلين في هذه العملية لا يمكن تحملهما. ومن ثم كان السعي للتحرر من الميلاد المتكرر المستمر؛ إذ حاول الزاهدون إيقاف هذه الدورة باستخدام سبل عدة، مثل عزل أنفسهم عن المجتمع، والصيام ومعاقبة النفس جسديا، وإحاطة أنفسهم بأشياء تذكرهم بالعذاب والموت، والاعتكاف للتأمل. ومن خلال هذه السبل، سيتوقف العمل ونتائجه وسيكون التحرر ممكنا.
شكل 3-1: تناسخ الذات.
وقد تم تناول المشكلات المتعلقة بالعمل والميلاد المتكرر بعد عدة قرون في «بهاجافاد جيتا». ففيه نجد أرجونا يسأل سائق عجلته الحربية، كريشنا، إن كان يجب عليه الدخول في معركة ضد أحد أقاربه. ويقدم كريشنا، الذي هو في الحقيقة الإله الأعلى متنكرا، التوجيه لأرجونا كمعلم روحاني مشيرا إلى مسألة العمل النابع من الشعور بالواجب، وشارحا رحلة الذات وسبل تحررها. ويوضح لأرجونا الحائر أن الذات أو الروح المتجسدة لا تموت في المعركة، وإنما تنتقل إلى جسد جديد: «لا يمكن طعنها، أو حرقها، أو بلها، أو تجفيفها. إنها غير متغيرة، وموجودة في كل مكان، وثابتة، وغير متحركة، وخالدة.» ويذكر كريشنا أرجونا بواجبه الاجتماعي والديني (دارما) بصفته عضوا في طبقة المحاربين، ويعلمه آداب العمل. ويفترض أرجونا أن كريشنا يؤمن بأنه يجب نبذ العمل، شأنه شأن الزهاد.
لكن رد كريشنا جاء عاليا وواضحا: «لا يتحرر الإنسان من نتائج العمل عن طريق الامتناع عن العمل نفسه، ولا يصل إلى الكمال بنبذ العمل.» ويواصل كريشنا حديثه موضحا أن ما يجب نبذه هو نتائج العمل، وليس العمل نفسه؛ فيجب ألا يرغب الإنسان في مكافآت معينة، وألا يفتخر بنفسه بوصفه فاعلا لأمور عظيمة. ويجب أن يكون المرء راضيا عن نفسه، ويقدم العمل ونتائجه كقربان للإله. وهذا هو أدب الكارما يوجا. وبعد أن علم كريشنا أرجونا ذلك، يشرح له سبلا أخرى جيدة يمكنها - إن اتبعت باستمرار - أن تمنح أي باحث الرزانة، والتحرر في نهاية الأمر. ولقد ركز كريشنا - الذي اتضح تدريجيا في الأغنية أنه إله الكون الذي قد يجد لديه كل الباحثين الملاذ - على جنانا يوجا (الطريق إلى المعرفة) وبهاكتي يوجا (طريق الإخلاص في العبادة) بوجه خاص، وهما المفهومان اللذان سنعود لتناولهما في الفصل الخامس من هذا الكتاب.
في الفصل السادس من «بهاجافاد جيتا»، يناقش كريشنا ممارسة خبير اليوجا، وإن كان يوصي بهذا الطريق للقادرين فقط على التحكم القوي في الذات وتقرير المصير. ويصف كيف يجب أن يجلس ذلك الشخص، وكيف يجب أن يتحكم في حواسه وغرائزه، وكيف يجب أن يركز على عقله. ويعد كل من التركيز على الذات، وكبت الأهواء، والمحافظة على الهدوء أهم معالم هذا الطريق، الهادف إلى الهناء. ما يصفه كريشنا هنا ليس الهاثا يوجا الأكثر مشقة من الناحية البدنية، التي يتخذ فيها الممارسون أوضاعا صعبة؛ وليس السيدها يوجا التي يكتسب خبراؤها قدرتي الارتقاء والتخاطر، والقدرة على الاختفاء أو تحمل الألم. وإنما ما يصفه يشبه الممارسة التي أشار إليها باتانجالي في كتابه «يوجا سوترا» باسم «راجا يوجا»؛ أي اليوجا الملكية أو العليا، وهي يوجا تأملية تكمن أهم إنجازاتها في «سامادهي»؛ أي التركيز العميق الذي يؤدي إلى تحرر الذات.
وفي «بهاجافاد جيتا»، يطرح كريشنا فكرتين مبتكرتين؛ الأولى: هي «كارما يوجا» التي تمنح الباحثين العاديين إمكانية إضفاء معنى روحاني على أفعالهم اليومية؛ والثانية: هي مفهوم أنه لا يوجد سبيل واحد للتحرر، وإنما عدة سبل؛ بحيث يجد الباحثون أكثر السبل الملائمة لحالاتهم المزاجية وأوضاعهم. ولم ينس كريشنا من همشتهم الديانة البرهمية. فتم الاعتراف بالنساء وذوي الأصول الدنيا بوصفهم باحثين، ودعوتهم لتقديم أنفسهم وأعمالهم وهدايا بسيطة مثل الماء أو زهرة أو ورقة شجر أو ثمرة إلى كريشنا.
يحول «بهاجافاد جيتا» المفهوم المتشائم القديم القائل بأن نتائج العمل تؤدي إلى ميلاد متكرر وتناسخ مستمرين للذات إلى نظام إيجابي للتحول الشخصي. وفي عصور أحدث، شهدت الكارما والكارما يوجا تأييدا مجددا. وقد أوصى قوميون دينيون من أمثال بال جانجادهار تيلاك ومهاتما غاندي بالكارما يوجا في كفاح الهند من أجل الحكم الذاتي، وبوصفها سبيلا لإدراك الذات لدى الهندوس المعاصرين المنشغلين. واعتقد باحث هندوسي معاصر أيضا يدعى أرفيند شارما بأهمية الكارما والكارما يوجا في إعادة التفكير في مسألة الطوائف الهندوسية.
يعرفنا «ريج فيدا» والفصل الثاني من «بهاجافاد-جيتا» على فكرة الطبقات الأربع في المجتمع البرهمي. وكان من المتوقع من أرجونا، بصفته محاربا، أداء واجبه تجاه طبقته وعدم الوقوع ضحية إغراء محاكاة واجبات الآخرين لمجرد أنها تبدو أكثر جاذبية أو أهمية، أو أقل إثارة للجدل. ونوقشت هذه الفكرة عن الواجب الاجتماعي بمزيد من التفصيل في «مانوسمريتي»؛ حيث تم تناول عواقب إهمال المرء لواجبه بقدر كبير من الجدية. فيعاقب المرء على الأفعال المناقضة للواجب أو الدارما بطرده من جماعته الاجتماعية أو بميلاده على نحو أدنى في الحياة التالية.
يتناول أرفيند شارما هذه المشكلة بأسلوب مباشر في كتابه «الهندوسية في عصرنا». فهو يؤمن بضرورة فهم الرابط بين الكارما والمجتمع الهندي القائم على نظام الطوائف، ونقله للآخرين، فيقول: «من وجهة النظر الهندوسية التقليدية، يتحدد ميلاد الشخص في طائفة معينة بالكارما الخاصة به في حياة سابقة.» فيحصل الهندوس على هويتهم الطائفية عند الميلاد؛ إذ يولدون في أسرة داخل طائفة معينة بسبب أعمالهم في حياة سابقة. والذات، على نحو مطلق، لا تتأثر بذلك، وإنما في كل مرة تجسد فيها الذات، تجد نفسها داخل طائفة معينة مع كل الواجبات والظروف المرتبطة بذلك الوضع.
من اليسير التفكير من وجهة نظر قدرية في هذا الشأن، ولقد قدم الكثير من المعلمين الهندوس، الذين يقتدون بكريشنا في «بهاجافاد جيتا»، وصفات روحانية للتعامل مع هذه المسألة. ويتمثل الحل المعاصر الذي قدمه أرفيند شارما في أن التفكير في الكارما على نحو قدري ليس مفيدا، في الواقع؛ لأننا بوصفنا بشرا لدينا القدرة في أي لحظة على تغيير سلوكنا؛ ومن ثم عواقب هذا السلوك على مستقبلنا؛ لذا، فإن الإرادة الحرة هي التي تميز عمل الكارما، لا القدرية. علاوة على ذلك، إذا تقبلنا فكرة أن الكارما ليست عملية سبب ونتيجة بين الحيوات بقدر كونها ذلك داخل حياة واحدة، فإن ذلك سيغير الكثير. فما نفعله في هذه اللحظة له نتائج على ما سيحدث لنا في الدقائق القليلة القادمة، أو في الأسبوع المقبل، أو بعد عشر سنوات. إن الحياة المعاصرة التي تمتد لسبعين أو ثمانين عاما تساوي ما كان على الأرجح ثلاث حيوات منفصلة في الماضي عندما كانت الحياة قصيرة وصعبة (مع ميلاد واحد في طائفة واحدة، بينما كان الميلاد ثلاث مرات النموذج السائد في السابق)؛ ومن ثم، فإن ما يصير مهما من هذا المنظور ليس الطائفة باعتبارها مؤشرا على كارما الحياة السابقة، وإنما الكارما الحالية ونتائجها على الإدراك الذاتي المتطور للشخص وعلاقاته المتطورة مع الآخرين. إن إعادة التركيز على الكارما بهذا الأسلوب، وفقا لشارما، يقلل من أهمية الطائفة وصور الظلم فيها؛ فالمجتمع الذي يدرك فيه كل شخص أنه يتحمل مسئولية مباشرة فيما يتعلق بتحسين مستقبل هذا العالم بدلا من حياته القادمة؛ سيكون مجتمعا يختفي فيه النظر إلى الطائفة باعتبارها مقياسا للأعمال السابقة. ويقول شارما إن تعاليم كريشنا حول أهمية العمل في العالم مع نبذ نتائج هذا العمل، هي التي تجعل ذلك ممكنا.
الفصل الرابع
الأبطال المقدسون: التقليد الملحمي
ماذا كان يفعل ثمانون مليون هنديا في الساعة التاسعة والنصف من صبيحة كل يوم أحد في عام 1987؟
لقد كانوا يجلسون في منازلهم أو مقاهيهم - أو أي مكان يوجد به تليفزيون - لمشاهدة الدراما المليئة بالأحداث الخاصة بالإله راما وزوجته سيتا وأخيه لاكشمانا في الملحمة التليفزيونية «رامايان». لم يسأم أحد منها، على الرغم من معرفتهم المسبقة للقصة. وفي الواقع، عندما انتهت حلقات المسلسل في البداية بعد 52 أسبوعا، وصل الأمر ببعض المتفرجين إلى الإضراب عن العمل مطالبين بإنتاج المزيد من الحلقات لاستكمال القصة (وأنتجت بالفعل 26 حلقة أخرى). وفي مناسبة أخرى قبل نهاية المسلسل بفترة قصيرة، وعندما كان الشرير رافانا على وشك أن يقتل، قطع المعجبون بالمسلسل رحلات طويلة وصولا إلى الاستوديو التليفزيوني الذي يصور فيه المسلسل للمناشدة بالعفو عنه. لم يكن المسلسل عرضا عاديا يتناول مشاكل الحياة اليومية، وإنما كان ظاهرة مقدسة مثلما وصفه مخرجه الذي صار شهيرا الآن، راماناند ساجار؛ فقد بث إلهاما بالتعبد واسع الانتشار، بل وشعورا مؤقتا أيضا بالوحدة الوطنية؛ إذ ضم طاقم التمثيل والمتفرجين؛ سيخا ومسلمين وهندوسا. كان أشبه بالعرض الطقسي منه بالسرد التليفزيوني؛ فاختير الممثلون وصممت الملابس والحوار والديكور والمؤثرات الخاصة للإيحاء بعالم سماوي، لا بشري. وصار الممثلون يعرفون بالآلهة والشياطين الذين مثلوا شخصياتهم، وصار الناس يلمسون أقدامهم ويطلبون البركة منهم.
شكل 4-1: راما وسيتا في معالجة قناة دوردارشان التليفزيونية لملحمة «رامايانا».
هذه القصة الهندية الشهيرة عن راما، التي رويت وتذكرت وأعيدت روايتها على مدار ما يزيد عن ألفين وخمسمائة من السنين، معروفة لكل الهندوس ولعدد هائل من الناس الآخرين حول العالم؛ يسمعها الأطفال الهندوس الصغار من آبائهم أو أقاربهم، ويتعلمها الأطفال في المدارس عندما يحين عيد ديفالي، ويسمعها القرويون من الرواة أو يرونها تعرض على المسرح الشعبي (رامليلا) وفي عروض العرائس، واليوم صار بإمكان من لديه منهم أجهزة تليفزيون وفيديو تشغيل المسلسلات المفضلة لديهم حول هذه الملحمة وإعادة تشغيلها أكثر من مرة.
على الرغم من الاندهاش الذي أصاب المتابعين بسبب النجاح الاستثنائي الذي حققه مسلسل «رامايان» التليفزيوني، بل ومدحهم له أيضا لتمكنه من تقديم موضوع ديني ومسائل أخلاقية لهذا العدد الهائل من الجماهير عبر وسط تجاري؛ فقد تعرض لبعض الانتقادات. وكان النقد موجها للإفراط العاطفي في المسلسل، والتعصب الجنسي، والافتقار إلى الدقة، والأخلاقيات المبالغ فيها. واحتقر البعض روح الإذعان القومي التي بدا أن المسلسل كان يسعى لخلقها. ولعل أهم الانتقادات من جانب من أكدوا على الأهمية الدينية للمسلسل هو أنه قد تبنى رواية معينة للقصة وما يرتبط بها من قيم وأفكار.
ربما توجد الآلاف من الروايات لملحمة «رامايانا» أو قصة راما. وأكثرها شهرة هي الرواية المنسوبة لفالميكي التي نقلها إليه الحكيم نارادا، لكن هناك العديد من الروايات الأخرى المكتوبة، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الروايات الشفهية. وتركز هذه الروايات على شخصيات مختلفة؛ فالكثير منها يركز على راما نفسه بينما تركز أخرى على سيتا. ويركز بعض الروايات على الشيطان رافانا، ولا تصوره كشخصية شريرة، وإنما كشخصية قوية وشجاعة، وربما تعرضت أيضا للتضليل، بل وتصوره أيضا كبطل شرير أو ثائر ملتزم. ولقد ترجمت هذه الملحمة لعشرات اللغات، وتم تمثيلها في دول جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية. فهل الروايات والأنواع الفنية المختلفة والمتعددة التي نقلت من خلالها قصة راما تشير إلى تنوع أكثر عمقا؛ تنوع في التقاليد والمجتمعات والممارسات الهندوسية، تنوع في أشكال «الهندوسية» ذاتها، التي يرتبط بعضها ببعض ارتباطا ضعيفا من خلال خط سردي ما؟ عليك الانتظار حتى الفصل الأخير من هذا الكتاب لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال.
في جزء لاحق من هذا الفصل، ثم في الفصل السابع، سنطلع على أهمية التقليد الملحمي الهندي من خلال التعرف على الكيفية التي فهمت واستخدمت بها الجماعات المختلفة شخصيات ملحمة «رامايانا» وأفعالهم. لكننا في البداية سنطرح مقدمة للقصة ذاتها، وفيما يلي ملخص للأحداث الرئيسية للرواية الشهيرة المنسوبة لفالميكي. (1) نبذة سريعة عن ملحمة «رامايانا»
بفضل التضحية، رزق داشاراثا ملك أيوديا بعدة أبناء من زوجاته الثلاث، وكان راما، أكبر هؤلاء الأبناء وأكثرهم شعبية بين مواطني أيوديا، هو الذي سيخلف أباه على العرش. لكن زوجة أبيه كايكي، خوفا منها على نفسها وعلى ابنها بهاراتا، حصلت على وعد من داشاراثا بنفي راما إلى الغابة وتنصيب بهاراتا حاكما. ووافق راما على الذهاب إلى الغابة؛ طاعة منه لطلب والده المكره. وطلبت سيتا، زوجة راما المخلصة التي فاز بها في مسابقة للقوة، وكذلك أخوه الأصغر المخلص لاكشمانا، السماح لهما بمصاحبة راما. تركوا المدينة، وتبعهما بهاراتا بعد فترة قصيرة راجيا من راما العودة، لكن راما ما كان لينقض وعده. فعاد بهاراتا إلى أيوديا، ووضع خفي راما على العرش، وحكم بصفته وصيا على العرش في غياب راما.
استقر راما وسيتا ولاكشمانا في صومعة بعد تجولهم في الغابة الجميلة والتقائهم بسكانها الزهاد. واكتشفت وجودهم هناك أخت الشيطان رافانا، التي حاولت إغواء راما وتدمير سيتا. وبعد أن جرحت على يد لاكشمانا، أسرعت إلى أخيها القوي، حاكم لانكا، وأخبرته بما حدث. وقرر رافانا اختطاف سيتا بعد أن أثار مشاعره الحديث عن جمالها. وبمساعدة شيطان آخر، تمكن من إلهاء الأخوين عن طريق التجسد في صورة غزال، اختطف رافانا سيتا بعد أن تنكر في صورة رجل تقي. وأخذها إلى مدينته في لانكا.
استعان راما ولاكشمانا بالقردة للعثور على سيتا وتحريرها. في البداية، ساعد راما القرد الأمير، سوجريفا، الذي كان يمر بموقف مشابه لموقفه، فأرسل سوجريفا قردته بحثا عن سيتا، وعثر عليها القرد المقدس، هانومان، في لانكا وطمأنها بأنها ستتحرر قريبا. وأسر هانومان، لكنه هرب وعاد إلى راما ليخبره، وأخبره بالمعلومات التي لديه عن مكان سيتا. وعبر راما وجيشه من المعاونين إلى لانكا على جسر من القرود، ودمروا رافانا، وعادوا منتصرين مع سيتا. لكن راما نفر من سيتا بسبب الوقت الذي قضته لدى رافانا. وخاضت اختبار النار لتقنعه بفضيلتها.
أصبح راما ملكا عند عودتهم إلى أيوديا، لكن الإشاعات ظلت تتردد بشأن عفة سيتا، فنفاها راما مكرها، ولجأت هي إلى فالميكي (الذي يروي هذه القصة). وأنجبت ابني راما التوءم، وغادرت العالم بعد ذلك لتختفي في الأرض التي نشأت فيها أول مرة، ثم ارتقى راما الحزين إلى السماء مع أتباعه. (2) الدارما وملحمة «رامايانا »
مع الروايات المختلفة لقصة راما، تعددت التفسيرات لها أيضا، لكن ثمة موضوعا واحدا مشتركا في العديد من هذه التفسيرات؛ ألا وهو الدارما. ومثلما أوضحنا من قبل، الدارما مفهوم مهم في الهندوسية يعبر عن النظام والقانون والواجب والحقيقة. وكان من المتوقع من الناس الالتزام بالدارما الخاصة بهم (سفا-دارما) حسب الطبقة الاجتماعية (فارنا) والمرحلة الحياتية (أشراما)، ومن هنا جاء مصطلح «فارنا-أشراما- دارما». وكان الحفاظ على النظام الاجتماعي في العالم والعلاقة بين البشرية والآلهة مسئولية مشتركة يتحملها الجميع، وإن اختلف سلوك كل فرد في خدمة الدارما. وقد كان «مانوسمريتي» النص الرئيسي الذي ذكرت فيه هذه الواجبات (وواجبات النساء كذلك)، لكن في ملحمة «رامايانا» برواية فالميكي، نرى الدارما تنفذ عن طريق القرارات والأفعال الصحيحة لراما ووالده وزوجته وإخوته ونصيره المخلص هانومان؛ فكان لكل منهم طريقه الخاص الذي يجب عليه اتباعه لخدمة النظام المجتمعي الصحيح الذي ينتمي إليه.
إن «رامايانا» - شأنها شأن الملحمة العظيمة الأخرى «مهابهارتا» - قصة عن مجتمع المحاربين. ويلعب كهنة البرهمية والزهاد أدوارهم فيها، لكنها أدوار ثانوية مقارنة بأدوار أسرة أيوديا المالكة والمحاربين من القرود والشياطين. إن ملحمة «رامايانا» دراسة لحكم الملوك، لكنها أيضا دراسة للأدوار والعلاقات البشرية.
لماذا فعل داشاراثا ما طلبته منه كايكي ونفى راما رغم ما بدا عليه ذلك من مخالفة لمصالح أيوديا المستقبلية؟ ولماذا وافق راما بالفعل على ذلك على الرغم من علمه الكامل بأن مواطني أيوديا يريدونه ملكا عليهم؟ إن النظام السليم يقوم على الصدق والطاعة. وداشاراثا، بصفته زوجا وحاكما، يجب ألا يحنث بوعده؛ وراما، بصفته ابنا، يجب أن يقبل قرارات والده في طاعة. أدرك راما أن النفي مصيره، وجادل لاكشمانا - الذي امتلأ قلبه بالسخط - بالتأكيد على الطبيعة الملزمة لكلمات والده. ويقدم تصرف راما، الذي بدا مخالفا لعدم استعداد أخيه لقبول الموقف، كنموذج يحتذى به.
من ناحية أخرى، أتاح سلوك سيتا وعلاقتها براما فرصا أخرى لتنفيذ الدارما. فليس من المتوقع من الزوجة الوفاء بالفارنا-أشراما-دارما؛ إذ ينبغي عليها أداء واجبها بوصفها ابنة، ثم زوجة (ستري -دارما). وقرار سيتا بالذهاب مع راما إلى الغابة بالرغم من اعتراضه، والتزامها بعفتها لزوجها في أثناء الوقت الذي قضته في بلاط رافانا؛ كانا تصرفين ملائمين لزوجة مخلصة وملتزمة بواجباتها (دارما-باتني).
لماذا، إذن، نفاها راما بعد عودتهما إلى أيوديا، على الرغم من رؤيته دليل عفتها في اختبار النار؟ قد يبدو ذلك تصرفا عديم الرحمة في نظر القراء الغربيين المعاصرين الذين اعتادوا على النهايات السعيدة. لكن في العالم الهندوسي، النظام السليم للمجتمع أهم من رغبة الفرد. مرة أخرى، يجب على راما التفكير والتصرف وفقا للدارما الخاصة به بصفته ملكا؛ فيجب أن يعطي الأولوية لدوره على ميله أو اعتقاده الشخصي بعفة سيتا؛ فقد أسفر فشله في حماية زوجته من رافانا والاضطراب الناتج عن ذلك إلى تسلل الشك إلى عقول رعيته، وصار القضاء على مخاوفهم والاضطراب الاجتماعي الذي قد يتبع ذلك واجبه الأساسي، بالرغم من علمه ببراءتها. وفي رواية فالميكي للملحمة، راما ملك مثالي - وإن لم يكن سعيدا - حتى النهاية، أو بالأحرى قرب النهاية؛ فقبل انتهاء القصة، يشار إلى راما على أنه تجسيد (أفاتارا) للإله فيشنو العظيم. وشأنه شأن كريشنا في ملحمة «مهابهارتا»، يأتي راما - بوصفه إلها في هيئة بشرية - إلى العالم للإطاحة بالقوى التي تهدم الدارما، وليضرب مثلا في السلوك القويم (لمزيد من التفاصيل، انظر الفصل الخامس). (3) سيتا وديفي والإلهات
القريب الأول :
ما رأيكم في تمثيل المعركة بين الملك الطيب رام والملك الشرير رافان؟
أنا :
هل يمكنني لعب دور رام؟
القريب الثاني :
كلا، فأنت فتاة.
أنا :
إنه مجرد تمثيل.
القريب الثالث :
ما رأيك في أن تلعبي دور زوجة رام، الملكة الطيبة، سيتا؟
أنا :
لكن سيتا لا تفعل أي شيء. إنها ليست سوى شخصية طيبة.
في هذه المحادثة بين مادهور جافري الشابة - الكاتبة ومقدمة البرامج التليفزيونية المشهورة الآن - وأقاربها الذكور، نلاحظ أحد ردود الأفعال تجاه سيتا. «مطيعة»، «وفية»، «طيبة»، «جميلة»، تلك هي الخصال التي قد تطرأ على الذهن على الفور عند وصف سيتا. لكن حتى في قصة فالميكي، تظهر قوة شخصية سيتا وصمودها . إنها مطيعة، بلا شك، لكن لزم عليها الدفاع عن قضيتها لتفعل ما تراه صوابا. وقد أظهرت ضبطا للنفس، ولم تستسلم لرغبة رافانا. وعند تحريرها، دافعت عن نفسها من أعماق قلبها ضد اتهامات راما. إنها أبعد ما يكون عن السلبية.
وهذه القوة في الشخصية لم تغفل عنها النساء الهنديات اللاتي وجدن الكثير الذي يمكن الإشادة به في شخصية سيتا. وعلى الرغم من النظرة الشائعة لها بوصفها نموذجا للخضوع والطاعة والولاء، وهي السمات التي يود الكثير من الرجال رؤيتها في زوجاتهن، فكثيرا ما تستقي النساء دروسا مستفادة أخرى من سلوك سيتا؛ فطرحت الشاعرة الهندوسية البريطانية، ديبجاني تشاترجي، السؤال التالي: «كيف كان الأمر من وجهة نظرك؟» داعية سيتا لرواية القصة من جانبها. وترى تشاترجي في اختبار النار، الذي خضعت له سيتا، كل حالات الوفاة المتكررة بين النساء الهنديات المعاصرات بسبب المهر، وترى أيضا في نفي سيتا المحن التي تتعرض لها الأم العزباء في الحياة المعاصرة. (لمزيد من المناقشة حول المهر والمشكلات المرتبطة به، انظر الفصل السابع.) وتستنتج تشاترجي أن قصة سيتا ليست قصة خرافية.
في بعض الروايات الأخرى لملحمة «رامايانا»، تأخذ سيتا صورة مختلفة بعض الشيء؛ ففي الرواية الهندوسية الشهيرة لتولسيداس، تصور سيتا على أنها تتمتع بقوة بطولية وبالقدرة على رفع قوس الإله شيفا العظيم. وفي رواية إرامافاتارام باللغة التاميلية، تقدم سيتا في صورة شخصية غاضبة وتهكمية على نحو مبرر، يدفعها زوجها القاسي الذي يوجه إليها الاتهامات إلى الهجوم اللفظي عليه. وفي أغاني النساء الشعبية، لا تزال سيتا تصور بنحو أكثر حيوية. وتروى الأحداث المهمة في حياتها كامرأة - بلوغها وزواجها وحملها وولادتها لابنيها - بالإضافة إلى ما حدث لها في الغابة، وعلى جزيرة لانكا، وفي أثناء الاختبار الذي خاضته. وتشير كلمات الأغاني إلى أن المغنيات يدركن جيدا خبرات سيتا ومشاعرها، وسوء فهم زوجها لها، والابتلاءات التي مرت بها؛ فهي مثلهن.
سيتا بطلة عظيمة أكثر من كونها إلهة. وعندما ترغب النساء الهندوسيات في الدعاء لإلهة أو الصيام للحصول على بركاتها، لا يخترن سيتا. وإنما يطلبن العون من إلهات مثل بارفاتي، الإلهة البارعة التي يمكنها التشفع لدى شيفا، أو دورجا، المحاربة القوية، أو سانتوشي ما، جالبة السلام للمنزل، أو كالي، الأم المرعبة. إنهن نساء خارقات اشتهرن بقواهن الإلهية وقدرتهن على تحقيق رغبات من يعبدهن. وتزخر الأساطير الهندوسية بالإلهات، لكن ينظر إليهن أيضا بوصفهن صورا للإلهة ديفي العظيمة التي يبجلها الكثير من الهندوس بصفتها منقذتهم ومرشدتهم. وتروى قصتها في «ديفي-ماهاتميا» (وهو جزء من «ماركانديا بورانا»). وتوصف في هذا النص بالشخصية الناجحة، والقاسية والانفعالية في الوقت نفسه، وبالأم العظيمة، والملاذ، والمدمرة الإلهية، والإلهة الخيرة، والحامية. وتتجلى هذه السمات في هيئاتها المحددة مثل لاكشمي ودورجا وأمبا وكالي وبارفاتي وغيرها الكثير. لكنها منحت أيضا أسماء ذات دلالة عامة. فأطلق عليها اسم «ماهامايا»، أي الوهم الكبير؛ و«شاكتي»، أي القوة المبدعة. وترتبط ديفي بالإلهين الأرفع شأنا، فيشنو وشيفا، لكنها ذاتها تعتبر الملكة أو الحاكمة. وسنستعرض فيما يلي قصتها. (4) نبذة سريعة عن «ديفي ماهاتميا»
عندما يتأكد ماهيشا، ذلك الشيطان الذي على شكل جاموس، أنه لا يمكن لبشر قتله، يدمر العالم ويحذر الإله إندرا من أنه سيغزو السماء قريبا. يتعاركان وينسحب إندرا، ويلجأ إلى الآلهة العظيمة، براهما وشيفا وفيشنو، فيملأ الغضب صدورهم، وتنبثق من أجسادهم الإلهية امرأة جميلة؛ ألا وهي ديفي؛ فيزودونها بالأسلحة، وتمنحها آلهة أخرى أسدا لتركبه ونبيذا لتشربه، فتعلو ضحكتها المروعة ويصيح الآلهة «النصر!»
وعندما يسمع ماهيشا ذلك، يرسل شياطينه لمعرفة ما يحدث، فينقلون إليه الأخبار عن جمال ديفي وخصالها الرائعة، فيرسل لها عرض زواج، فترفضه وتذبح رسله. وعندما يتبعهم ماهيشا، تعلن عن مهمتها، والتي تتمثل في حماية الدارما. وفي المعركة التي تلي ذلك، يتخذ ماهيشا العديد من الأشكال، لكن ديفي تشرب النبيذ ومن على ظهر أسدها تقتله برمحها الثلاثي وقرصها. ويأخذ الآلهة في الثناء على إنجاز ديفي الكبير.
شكل 4-2: دورجا تقتل ماهيشا، الشيطان الذي على شكل جاموس.
تخالف ديفي الصورة البرهمية للمرأة بوصفها زوجة وفية؛ فهي لن تتزوج، ولا يمكن لأي ذكر التحكم فيها، شيطانا كان أم إلها. إنها محاربة وعدوانية، لا تذعن ولا تضعف. تبدو امرأة مثالية، جميلة يملؤها الحب، لكنها تشرب النبيذ وتحظى بالاستقلالية. وفي رواية أخرى، تخرج ديفي الإلهة كالي الأكثر إفزاعا من جبينها الغاضب، وتظهر كالي برءوس وأذرع مقطوعة ودم يقطر من لسانها المتدلي. لكن قوة ديفي العظيمة يمكن كبح جماحها؛ ليس فقط من جانب الآلهة، وإنما أيضا من جانب من يبجلونها بورع ويقدمون القرابين لها؛ فيراها هؤلاء العابدون (شاكتا) أما حامية عظيمة، على الرغم من أنها بلا زوج أو ولد. (5) الأم، وراما، والأمة الهندوسية
لقد أثارت صور الأم الحامية والملك الوفي مشاعر الولاء والإخلاص في الهند. واستخدم الولاء والإخلاص في العصر الحديث كرمزين مرتبطين بالأمة؛ فيعد مفهوم «بهاراتا ماتا»، أي «الهند الأم»، مفهوما مألوفا للهنود على اختلاف دياناتهم، وهو المفهوم الذي استخدمه في وقت سابق من هذا القرن حزب المؤتمر الوطني الهندي، الذي اختار قصيدة «باندي ماتارام»، أي «تحية للأم»، لتكون النشيد الوطني. ولا يزال هذا المفهوم يثار في الأذهان مع صيحة «بهاراتا ماتا كي جاي»؛ أي «تحيا الهند الأم».
يهتف القوميون لراما أيضا، لا سيما من لديهم قناعة هندوسية، بوصفه الحاكم الإلهي للدولة الهندوسية التي طالما تاقوا إليها. وفي أيوديا بشمال الهند، دمر مسجد في عام 1992 على أيدي بعض الهندوس الذين اعتقدوا أنه بني على موقع معبد أقدم منه بكثير يخلد ذكرى ميلاد راما. والحقائق التاريخية في هذا الشأن مثار جدل كبير. لكن التصور الديني الشائع لا يقوم على الأدلة الواقعية، وإنما على القصص القوية وما تثيره من مشاعر؛ فطغى على هذا التصور قصتان؛ إحداهما عن راما ظل يرددها التليفزيون كل أسبوع، والثانية عن وجود مكان عبادة إسلامي على أرض هندوسية مقدسة.
احتدم الخلاف بسبب حملات الجماعات الهندوسية وخطاب أحد الأحزاب السياسية القومية الهندوسية، فهدم المسجد. وتلا ذلك اندلاع العنف الطائفي في المدن الهندية، ووقوع وفيات من المسلمين والهندوس.
لقد تعرفنا على العديد من الآلهة في هذا الفصل، لكن السؤال الآن هو: لماذا يوجد هذا العدد الهائل من الآلهة والإلهات في الهندوسية؟ كيف يفهم الوجود الإلهي ؟ وكيف يعبد؟
الفصل الخامس
الوجود الإلهي
«معجزة»، «هلوسة»، «تفسير علمي بسيط»، «فضل إلهي»، «خدعة ذات دوافع سياسية» ... كانت تلك العبارات التي احتلت العناوين الرئيسية في الصحف مع محاولة المتابعين يوم 22 سبتمبر 1995 تفسير أسباب شرب كل الصور المجسدة للإله جانيشا - من تماثيل ونحو ذلك - في جميع أنحاء العالم للبن المقدم لها من أتباع الإله المخلصين. واشتعل من جديد الجدل القديم بين العلم والإيمان. ووجد الهندوس أنفسهم منقسمين حول تلك الظاهرة، لكنهم لم يندهشوا من حدوث الظاهرة بقدر اندهاشهم من نطاقها؛ فالتجليات الإلهية والمعجزات الصغيرة أمر شائع في الحياة الدينية الهندية، لكن العجيب هو أن يشهد الهندوس وأصدقاؤهم من غير الهندوس هذا الفعل العجيب من الإله جانيشا في جميع أنحاء العالم. (1) أوثان أم رموز؟
كيف يمكن لتمثال أن يشرب؟ ثمة تفسيرات علمية ونفسية بلا شك، لكن كيف يفسر الهندوس هذا الأمر؟ يجب أولا، فهم الفرق بين التماثيل والرموز (مورتي)؛ فالتماثيل الحجرية التي تغطي الواجهات الخارجية للمعابد الهندوسية والأعمال النحتية القليلة البروز والنقوش بالكهوف المنتشرة بجميع أنحاء الهند؛ تعبر كلها بنحو حيوي عن فن تصوير الآلهة والإلهات وقصص مآثرهم. تحظى هذه التماثيل بمكانة فنية عظيمة، وقد نحتت بحب، لكنها لا تعتبر جديرة بالعبادة سوى في حالات استثنائية فقط. أما الرمز الموجود «داخل» المعبد، فقد أنشئ ونصب في عملية طقسية أعدته لأن يسكنه أحد الآلهة. وتصف النصوص الدينية الأسلوب التأملي للنحات، ونسب الرمز (والمعبد الذي سيوضع فيه)، وخصائص الإله الذي سيسكنه. وبمجرد أن يصنع الرمز، يكرس كهنة البرهمية الصورة للتقديس، ويضعون عدة آلهة في أماكن مختلفة من جسم الرمز، ويبثون فيه نفسا حيا (برانا). وبدءا من تلك اللحظة، يتجلى الإله في الرمز ويجب الاعتناء به، وخدمته كضيف مكرم، ومنحه الحب. ويصير بعد ذلك من الممكن وجود علاقة متبادلة وثيقة بين المتعبد والإله من خلال الرؤية (دارشانا)؛ فيزور الهندوس معابدهم المحلية أو يقومون برحلات إلى أماكن حج أبعد ليؤدوا «الدارشانا»؛ أي ليروا كريشنا أو ديفي أو شيفا أو أي إله آخر يختارونه ، ويراهم هذا الإله .
شكل 5-1: أحد المؤمنين يقدم ملعقة من اللبن لأحد تماثيل الإله جانيشا في «معجزة» سبتمبر 1995.
في القرنين السابع عشر والثامن عشر، شهد التجار والرحالة الأوروبيون أداء الهندوس للدارشانا لأول مرة، فكتبوا منتقدين الأمر في خطاباتهم ويومياتهم بوصفه «عبادة أوثان». وكررت البعثات التبشيرية المسيحية اللاحقة ردود الأفعال نفسها، فكان يعد هذا النوع من العبادة ممقوتا وضالا، لا سيما بين المسيحيين البروتستانت الذين يدركون إلههم في الكلمة، لا في الصورة. وقد ذهل هؤلاء أيضا من تعدد «الأوثان» لدى الهندوس، واستنتجوا أن الهندوس قوم مشركون؛ أي يؤمنون بالعديد من الآلهة والإلهات؛ الأمر الذي كان خطأ من وجهة نظرهم، رغم أنه مدهش في الوقت نفسه؛ فإلههم - رغم أنه ثلاثة كيانات (الأب والابن والروح القدس) - هو إله واحد.
جانيشا
جانيشا (جاناباتي) هو إله برأس فيل يحبه الهندوس لإصغائه العطوف لطلبات تابعيه وقدرته على إزالة العقبات، وهو ابن شيفا وبارفاتي، خلقته أمه ذات يوم ليحميها في أثناء استحمامها، ونظرا لأن شيفا لم يكن على علم بهوية ابنه، قطع رأسه لعدم سماحه له بالدخول إلى مقر بارفاتي؛ فغضبت بارفاتي غضبا شديدا، ووعدها شيفا بإعادة جانيشا إلى الحياة برأس أول مخلوق يمر به، وكان ذلك المخلوق فيلا.
ويصور جانيشا دائما مع فأر، إما كعربة أو مطية له. وهو ممتلئ الجسم، ويحمل دائما ملء طبق من الحلوى.
لم يدرك هؤلاء المعلقون المنطق اللاهوتي وراء ما رأوه؛ وإنما حكموا عليه ظاهريا فقط. ولتجنب ما وقعوا فيه من أخطاء، ينبغي علينا العودة سريعا إلى أفكار علماء اللاهوت الفايشنافا التي تناولناها في الفصل الثالث؛ فقد تعلم رامانوجا ومعتنقو نظام فيدانتا الفلسفي، الذين ظهروا في قرون لاحقة وكان حب فيشنو وكريشنا أهم شيء في نظرهم، أن الإله يتجلى في خمس صور: في صورة متسامية عليا، وفيما ينبثق منها (أفاتارا)، وفي قلب كل فرد أو ذاته، وفي صورة المتحكم الداخلي في الكون، وفي الوجود الإلهي داخل الرمز المكرس للتقديس (مورتي). إن الإله متسام وعلي، لكنه باطني ويمكن الوصول إليه في الوقت نفسه . ويمكن أن ينبثق الرب على نحو كريم في صورة مجسدة (أفاتارا) ليساعد البشرية في أوقات الحاجة، وذلك مثلما رأينا راما في ملحمة «رامايانا» وكريشنا في «بهاجافاد جيتا».
لن تصدقوني، على الأرجح، إذا ذكرت لكم المخلوقات الوضيعة والمشينة التي يمنحونها درجات الشرف الإلهي. وإنني لأرى أنه ما من وثنية لدى القدماء أكثر فداحة أو بشاعة من وثنية الهنود.
بيير مارتن، أوائل القرن الثامن عشر
كان هناك وثن في منتصف المبنى، شكل أسود صغير قبيح يبلغ طوله نحو قدمين مع بعض الأنوار المشتعلة حوله ... سرت في جسدي قشعريرة لوجودي بجوار الجحيم ...
الكاهن هنري مارتن، أوائل القرن التاسع عشر
يكون الإله أكثر قربا عندما يكون إلها مكرسا للتقديس في المعبد؛ ففي معبد رادها-رامان في فريندابان بالمنطقة التي شهدت طفولة كريشنا، حيث لعب مع الصبية والفتيات من رعاة البقر وغازل رادها، يسمح كريشنا لأتباعه بخدمته بولاء محب (بهاكتي) وتلبية كل احتياجاته. وتقدم له ولرادها الكثير من الأشياء المختلفة؛ مثل الماء للاغتسال والشرب، والملابس، والزهور، والبخور، والطعام، والتمجيد في طقس يسمى «بوجا». يوقظهما المتعبدون، ويلبسونهما، ويزورونهما، ويعبدونهما، ثم يتركونهما ليرتاحا كل يوم. وفي اللاهوت والممارسة الشايفية والشاكتية، التي تركز على شيفا وديفي على الترتيب، هناك أفكار وأنشطة مشابهة. لكن في الوقت الذي تتخذ فيه رموز فيشنو وكريشنا والإلهات في المعابد شكلا بشريا (في الواقع، البشر هم الذين يتخذون شكل أولئك الآلهة والإلهات)، نادرا ما يتخذ شيفا هذا الشكل؛ فهو يسكن في الرمز (لينجا) الدال عليه، وهو صخرة أسطوانية ملساء. وتصمم «اللينجا»، مثل رمزي كريشنا ودورجا، وتنصب في المعابد في طقوس خاصة، لكنها توجد على نحو طبيعي أيضا. وعند العثور عليها في الطبيعة، قد تعبد بوصفها الإله شيفا، على الرغم من عدم تكريسها للتقديس. (2) التعددية والتوحيد
يعيدنا ذلك إلى الإله جانيشا؛ إذ إن الأقاويل حول شربه اللبن المقدم له من تابعيه لم تقتصر على الأشكال المجسدة له في المعابد، ولكنها تضمنت أيضا صوره في منازل الناس. وبالمثل، شوهدت في مناسبات أخرى صور أو رسوم لمعلمين روحانيين وأشخاص مقدسين وهي تخرج ماء أو رمادا مقدسا على نحو إعجازي. ولا يبدو أن الأنشطة المقدسة مقصورة فقط على الأشكال التي كرست للتقديس في مراسم طقسية، وإنما أكد الكثير من علماء اللاهوت الهندوس على قوة وفضل الإله أو الإلهة، وعلى أن هذه القوة والفضل ينعكسان في التصور غير اللاهوتي عن طريق إدراك أن الإله قد يظهر أو يعطي إشارة في أي وقت لتشجيع تابعيه أو مكافأتهم أو تحذيرهم، أو حتى معاقبتهم. والقصص المذكورة في «بورانا» والتقاليد المحلية والروايات السردية لخبرات الأقارب والجيران تكرر هذه الفكرة وتؤكد عليها.
شكل 5-2: مزار على جانب الطريق لشيفا وديفي.
فيشنو وشيفا
منذ عصر نصوص «أوبانيشاد» المتأخرة، صار فيشنو وشيفا إلهين مشهورين، واعتبرا جديرين بالعبادة والخدمة من تابعيهما الذين أشير إليهم باسم «الفايشنافا» و«الشايفا» على التوالي. وظهرت الممارسات العقائدية والتعاليم المذهبية، وفي قصص هذين الإلهين أو أساطيرهما المسجلة في نصوص «بورانا»، تم وصفهما على نحو رمزي؛ فتم تصوير شيفا على أنه زاهد يعيش في الهيمالايا، وفيشنو على أنه شاب أزرق اللون يحمل في أياديه الأربعة قرصا وصولجانا ومحارة وزهرة لوتس. واعتقد أتباع كل من هذين الإلهين أن من يعبدونه هو الإله الأعلى المتسامي، لكنه باطني ويسكن داخل كل شخص في الوقت نفسه. فارتبط شيفا بأسرة إلهية حصل من خلالها على قواه. أما فيشنو، فقد أكد على تأثيره الإلهي باتخاذه شكل حيوان أو إنسان في فترات الظلام والانحدار الأخلاقي. وفي نهاية فترة ظهور نصوص «بورانا»، تم تسجيل عشر صور تجسيدية (أفاتارا) رئيسية للإله فيشنو، وهي: • ماتسيا: السمكة. • كورما: السلحفاة. • فاراها: الخنزير البري. • ناراسيمها: الأسد. • فامانا: القزم. • باراشوراما: راما يحمل فأسا. • راما. • كريشنا. • بوذا. • كالكي: «الحصان الأبيض»، الذي سيأتي في نهاية عصر الظلام أو «كالي يوجا».
لقد نظر أيضا لراما وكريشنا على أنهما إلهان مستقلان وعظيمان في ذاتيهما؛ فيتم تصوير راما كمحارب يحمل قوسا وأسهما، وتصاحبه زوجته سيتا وأخوه لاكشمانا وخادمه المخلص هانومان؛ القرد المحارب. أما كريشنا، فيتم تصويره عادة كصبي راع للبقر يلعب على الناي وتحيط به الأبقار ، أو يلعب مع أصدقائه، أو يعاكس الفتيات القائمات على رعاية البقر (الجوبي). وفتاته المفضلة هي رادها، ويظهران معا عادة في اللوحات والرموز الموجودة في المعابد. ويتم تصوير كريشنا أحيانا في صورة طفل لعوب أو سائق العجلة الحربية الذي يصاحب أرجونا بطل «بهاجافاد جيتا».
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك كيفية العثور على الأرواح الأنثوية خارج القرى الهندية في الحقول والأشجار والصخور والشجيرات. ويمكن رؤية العلامات المعبرة عن ردود الفعل تجاه وجود هذه الأرواح في كل مكان؛ ومنها قطع القماش المربوطة في أفرع الشجر، والطعام وغيره من القرابين المتروكة على جوانب الطرق، والصخور المزينة بورق الفويل أو الطلاء الأحمر أو المسحوق. وهذه العلامات أدلة على استرضاء شبح (بوت) أنثوي أو إلهة محلية (ماتا). يتجنب الناس الأشباح خوفا من سخطها، لكنهم يعبدون الإلهات المحليات ليحظوا بنعمها أو بركاتها. تحوم تلك الأرواح الأنثوية بالقرب من الأماكن التي لاقت فيها - في حياتها - مصيرا مشئوما وسابقا لأوانه بالموت أو ماتت فيها دون أبناء. وبعض هؤلاء السيدات، اللاتي يعبدن بوصفهن إلهات محليات، قد تكون حياتهن انتهت بالحرق في محارق أزواجهن الجنائزية.
يمكن أن يعكس الناس والأشياء وجود ما هو خارق للطبيعة؛ فقد رأينا من قبل أن الذات (أتمان) خالدة وإلهية، سواء اعتبرت مطابقة للحقيقة المطلقة أو الإله أو منفصلة عنها أو عنه. ويوصف عادة الأشخاص الذين تعكس أفعالهم إدراكا ذاتيا بالمهاتما؛ أي الذوات العظام. وقد كان غاندي - الذي سنتحدث عنه أكثر في الفصل التالي - أحد أولئك الأشخاص. لكن ثمة أشخاصا آخرين يظهرون ما هو إلهي بأسلوب مختلف تماما، عن طريق التلبس؛ فعندما يتلبسون، لا يكونون هم المتحدثين أو الفاعلين، وإنما الإله (أو الإلهة) الموجود بداخلهم. وفي موعد العيد في كيرالا، تلبس آلهة «تيام» الراقصين المبهرجين على نحو رائع، ويندمجون بعد ذلك مع الجماهير المتجمعة لعمل طقس الدارشانا. وفي أثناء عيد دورجا بوجا في بنغال ومناطق أخرى بشمال الهند، تسكن الإلهة دورجا بعض المتعبدين بانتظام. ومن خلال تجسدها داخل هؤلاء المتعبدين، قد ترقص بين أتباعها ، وتجيب على أسئلتهم ، وتقدم لهم النصيحة. ويعد وجود الإلهة في مثل هذا التجمع أمرا ميمونا ومباركا للجميع.
إذا تجلى الإله في هذا العدد الهائل من الصور والأماكن، فهل كان الزائرون الأوروبيون على حق عند افتراضهم أن الهندوسية ديانة متعددة الآلهة؟ لا شك أن ثمة عددا هائلا من الآلهة يعبدها الهندوس، لكننا إذا عدنا لحظات إلى «أوبانيشاد»، فسنجد أن الآلهة المتعددة والإله الواحد ليسا منفصلين. سأل أحد الباحثين عن الحقيقة الحكيم ياجنافالكيا عن عدد الآلهة، فأجاب: - ثلاثمائة وثلاثة، وثلاثة آلاف وثلاثة. - نعم، بالطبع. لكن، حقا، ياجنافالكيا، كم عدد الآلهة؟ - ثلاثة وثلاثون. - نعم، بالطبع. لكن، حقا، ياجنافالكيا، كم عدد الآلهة؟ - ستة. - نعم، بالطبع. لكن، حقا، ياجنافالكيا، كم عدد الآلهة؟ - ثلاثة. - نعم، بالطبع. لكن، حقا، ياجنافالكيا، كم عدد الآلهة؟ - اثنان. - نعم، بالطبع. لكن، حقا، ياجنافالكيا، كم عدد الآلهة؟ - واحد ونصف. - نعم، بالطبع. لكن، حقا، ياجنافالكيا، كم عدد الآلهة؟ - واحد.
أوبانيشاد: بريهادارانياكا أوبانيشاد
يفضل عدد كبير من الهندوس أحد الآلهة أو الإلهات على وجه التحديد ليكون إلههم المختار (إشتا-ديفا). وتحدد تقاليد الأسرة ذلك عادة، لكن بعض الناس قد يطور علاقة خاصة بينهم وبين إله معين، ربما لاستجابته لصلواتهم في أحد أوقات الحاجة أو لرؤيتهم له في الحلم، لكنهم يعترفون أيضا بالعديد من الآلهة الأخرى ويعبدونها. وبالمثل، في القصص التي يبرز فيها إله واحد، تروى قصص عن علاقته بعدد لا يحصى من الآلهة الأخرى؛ فالإله - الذي قد يعرفه الهندوس ببراهمان أو ديفي أو كريشنا أو غير ذلك - يظهر بأسماء وصور عديدة؛ ومن ثم، فإن التعددية تعبير عن التوحيد، لكن المفهومين يظلان مهمين؛ فالهندوسية ديانة متعددة الآلهة وتوحيدية في الوقت نفسه؛ إذ للآلهة المتعددة والإله الواحد مكان فيها وفي الخبرة العامة لمعظم الهندوس. (3) الاستجابات للوجود الإلهي
شكل 5-3: السيدة بوشبا سوني تتعبد في المحراب الموجود بمنزلها في بومباي.
كيف يستجيب الهندوس لما هو إلهي ومقدس؟ يستجيب الهندوس بتقديم العطايا والقرابين لهم واسترضاء الأرواح، مثلما أوضحنا من قبل، وبطرق أخرى أيضا؛ فيوجد لدى معظم الهندوس محراب منزلي في المطبخ (الذي يعد أطهر مكان في المنزل) أو أي غرفة أخرى. يضعون في هذا المحراب صورا ورسوما لآلهتهم المختارة والأشخاص الأتقياء، وقد يقدمون لهم الطعام والماء والبخور والضوء كل يوم (انظر شكل
5-3 ). وعلى الرغم من أن بعض الهندوس قد يقوم بزيارات منتظمة لمعبد قريب لأداء طقس دارشانا، فمعظمهم لا يذهب إلى المعابد إلا في الأعياد (التي قد يصومون فيها أيضا، ويأكلون أطعمة معينة، ويزورون الأقارب، ويقدمون الهدايا).
الأوقات المقدسة والأعياد الهندوسية
هناك العديد من الأعياد التي يحتفل بها في الهند، وهي تختلف من منطقة لأخرى، بل إن بداية العام نفسها تختلف من مكان لآخر؛ فيعتبرها البعض في أكتوبر والبعض الآخر في أبريل. ويختلف التقويم المستخدم في حساب تواريخ الأعياد عن التقويم الميلادي الغربي؛ فهو تقويم قمري، لكل شهر من أشهره الاثني عشر نصف مظلم ونصف مضيء، يتزامنان مع مراحل القمر. وتعتبر الأيام القمرية المختلفة ميمونة أو مشئومة فيما يتعلق بعبادة آلهة معينة، وأداء أنشطة مثل الصيام والسفر والزواج؛ فثمة وقت مناسب لكل شيء، وتحديد ذلك الوقت هو مهمة المنجم.
ونظرا للاختلافات بين التقويمين الهندوسي والميلادي، من المستحيل ذكر تواريخ محددة للأعياد، وإن كان من الممكن تحديدها على نحو تقريبي. ولا يحتفل جميع الهندوس بكل هذه الأعياد؛ فيحمل بعضها معنى محليا خاصا؛ والبعض الآخر يخص عباد إله معين. ويقوم بعض الأعياد على أساس العائلة، والبعض الآخر يمثل مناسبات يشيع فيها الحج وزيارة المعابد. وفيما يلي قائمة ببعض الأعياد المهمة:
ديفالي، ديبافالي (أكتوبر/نوفمبر):
هو عيد الأنوار. يستمر هذا العيد لعدة أيام، ويرتبط على نحو متنوع بالإلهين راما وكريشنا والإلهة لاكشمي. تضاء فيه مصابيح صغيرة، وعادة ما تقدم فيه الهدايا.
ماكار سانكرانتي، بونجال، لوهري (يناير):
يعني اسم «ماكار سانكرانتي» الدخول إلى برج الجدي، ويشير هذا العيد في الأساس إلى نهاية الحصاد، ويحتفل به عادة باستخدام الألعاب النارية والحلوى، ويسمى «بونجال» في ولاية تاميل نادو؛ حيث يسلق الأرز ويقدم للشمس.
شيفاراتري (فبراير/مارس):
هو العيد الرئيسي للهندوس الشايفا؛ حيث تقدم العطايا للإله شيفا وتنشد الترانيم الممجدة له.
هولي (مارس):
يرتبط هذا العيد عادة بهزيمة شيطانة تدعى هوليكا، ويلقى فيه عادة بالمساحيق أو الطلاء الملون للتعبير عن الفرح والإيذاء.
راما نافامي (أبريل):
هو احتفال بالذكرى السنوية لميلاد راما، وتقرأ فيه ملحمة «رامايانا».
راثا ياترا (يونيو/يوليو):
هو «عيد السيارات» الذي يسحب فيه الإله جاجاناث (أحد صور الإله كريشنا) في أنحاء الشوارع في عربة ضخمة في بوري بولاية أوريسا (وفي المدن الغربية أيضا التي تشتهر فيها حركة هار كريشنا).
راكشا باندهان (أغسطس):
هو عيد يؤكد على العلاقات الأسرية؛ تربط فيه الفتيات أربطة حول معاصم إخوانهن مقابل الحماية وهدية صغيرة.
كريشنا جاناماشتامي (أغسطس/سبتمبر):
هو عيد كريشنا الرئيسي الذي يحتفل بذكرى مولده، وتقرأ فيه عادة «بهاجافاتا بورانا».
أونام (أغسطس/سبتمبر):
عيد الحصاد في كيرالا حيث تقام السباقات التقليدية للقوارب المصممة على شكل ثعابين.
جانيش تشاتورثي (سبتمبر):
هو عيد يحتفل بالإله جانيشا، وله أهمية خاصة بين أهالي ولاية ماهاراشترا.
نافراتري، دورجا بوجا (سبتمبر/أكتوبر):
هو عيد للإلهة دورجا، ويستمر لمدة «نافراتري»؛ أي تسع ليال، من الرقص الشعبي لعبادة أمباماتا، ويحتفل به أهالي ولاية جوجارات في الهند وخارجها، ويتمتع هذا العيد بأهمية في بنغال؛ حيث تصمم صور كبيرة لدورجا لعبادتها.
داشيرا، دوسيرا (سبتمبر/أكتوبر):
يعني «العاشر»، ويكون في الليلة التالية لعيد نافراتري؛ حيث يحتفل بانتصار راما على رافانا. وفي أنحاء من شمال الهند، تعرض مسرحيات (رام-ليلا) تروي القصة من ملحمة «رامايانا».
بالإضافة إلى الأعياد السنوية، هناك بعض الطقوس التي تقام شهريا أو أسبوعيا، لا سيما الصيام لآلهة معينة، مثل صيام إكاداشي الشهري الذي يتم التوسل فيه للإله كريشنا وتخصيص يوم الجمعة للصلاة للإلهة ديفي. وتشمل المناسبات المهمة أيضا المهرجانات (ميلا)، وطقوس دورات الحياة (سامسكارا)، والمناسبات القومية مثل عيد فايساخي (وهو إجازة في فصل الربيع يحتفل بها يوم 13 أبريل) وعيد الجمهورية (26 يناير).
تختلف مواعيد الأعياد في أنحاء الهند؛ إذ تعتمد على التقاليد المحلية والآلهة المفضلة ووجود الأماكن المقدسة. وقد تصبح هذه الأماكن مراكز جذب للحجاج في أوقات معينة من العام ؛ ربما في الاحتفال السنوي للإله (أو الإلهة) المتواجد (أو المتواجدة) في ذلك المكان، أو تخليدا لذكرى حدث أسطوري أو تاريخي. ولعل أشهر تلك المناسبات حج «كومبه ميلا» («ميلا» تعني «مهرجان») الذي يقام كل ثلاث سنوات في مراكز الحج على ضفاف الأنهار المقدسة؛ فيجتمع الآلاف من الأتقياء بتلك الأماكن، بما في ذلك القادة الشانكاريون، وغيرهم من القادة الدينيين، وأتباعهم الزاهدين (سانياسي)، وينضم إليهم الملايين من الحجاج الهنود، الذين يزور الكثيرون منهم المهرجان مرة واحدة في الحياة للاغتسال، ورؤية الجمع الروحاني، والحصول على البركات.
لقد أثار الوجود الإلهي استجابات مختلفة من الهندوس، وسوف نختتم الحديث في هذه المسألة بتناول استجابتين منها باختصار؛ وهما: تمجيد الإله في المعبد، وخدمة الإله من خلال الحياة الدينية الجماعية.
مادوراي، مدينة المعبد
إن مدينة المعبد القديمة هذه، الموجودة في ولاية تاميل نادو، ليست مكانا عظيما للعبادة فحسب، وإنما الهندسة المعمارية وفن النحت المستخدمان في معبدها يعدان شهادة في ذواتيهما على الأسلوب الذي اتبعته الأجيال السابقة من الهندوس في خدمة آلهتهم الكبيرة وتمجيدها. ولقد وقعت مادوراي - التي تمركزت في الأصل حول قصر ملكي وشخص الملك - تحت تأثير حركة تعبدية ناشئة سيطرت على الجنوب. وتأسست مدينة معبد كبيرة ومرموقة في ذلك المكان في الوقت الذي كانت ترعى وتقام فيه المعابد بجميع أنحاء المنطقة على يد الأسر الحاكمة (من القرن السادس الميلادي حتى القرن التاسع الميلادي). ويرجع الهيكل الحالي للمعبد إلى فترة لاحقة، ويشترك في بعض السمات مع معابد أخرى في جنوب الهند من ناحية البوابات الشاهقة الارتفاع (جوبورام)، والإنشاء على مخطط مربع الشكل، مع وجود حوض كبير للاغتسال الطقسي ومعبدين يحتوي كل منهما على قدس داخلي مقام تحت برج ذهبي (شيكارا) وأروقة وحجرة انتظار. ويشار إلى المركز المقدس لكل من هذين المعبدين باسم «الكهف الموجود داخل الجبل»؛ حيث تقيم الآلهة المستضافة؛ فتقيم في أحدهما ميناكشي، الملكة والمحاربة المتحولة إلى إلهة، بينما يقيم زوجها سونداريشفارا (أحد صور الإله شيفا، التي تسكن في لينجا) في المعبد الثاني.
شكل 5-4: معبد ميناكشي في مدينة مادوراي.
ميناكشي هي الإلهة الرئيسية لمدينة مادوراي، وليس زوجها. وتعبد أحيانا وحدها، وإن كان يحتفل بمناسبة زواجها من سونداريشفارا نحو خمسين ألف حاج سنويا. وفي كل يوم من أيام العبادة العامة التي يقيمها كهنة المعبد لصالح الجميع، وبعد أن يتم تمجيدهما وإمطارهما بوابل من العطايا، تنقل صورة محمولة لسونداريشفارا بنحو احتفالي إلى غرفة نوم ميناكشي؛ حيث تنشد الأناشيد للإلهين ويهزان في أرجوحتهما قبل قضاء الليلة معا خلف الأبواب المغلقة.
وفي الأيام العادية بالمعبد، قد يزوره عدد يتراوح من 20 إلى 25 ألف زائر لحضور طقس «البوجا» العام، وأداء مناسك العبادة الخاصة بهم. وقد يحصلون أيضا على خدمات أحد الكهنة لتقديم العطايا نيابة عنهم وتلاوة أسماء الإله البالغ عددها 108 أسماء. ويكتسب هؤلاء الكهنة الحق والطهر والسلطة لخدمة ميناكشي وسونداريشفارا بفضل ولادتهم في طائفة معينة وخضوعهم لطقوس تأهيل وتكريس محددة. ويلبي هؤلاء الكهنة حاجات الآلهة، ويعملون أيضا كقنوات اتصال يقدم من خلالها عامة المتعبدين العطايا للآلهة ويحصلون منها على البركات.
الجمعية الدولية للوعي بكريشنا، جمعية تعبدية
قد يستجيب عامة المتعبدين للوجود الإلهي أيضا عن طريق قبول اللجوء إلى معلم روحاني، ويصبحون في بعض الأحيان الكيان المتمركز حول هذا المعلم (سامبرادايا). وسوف نلقي نظرة في هذا المثال الأخير على حركة دينية نشأت حول إيه سي بهاكتيفيدانتا سوامي، وهو زاهد (سانياسي) بنغالي ترك الهند وهو في سن التاسعة والستين لنشر الوعي بكريشنا وحبه في الغرب. وتطورت سريعا الحركة التي أسسها ذلك الرجل في عام 1966، وهي الجمعية الدولية للوعي بكريشنا، قبل وفاته في عام 1977، وصار لها أتباع الآن في الهند وغيرها من الدول النامية، وكذلك في الغرب.
ومن التقى بأتباع حركة هار كريشنا أو اشترى كتبهم فقد يكون على علم بعبارتين تعكسان أفكار هؤلاء الأشخاص عن الإله والاستجابة البشرية له. يوصف كريشنا في العبارة الأولى بأنه «الشخصية العليا للألوهية»، في إشارة إلى أنه الشخصية الإلهية العليا التي يسعى المتعبدون إلى التواصل معها. وفي العبارة الأخرى، «العودة إلى الإله الأعلى»، (وهي اسم مجلة الجمعية أيضا)، يتم التعبير عن رغبة المتعبد في العودة إلى أصله في علاقته الأبدية مع كريشنا. ويتعلم المتعبدون من كتابات بهاكتيفيدانتا سوامي، لا سيما تعليقاته على «بهاجافاد جيتا» و«بهاجافاد بورانا» (المعروفة لدى المتعبدين باسم «سريماد بهاجافاتام»)؛ النظر إلى كل أفعالهم على أنها فرص لخدمة الرب. ويمتد ذلك إلى ما هو أبعد من عبادة كريشنا في المعبد ليصل إلى الإنشاد اليومي الخاص لمانترا حركة هار كريشنا، وإنشاد أسماء الرب والتبشير بأمجاده، والعمل اليومي الذي يجب تذكر اسم الرب فيه باستمرار.
يكرر أتباع هذه الحركة - شأنهم شأن مؤسسها - مناشدة القديس البنغالي تشيتانيا، الذي عاش في القرن السادس عشر، بضرورة نشر اسم كريشنا في كل قرية ومدينة. ولأخذ هذه المناشدة على محمل الجد، يجب على أتباع الحركة عدم الاكتفاء بالاستجابة لكريشنا على نحو فردي بتحسين التزامهم الروحاني الشخصي، وإنما يلزمهم أيضا تعريف الآخرين على كريشنا والطريق للخدمة التعبدية (بهاكتي يوجا). فتقدم الدعوات إلى الناس لزيارة المعابد وأداء طقس دارشانا وحضور المحاضرات وشراء الكتب والانضمام لبرامج الأعياد وتناول «البراشادا» وهو الطعام المبارك من كريشنا. وتتخذ العبادة العامة والمواكب وطقوس الحج اسم كريشنا وهيئته رمزا في شوارع قرى الهند والمدن الكبرى في الغرب.
إن عبادة كريشنا الموضحة فيما سبق - شأنها شأن الاستجابة الواسعة النطاق لمعجزة الإله جانيشا - ظاهرة عالمية ودليل على أن وجود الإله في صوره الهندوسية يمتد إلى خارج حدود الهند. والتغيرات التاريخية التي مهدت الطريق لهذا التطور ستكون موضوعنا التالي في هذا الكتاب.
الفصل السادس
الهندوسية والاستعمار والحداثة
لأجلك أحيا، يا الله راما.
رحماك بعبدك، يا إلهي! ... وإن كان الإله لا يوجد إلا في المساجد؛
فلمن تكون الأرض فيما عداها؟
هل لراما أن يسكن الصور وأماكن الحج؟
فما من أحد رآه في أي منهما.
إن الشرق موطن هاري؛
أما الغرب فهو لله.
لكن راما والرحيم يتواجدان داخل قلبي،
وفي ذلك المكان وحده يجب السعي إليهما.
بعدد النساء والرجال الذين ولدوا:
ما هم جميعا إلا صور لك.
طفل الله راما الصغير؛ «كبير»
يعرف أن ذلك الواحد هو معلمه الروحاني وشيخه.
هذا جزء من قصيدة بعنوان «تحذيرات» كتبها «كبير»، وهو شاعر بهاكتي عاش في القرن الخامس عشر بشمال الهند في الوقت الذي كانت فيه تحت حكم مغول الهند وكان الإسلام دين الحكام. وقد اعتنقت أسرته، التي كانت من طائفة النساجين، الإسلام، لكن ذلك الاعتناق كان مسألة شكلية أكثر من كونها مسألة إيمانية. وشعر كبير، على الأقل، بالاشمئزاز من الممارسة الدينية الظاهرية لكل من المسلمين والهندوس. واعتقد بقوة أن الإله - الذي هو في النهاية بلا شكل محدد - يتجلى في قلوب عباده. والممارسات الطقسية، والصور، والرموز، والمباني كلها أشياء غير ضرورية.
لم يكن كبير سوى واحد فقط من الشعراء الصوفيين الهنود الكثيرين الذين كتبوا بحب في تمجيد الإله، بينما انتقدوا صور الظلم الاجتماعي والشكليات الدينية في الوقت نفسه؛ فبدءا من القرن السادس الميلادي في جنوب الهند حتى القرن الثامن عشر في بنغال، ألقى الشعراء هذا النوع من الشعر وتغنوا به وكتبوه، مع تعبير بعضهم عن حبهم لفيشنو أو كريشنا، والبعض الآخر لشيفا أو ديفي، بينما عبر آخرون مثل كبير (وناناك، أول المعلمين الروحانيين السيخ) عن حبهم للإله الواحد الأعلى الذي لا يحمل اسما أو شكلا. وقبل عصر كبير وتشيتانيا، تطور دين الهندوس في ظل الحكم الأجنبي، أولا في عهد سلطنة دلهي (1211-1526) وإمبراطورية مغول الهند (1526-1757)، ثم الراج البريطاني. ولقد اخترت كبير كمثال هنا؛ لأن كلماته توضح تأثير الدين الأصلي للهند ودين المستعمرين.
وفي قصيدة أخرى، يقول كبير: «أيها القديسون، إنني أرى العالم مجنونا.» لقد آمن بأن الهندوس والمسلمين فقدوا رؤيتهم للحقيقة ولجئوا إلى أمور تافهة، بل وإلى العداء والعنف الدينيين أيضا. لقد وصف موقفا كان له أن يستمر إلى قرون بعد فترة الحكم الإسلامي عندما صارت المسيحية دين الحكام بدلا من الإسلام؛ فعلى الرغم من أن المغول والبريطانيين لم يفرضوا دينهم بالفعل على الهنود، كلاهما نظر بوجه عام لمعتقدات الهندوس وممارساتهم بعين الشك، ورأى دينه أعلى مكانة. وكانت ثمة استثناءات لذلك؛ فعرف الإمبراطور المغولي أكبر - الذي ظهر في القرن السادس عشر - باهتمامه الشديد بالديانات الأخرى وتسامحه معها، كما أن الحكام البريطانيين في القرن الثامن عشر الذين درسوا النصوص الهندوسية المقدسة كونوا صورة إيجابية عن الدين في الهند القديمة.
في هذه المقدمة القصيرة عن الهندوسية، لا يمكن شرح التاريخ المفصل للأحداث التي أحاطت بوجود العرب والترك، ثم الأوروبيين، في الهند (انظر الخط الزمني للاطلاع على أهم التواريخ). لكن الأهم هنا هو تأثير هذا الوجود على دين الهندوس، وهذا ما سننتقل إليه الآن، وبخاصة أثر الاستعمار البريطاني. (1) الاكتشاف الأوروبي للهندوسية
تاجر الأوروبيون مع الهند للحصول على التوابل والمنسوجات منذ زمن بعيد يعود إلى العصور الكلاسيكية والوسطى، لكن أشهر التجار الأوروبيين مع الهند على الأرجح هو البرتغالي فاسكو دا جاما، الذي وصل إلى ساحل مالابار في أواخر القرن الخامس عشر بحثا عن «المسيحيين والتوابل». وهذان الدافعان مؤشر لما حدث بعد ذلك في القرون اللاحقة؛ فيرغب الأوروبيون برؤية الهند في صورتها المسيحية والحكم عليها وفقا لذلك، بالإضافة إلى الاستفادة من ثرواتها المتمثلة في بضائعها وثقافتها.
تلا وصول البرتغاليين في القرنين السادس عشر والسابع عشر وصول الهولنديين والبريطانيين والفرنسيين، الذين أسسوا جميعهم شركات تجارية في الهند. ومن بين هذه الشركات، كانت الشركة البريطانية هي التي عززت من مكانة البريطانيين التجارية والإدارية، وانتهى بها الأمر إلى السيطرة على الهند سياسيا. ومن قاعدة شركة الهند الشرقية البريطانية في مادراس، أمنت الشركة بنغال بقوة عسكرية عام 1757، وعينت وارين هاستينجز حاكما عاما في عام 1772. ولقد شهدت فترة تولي هاستينجز لذلك المنصب تدخل الحكومة البريطانية في الشئون الهندية. ويتم تذكره بوصفه حاكما، لكنه كان شخصية مهمة أيضا لرعايته للدراسات السنسكريتية.
ففي تلك الفترة، نشر عدد من الكتب لمؤلفين أوروبيين عن الهند ودينها. وكرر الكثير من هذه الكتب موضوعات تناولتها كتابات الرحالة السابقين التي هوجم فيها الدين الشائع في الهند وقبلت المعتقدات الأخلاقية والفلسفية الهندوسية (وإن لم تفهم على نحو صحيح في كل الأوقات). وبدءا من سبعينيات القرن الثامن عشر، تحقق إنجاز علمي هائل على يد رجال يعملون في شركة الهند الشرقية ، أبرزهم تشارلز ويلكينز في أول ترجمة إنجليزية ل «بهاجافاد جيتا» (عام 1785)، وويليام جونز في عمله «الأبحاث الآسيوية» (بدءا من عام 1789) الذي يتضمن ترجمته ل «مانوسمريتي». قدم هذان الدارسان للسنسكريتية الديانة الهندوسية بصورة إيجابية، مع توضيح قدمها والتأكيد على الموضوعات التي تتناولها بحيث يمكن للجمهور الغربي الإعجاب بها. وقد كتب وارين هاستينجز في ثنائه على ترجمة ويلكينز ل «بهاجافاد جيتا» يقول:
إن كل مثال يوضح لنا شخصيتهم الحقيقية (سكان الهند) لنتأمل فيها سيخلف لدينا انطباعا بشعور أكثر نبلا لحقوقهم الطبيعية، وسيعلمنا أن علينا تقديرهم وفقا لمقياسنا. لكن هذه الأمثلة لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال كتاباتهم؛ وهي الكتابات التي ستظل موجودة بعد انتهاء الحكم البريطاني في الهند، وبعد أن تذهب مواردها من الثروة والسلطة طي النسيان.
وفي الوقت الذي قدمت فيه النصوص الهندوسية المقدسة لجمهور جديد على يد هؤلاء الباحثين - الذين عرفوا فيما بعد باسم «المستشرقين» - قامت شخصية استثنائية بدراسة مختلفة تماما للديانة الهندية؛ فقد اجتهد الأب دوبوا - الذي أقام في مادراس وهضبة الدكن لا في بنغال، وكان يسوعيا فرنسيا لا حاكما بريطانيا - في جمع المعلومات لكتابة مخطوطة عن «السلوكيات والعادات والاحتفالات الهندوسية». وشأنه شأن هاستينجز وويلكينز وجونز، كان دوبوا مدركا لجهل معظم الأوروبيين، وسعى لمعالجة ذلك بتقديم وصف إثنوجرافي مفصل حصل عليه على مدار سنوات عديدة من المعرفة الوثيقة بالهندوس؛ فعاش كواحد منهم، وارتدى ملابسهم، وكسب ثقتهم. وكان حذرا للغاية في تجنب «إظهار أي نفور» من سلوكياتهم. ترجمت مخطوطته إلى الإنجليزية (عام 1815)، وسرعان ما أصبحت مصدرا للأوروبيين الحريصين على تكوين رأي بشأن الثقافة الدينية في الهند. (2) المسيحية والهندوسية الحديثة
زخر عمل الأب دوبوا بتفاصيل متنوعة حول الطوائف المجتمعية، ونمط الحياة البرهمي، والممارسات الدينية في الهندوسية بجنوب الهند، لكن غرضه لم يكن الإشادة وإنما إعلام الآخرين بواقع الأمر. وبصفته يسوعيا، كان تواقا للترويج للمسيحية، وشعر بأن السبيل الوحيد لفعل ذلك هو اكتساب معرفة عميقة عن المجتمع الهندي وثقافته؛ فيقول: «لقد توصلت إلى أن الصورة الصادقة لخبث تعدد الآلهة والوثنية وتنافرها ستساعد كثيرا - من خلال قبحها في حد ذاته - على إبراز جوانب الجمال والكمال في المسيحية.» لكن من كانت لديهم قناعة إنجيلية أكثر قوة - مثل ويليام ويلبرفورس، صاحب الحملات المناهضة للعبودية - اختلف مع تلك الفكرة وفضل أن يقوم الحكم البريطاني في الهند بدور أكثر فعالية في تجريم مثل هذه الممارسات والترويج للمسيحية، لكن الكثيرين ممن كانوا في السلطة آنذاك تحفظوا على معاداة سكان البلاد وإثارة القلاقل المدنية.
وعلى الرغم من أن شركة الهند الشرقية لم ترفع رسميا حظرها للنشاط التبشيري في أراضيها إلا عام 1813، فإن بعض المسحيين المتحمسين كانوا قد استقروا في الهند قبل ذلك الحين، ومن أبرزهم ويليام كاري، وهو معمداني سافر إلى الهند عام 1793. وبدون أي دعم أو رعاية رسمية، قضى عدة أعوام مع أسرته في فقر مدقع مرتحلا في أنحاء بنغال قبل أن يؤسس إرسالية سيرامبور مع اثنين من التبشيريين الآخرين. وقد تعلم البنغالية والسنسكريتية، وترجم الكتاب المقدس إلى البنغالية عام 1800. لكنه فشل فشلا ذريعا كداعية؛ إذ لم يعتنق المسيحية سوى عدد قليل للغاية من البنغاليين. وحتى في الحالات التي اعتنق فيها الهندوس المسيحية بالفعل، لم يكونوا من البراهمة الذين طمح هؤلاء إلى هدايتهم، وإنما كانوا من الطوائف الدنيا والمنبوذين الضعفاء والمستعبدين.
شكل 6-1: نقش يصور حرق الأرامل (الساتي) من كتاب «صرخات الهند للإنسانية البريطانية» لصاحبه جيمس بيجز، الذي نشر عام 1832.
يعد رام موهان روي (1772-1833) أحد كهنة البرهمية الهندوس المعروفين للتبشيريين في سيرامبور والذين تأثروا بهم؛ فبفضل إتقانه للفارسية والعربية واليونانية واللاتينية والإنجليزية إلى جانب البنغالية والسنسكريتية، ومعرفته بالإسلام والمسيحية إلى جانب ديانته الهندوسية؛ كان أول هندي يعلق في مؤلفات مطبوعة بالإنجليزية على البريطانيين وديانتهم ووضعهم في السياق الهندي. وبوصفه مصلحا اجتماعيا، أثار غضب الهندوس المحافظين بكتاباته المناهضة للوثنية، وحرق الأرامل، وزواج الأطفال، والنظام الطائفي؛ والمؤيدة لتعليم النساء. وبوصفه هندوسيا يحمل أفكارا جديدة، حصل على مدح ونقد من المسيحيين؛ فمدح لقراءته العهد الجديد، وتقديره لتعاليم يسوع الأخلاقية، وتعاطفه مع الموحدين، لكنه انتقد لعدم موافقته على أن يسوع ابن الرب . لم يقتصر حماس روي الإصلاحي على القضايا الاجتماعية فحسب، وإنما في عام 1828، أسس جمعية تعرف باسم «براهمو ساماج» مع أصدقاء يحملون الفكر نفسه من أجل الترويج للتوحيد العقلاني والأخلاقي الذي آمن بأنه متأصل في «أوبانيشاد» و«براهما سوترا». وقد كانت صور الآلهة والإلهات وعبادتهم محظورة في مقر الجمعية. وبالنظر إلى تلك الجمعية وكتابات رام موهان روي العديدة، يمكن رؤية تأثير كل من الإسلام والمسيحية، وكذلك فكرة اللاثنائية «أدفايتا فيدانتا»، على فكره. ومن الأمور المدهشة أيضا بشأن هذا الرجل الأسلوب الذي نشر به أفكاره؛ فبوصفه هنديا معاصرا، استخدم كل الوسائل الحديثة التي أتيحت له؛ فطبع كتيبات، وأنشأ صحفا، وطالب بالحقوق المدنية. (3) الهندوسية في موقف الهجوم
استمرت النزعة الإصلاحية لجمعية براهمو ساماج، لا سيما من خلال الحملات التي قام بها رئيس لاحق لها يدعى كيشاب تشاندرا سين (1838-1884) الذي واصل العمل على قضايا المرأة من خلال المطالبة بزواج الأرامل. وقد طالبت شخصيات أخرى في القرن التاسع عشر بأمور مماثلة؛ فأكد داياناندا ساراسواتي (1824-1883)، الذي أسس حركة آريا ساماج عام 1875، على الشراكة الدينية الفيدية بين الرجال والنساء وأهمية تعليم النساء. ورجع هو وغيره إلى المناقشات العظيمة في «أوبانيشاد» التي شاركت فيها النساء.
سوتي أم ساتي؟
أدان البريطانيون والفرنسيون السوتي (أي حرق الأرامل)، بوصفه عملا غير إنساني. وأثارت روايات الرحالة انتباه أبناء جلدتهم في أوروبا إلى أهوال ذلك العمل؛ فنجد النقش الموضح في كتاب بيجز التبشيري يعرض اثنين من الملاحظين الأوروبيين يشيحان بنظرهما بعيدا عن المشهد وهنودا متوحشين يلوحون بالسيوف ويزيدون النار اشتعالا، بينما المرأة المحترقة تظهر في صورة ضحية سلبية تناشدهم لإنقاذ روحها.
لكن الساتي لم يفهم على هذا النحو من الهندوس الذين قبلوا به؛ فكلمة «ساتي» تعني، في الواقع، «امرأة صالحة»؛ أي زوجة مخلصة اختارت التغلب على الموت بأن تصبح إلهة أو «ساتي-ماتا». وعلى الرغم من أن حرق الأرامل لم يكن ممارسة واسعة الانتشار، فلا شك أنه تم بالفعل على نحو منتظم إلى حد ما في بعض المناطق في شمال الهند في القرن الثامن عشر؛ حيث اعتبر خيارا مناسبا للنساء من الطوائف العليا اللاتي يموت أزواجهن قبلهن. لكن على الرغم من دعم الكثير من الهندوس المحافظين لهذه الممارسة، ازدراها آخرون وأبرزهم رام موهان راي، الذي قام بحملات حثيثة لوقفها. أما البريطانيون، الذين خشوا من التدخل في الشئون الدينية الهندوسية، فكانوا حذرين، لكنهم في النهاية سنوا قانونا لحظر حرق الأرامل عام 1829.
بيد أنه ليس من السهل سن قوانين ضد المعتقدات والممارسات الشائعة، فاستمرت حالات إحراق الذات بين النساء، وفي عام 1987 في قرية ديورالا في راجستان، لقيت زوجة شابة تدعى روب كانوار مصرعها في محرقة جنازة زوجها، وصار الساتي مثارا للجدل مرة أخرى. دافعت أسرة روب وأهل القرية والعديد من الزعماء الهندوس عما حدث، فقالوا إنها فعلت ذلك بمحض إرادتها، لكن الكثير من النساء في الهند تساءل: «هل من امرأة تختار الموت بهذا الشكل؟» هل يمكن أن يكون ذلك خيار روب الحر فعلا؟ أم إن ثمة ضغوطا مورست عليها لتدخل إلى المحرقة؟ وزعم الهندوس المناصرون لمسألة حرق الأرامل أن من انتقدوا الحادث ليسوا سوى علمانيين تأثروا بالفكر الغربي؛ وأنكر الرافضون للساتي أنهم معادون للهندوس، مؤكدين على أنهم مستاءون فحسب من ممارسة مجحفة في حق النساء، وليس لها في الواقع أي حجة قوية مؤيدة لها في النصوص الهندوسية المقدسة.
لقد كان التركيز على ما كان يطلق عليه عادة «نهضة النساء» أحد جوانب توجه المستشرقين والمصلحين الهندوس لإحياء الماضي الآري. فانتهى الجدل، مثلما رأينا في الفصل الأول، إلى قبول فكرة أن ثمة حضارة عظيمة قديمة اندثرت تدريجيا على مر القرون بفعل الممارسات الدينية والتقاليد الاجتماعية الشائعة، مثل «الخرافات» و«عبادة الأوثان» و«تعدد الآلهة» و«النظام الاجتماعي الطائفي». وصار ذلك الجدل محور القضية القومية الهندوسية، وتكرر كثيرا، ليس فقط على يد حركة آريا ساماج، وإنما أيضا من جانب مؤسسي الحملات والحركات اللاحقين (وفي ذلك الحملات والحركات الناشطة حاليا). لكنه تعرض للنقد من جانب من شككوا في الدقة التاريخية للزعم بوجود عصر آري ذهبي، ورفضوا الشقاق الناجم عن تفضيل الآريين على كل الجماعات الدينية الأخرى.
لقد طغى تأثير الثقافة الغربية والقيم المسيحية على الكثير من المبادرات الهندوسية الحديثة في القرن التاسع عشر بنحو أو بآخر. وبما أن الزعماء الهندوس لم يؤيدوا تلك القيم تأييدا إيجابيا، فقد كان لهم رد فعل مناهض لها؛ على سبيل المثال، أعادت حركة آريا ساماج الهندوس الذين ينتمون للطوائف الدنيا، الذين اعتنقوا المسيحية، إلى الهندوسية. وقام الكثير من الجماعات الجديدة بمحاكاة ممارسات المجتمعات البريطانية وهياكلها التنظيمية والإدارية، واستخدمت الكلمة المطبوعة مثل رام موهان روي كوسيلة لنشر أفكارها.
شكل 6-2: بصمات أيدي الساتي: نصب تذكاري للسيدات اللاتي حرقن حيات في محارق أزواجهن الجنائزية.
من الشخصيات التي كانت أقل تأثرا بالوضع الاستعماري في الهند راماكريشنا (1836-1886). ولد راماكريشنا في أسرة برهمية فقيرة، وصار كاهنا للإلهة كالي في معبد داكشينسوار بالقرب من كلكتا. وأسس علاقة قوية مع الأم العظيمة كالي التي رآها لاحقا متجسدة في زوجته الشابة، سارادا. وقد خاض أيضا رحلة روحانية داخلية تعلم فيها الفروع المعرفية التنترية، وجرب وحدانية رؤية الأدفايتا، واستمتع بحب كريشنا، واستكشف الروحانية المسيحية والإسلامية. وقد ألهمت أفكاره المتعمقة وسلوكه الصوفي الكثير من الناس، خاصة ناريندراناث داتا (1863-1902) المتشكك الذي حصل على تعليم بريطاني، وقد كان ذلك التابع، الذي اتخذ لنفسه اسم فيفيكاناندا فيما بعد، هو الذي أعطى شكلا أيديولوجيا ومؤسسيا لرؤية معلمه الروحاني. لكن سارادا ديفي كانت هي المحور الروحاني للعديد من أتباع زوجها، بوصفها تجسيدا للإلهة كالي.
إنجازات فيفيكاناندا
ثمانينيات القرن التاسع عشر:
الانضمام إلى جمعية براهمو ساماج.
1881:
الالتقاء براماكريشنا.
1886:
وفاة راماكريشنا؛ تأسيس نظام راماكريشنا.
1886-1892:
الارتحال كزاهد (سانياسي) بنظام راماكريشنا.
الوصول إلى أفكار متعمقة حاسمة في كيب كومورين.
1893:
حضور برلمان الأديان العالمي في شيكاجو.
1893-1896:
إلقاء محاضرات في الولايات المتحدة، وزيارة قصيرة لإنجلترا (الموضوعات الرئيسية التي تناولتها المحاضرات: الهندوسية، خاصة أدفايتا فيدانتا؛ والتفاهم بين الشرق والغرب؛ والأوضاع الاجتماعية الهندية).
1894:
تأسيس أول جمعية فيدانتا في نيويورك.
1896:
العودة إلى الهند.
1897:
تأسيس إرسالية راماكريشنا في الهند، وبدء إصدار دوريات لنشر تعاليم راماكريشنا.
1899:
عودة قصيرة لأمريكا.
1902:
وفاة فيفيكاناندا .
إرث سارادا ديفي
تأسست منظمة دينية نسائية - هي راماكريشنا سارادا مات آند ميشن - رسميا عام 1954 على اسم سارادا ديفي. ويوجد لهذه المنظمة، التي لها نشاط أيضا الآن في جنوب أفريقيا وأستراليا، نحو عشرين فرعا في الهند؛ حيث يمكن للنساء الدراسة والعيش، وهي تقدم أيضا تأهيلا للنساء وفقا للنذور التي يجيزها تقليد القادة الشانكاريين المحافظين. وهذه المنظمة هي إحدى الحركات القليلة التي تمكن المرأة من نبذ العالم والتحول إلى زاهدات (سانياسي). (4) من الهند إلى الغرب والعودة مرة أخرى
إن أهم إسهامات فيفيكانادا هو تعريف الغرب بالتعاليم الهندوسية المعاصرة، من أجل الغرب. فيرجع الفضل الأكبر، في الواقع، في تشكيل الفهم الغربي للهندوسية في فترة ما قبل سبعينيات القرن العشرين إلى فيفيكانادا، ويعكس هذا الفهم رؤية فيفيكانادا القائمة على فكرة الأحادية، التي أشار إليها عادة باسم «فيدانتا». وقد ازداد عدد جمعيات الفيدانتا في المدن الأمريكية، وجذبت إليها الكثير من الناس الذين خذلتهم المسيحية وكان لديهم اهتمام بتجريب أفكار فلسفية جديدة.
عند وصول فيفيكانادا إلى الغرب، كان لدى الكثير من الأمريكيين استعداد لتلقي رسالته. وفي الفترة ما بين أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر، عبر العديد من الشعراء عن أفكار اعتقدوا أنها مشابهة لتعاليم «أوبانيشاد» عن البراهمان؛ فنشر رالف والدو إميرسون وهنري ديفيد ثورو، اللذان تأثرا بترجمات المستشرق البريطاني ويليام جونز، مقالات عن النصوص الهندوسية المقدسة في مجلة تحمل اسم «ذا دايل». وعبر والت ويتمان في ديوانه «أوراق العشب» بأسلوب شعري عن فلسفة قال البعض إنها مشابهة لتعاليم كريشنا في «بهاجافاد جيتا». وقد كان هؤلاء الشعراء المعتنقون للفلسفة المتعالية مثالا نموذجيا للعديد من الناس ذوي النزعة الرومانسية الذين نظروا للهند وديانتها عن بعد؛ فتخيلوا أن الشرق هو كل ما ليس عليه الغرب: روحاني، أسطوري، حافل بالطقوس والرموز؛ غير مادي أو عقلاني أو علمي. لقد كانوا باحثين روحانيين، مثل الشخصين اللذين شكلا بعد ذلك الجمعية الثيوصوفية في نيويورك عام 1875؛ فأسست مدام هيلينا بلافاتسكي والكولونيل إتش إس أولكوت حركة ذات تعاليم مبهمة واهتمام بالفكر البوذي والهندوسي، لا سيما فكرتي الكارما والتناسخ. وظلت الجمعية الثيوصوفية مشهورة في الغرب، لكنها نقلت رسالتها أيضا إلى الشرق لتستقر خارج مادراس عام 1882. وقد روج مناصرو هذه الجمعية، وعلى رأسهم سيدة إنجليزية تدعى آني بيزنت (التي أصبحت فيما بعد زعيمة حزب المؤتمر الوطني الهندي)، لمآثر الهندوسية، ودافعوا عنها أمام نقد التبشيريين، وأثاروا الفخر بين الهندوس الهنود بتراثهم، ومن خلال فيفيكانادا والجمعية الثيوصوفية، نرى كيف عادت الأفكار عن الهندوسية، التي اختمرت في الغرب، إلى الهند لتؤثر على الهندوس فيها، وقد أشار الباحثون في مجال الهندوسية الحديثة إلى هذه العملية باسم «أثر البيتزا».
أثر البيتزا
انتقلت البيتزا - التي هي في الأصل نوع من الخبز المسطح - مع المهاجرين الإيطاليين إلى أمريكا في القرن التاسع عشر، وتطورت هناك إلى ما نعرفه اليوم: خبز مسطح مغطى بالطماطم والجبن وأي شيء آخر قد يرغب فيه من يأكلها. والإيطاليون الناجحون، الذين عادوا إلى إيطاليا لزيارة عائلاتهم، أخذوا معهم البيتزا بصورتها الجديدة التي استوعبتها إيطاليا فيما بعد قبل أن تصدرها إلى بقية العالم بوصفها وصفة إيطالية أصيلة. ويطلق الباحث أجهاناندا بهاراتي على تصدير شيء أو فكرة أو رمز ما، ونقله الثقافي ثم إعادة استيراده مرة أخرى وأثر ذلك؛ «أثر البيتزا».
لعل أوضح مثال على ذلك يمكن رؤيته في موهانداس كرمشاند غاندي (1869-1948). فغاندي هندوسي جوجاراتي نشأ على الثقافة الفايشنافية وتعرف على الأفكار الجاينية في منطقة ميلاده، وانتقل إلى لندن في ثمانينيات القرن التاسع عشر لدراسة القانون. وكان تركه للهند المقدسة وذهابه إلى أرض الأجانب خطوة مصيرية أخرج على إثرها من طائفة بانيا التجارية (وإن أعيد تنصيبه شعائريا فيها لاحقا). وما أن استقر في لندن حتى بحث عن الناس الذين قد يتشارك معهم بعض تقاليده الثقافية؛ أولئك أصحاب الفكر الحر الذين كانوا يتبعون النظام الغذائي النباتي والثيوصوفية. وكان هؤلاء من قرأ معهم «بهاجافاد جيتا» للمرة الأولى، وكذلك كتاب «نور آسيا» للسير إدوين آرنولد (الذي يدور حول بوذا) والعهد الجديد، وبالأخص «عظة على الجبل».
أثرت «بهاجافاد جيتا» على غاندي - الذي قرأها باللغة الإنجليزية - تأثيرا عميقا طوال حياته، وأثرت فكره حول الانفصال وكيفية التصرف (كارما يوجا) التي صارت مهمة في أعمال المقاومة السلمية التي قام بها ضد البريطانيين وفي حملته من أجل الحكم الذاتي للهند، لكن عودة غاندي لأصوله الروحانية لم تخل من التفكير النقدي؛ فقد قبل فئات الفارنا الاجتماعية الأربع، لكنه رفض النبذ؛ وأقر بدور «سيتا» التقليدي للنساء، لكنه جادل من أجل حقوقهن. وكان حجر الأساس لمبادئه فلسفة الساتياجراها؛ أي الإصرار على الحق؛ وهي الفلسفة التي قام عليها عمله السياسي. والحق الوحيد الكامن في جوهر كل شيء ظهر في شكل قوة أخلاقية وسلمية من أجل الخير.
كان غاندي، شأنه شأن الهندوس المعاصرين الذي ذكروا في هذا الكتاب، ملتزما بالإصلاح الاجتماعي وإعادة تشكيل الهند الحديثة بالاعتماد على تقاليدها الروحانية القيمة. وقد طور أيضا من أفكاره وأعماله بوصفه أحد المستعمرين في ظل الحكم البريطاني؛ فحاكى أحيانا الصور الغربية للهند والهندوسية، وقاومها أحيانا أخرى، لكنه تأثر دائما بها. وتدعونا آراء الهندوس المعاصرين أمثال غاندي وصور المعلقين الغربيين إلى مزيد من التفكير في طبيعة الهندوسية والأساليب العديدة التي مورست وفهمت بها، لكن قبل أن نفعل ذلك، يجب أن ندرس التحديات المعاصرة التي فرضت على الهندوسية من فئتين تتمحور حولهما دعوات الإصلاح؛ ألا وهما النساء والمنبوذون (الداليت)، وهو ما سنفعله في الفصل التالي.
الفصل السابع
تحديات تواجهها الهندوسية: النساء
والمنبوذون
في منتصف سبعينيات القرن العشرين ومنذ عام 1980 حتى اغتيالها عام 1984، كانت رئيسة وزراء الهند امرأة، وهي أنديرا غاندي؛ وفي عام 1997، أثناء كتابتي لهذا الكتاب، شغل أحد المنبوذين (الداليت)، هو كيه آر نارايانان، منصب رئيس الهند؛ فهل يشير اعتلاء هاتين الشخصيتين لهذين المنصبين أن النساء والمنبوذين قد حققوا المساواة الآن مع الجماعات الأخرى في المجتمع الهندي؟ وبالعودة إلى الدين، هل يمكن لامرأة أو أحد المنبوذين العمل كقائد شانكاري (انظر الفصل الثاني)، وهو الذي يعد، على الأرجح، أعلى منصب ديني في الهندوسية المحافظة؟
تثير هذه الأسئلة موضوعات مهمة بشأن التقاليد الاجتماعية والدينية في الهند. لكن هل هذه الموضوعات مرتبطة بعضها ببعض ؟ هل الشئون الاجتماعية/السياسية منفصلة عن الشئون الدينية؟ وهل من المناسب عند التفكير في الهندوسية تجاهل الشئون الاجتماعية/السياسية؟ سيتضح من خلال هذه المناقشة أن مثل هذا التمييز مصطنع وغير عملي؛ ففي الهند، مسائل الطوائف الاجتماعية والنوع ليست مجرد مسائل اجتماعية تتطلب رد فعل علمانيا؛ وإنما هي مسائل قائمة على أفكار دينية، وتتم المحافظة عليها من خلال التقاليد الطقسية والمؤسسات البرهمية. وطبيعة الهندوسية في حد ذاتها بوصفها دينا - بل والدين في حد ذاته - تتعرض لتحدي العلاقة المتداخلة بين هذه المسائل، لكننا سنعود لتناول هذا الأمر في الفصل الأخير من هذا الكتاب، فيجب علينا أولا دراسة ما يكمن وراء مسألتي الطوائف الاجتماعية والنوع في الفكر الهندوسي، والمطالب المعاصرة لبطلي هذه المسائل الرئيسيين؛ المنبوذين والنساء. (1) الطائفة الاجتماعية والنوع: من يكون الهندوسي؟
لقد وصفت في فصول سابقة من هذا الكتاب الفارنا (الطبقة الاجتماعية) والجاتي (الطائفة الاجتماعية) وأهمية فكرة الدارما؛ أي النظام والواجب، ومعناها للجماعات الاجتماعية المختلفة. ومثلما أوضحت، كان «مانوسمريتي» أحد النصوص المهمة التي ناقشت هذه الموضوعات. وعلى الرغم من كتابة هذا النص مع وضع مصالح البراهمة في الاعتبار على نحو رئيسي، فقد ذكر النص جماعات أخرى، بما في ذلك من ينتمون لطائفة الشودرا (الخدم) الدنيا ومن هم خارج نظام الفارنا ويشار إليهم باسم «تشاندالا». وكان يحظر على هاتين الجماعتين - والنساء أيضا - الاستماع إلى «فيدا»، وحرموا كذلك من التأهيل لحالة «المولود مرتين» (وارتداء الخيط المقدس). وقد ازدرى مانو طائفة التشاندالا، واصفا إياهم بأنهم «طباخو الكلاب» للدلالة على مكانتهم المتدنية ودنسهم، وحظر عليهم التمتع بأي ملكيات، وأرسلهم للعيش خارج القرية وأداء أكثر أعمالها مهانة (الكنس، والعمل في الجلود، وإزالة الفضلات). وكان لمس أحد هؤلاء الأشخاص يدنس من ينتمون لطائفة أعلى، ويستلزم تطهرا طقسيا. وكان كهنة البرهمية - الأطهر بين الجميع - أكثر من يخافون من وجود طائفة التشاندالا، على الرغم من اعتمادهم عليهم في أداء المهام المسببة للدنس؛ فكان ينظر إليهم على أنهم مهمون، لكن بعيدا عن القرية وحياتها الاجتماعية والدينية.
كانت المرأة الحائض أيضا دنسة ، واستلزم لمس أي كاهن برهمي لها الاغتسال. ويقول مانو إن نساء الطوائف العليا يجب أن يخضعن لحماية آبائهن وأزواجهن وبعد ذلك أبنائهن. ويجب ألا يستقللن أبدا؛ وذلك بسبب ضعفهن وطبيعتهن المتقلبة والتبعات الاجتماعية للسماح لهن بالتصرف خارج إطار السلطة الذكورية. لكن يجب على الرجل تكريم زوجته، وإن كان عليه أيضا التحكم فيها - بالقوة إن لزم الأمر - والمحافظة على تركيزها على القيام بالواجبات المنزلية. وكان حمل الأطفال - لا سيما الذكور - فضيلتها. والزوجة الصالحة يجب أن تخدم زوجها كما لو كان إلها، حتى وإن كان طالحا، ويجب ألا تتركه، وألا تتزوج بعد وفاته. وفي عصر مانو، كان محظورا على جميع النساء الاستماع إلى «فيدا»، وكن محرومات أيضا من فرصة الزهد في الدينا (سانياسا).
استهدفت تشريعات مانو السيدات اللاتي انتمين لفئات المولودين مرتين، بينما كانت أقل أهمية بالتأكيد لمن انتمين لفئات أدنى. لكن الأعراف والتوقعات الناتجة عن هذه التشريعات (مثل الإذعان لرغبات الزوج وأسرته، وتحمل الإيذاء، وتفضيل الأبناء الذكور، وتقييد الحرية) تغلغلت في المجتمع الهندوسي، وأثرت على السلوك الذي شعرت كل النساء بأن عليهن اتباعه، ونظرة الآخرين لهن. لم تهمش النساء بالقدر نفسه الذي تعرضت له طائفة التشاندالا، لكنهن لم يتمكن من الوصول المباشر للنصوص المقدسة والمناصب الدينية، أو تحقيق تقدم روحاني وإقامة علاقة مع الإله.
إذا كانت هذه هي النظرية، فما حال الممارسة؟ لا يتوفر سوى عدد قليل من الروايات الوصفية للحياة الهندوسية في الهند قبل القرن التاسع عشر؛ لذا فنحن لا نعرف الكثير عن الخبرة الفعلية لهاتين الفئتين. لكن ما نعرفه بالفعل هو أن حركة بهاكتي قد أتاحت لبعض الناس فرصة عظيمة للتعبير عن الذات. وأثبتت شاعرات من أمثال أنتال وأكاماهاديفي وميراباي، وشعراء من طوائف اجتماعية دنيا من أمثال كبير ورافيداس، صانع الجلود؛ أن حب الإله متاح لجميع الناس، بغض النظر عن النوع أو الطائفة، وأنه يمكن التعبير عنه جهرا بلغة المرء الأصلية. ونظرا لمنع هاتين الفئتين من الاستماع ل «فيدا» باللغة السنسكريتية، ومن الدخول في دين المولودين مرتين، فقد اكتشفتا طريقهما الروحاني الخاص بهما، والمتمثل في إقامة علاقة وثيقة ومباشرة مع الإله.
لكن لم تشارك أعداد كبيرة من النساء والمنبوذين في التعبير عن آرائهم وصياغة المناقشات حول النوع والطائفة الاجتماعية إلا بحلول القرن العشرين. (2) الحركة النسائية
مثلما رأينا في الفصل السابق، كان وضع المرأة ومشكلة الطوائف الاجتماعية من المسائل المهمة في أجندة المستعمرين والمصلحين الهندوس المعاصرين؛ لأنه كان يعتقد أن هاتين المسألتين علامة على الانحدار الديني والاجتماعي في الهند. وبدءا من ثمانينيات القرن التاسع عشر، ازدادت مشاركة سيدات من الطبقات الوسطى في الحياة المهنية وحركة الإصلاح، رغم أن هذا التقدم كان بطيئا وصعبا. وكانت من أكثر السيدات إخلاصا لقضية المرأة في تلك الفترة بانديتا راماباي (1858-1922)، التي قامت بحملات شعبية من أجل تعليم الأرامل الصغار السن، والتحاق النساء بكليات الطب، وتدريب المعلمات. وألفت كتابا بعنوان «نساء الطوائف الهندوسية العليا» عام 1887، وأسست مدرسة داخلية للأرامل الصغيرات عام 1889. انحدرت أصول راماباي من أسرة برهمية، لكن ما أصابها من خيبة أمل بسبب نقص الفرص المتاحة للنساء في حركة الإصلاح والنهضة الهندوسية ساهم في قرارها باعتناق المسيحية؛ الأمر الذي جعلها تنبذ من الهندوس البنغال. وانضمت إليها نساء أخريات في دعوتها لتعليم النساء، وكانت حجتهن أن النساء - بصفتهن «أمهات الأمة» - يجب أن يحصلن على تعليم مناسب، وتقول ساروجيني نايدو (1879-1926)، التي ستصبح بعد ذلك زعيمة للحركة النسائية ورئيسة لحزب المؤتمر الوطني الهندي، في هذا الشأن: «علموا نساءكم، وسوف تنهض الأمة بنفسها ... فاليد التي تهز المهد هي اليد التي تحكم العالم.» وازداد انضمام النساء إلى الحركة القومية مع مطالبتهن بالتعليم، واستخدم كل من آني بيزنت وساروجيني نايدو الإلهات الهندوسيات والنساء المذكورات في الأساطير الهندوسية لتقديم نماذج يحتذى بها من النساء والتذكير بدورهن في الصراع السياسي.
شكل 7-1: رسم لامرأة تتعبد عند رمز لشيفا من «راجامالا» مانلي، وهو رسم يعود لعام 1610 تقريبا في راجستان.
واستمر النشاط السياسي هذا من عشرينيات القرن العشرين حتى استقلال الهند عام 1947، وانضمت النساء في خلال تلك الفترة إلى الرجال في حملات للعصيان المدني نظمها غاندي في إطار سعيه لتحقيق الحكم الذاتي للهند. وناضلت النساء من أجل السماح لهن بالمشاركة في «مسيرة الملح» عام 1930 للاعتراض على الضريبة التي فرضها البريطانيون على الملح، وتم تنصيبهن آنذاك قائدات للعديد من المجموعات التي نظمت لخرق قوانين الملح، ومقاطعة استخدام القماش الأجنبي، وتطوير الصناعات المنزلية، وتنظيم الإضرابات والمظاهرات. واعتقل الكثير من النساء لمشاركتهن في هذه الأعمال.
وما إن استقلت الهند حتى أصبح بإمكان النساء التركيز مرة أخرى على تحقيق المساواة بينهن وبين الرجال والحصول على حقوقهن، وكن يأملن أن تؤكد الحكومة الجديدة على هذه المسائل في الدستور، وفي قانون هندوسي جديد. وكفلت المساواة بالفعل في دستور عام 1950، لكن آمال النساء في رفع سن الرشد والزواج، وحق النساء في الطلاق، وإحداث تغييرات في قوانين الإرث والمهر؛ لم تتحقق في قانون هندوسي جديد (وإن كان بعضها قد طرح في قوانين منفصلة لاحقا).
لكن الحملات من أجل الحصول على الحقوق لم تخرج عن نطاق العدد المحدود للأصوات النسائية المثقفة ذات الوعي السياسي إلى نطاق النساء العاديات إلا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وذلك مع تزايد المبادرات في أنحاء الهند فيما يتعلق بالمهر وإساءة استخدامه، والعنف المنزلي، والاغتصاب، وحرق الأرامل، ومنح النساء حقوقهن الخاصة بالعمل، وإدخال تحسينات على قوانين الميراث، وحماية البيئة، وسن قانون مدني عام. وبعد عدة محاولات باءت بالفشل، تأسس للمرة الأولى اتحاد لجميع نساء الهند عام 1917، لكن السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين شهدتا عصر الحركة النسائية من خلال تكون جماعات في المدن والقرى لمعالجة المشكلات المحلية، واستعداد النساء من جميع الطبقات الاجتماعية والدينية للتحدث والعمل علنا أمام الجميع. وأتاح كذلك تأسيس مجلة «مانوشي» عام 1978 - وهي صحيفة موجهة للنساء وتكتب بأقلام نسائية (التي تشارك في تحريرها مادهو كيشوار وروث فانيتا) - الفرصة لإعادة النظر في وضع النساء وأدوارهن وصورهن ورؤاهن، وفي هذه المجلة - شأنها شأن الكثير من المبادرات الأخرى - عملت النساء معا، وهن على وعي بمصالحهن المشتركة ونقاط بدئهن المختلفة أيضا؛ فاحتججن على ظهور النزعة الطائفية التي ازداد في إطارها الصراع بين الأجندات السياسية والدينية المختلفة للهندوس والمسلمين والسيخ، التي هددت كذلك جهود الحركة النسائية الهادفة لتحقيق مكاسب لكل النساء بغض النظر عن خلفياتهن. (3) البنات والمهر وتحديد الجنس
حتى قبل تأليف «مانوسمريتي»، كان المجتمع الفيدي يخضع للهيمنة الذكورية مع ترؤس الرجال للأسر ووراثتهم للممتلكات. وكان دارما النساء هو إنجاب الذكور: «لتنعم بالإناث على أناس آخرين؛ أما هنا فأنعم علينا بالذكور» («أثارفا فيدا»). هيمنت تلك الفكرة على العقول، مثلما يوضح دعاء هذه المرأة: «لتنعم بيوتنا بالكثير من زوجات الأبناء، والقليل من البنات؛ لتنعم العيون بالنظر إلى وجوه الأحفاد وأبناء الأحفاد من الذكور.» يؤكد الكثير أيضا من سير النساء الهنديات الذاتية على هذا الشعور بأن إنجاب الفتيات ليس بالأمر المحبذ دائما. وكان ينظر عادة للفشل في إنجاب الذكور على أنه عقاب لسوء سلوك في حياة سابقة أدى إلى عواقب تعيسة في الحياة الحالية. ولا يقتصر الأمر فحسب على أن الأبناء هم - حسب العرف - من يعيلون الأسرة ويؤدون الطقوس عند وفاة آبائهم، وإنما هم من يحققون الثراء للأسرة أيضا عند زواجهم. أما البنات، فيستنزفن موارد الأسرة؛ إذ يمنح آباؤهن المال والبضائع (المهر) للعريس وأسرته عند الزواج.
ولقد تم حظر دفع المهور في قانون صدر عام 1961، لكن ما كان مقصورا في السابق على مجتمعات الطوائف العليا صار الآن ممارسة واسعة الانتشار ومتنامية، مع ارتفاع تكاليف زواج البنات كل عام. وعلى الرغم من ادعاء الرجال والنساء معارضتهم لذلك، ما زال دفع المهور مستمرا. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إساءة معاملة الزوجات بسبب المهور؛ فيطالب الأزواج وأسرهم في كثير من الأحيان بالمزيد من الأموال والبضائع بعد الزواج، ويفرض ذلك عادة بالعنف. وتتزايد الوفيات؛ فتقتل الزوجات الشابات - عن طريق الحرق عادة - كي يتمكن الزوج من الزواج مجددا للحصول على مهر آخر. وتنتحر السيدات في كثير من الأحيان بسبب ما يتعرضن له من اعتداء متواصل: «فتاة تموت بسبب تعرضها للحرق» (صحيفة «ذا هيندو»، عدد 16 فبراير 1995)؛ «ربة منزل تنهي حياتها بعد الاعتداء عليها بسبب المهر» (صحيفة «ذا ديكان هيرالد »، عدد 20 نوفمبر 1994).
شكل 7-2: امرأة من طائفة دنيا تقف بجوار بناية سكنية تحت الإنشاء في بومباي.
أقام العديد من النساء والرجال حملات نشطة منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين ضد المهر في الهند والبلاد الأخرى، ورفض بعض الأسر المشاركة في تقديم المهور أو أخذها، وهي الفكرة التي شجعها بعض الجماعات الدينية. وتم تعديل قانون المهر في الهند عام 1983، ودخل بعض المنتهكين السجن منذ ذلك الحين، لكن التمييز بين حادث في المطبخ وجريمة قتل بسبب المهر كان صعبا على الشرطة والمحاكم.
تخيل، إذن، التوتر الذي يصيب الآباء الذين رزقوا بالبنات فقط. فإلى أي مدى ستزيد مبالغ المهور عليهم؟ وعندما تتزوج هؤلاء الفتيات، هل سيصبحن ضحايا لمثل هذه الاعتداءات؟ في ظل هذه المخاوف، لا ريب أن اختيار جنس المولود يبدو أمرا مغريا. ويكون هذا الأمر ممكنا للأزواج القادرين على تحمل تكاليف اختبار بزل السائل الأمنيوسي والإجهاض إن لزم الأمر، فنجد عبارة «زيادة عمليات الإجهاض مع تزايد اختبارات تحديد جنس الجنين» تحتل العنوان الرئيسي لصحيفة «ذا تايمز أوف إنديا» عام 1986، وفي بومباي في العام نفسه أظهرت الأبحاث أنه قد تم إجهاض 8 آلاف جنين بعد هذا النوع من الاختبارات، وكانت جميعها إناثا ما عدا حالة واحدة.
ما التحديات التي تفرضها هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان على الهندوسية؟ هل تعالج الجماعات الهندوسية المعاصرة هذه الانتهاكات؟ وكيف تستجيب هذه الجماعات للانحياز للأبناء الذكور الضارب بجذوره في التقاليد الهندوسية؟ وإلى أي مدى تؤمن النساء الهندوسيات بأنه يمكن إصلاح دينهن ليقر بقيمتهن ومصالحهن؟ هل قرر بعضهن، مثل بانديتا راماباي، أن الجماعات الهندوسية التقليدية والحديثة لا أمل فيها، ونظرن إلى بدائل روحانية أخرى، سواء في أديان أخرى أو في مبادرات روحانية جديدة؟ (4) النبذ الاجتماعي ونشأة هوية الداليت
تنشر الصحف في الهند على نحو متكرر أخبارا عن الجرائم التي ترتكب في حق الداليت (المنبوذين) (تزيد عن 10 آلاف خبر سنويا)، شأنها في ذلك شأن أخبار الاعتداءات التي تمارس في حق النساء. ويمثل من وصفتهم الحكومة بأنهم «طوائف مجدولة» وأسماهم غاندي بأبناء الإله «هاريجان»، إلى جانب أفراد القبائل الهندية؛ نحو خمس السكان الهنود، ويعيش أغلبهم في قرى الهند بوصفهم عمالا زراعيين لا يملكون الأراضي، ويرتبط الكثيرون منهم بالمنتمين للطوائف الأعلى. وعلى الرغم من عددهم، ومساواتهم مع الهنود الآخرين في الدستور، وقانون جرائم النبذ الاجتماعي لعام 1955 الذي سن لحمايتهم، يقع هؤلاء الناس كثيرا ضحية العنف والاغتصاب والقتل الفردي أو الجماعي، ولا يزالون يحرمون من حقوقهم (التعليم، ودخول المعابد، وحرية السكن، واستخدام الآبار). والسياسات الحكومية، التي حفظت لهؤلاء الناس أماكنهم في التعليم والخدمة الحكومية، أغضبت الهندوس المنتمين للطوائف العليا الذين لزم عليهم المنافسة للحصول على هذه الأماكن حسب الجدارة، وأسفر ذلك عادة عن عنف واسع الانتشار.
أمبيدكار: ما السبيل للحرية؟
كان كل من الاعتراف القانوني والسياسي بالمنبوذين ومجموعة من الكتابات المستنيرة حول كل جوانب حالة النبذ الاجتماعي وتاريخها وثقافتها وسياساتها؛ الإرث الأساسي للدكتور بي آر أمبيدكار (1891-1956)، على عكس الإصلاحيين الذين عارضوا الطوائف المجتمعية، لكن شأنه شأن غاندي الذي طمح في حدوث ثورة أخلاقية داخل الهندوسية تمكن المنبوذين من التمتع بالفرص الروحانية والاجتماعية التي يتمتع بها الهندوس الآخرون، كان أمبيدكار راديكاليا يريد رؤية التغيير في القانون. لقد كان منبوذا بدوره، لكن ليس منبوذا عاديا مقارنة بغيره من المنبوذين في عصره؛ فبعد التعليم العالي في جامعة كولومبيا ونيويورك وكلية لندن للاقتصاد، عاد إلى الهند واشترك في الحياة السياسية القومية، وشارك في المفاوضات السابقة للاستقلال مع البريطانيين، وبعد عام 1947، شغل منصبا قياديا في لجنة صياغة الدستور.
انصبت اهتماماته على ما أسماه بالتغير المادي والمعنوي للمنبوذين، فدفعه التغير المادي إلى العمل من أجل تحقيق الديمقراطية الاجتماعية، وحصول العمال غير المالكين للأراضي على حقوقهم، وتجريم الانتهاكات التي ترتكب ضد المنبوذين. أما فيما يتعلق بالضغط لتحقيق التغيير المعنوي للمنبوذين، فقد حلل أمبيدكار في البداية مساهمة التعاليم الهندوسية في شقاء المنبوذين؛ فلم يجد مساواة في الهندوسية، ولا مجالا للتقدم أو الحكم الذاتي، فيقول: «سأوضح الأمر على نحو دقيق؛ إن الدين موجود من أجل الإنسان، وليس الإنسان من أجل الدين، وللحصول على معاملة إنسانية، يجب أن تعتنقوا دينا آخر ... اعتنقوا دينا آخر لتحصلوا على المساواة. اعتنقوا دينا جديدا لتحصلوا على الحرية ... لماذا تبقون في ذلك الدين الذي يمنعكم من الدخول إلى المعابد ... ومن شرب الماء من بئر عامة؟ لماذا تبقون في ذلك الدين الذي يهينكم في كل خطوة تخطونها؟!»
وبعد أن أعلن أمبيدكار عام 1935 عن عزمه على ألا يموت هندوسيا، نبذ ذلك الرجل - الذي بلغ عدد أتباعه نصف مليون - ماضيه الديني وأعلن عن اعتناقه البوذية عام 1956؛ ومن ثم قدم للمنبوذين هوية دينية جديدة؛ هوية قبلت بوجود العذاب، لكنها أوضحت السبيل إلى إيقافه عن طريق الجهد الفردي.
تعد أقلية المنبوذين ذات العدد الكبير - شأنها شأن النساء - جماعة غير متجانسة؛ فهي مقسمة حسب الطائفة واللغة. وقد صعبت هذه الاختلافات الداخلية العمل المشترك بين أفرادها، لكن بحلول السبعينيات من القرن العشرين كانت ثمة هوية جديدة ومنفصلة تبدأ في الظهور بفضل أنشطة الكتاب والجماعات الشعبية الصغيرة بجميع أنحاء الهند. ركز هؤلاء الناس على وضعهم العام بوصفهم «داليت»؛ أي أشخاصا «كسروا» و«تشرذموا» و«قهروا». ومن خلال المؤلفات والأعمال الاحتجاجية، والصحف والمجلات مثل «ذا داليت فويس»، وأعمال المقاومة المحلية، وتدخلات أعضاء البرلمان المنتمين للطوائف المجدولة في الحوار السياسي؛ بدأ المنبوذون وأفراد القبائل الهندية العمل معا ومحاولة توصيل أصواتهم. ودعاهم زعماؤهم إلى اعتناق الإنسانوية العلمانية بوصفها عقيدة أخلاقية تقوم على الخير الحالي للإنسانية، وإلى رفض القوانين والواجبات المقسمة القائمة على التسلسل الهرمي والمرتبطة بالهندوسية المحافظة والتركيز الأخروي للدين بوجه عام. لقد كان تفكير المنبوذين «مناهضا للثقافة السائدة»، والهدف منه هو المطالبة بتاريخ وهوية بديلين لا يرتبطان بأيديولوجية الهندوسية البرهمية السائدة، لكن يمكنهما تقديم سبيل للوصول إلى مستقبل أكثر عدالة وانفتاحا. ومثلما كتب الشاعر الجوجاراتي المنبوذ، نيراف باتيل، في قصيدته «الاحتراق على كلا الجانبين»:
يمكننا أن نحب بعضنا بعضا
إذا تخليت عن طابعك المتحفظ.
تعال وتواصل معنا، وسوف نصنع عالما جديدا؛
يختفي فيه
الغبار والقذارة والفقر والظلم والقهر. (5) الدين والاحتجاج
تحول الكثير من الناس في حركات المنبوذين والحركات النسائية المعاصرة من الحلول الهندوسية إلى الحلول العلمانية أملا منهم في تحقيق المساواة والعدل. وكانت ثمة آمال عريضة، بعد استقلال الهند، في أن تحدث حكومة الهند العلمانية تغييرا في وضع كلتا هاتين الفئتين عن طريق القانون، لكن ذلك التغيير كان بطيئا على نحو محبط. وحتى عند سن قوانين جديدة، اتضحت صعوبة فرض تنفيذها في مواجهة مكانة التقاليد الدينية والاجتماعية وقوة المصالح.
لكن العلمانية لم تكن الملاذ الوحيد للجماعات المقهورة؛ فمثلما رأينا، في العصور التي لم تكن فيها العلمانية خيارا بعد، رأت النساء وأفراد الطوائف الدنيا أن البهاكتي يمنحهم احترام الذات ويتيح لهم فرصة للتحرر. وقد كانت حركات التنترا والشايفا أكثر استيعابا للأفراد من حركات الفايشنافا، لا سيما في الجنوب؛ حيث كانت معارضة المنهج المحافظ البرهمي في أقوى صورها. وكانت للديانات غير المحلية جاذبيتها أيضا، خاصة لمن ينتمون للطوائف الدنيا؛ فاعتنقت أسرة الشاعر كبير الإسلام، مثلما رأينا في الفصل السادس، وفي القرن التاسع عشر، استجاب بعض المنبوذين لضغوط الإرساليات المسيحية (الأمر الذي أثار ردة فعل قوية من جانب حركات إحياء الدين الهندوسية التي بدأت حملاتها الخاصة للتواصل مع الطوائف الدنيا). وفي العصر الحالي أيضا، نحو 80 في المائة من مسيحيي الهند من الجماعات المنبوذة.
لقد كان اعتناق هوية دينية جديدة تقدم المساواة والحرية، والتنصل من الهوية القديمة بكل ما تحمله من صور الظلم المتأصل فيها؛ استراتيجية مهمة للمنبوذين؛ فسار بعضهم على خطا أمبيدكار باعتناق البوذية، بينما صار آخرون من السيخ، لكن هذه الأديان الأخرى لم تلب دائما احتياجاتهم تلبية مرضية؛ على سبيل المثال، كان يطلق على من يعتنقون السيخية اسم «مذهبي سيخ»، ويتم التفريق بينهم بوضوح وبين السيخ الذين ينتمون للطوائف الأعلى؛ ومن ثم، بدأ المنبوذون في إنشاء مجتمعات دينية خاصة بهم، واتخذوا شخصيات ورموزا دينية يعتقدون أن بإمكانها التأكيد على إنسانيتهم وتحريرهم من القهر كمرجعية لهم، فربطت جماعات مختلفة من المنبوذين البنجاب أنفسهم بفالميكي (الراوي الشهير لملحمة «رامايانا»)، ووقرت رافيداس (الشاعر البهاكتي المنبوذ)، وقامت المنظمات الدينية حولهم.
لم يكن قلب الرموز والتقاليد الهندوسية باعتباره نوعا من الاحتجاج بالأمر الجديد؛ فعلى مدار قرون في جنوب الهند، أثبت من لا ينتمون للطوائف العليا هويتهم الطائفية الدنيا الدرافيدية الهدامة عن طريق رواية قصة ملحمة «رامايانا» بجعل رافانا بطلا وراما (الذي يمثل نظرة البراهمة للعالم في شمال الهند) شريرا. للنساء الريفيات أيضا، كما رأينا في الفصل الرابع، روايتهن الخاصة للقصة، التي تناقض الروايات الأكثر تقليدية.
لكن احتجاج المرأة الديني اختلف عادة عن احتجاج المنبوذين بسبب وضعهن داخل المجتمع الهندوسي، لا سيما داخل الأسرة؛ فهن ينفصلن بعضهن عن بعض حسب وضعهن كبنات أو زوجات أبناء أو أمهات أو حموات. لكن الأغاني التي ينشدنها والقصص التي يروينها داخل الأسرة تتيح لهن عادة مساحة لتغيير الوضع الراهن، والشكوى، والسخرية. وفي الطقوس التي يمارسنها، والتي لا تتطلب وجود أحد كهنة البرهمية، تكون النساء هن المرجعية.
إن تلك الحركات الهندوسية الحديثة، التي أسستها نساء من أجل المطالبة بحقوق النساء - مثل المنظمة التي تأسست تخليدا لذكرى سارادا ديفي - اعترضت في الغالب على وضع المرأة في الأسرة الهندوسية عن طريق تشجيع النساء على ترك الأسرة والعيش بوصفهن طالبات أو زاهدات، وما يعرف الآن بحركة براهما كوماري، التي أسسها رجل يدعى دادا ليكراج في الثلاثينيات من القرن العشرين، تعرضت لصدام مع أسر أوليات النساء اللاتي انضممن إليها؛ لأن تلك الحركة شجعت على العفة والحب العذري. ولا تعترض الحركة علانية على الاعتداء الجنسي والبدني الذي تتعرض له النساء داخل الأسر، لكنها تقدم بديلا، ساعية من أجل إحداث تغيير تدريجي في العلاقات الأسرية عن طريق اليوجا والإقلاع عن الكحوليات والجنس.
توضح هذه الأمثلة أن الاحتجاج الديني من جانب النساء والمنبوذين قد اتخذ صورا عديدة؛ بدءا من التماس بدائل دينية وعلمانية، إلى البقاء داخل إطار عام هندوسي، مع السعي في الوقت نفسه لاسترجاع رموز الهندوسية، أو الهجوم على هياكلها، أو تغيير تقاليدها. وبالعودة إلى السؤال الذي طرح في بداية هذا الفصل، لا يزال من المستبعد قبول امرأة أو أحد المنبوذين لأداء دور قائد شانكاري في المستقبل القريب، لكن لا شك أن ثمة عملا قائما على حل مسألة المساواة المادية والمعنوية، ليس فقط من جانب النساء والمنبوذين أنفسهم، وإنما من جانب المؤسسات الدينية الهندوسية العامة أيضا. لكن ذلك يثير سؤالا صعبا عن الدارما الهندوسية على النحو الذي تظهر به في النصوص التقليدية، مثل «مانوسمريتي». هل يمكن تحقيق هذه المساواة دون إحداث تغيير جذري في التعاليم الهندوسية المتعلقة بالطهر والدنس، وبطبيعة النساء والمنبوذين وواجباتهم؟ سوف نعود إلى هذا السؤال حول الدارما الهندوسية في الفصل الأخير من هذا الكتاب، لكننا سنتناول في الفصل القادم تحديا آخر تواجهه الهوية الهندوسية؛ ألا وهو انتقال الهندوسية إلى خارج الهند.
الفصل الثامن
عبور المياه السوداء: الهندوسية خارج الهند
في الوقت الذي تحدت فيه أصوات الطوائف الدنيا والجماعات النسائية حدود الهندوسية، طرحت أسئلة حول مكان هذه الحدود ومدى استقرارها في ظل هجرة الهندوس وتصدير الروحانية الهندوسية إلى أماكن أخرى.
نظر الباحثون، الذين سعوا إلى تصنيف الأديان وأبعادها المتعددة وتنميطها، إلى الهندوسية على أنها دين «عرقي»؛ أي دين لناس محددين، ويرتبط بأرضهم أو مكانهم. ووفقا لوجهة النظر هذه، يكون الشخص هندوسيا بفضل مولده داخل طائفة هندوسية هندية. ويخضع هذا الشخص، وفقا للتقليد، للدارما الخاصة بمجتمعه؛ أي قواعده وعاداته. وقد عرف نطاق الدارما، أي العالم الهندوسي، باسم «بهارات»؛ أي الأرض التي طهرها البراهمة طقسيا وتحيط بها «كالا باني»؛ أي المياه السوداء.
خريطة 2: هجرات الهندوس من الهند.
تاريخيا، نشر البوذيون والمسيحيون والمسلمون أفكارهم وممارساتهم الدينية عن طريق الدعوة والغزو، وصاروا الآن يمثلون الأغلبية بين سكان العديد من الدول المختلفة، أما الغالبية العظمى من هندوس العالم، فيعيشون في دولة الهند العلمانية؛ حيث يمثلون نحو 78 بالمائة من إجمالي عدد السكان البالغ 900 مليون نسمة، وفي نيبال، حيث الهندوسية دين الدولة، 90 بالمائة من النيباليين هندوس. يبدو أن ذلك يدعم بقوة فكرة أن الهندوسية دين عرقي أكثر من كونه دينا عالميا يحمل رسالة لكل البشر بغض النظر عن ميلادهم ومكانهم.
لكن على مر تاريخ بهارات؛ الأرض المقدسة التي نطلق عليها الآن اسم الهند، كان ثمة أشخاص - أمثال غاندي وأمبيدكار - تركوا أرضها من أجل التعليم أو التجارة أو العمل، ليستقروا أو يعملوا ثم يعودوا إلى موطنهم. فكيف برر وأدار هؤلاء رحلاتهم وفترة إقامتهم فيما وراء المياه السوداء؟ من القصص المفيدة في هذا الشأن قصة يرويها عالم الأنثروبولوجيا ريتشارد برهارت في كتابه «الهندوسية في بريطانيا العظمى»:
في عام 1902، دعي مهراجا جايبور مادهو سينج إلى لندن لحضور حفل تتويج الملك إدوارد السابع، وكان من اللائق أن يحضر مادهو سينج الحفل؛ لأن إدوارد كان إمبراطور الهند، وكان حاكم جايبور يدين له بالولاء، لكن الملك الهندوسي ملأه الخوف بشأن فكرة عبور المحيط وقبول الدعوة البريطانية؛ ففي نظره، كانت بريطانيا العظمى دولة بربرية قصية تقع في القطاع الشمالي الغربي من «البحر الأسود» غير المبارك. وما كان مادهو سينج ليحافظ على شخصه المقدس في تلك البيئة الغريبة. وكانت تلك الرحلة ستعرض رعاياه للخطر؛ لأنه عند تتويجه ملكا صار أهل جايبور جزءا من جسده عن طريق الطقوس المصاحبة لهذا التتويج، وإذا أصاب مادهو سينج الدنس شخصيا في أثناء رحلته، فسوف تدنس أرضه وشعبه أيضا؛ ومن ثم، واجه مادهو سينج معضلة، فكان بإمكانه السفر إلى بريطانيا العظمى، لكن بشرط ألا يترك الهند. وتوصل في النهاية إلى حل لمشكلته باستئجار سفينة، هي «إس إس أوليمبيا»، وأمر بتطهيرها بالكامل وتقديسها طقسيا على يد كاهن جايبور الملكي، ونقل الأرز والفاكهة المجففة والخضراوات والماء إلى السفينة، إلى جانب الأبقار والعلف لإمداد الملك باللبن الطازج يوميا، وجلب بعض التراب من أرض الهندوس المقدسة (بهاراتافارشا) وماء من نهر الجانج لتخزينه على السفينة كي يتمكن الملك من أداء طقوس الاغتسال اليومية الخاصة به وتطهير الأشياء الغريبة المحيطة به، وفي تلك البيئة المباركة، نقل مادهو سينج بأمان إلى بريطانيا.
لكن مادهو سينج، مثلما سيشير برهارت بعد ذلك، لم يكن أول هندوسي يواجه هذه المشكلة؛ ففي القرون الميلادية الأولى، سافر براهمة إلى جنوب شرق آسيا (ما يعرف الآن بكمبوديا وتايلاند وبالي) بدعوة من الحكام المحليين لتلك المناطق لإضفاء القدسية على ممالكهم، وبقوا في تلك المناطق، وتزوجوا من نساء محليات، ليوسعوا بذلك الحدود الطقسية لأرض «بهارات» المقدسة ويرسخوا جوانب الثقافة البراهمية - على سبيل المثال؛ آلهتها ونصوصها المقدسة - لذا، اليوم في تايلاند، لا تزال الأهمية التاريخية للإله براهما تتجلى في معبد ديفا ساترن في بانكوك وفي المراسم الملكية، ولا تزال ملحمة «رامايانا» - أو «راماكين» كما تعرف في تايلاند - ذات أهمية في الأنشطة الثقافية الشعبية، وعلى الرغم من هذا الإرث، لم تتحول هذه الدول اليوم إلى صور مصغرة من الهند، والكهنة البرهميون الذين ظلوا يعيشون ويمارسون طقوسهم فيها صاروا الآن تايلانديين أو باليين في كل شيء عدا إرثهم الديني.
أما انتقال التجار إلى الدول الأخرى المجاورة للهند من أجل العمل، فكان أمرا مختلفا تماما؛ فوسع التشتيار، وهم جماعة تاميلية تعمل في مجال المصارف، أعمالهم لتصل إلى بورما ومالايا (المعروفة الآن باسم ماليزيا) وموريشيوس ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا. علاوة على ذلك، امتدت روابط تجارية قوية على مدار عدة قرون بين غرب الهند وشرق أفريقيا، وفي وقت سابق من هذا القرن، انجذب المهاجرون الجوجاراتيون والبنجابيون (السيخ والمسلمون، وكذلك الهندوس) لفرص العمل التي أتيحت لهم في ظل الإدارة البريطانية في إنشاء السكك الحديدية الجديدة، وأقام صغار التجار أعمالهم أيضا في المدن والقرى الناشئة في كينيا وأوغندا وتنجانيقا (المعروفة الآن باسم تنزانيا) ونياسالاند (المعروفة الآن باسم مالاوي).
كان أغلب هؤلاء المهاجرين اللاحقين تجارا وحرفيين، لا براهمة، وسعدوا في البداية بتركهم الواجبات الدينية المعتادة لأسرهم في وطنهم، لكنهم فيما بعد عندما صاروا أكثر استقرارا وانضم إليهم أقاربهم، بدءوا في إقامة مؤسسات اجتماعية ودينية من أجل الدعم المتبادل والتعليم والأنشطة الثقافية والتنشئة الدينية. وعبر المعلمون الروحانيون والسوامي البحار لزيارة هذه المجتمعات وتشجيع ممارساتها الدينية، وكانوا عادة ما يؤسسون معابد جديدة، ويقيمون الأعياد وغيرها من التجمعات التعبدية.
وعلى الرغم من أن دول شرق أفريقيا كانت مستعمرة - شأنها شأن الهند - من بريطانيا، سافر إليها الهندوس، وغيرهم من الهنود ذوي القناعات الدينية الأخرى، بحرية بحثا عن العمل والمكسب المالي، وتمكنوا من الحفاظ على الروابط التي تصلهم بوطنهم ، لكن من وظفهم البريطانيون والهولنديون بعقود عمل طويلة بعد إلغاء العبودية في منتصف القرن التاسع عشر، ونقلوا إلى المزارع في ترينيداد وجويانا البريطانية (المعروفة الآن باسم جويانا) وجويانا الهولندية (المعروفة الآن باسم سورينام) وفيجي وموريشيوس وجنوب أفريقيا؛ لم يكونوا بالقدر نفسه من الحظ، وعلى الرغم مما حصلوا عليه من وعود بإمكانية العودة إلى الهند، فلم يتمكن سوى القليل منهم من فعل ذلك، بينما استقر معظمهم في دولهم الجديدة وحصلوا في النهاية على استقلالهم وحقهم في امتلاك الأراضي. والمجتمعات الهندوسية، التي نشأت في هذه الدول، تطورت على نحو مختلف تماما بعضها عن بعض، وذلك حسب عوامل معينة مثل التكوين العرقي والطائفي، وحجمها النسبي مقارنة بالمجتمعات المحلية الأخرى، وتأثير المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية المحلية عليها، وقدرتها على اكتساب السلطة والمكانة.
ثمة دراسة زاخرة بالمعلومات عن إحدى الدول التي استقر فيها الهندوس الهنود الذين تم توظيفهم بعقود عمل طويلة، وهي «ترينيداد الهندوسية». يتناول الباحث الذي قام بتلك الدراسة ويدعى ستيفن فيرتوفيك الحياة التعبدية الحافلة للهندوس، واصفا على وجه التحديد العروض الموسيقية لملحمة «رامايانا» التي شاعت في ستينيات القرن العشرين، وطقوس التضحية (ياجنا) العظيمة التي كانت تستمر لمدة أسبوع وترعاها العائلات التي صارت ثرية في ظل طفرة النفط في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. ذكر فيرتوفيك أيضا الكهنة الذين هاجروا مع عمال عقود العمل الطويلة ليلبوا احتياجاتهم الدينية، وكيف سمحت التقاليد الإقليمية والعائلية، مثل عبادة كالي، في أغلب الأحيان بالطقوس التي دعمها البراهمة. ويختم الباحث دراسته بمطالبة الهندوس الشباب باكتساب هوية هندوسية قوية وواثقة، من شأنها المنافسة بنجاح مع الجماعات الطموحة الأخرى في ترينيداد.
منذ وصول العمال الهندوس إلى ترينيداد عام 1845، صارت الهندوسية ديانة راسخة، واستمر هذا إلى الآن ولمدة تزيد على 150 عاما. وقد كان وصول الهندوس إلى بريطانيا وأمريكا الشمالية وأسترالاسيا ظاهرة أحدث، وأدت التقاليد الاستعمارية وسياسات الهجرة المختلفة إلى تنوع صور الاستيطان والمجتمعات في هذه الأماكن. على سبيل المثال، إذا قارنا بين الهندوس في بريطانيا والولايات المتحدة، فسنجد أن الاستيطان بدأ في وقت مبكر في بريطانيا نتيجة لعلاقة بريطانيا الاستعمارية مع الهند. ووصل أغلبية الهندوس، بوصفهم حملة لجوازات سفر بريطانية، إلى بريطانيا من شرق أفريقيا في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين بعد تأثير سياسات بناء الأمم في الدول المستقلة حديثا. أما الهندوس في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد جاءوا مباشرة من الهند بوصفهم مهنيين، ودخلوا البلد لشغل وظائف في الرعاية الصحية والتعليم والعمل التجاري. ووصل الهندوس في الغرب، بوجه عام، إلى مستوى تعليمي عال للغاية ومستوى معيشة جيد، وإن تعرض الكثيرون منهم - للأسف - للتمييز العرقي والعنصرية.
وقد أثيرت مسائل مهمة بشأن طبيعة الهندوسية بوصفها ديانة في ظل وجود المجتمعات الهندوسية خارج الهند (صار الهندوس سكانا في 68 دولة بحلول عام 1980). من الجلي أن الهندوس أثبتوا براعتهم ومرونتهم، وتمكنوا من العيش والعمل وتأسيس مجتمعات في الكثير من الظروف المختلفة اختلافا هائلا. ووجود هذا الشتات الهندوسي يشير إلى أن الهندوس كان لديهم استعداد لمخالفة الأمر البرهمي المذكور في «مانوسمريتي» بعدم عبور المياه السوداء، أو على الأقل إعادة تأويله.
على الرغم من أن ذلك لا يناقض الادعاء بأن أفضل وصف للهندوسية هو أنها دين عرقي - إذ حافظ معظم الهندوس المهاجرين على تقليد الزواج من الطائفة نفسها، ولم يسعوا لتوسيع نطاق تعريف من هو الهندوسي - فإنه يدعو الباحثين بلا شك إلى مراجعة الأفكار المتعلقة بالمكان الذي يجوز فيه ممارسة الهندوسية وكيفية فعل ذلك. فتأسيس المعابد، وهجرة كهنة البرهمية القادرين على إقامة طقوس دورات الحياة وطقوس التضحية (ياجنا) وطقوس تمجيد الآلهة (بوجا)؛ سمحا للهندوس بإقامة أماكن مقدسة وأداء الأنشطة الطقسية الضرورية خارج الهند؛ فهل يمثل ذلك امتدادا للأرض المقدسة (بهارات)، مثلما رأينا في حالة مادهو سينج والمهاجرين البراهمة الأوائل إلى جنوب شرق آسيا؟ لكن ماذا عن المنظمات الدينية الموجودة في الكثير من الدول، والتي أسسها وأدارها وقادها أشخاص عاديون، لكنهم متحمسون ومهرة، الذين جمعوا التبرعات واشتروا المنشآت ونظموا الاحتفالات وجمعيات الشباب والنساء وزيارات الزعماء الروحانيين وتوظيف الكهنة؟ على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص العاديين كانوا، بوجه عام ، منسقين للحياة الدينية العامة لا رؤساء لها، فقد كانوا يمارسون العبادة ويخدمون الآلهة مباشرة في بعض الأحيان ليظهروا أن الرغبة في عيش الحياة التعبدية اعتبر في بعض الأحيان أكثر أهمية من الممارسة البرهمية التقليدية. ومثلما رأينا في الفصلين الخامس والسابع، يقدم تقليد بهاكتي الموجود في الهندوسية السبق والسياق لفعل ذلك. ويمكننا القول إن هؤلاء الهندوس ألهمتهم روح الدين أكثر من كلماته.
الشتات
كان يشير مصطلح «الشتات» في الأصل إلى اليهود الذين عاشوا خارج يهودا، ويرتبط الشتات في اليهودية بفكرة النفي. ويستخدم المصطلح الآن بوجه عام للإشارة إلى أي شعوب أخرى تعيش خارج موطنها الأصلي، وإن اختلفت أسباب فعلهم ذلك؛ فبعضهم قد يكونون لاجئين أجبروا على ترك أوطانهم؛ بينما قد يكون البعض الآخر مهاجرين اختاروا الرحيل عن بلادهم لأسباب اقتصادية. وقد تألفت المجتمعات الهندوسية خارج الهند من أشخاص ذوي دوافع كثيرة مختلفة لترك الوطن.
صممت المعابد (ماندير) في الدول الأخرى خارج الهند عادة من منشآت تم تحويلها لخدمة هذا الغرض، مثل المدارس والكنائس التي ألغي تقديسها والمنازل، بل والمصانع أيضا. ومع ازدياد المجتمعات الهندوسية ثراء، أقاموا معابد بنيت خصيصى لهذا الغرض، وصممت إما وفقا لطرز محلية أو على نحو محاك للطرز الموجودة في الهند. وفي أغسطس عام 1995، شهد السكان المحليون لضاحية نيزدين بشمال لندن، إلى جانب عدة آلاف من المتعبدين الهندوس والضيوف المدعوين، افتتاح ما وصفته مجلة «ريدرز دايجست» بأنه «ثامن عجائب الدنيا» و«رد لندن على تاج محل»؛ فكان معبد شري سواميناريان ماندير أول معبد هندوسي تقليدي يبنى في أوروبا، وقد بني من مواد طبيعية وفقا لمواصفات النصوص الهندوسية المقدسة، وشيد بالكامل على أيدي عمال متطوعين. ويستخدم هذا المعبد لأداء طقوس العبادة العادية واجتماعات إرسالية سواميناريان الهندوسية، وهي حركة هندوسية جوجاراتية أو سامبرادايا يرأسها معلم روحاني هندي شهير يدعى براموك سوامي مهاراج، لكن هذا المعبد مهم على الأقل بوصفه مزارا سياحيا. يعبر هذا المعبد، الذي يصل إليه الزوار عبر صفوف من المنازل المتجاورة ويقع على مقربة من أكثر طرق لندن ازدحاما، عن الهندوسية بكل عظمتها لغير الهندوس، ويوضح ما يمكن تحقيقه عن طريق الخدمة التعبدية للإله، وبالإضافة إلى القيام بجولة في أرجاء هذا المعبد الرائع بنقوشه المصنوعة من الرخام والحجر الجيري وخشب الساج، يمكن للزائر أيضا مشاهدة فيديو يوضح معمار المعبد ورؤية معرض للتراث الهندوسي. وعلى الجانب الآخر من الطريق، يمكن رؤية مدرسة سواميناريان، إحدى المدرستين النهاريتين الهندوسيتين الوحيدتين في المملكة المتحدة.
الهندوس خارج الهند: الإحصائيات السكانية
يشكل الهندوس نحو 15 بالمائة من سكان العالم، لكن لا توجد بيانات دقيقة لأعداد الهندوس الذين يعيشون خارج الهند؛ ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أن الكثير من الدول لا يحتفظ بإحصائيات للانتماءات الدينية. ترجع البيانات التالية إلى عام 1980، وقد نشرت في الموسوعة المسيحية العالمية التي قدمت تقديرات لمعتنقي كل الأديان حسب الدولة.
الدولة
عدد الهندوس
النسبة المئوية من السكان
الهند
547123500
78,8
نيبال
12757430
89,6
بنجلاديش
10770000
12,7
سريلانكا
2474400
16
باكستان
1078400
1,3
إندونيسيا
3250000
2,3
ماليزيا
1035800
7,4
فيجي
259700
40,9
موريشيوس
446700
46
جنوب أفريقيا
565000
2
كينيا
80000
أقل من 1
تنزانيا
19000
أقل من 1
ترينيداد وتوباجو
268700
25,3
جويانا
304150
34,4
بريطانيا العظمى
380000
أقل من 1
كندا
45000
أقل من 1
الولايات المتحدة الأمريكية
500000
أقل من 1
تقدم هذه التقديرات لمحة عن الهندوس في العالم في مرحلة زمنية معينة، لكن يمكن للمعلومات الإضافية المساعدة في تصور سياق هذه التقديرات. على سبيل المثال، كان سكان الهندوس فيما يعرف الآن ببنجلاديش وباكستان أعلى بكثير قبل تقسيم الهند عام 1947.
ذكر كذلك العديد من الدول الأفريقية أعلاه، لكن ليس من ضمنها أوغندا، على الرغم من أن الكثير من الهندوس هاجروا إلى هناك في بدايات هذا القرن. وبحلول نهاية السبعينيات، كان عدد الهندوس الذين يعيشون هناك نحو 65 ألفا، لكنهم تعرضوا للنفي جميعا بعد بضعة أعوام على يد عيدي أمين. وفي أواخر التسعينيات، عاد بعض الهندوس إلى أوغندا للعيش والعمل.
تعد تقديرات الهندوس في أمريكا الشمالية قديمة أيضا الآن؛ إذ استمروا في دخول أمريكا الشمالية بوصفهم مهاجرين مهنيين. وهناك كذلك بعض الأقليات الهندوسية الصغيرة في دول غير مذكورة هنا، مثل سنغافورة وأستراليا ونيوزيلندا وتايلاند وهولندا.
إن منظمة بوشاسانواسي أكشار بوروشوتام سانسثا، التي تعد إرسالية سواميناريان الهندوسية فرعا لها في بريطانيا، هي أسرع الحركات الدينية نموا بين الهندوس الجوجاراتيين في أنحاء العالم؛ فمن خلال شبكة مكونة من 370 معبدا ومئات الآلاف من التابعين، أقامت هذه الحركة مهرجانات ثقافية مهمة في شرق أفريقيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الهند. وهي حركة تعبدية تحيي تقليد رامانوجا اللاهوتي، ويعبد فيها التابعون إلها يعرف باسم سواميناريان بوصفه إلههم الأعلى. وتقدم الحركة برامج تعليمية وروحانية يفصل فيها بين الجنسين للأطفال والشباب ومن ينتمون لفئات عمرية أكبر، وتقيم مسيرات شعبية، وتشارك بفعالية في العمل التطوعي في كل الدول التي توجد فيها؛ وهي ليست سوى واحدة من السامبرادايا أو الجماعات الطائفية المشهورة التي تعمل داخل الشتات الهندوسي.
شكل 8-1: بطاقة بريدية توضح معبد شري سواميناريان ماندير الهندوسي في نيزدين.
لا يزال بعض هذه الحركات مقصورا إلى حد كبير على «الهنود»، وإن كانت عضويتها تشمل من ينتمون للجيل الثاني والثالث، بل والرابع أيضا، من الهنود الأمريكيين والهنود الكاريبيين والهنود البريطانيين والهنود الأفارقة، بيد أن عضوية بعض الحركات الهندوسية العالمية الأخرى مختلطة؛ فتتضمن هندوسا هنودا ومن لديهم أيضا خلفيات عرقية أخرى. وتحمل هذه الحركات رسالة روحانية تعرض الأفكار والممارسات الهندوسية لمن لم يولدوا أو ينشئوا هندوسا، ولقد شهدنا نشأة هذه الرسالة في الفصل السادس مع مبادرة فيفيكاناندا. وصارت جمعية فيدانتا، التي أسسها فيفيكاناندا في أمريكا، تضم الآن أعضاء من الهنود وغير الهنود. وثمة ميول مماثلة لدى الجمعية الدولية للوعي بكريشنا، وكنيسة شايفا سيدهانتا، وحركة ساي بابا، لكن توجد حركات يكاد يكون كل أتباعها من الغربيين؛ وهي: حركة معرفة الذات الأمريكية التي أسسها يوجانندا برمهنسا؛ وحركة التأمل المتسامي (التي أثارت اهتمام فرقة البيتلز في أواخر الستينيات)؛ وحركة سيدها يوجا التي أسسها سوامي موكتاناندا؛ وبرنامج السنياسيين الجدد الذي أسسه بهاجوان راجنيش (المعروف أيضا باسم أوشو)؛ والساهاجا يوجا التي أسستها ماتجي نيرمالا ديفي؛ وإينجار يوجا. تدرك كل هذه الحركات، بالإضافة إلى جماعات العضوية المختلطة، اهتمام الغربيين بجوانب الروحانية الهندوسية، لا سيما إنشاد المانترا، وتأمل الكونداليني، والهاثا يوجا، والإيمان بالتناسخ، واتباع نظام غذائي نباتي . وقد ظهرت هذه الحركات في الغرب في الوقت المناسب؛ إذ ساعدت على ملء الفراغ الروحي وتقديم أفكار وممارسات لمن يسعون إلى بدائل للأديان الغربية والعلمانية.
أثار هذا التوجه جدلا بين الهندوس بشأن طبيعة الهندوسية وحدودها؛ فهل الحركات، التي تقدم جوانب محددة فقط من الروحانية الهندوسية ولا تشير إلى العالم الاجتماعي الهندوسي، هندوسية أصيلة؟ هل تغيرت الأفكار والممارسات الهندوسية في ظل هذه العملية؟ هل أعضاء هذه الجماعات «هندوس» أم إن الهوية الهندوسية لا يمكن اكتسابها إلا بالميلاد في أسرة هندية أو هندية تعيش في الشتات؟ سوف أعود إلى هذه الأسئلة في الفصل الأخير من هذا الكتاب.
لا شك أن دور المعلم الروحي كان مهما في معظم هذه الحركات المعاصرة، بغض النظر عن أعضائها؛ فكان هؤلاء المعلمون محور التعبد، ووسطاء التقليد فيما بدا عادة بيئة غربية غريبة، ومصدر السلطة لمن يسعون للمعرفة أو الإرشاد. وقدم بعضهم أنظمة للانضباط الروحي تتطلب قدرا كبيرا من المجهود والالتزام؛ بينما قدم آخرون تكرارا لمانترا بسيطة أو عبادة قصيرة باعتبارها محورا للسعادة أو إدراك الذات. وكان لبعض المعلمين الروحانيين شخصيات مثيرة للجدل ومبهرة، بينما تمتع آخرون بشخصيات جذابة للغاية. وأظهر جميعهم وعيا ذكيا بالمطالب التي يفرضها السياق الغربي.
لكن المعلمين الروحانيين لم يكونوا الوحيدين الذين لعبوا دورا في إحياء الهندوسية خارج الهند؛ ففي أرض الشتات الهندوسي الهندي، كان لأفراد الأسر، لا سيما النساء، دور كبير في تعريف الأجيال الجديدة بالهندوسية. صحيح أن المعابد تقيم فصولا لتدريس لغات المجتمع، وتكون السامبرادايا جماعات شبابية لتعزيز معرفة الأطفال بالنصوص المقدسة والعقيدة، لكن المنزل هو المكان الذي يتلقى فيه الأطفال أولى دروسهم الدينية؛ ففيه يروي لهم الكبار قصصا عن الآلهة والإلهات، أو يقرءونها في الكتب المصورة، أو يشاهدونها في مقاطع فيديو، ويتعرفون على الأعياد الهندوسية، مثل ديفالي وماهاشيفراتري ودورجا بوجا وبونجال وجاناماشتامي، ويعرفون التقاليد العائلية المرتبطة بكل عيد من هذه الأعياد. وشأنهم شأن الأطفال الصغار في الهند، يتعلمون أيضا - عن طريق الممارسة والمحاكاة - كيفية أداء طقس البوجا في محراب المنزل وكيفية المداومة على الصيام. وكما هو الحال مع مادهور جافري (انظر الفصل الرابع)، يقوم بعض هؤلاء الأطفال بتمثيل القصص أو الطقوس الهندوسية، والفتيات الصغيرات على وجه التحديد قد يكون لهن أدوار حقيقية يؤدينها كخادمات الإلهة ديفي في المراسم المرتبطة بعبادتها. بالرغم من ذلك، فإن هؤلاء الأطفال لن يحصلوا أبدا على الخبرة نفسها التي يحصل عليها الأطفال في الهند فيما يتعلق بمعرفة التقاليد الأخلاقية والاجتماعية والثقافية الهندوسية الموجودة في العالم من حولهم؛ وذلك لأن الهندوس يعيشون كأقليات في معظم الدول التي هاجروا إليها. هناك تسامح مع دينهم في بعض الدول، لكنه يحظى بقدر ضئيل من الاعتراف - هذا إن حظي به أصلا - في وسائل الإعلام والتعليم الحكومي؛ وفي دول أخرى، عملت سياسات التعددية الثقافية لتعطي الهندوس فرصة محدودة، إلى جانب الجماعات الدينية الأخرى، لتوصيل أصواتهم والتعبير عن دينهم.
شكل 8-2: مسيرة «راثا ياترا» في ميدان ترافالجار نظمتها الجمعية الدولية للوعي بكريشنا.
لقد نشأ توتر في أرض الشتات الهندوسي، مثلما حدث في الهند، بين مطلبين مهمين؛ أحدهما: هو الحاجة لخلق هوية هندوسية قوية موحدة يمكن التعبير عنها علانية ومقارنتها بالأديان العالمية الرئيسية الأخرى، والآخر: هو رغبة العديد من الهندوس في التأكيد على انفتاح الهندوسية تجاه الأديان الأخرى وتنوع السبل داخلها. وتدعم منظمة فيشوا هندو باريشاد المطلب الأول، وتعمل بنشاط في أنحاء العالم للترويج للهوية الهندوسية («هيندوتفا») وشعور بالفخر بين الهندوس. على الجانب الآخر، طرح عدد من الباحثين والكتاب الهندوس والجماعات النسائية الهندوسية خارج الهند وجهة النظر المعارضة القائمة على فكرة الاختلاف الديني والثقافي، التي ترى أن فكرة وحدة الهندوسية لا علاقة لها بالتاريخ، ولا فائدة لها فيما يتعلق بتمكين الهندوس من العيش بإيجابية مع معتنقي الأديان الأخرى، بل ومع من ينتمون لمجتمعهم الإيماني نفسه ممن لديهم وجهات نظر مغايرة.
ما من صورة واحدة للهندوسية يطبقها الهندوس في أرض الشتات؛ فقد هاجر هندوس من طوائف وفرق مختلفة ومن الكثير من الأماكن في الهند، حاملين معهم التقاليد التي اعتادوا عليها في وطنهم. وقد تأثروا أيضا في إحيائهم لممارساتهم ومعتقداتهم الدينية بالمكان الذي استقروا فيه وطابعه الاجتماعي والديني الخاص، لكن في أثناء تطويرهم لمجتمعاتهم المحلية الخاصة بهم، ظلوا على اتصال بالهندوس في جميع أنحاء العالم عن طريق روابط الدم والطائفة والفرقة، وعن طريق الصحف والمجلات التي تنشرها عالميا جماعات هندوسية واتحادات طائفية، ومؤخرا عن طريق مواقع الإنترنت والبريد الإلكتروني. وقد كانت هذه الشبكات المحلية والعالمية مفيدة في إبقاء الهندوس على اطلاع بالأخبار والأحداث، وفي نقل الأفكار أيضا.
تعد «هيندويزم توداي» أحد الأمثلة على ذلك، وهي صحيفة شهرية تنشر في طبعات إقليمية متعددة (ولها أرشيف على الإنترنت) للهندوس في جميع أنحاء العالم. ويروج لها بأنها «صحيفة العائلة الهندوسية التي تؤكد على الدارما وتسجل التاريخ المعاصر لنحو مليار شخص معتنق لدين عالمي في مرحلة النهضة.»
تنشر هذه الصحيفة مقالات عن المفاهيم والممارسات والأعراف والشخصيات الهندوسية، وقصصا عن الهندوس في دول مختلفة. وفي إصداراتها الإقليمية، تتضمن أيضا إعلانات وإفادات مهمة للهندوس المحليين؛ فعلى سبيل المثال، في عدد أبريل عام 1993، تم إعلام القراء بموضوعات عديدة ذات أهمية للهندوس في كل مكان، وفي ذلك اجتماع للزعماء الهندوس بشأن موقع معبد راما في أيوديا ومرجع جديد للمساعدة في التنشئة الدينية للهندوس الشايفا. وبعد قرن من حضور سوامي فيفيكاناندا برلمان الأديان العالمي في شيكاجو، تم الاحتفاء بإنجازاته مع نشر رؤى الهندوس الموجودين في الولايات المتحدة وماليزيا والهند عنها، واحتوت الصحيفة أيضا على مقالات عامة قدمت معلومات ليستفيد منها القراء الهندوس ثقافيا حول أفراد القبائل العالمية وديانات العالم، ونشرت أيضا خطابات ومراجعات نقدية للكتب، ودعي القراء لتقديم التبرعات لتمويل بناء معبد في هاواي. واختتم العدد بمقال مدعم بالصور بعنوان ««رامايانا» بالرسوم المتحركة» عن فيلم ياباني جديد يتناول قصة راما وسيتا الشهيرة.
مثلما يتضح من محتويات صحيفة «هيندويزم توداي»، تخضع الهندوسية داخل الهند وخارجها لاستمرارية تقاليدها وتغيرها الديني؛ فتظهر مخاوف جديدة، مثل المسائل الأخلاقية المتعلقة بالإنجاب والهندسة الوراثية، وتتطلب السياقات الجديدة توجها جديدا. ووجود الهندوسية بوصفها دينا إلى جانب الأديان الأخرى يستلزم من الهندوس التفكير فيما هو مهم لهم، وتحديده بأساليب يمكن لغير الهندوس فهمها. لكن تحدي نقل ما هو مقدس للأجيال الجديدة من الهندوس يظل قائما، مثلما توضح الكلمات التالية لامرأة هندوسية بريطانية تنتمي إلى الجيل الأول:
حسنا، لقد ولد ونشأ والداي في الهند، وكانت حياتهما مختلفة، أما أنا، فلدي الكثير من الأدوار التي علي أداؤها، ليس فقط بوصفي أما، وإنما أيضا بوصفي زوجة عاملة. أما أمي وجدتي، فلم يكن لديهما سوى حياة واحدة؛ ألا وهي حياة ربة المنزل التي تقوم بتنشئة الأسرة. لقد بذلت أقصى ما في وسعي لنقل ثقافتي وديني إلى أبنائي؛ لأنهم لا يمكنهم في هذا البلد اكتساب هذه الخبرة أو الثقافة الدينية من العالم الخارجي. لم تضطر أمي وجدتي إلى مواجهة ذلك؛ لأن الأطفال في الوطن (الهند) كانوا يحصلون الدين بأنفسهم. فهم يولدون وينشئون في ظله، ويحيط بهم في كل مكان. أما أبنائي، فقد ولدوا في بيئة معينة، وتعرضوا لبيئة مختلفة تماما خارج المنزل. لست متأكدة إذا ما كنت قد نجحت في مهمتي هذه أم لا، لكنني أعتقد أنني بذلت قصارى جهدي.
الفصل التاسع
الدارما والهندوسية وصور الهندوسية المتعددة
ما الذي تراه عندما تنظر إلى الصورة التالية؟ بقرة؟ لكن ماذا يعني لك ذلك؟ حيوان (في غير مكانه، في هذه الحالة؛ إذ يوجد بشارع مزدحم في المدينة)، مصدر للحم واللبن والجلود والسماد العضوي؟ قد يفكر الملاحظ الأوروبي أيضا في الارتباط المحتمل بين البقر ومرض القلب ومرض جنون البقر، لكن المشاهد الهندي عند رؤيته هذه البقرة العادية قد يتجاوز مظهرها المادي ليرى فيها رمزا مقدسا، أما مقدسة لكل شيء، تكمن في روثها إلهة الرخاء. إن ما تراه يعتمد على وجهة نظرك؛ فالبقرة ترمز لشيء مختلف عند الهندوس وغير الهندوس؛ لكن حتى داخل الهندوسية نفسها، يختلف معنى البقرة وفقا لما إذا كنت برهمنا أم عامل جلود، وما إذا كنت تحلبها أم تستخدم منتجاتها للوقود والطهي.
شكل 9-1: مشهد لشارع في بومباي.
تشبه الهندوسية البقرة بعض الشيء؛ إذ تختلف نظرة غير الهندوس عن نظرة الهندوس لها. والهندوس أنفسهم لا يفكرون جميعهم بالطريقة نفسها، وذلك مثلما رأينا في الفصول السابقة. وقد يكون من الملائم تعريف الهندوسية تعريفا بسيطا أو تصنيفها على نحو دقيق، لكنها لا تقبل هذه المعاملة؛ فتعريف البقرة بأنها حيوان أو الهندوسية بأنها ديانة لا يوضح لنا الكثير بالتأكيد؛ فما نوع الحيوان؟ وما نوع الديانة؟ وماذا عن أهميتهما الرمزية بين الهندوس؟
سأبدأ هذا التناول الأخير للهندوسية - التي اعتبرت أن معناها واضح إلى الآن - بالنظر فيما يعنيه وصفها بالديانة، وبعد ذلك، سوف أتناول نظرة الهندوس وزوار الهند لها، وسأفحص أيضا أصلها ومعناها المتغير. لكن هل يكفي النظر إلى الهندوسية باعتبارها نظاما منفردا، أم إنها أشبه بفكرة الإله في الهند؛ أي أحادية ومتعددة في الوقت نفسه؟ سوف أقدم هنا استعارة قد تساعدنا على تأمل الطبيعة المتنوعة للهندوسية والدور المهم الذي تلعبه السلطة في تكوينها. وختاما، سأعود إلى البقرة وعلاقتها بماضي الهندوسية وحاضرها لأوضح أن معنى «الهندوسية» خاضع للنقاش المستمر. (1) تعريف الهندوسية
إن إطلاق صفة الدين على الهندوسية يثير السؤال التالي: «ما المقصود بالدين؟» إن مصطلح «الدين» غربي الأصل؛ فيرجع إلى اللغة اللاتينية، وكان يعني في الأساس العلاقة بين الناس وآلهتهم. وفي دراسة الأديان، كان المثال الأساسي هو المسيحية، وبتوسيع دائرة الدراسة، صارت «الأديان الأخرى» هي الأنظمة التي يحكم عليها بأنها مشابهة للمسيحية، وعلى رأسها اليهودية والإسلام، وكلاهما غربي ويرتبط تاريخيا بالمسيحية، لكن الدائرة شملت أيضا الأنظمة الدينية الشرقية مثل البوذية والهندوسية. ومن السمات الأساسية للمسيحية، التي قورنت بها الأديان «الأخرى»، الإيمان برب متسام ووجود مؤسس ونص مقدس وعلماء دين ومؤسسة أو دار عبادة وأبعاد متعددة مثل الإيمان والأخلاق والأساطير والطقوس.
ومن خلال مقارنة الهندوسية بالمسيحية، نرى أنها تتضمن بلا شك إلها؛ حقيقة مطلقة واحدة والعديد من الآلهة والإلهات في واقع الأمر. لكن ليس لها مؤسس، وتشتمل على عدد هائل من النصوص المقدسة، لا كتاب واحد، ويوجد بها كهنة لا رجال دين بالمفهوم المسيحي، وليس بها مؤسسة مركزية مثل الكنيسة. والطقوس والأساطير والأخلاق مهمة في الهندوسية ، بينما لا يتمتع الإيمان بالقدر نفسه من الأهمية، ولا توجد عقيدة جوهرية وإنما بضعة تعاليم شائعة. لكن قد توجد أشياء متأصلة في الهندوسية لا تظهر بالمقارنة مع المسيحية. على سبيل المثال، تمتد الهندوسية إلى النظام الطائفي الاجتماعي الديني المعقد، والممارسات الشائعة المتنوعة التي تعد من وجهة النظر المسيحية سحرا وخرافة أكثر من كونها دينا؛ لذا، إذا كانت الهندوسية دينا، فهي مختلفة عن المسيحية إذا اعتبرنا المسيحية مقياسا معياريا للدين، فيمكننا أن نبحث عن كتب عن الهندوسية في قسم «الأديان» في المكتبات ومتاجر بيع الكتب، لكننا قد ننصح بمحاولة البحث في بعض الأقسام الأخرى أيضا.
ولقد أشار فيلسوف هندوسي معاصر يدعى سارفابالي راذاكريشنان إلى أن الهندوسية «أسلوب حياة»؛ ومن ثم، فهو يوضح أن الهندوسية لم تكن شيئا منفصلا عن المجتمع والسياسة، وعن جني المال، وممارسة الجنس، والحب، والتعليم. وشأنه شأن هندوس معاصرين آخرين، أشار سارفابالي إلى أن أقرب مصطلح يمكن العثور عليه في الفكر والممارسة الهنديين في هذا الشأن هو الدارما الهندوسية؛ أي القانون والنظام والحقيقة والواجبات الخاصة بالشعب الهندوسي.
يثير ذلك أسئلة أخرى مثل: دارما من هي المقصودة؟ ماذا يعني مصطلح «هندوسي»؟ على عكس مصطلح «الهندوسية»، الذي استخدمه للمرة الأولى مستشرقون في مطلع القرن التاسع عشر للإشارة إلى دين «الهندوس»، يرجع مصطلح «هندوسي» إلى أصل أقدم. وقد استخدمه الوافدون إلى الهند، لا سيما الفرس والترك، للدلالة على الأشخاص الذين يعيشون حول نهر السند في الشمال، ثم للإشارة بعد ذلك إلى كل من يعيشون فيما يتجاوز نهر السند؛ أي كل سكان الهند. ومن هذا المنطلق، فإن هذا المصطلح يتضمن كل البوذيين والجاينيين والدرفيديين والآريين. عندما استخدم الوافدون هذا المصطلح، لم يكن له دلالة دينية واضحة؛ إذ كان يشير فقط إلى مجموعة معرفة جغرافيا تتضمن تنوعا داخليا هائلا في اللغات والعادات. ولاحقا، بدأ الهنود الأصليون في استخدام هذا المصطلح أيضا، وإن كان ذلك فقط لتمييز أنفسهم عن المغول المسلمين والأوروبيين. لكنه لم يحمل مع ذلك غرضا دينيا، وإنما معنى عرقيا أو قوميا .
لكن معنى كلمة «هندوسي» بدأ يتغير؛ فمع اكتشاف البريطانيين للنصوص الفيدية وطائفة كهنة البرهمية وثقافتهم، بدأ استخدام هذه الكلمة لتحمل دلالة دينية (على أساس مقابلتها لمصطلح «مسيحي»). وصارت كلمة «هندوسي»، ومن بعدها «الهندوسية»، ترتبط بالتقاليد الدينية للشعب الآري، وبدأ هذا التعريف يستخدم أيضا من جانب المصلحين الهنود، وإن ظلت فكرة الشعبية والقومية مهمة في ضوء المطالبات بالحكم الذاتي للهند.
وقد كان معنى «الهندوسية» وصلاحيتها كدين موضوعا للكثير من المناقشات بين علماء الدين مع نمو المعرفة بأصولها، لكن أكثر ما أثار النقاش حول هذا المصطلح هو الوعي بالتعقيد الداخلي للهندوسية؛ فهي لا تتضمن أقسام الفايشنافية والشيفية والشاكتية الرئيسية فحسب، وإنما تقدم أيضا مجموعة متنوعة من التوجهات الفلسفية المختلفة، والآلاف من الآلهة وما يرتبط بها من أساطير ورموز، وعددا لا يحصى من الممارسات الطقسية. وتشتمل أيضا على البرهمية التي يشار إليها عادة بالحركة المحافظة أو التقليدية في الهندوسية، بالإضافة إلى التحديات الهندوسية للبرهمية مثل تلك التي تناولناها في الفصل السابع. وبعد ذلك، توجد التقاليد القروية التي تتجاوز البرهمية إلى الممارسات العملية والسحرية والروحية. وعندما يشير الباحثون اليوم إلى «الهندوسية»، فإنهم يقصدون كل هذه الحركات والتقاليد والمعتقدات والممارسات. ويفسر ذلك جاذبية المصطلح الآخر المذكور في عنوان هذا الفصل؛ ألا وهو «صور الهندوسية المتعددة». يبدو بلا شك أن ثمة صورا متعددة للهندوسية، لا هندوسية واحدة، لكن ذلك يثير مزيدا من الأسئلة؛ هل هذه الصور مرتبطة بعضها ببعض؟ وإن كانت كذلك، فما الرابط بينها؟
إن مسألة العلاقة بين الحركات والتقاليد والمعتقدات والممارسات الدينية المختلفة في الهند مسألة صعبة، وقد حدد العديد من المعلقين الهندوس وغير الهندوس روابط محتملة، لا سيما النظام الطائفي، وسلطة «فيدا»، ومفهوم الدارما، والهوية الآرية. على الجانب الآخر، اعترض آخرون بقوة على صحة هذه الادعاءات. وإذا ألقينا نظرة عامة الآن على الموضوعات المتداخلة في محتويات هذا الكتاب، فسنجد أن كل ما ذكرناه من قبل، بالإضافة إلى تقاليد «رامايانا» السردية الشهيرة وتبجيل «بهاجافاد جيتا» ووجود الإله بعدة أسماء وصور ومكانة المعلم الروحاني وأرض الهند المقدسة؛ قد يشكل أيضا سمات مميزة للهندوسية. يبدو أن ثمة تشابهات بين الأجزاء المختلفة، لكن هذه التشابهات ليست دائما متماثلة، مثلما قد لا يكون لكل الأجداد والآباء والإخوة والعمات والخالات والأعمام والأخوال وأبناء العم وأبناء الخال «الأنف المميزة للعائلة» نفسها، لكنهم قد يتشابهون بعضهم مع بعض بطرق مختلفة؛ بعضها بدني والبعض الآخر يتعلق بالشخصية أو الخصال.
وإذا توسعنا في هذه الاستعارة، فسنجد أن صور الهندوسية المتعددة - شأنها شأن الأقارب داخل عائلة واحدة - يتناقض بعضها مع بعض؛ فبعضها أكثر تشابها مع صور أخرى، والبعض يختلف اختلافا شديدا عن صور أخرى. وعلى الرغم من أنه كان ينظر إلى البوذية والجاينية على أنهما نظامان هرطقيان، ولاحقا كان ينظر الهندوس أيضا إلى ديني الإسلام والمسيحية الوافدين على أنهما مختلفان اختلافا تاما عن الهندوسية، فإن ذلك لا يعني أن كل الحركات والمدارس والتقاليد داخل الهندوسية يوافق عليها الجميع على نحو متساو؛ فثمة روايات لا حصر لها عن الخلافات الهائلة بين مناصري الفروع المختلفة لمدرسة فيدانتا، وبين من اتبعوا آلهة أو معلمين روحانيين مختلفين. ولقد رأينا مدى الثورية التي انتقد وتحدى بها شعراء البهاكتي والجماعات المهمشة كبار رجال الدين البراهمة المحافظين، وهيمنتهم الاجتماعية والطقسية.
لا تعد استعارة العائلة والتشابه بها وسيلة مناسبة للربط بين صور الهندوسية المختلفة أو الجوانب المرتبطة بها فحسب، وإنما تساعدنا أيضا على رؤية أهمية السلطة داخل الهندوسية. من السهل للغاية تجاهل هذا العامل عند التفكير في الدين، لا سيما في العصر الحالي الذي يتم التأكيد فيه عادة على الروحانية أكثر من عناصر الدين الأخرى. ولقد أكد الكثير من الكتاب الهندوس على هذه النقطة؛ فالهندوسية، بوصفها دارما أو «أسلوب حياة»، مرتبطة بما يشير إليه الغربيون بأنه اهتمامات «علمانية»؛ مسائل اقتصادية وسياسية واجتماعية. في الهند، لا تقتصر المناقشات حول الهوية الدينية على الدين فحسب، لكنها ليست أيضا مناقشات سياسية أو اجتماعية فقط تحت ستار ديني؛ فمثلما يحاول أفراد الأسرة توصيل أصواتهم، وإن كان ذلك للهيمنة على النقاشات اليومية، يجاهد الأفراد الهندوس والجماعات الهندوسية بكل السبل للتأكيد على معتقداتهم والتزاماتهم ومصالحهم الطائفية ووجهات نظرهم المذهبية. (2) البقرة والهندوسية
ينقلني ذلك إلى المرحلة الأخيرة من هذا التناول لموضوع الهندوسية؛ ألا وهي تقييم ما تعنيه الهندوسية للهندوس المعاصرين وكيفية استخدامهم لهذا المصطلح. وسأستعين في ذلك بالبقرة؛ لأن مصيرها، كرمز، مشابه لمصير الهندوسية ذاتها.
حتى قبل العصر الحديث، ارتبطت البقرة بأفكار عدة؛ مثل عدم الإيذاء (أهيمسا)، والنقاء والطهر، والطيبة، والأمومة في وهبها ورعايتها، ليس فقط لعجلها وإنما للجميع. وفي الفترة الفيدية، كانت تقدم البقرة أحيانا كقربان، لكن صار أكلها جريمة لاحقا. وفي «مهابهارتا» و«مانوسمريتي»، ارتبطت البقرة بالإلهة شري، إلهة الرخاء، واعتبرت منتجاتها طاهرة وطيبة، وصارت تمجد بوصفها أما وواهبة عظيمة. وأشير إلى الأبقار والنساء - على حد سواء - على أنهما إلهات، وإن كانت للأبقار على ما يبدو مكانة أعلى بسبب طهرها وقيمتها كمصدر للعطاء.
وفي القرن التاسع عشر، اتخذت أهميتها منحى جديدا؛ فأحد الأشياء التي ميزت الهندوس أو الهنود الأصليين عن الوافدين هو تمجيدهم للبقر والتزامهم بالحفاظ عليه من الأذى. وكان مكروها بالنسبة لطوائف الهندوس التضحية بها أو أكلها، على عكس المسلمين والمسيحيين الذين يميلون لفعل ذلك. وفي ظل زيادة الوعي الذاتي الديني بين الجماعات الإصلاحية، صارت حماية البقرة رمزا للهوية الهندوسية. وأصبحت البقرة، شأنها شأن المرأة الهندوسية، تعرف بأنها أم الأمة. وكتب كل من داياناندا ساراسواتي، مؤسس حركة آريا ساماج، وغاندي عن الأهمية القومية لحماية البقر، وتأسست جمعيات محلية بجميع أنحاء الهند لإشراك عامة الهندوس في الحفاظ على هذا الرمز العظيم.
لا شك أن الأهمية التي منحت للبقرة حيرت غير الهندوس الذين لا يعرفون الكثير عن الهندوسية. ونشأت مجادلات بين الباحثين الغربيين بشأن ما إذا كان وضع البقر في الهند يمكن تبريره على أساس اقتصادي أم لا. لكن ما فشلوا في تقديره هو قيمتها الرمزية؛ فقد كانت مهمة من الناحية الدينية والاقتصادية على حد سواء. لكن مكانة البقرة في الهندوسية كانت موضع شك أيضا من الهندوس أنفسهم، وذلك بوصفها رمزا لهيمنة كبار رجال الدين ولما تحمله من إشارات ضمنية إشكالية عن المنبوذين الذين تأكدت مكانتهم المتدنية بتمثيل البقرة للطهر.
ما الذي يمكننا معرفته عن مصير الهندوسية في العصر الحديث من هذا الوصف المفصل؟ إن الذي حاولت إيضاحه هو كيف اكتسبت فكرة البقرة تلك الأهمية عند الهندوس في ظل الاحتلال البريطاني للهند؛ إذ صارت محور المناقشة والمجادلة الدينية والسياسية والعلمية. ولم تبرز فكرة «الهندوسية» إلا في العصر الحديث، لكنها - شأنها شأن رمز البقرة - لها سوابق في النصوص المقدسة والممارسات والمفاهيم والمؤسسات التي ترجع إلى فترات سابقة. وتشير عبارة سانتانا دارما (العرف الأبدي)، التي استخدمها الهندوس عادة لوصف دينهم، إلى القدم، لكن استخدامها حديث.
لقد صمدت التقاليد الاجتماعية والدينية الخاصة بالهندوس آلاف السنين، ولم تكن بالتأكيد نتاج العصر الحديث. لكن التفسيرات المحددة التي أعطاها لها المستشرقون والمصلحون والقوميون والحركة النسائية والداعون إلى المساواة بين المنبوذين والطوائف الهندوسية الأخرى - على سبيل المثال لا الحصر - قد أدت إلى نشأة مصطلح «الهندوسية» والجدل المعاصر حول طبيعتها.
ومن ثم، فإن البقرة بوصفها رمزا للأمة، والهندوسية بوصفها دينا، فكرتان معاصرتان في الهند. لكن فكرة البقرة قلت أهميتها في الهند المستقلة، أما فكرة الهندوسية فلا تزال ناشئة. فقد غيرت، على سبيل المثال، الحركات الهندوسية الحديثة شكل الهندوسية، مع اهتمامها بالإصلاح الاجتماعي والروحانية الهندوسية؛ فمن الأمور الواجبة أخلاقيا من أجل مستقبل الهندوسية، من وجهة نظر الكثير من الهندوس، حاجة الهندوسية إلى تغيير ذاتها لكي تكون أكثر انفتاحا للجماعات المهمشة: تعد مناقشة أرفيند شارما لمسألة الكارما والطوائف الاجتماعية (انظر الفصل الثالث) رد فعل لذلك. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك دعوة القوميين الدينيين لأحد المنبوذين لوضع حجر الأساس لمعبد صمم لعبادة الإله راما في أيوديا، وقبول الزاهدات من النساء في بعض الحركات المعاصرة. وتناقض هذه التوجهات التعاليم التقليدية، لكنها توضح أن التغيير الديني جزء من الهندوسية، شأنه شأن استمرارية التقاليد التي تناولناها في فصول سابقة من هذا الكتاب.
تتطور الأفكار عن طبيعة الهندوسية أيضا في إطار مناقشة القومية الهندوسية؛ فالهند رسميا دولة علمانية يمثل فيها الهندوس (أعني بكلمة «الهندوس» من هم غير مسلمين أو بوذيين أو مسيحيين ... إلخ) الأغلبية. لكن، مثلما رأينا، فكرة أرض الهند المقدسة وشعبها وأمتها فكرة محورية في المناقشات حول الهندوسية. والمزاعم والمزاعم المضادة عن الآريين والدرفيديين الهنود الأوائل، وعن الوحدة والتنوع داخل الهندوسية، وعن تاريخ الأديان المتعددة في الهند، تساهم جميعها في الجدل القائم حول ما إذا كانت الهندوسية بإمكانها، وينبغي لها، أن تصبح دينا قوميا، أم عليها الاستمرار في دعم تعدديتها الدينية والاحتفاء بها.
وأخيرا، ماذا عن فكرة الهندوسية بوصفها دينا عالميا؟ على الرغم من أن معظم الهندوس لا يزالون يعيشون في الهند، فثمة مجتمعات هندوسية في معظم قارات العالم؛ ما يجعل الهندوسية دينا عالميا. وما يدعم ذلك أيضا الممارسة الحديثة نسبيا المعنية بتوصيل رسالة الروحانية الهندوسية إلى غير الهندوس. ولا تزال فكرة ما إذا كانت الحركات الهندوسية الحديثة، التي فعلت ذلك، «هندوسية» حقا مثارا للجدل، لكن هذه الممارسة ساعدت في نشر الأفكار الهندوسية. حتى البقرة وجدت مكانا في الروحانية الهندوسية العالمية. وظلت رمزا لعدم العنف، لكن في ظل سياق جديد من الوعي البيئي، والنظام الغذائي النباتي الواسع الانتشار، والالتزام بتكامل كل الخلق.
تتحدى «الهندوسية» رغبتنا في تعريفها وتصنيفها؛ فهي ظاهرة ديناميكية من ظواهر العالم المعاصر نشأت من التصورات المجتمعة للعديد من الأفراد والجماعات الهندوسية وغير الهندوسية، وهي أيضا مجموع كل أجزائها - تقاليدها وأساطيرها ومؤسساتها وطقوسها وأفكارها - وصورها المتعددة. وهي تتمتع بالقدرة والتنوع اللذين يسمحان لها باستيعاب تصورات الهندوس وغير الهندوس على حد سواء، بالإضافة إلى قدرتها على تحدي كل الأفكار المكونة سابقا عن ماهية الدين.
ملحق
الأنظمة الفلسفية الستة (دارشانا)
إن نظام فيدانتا هو إحدى وجهات النظر أو الأنظمة الفلسفية (دارشانا) التقليدية (أستيكا) الشائعة في الفكر الهندوسي. ولكل نظام من هذه الأنظمة نص مقدس (سوترا)، ومعلقون يشرحونه ويفسرونه. وليس للتمييز الغربي بين الفلسفة واللاهوت أهمية تذكر في فهم هذه الأنظمة الفلسفية؛ فهي تتضمن منطقا وتحليلا وتأويلا نصيا، وتوجه عادة لتحرير الذات أو خلاصها. (1)
سامخيا: يركز هذا النظام الفلسفي الثنائي والإلحادي على الطبيعة المميزة للبوروشا (الذات أو الروح) والبراكريتي (المادة). (2)
يوجا: يقوم هذا النظام على ثنائية نظام سامخيا، لكن مع التركيز على الانضباط الروحاني اللازم للذات كي تحقق التحرر. (3)
ميمامسا: نظام لتأويل «فيدا»، يركز على الدارما؛ أي السلوك القويم. (4)
فيدانتا: نظام تأويلي أيضا، ويشير إلى «الغاية من «فيدا»»، لا سيما تعاليم «أوبانيشاد» حول الحقيقة المطلقة (براهمان). (5)
نيايا: نظام منطقي يؤدي إلى التحرر. (6)
فايشيشيكا: نظام تحليل ذري لفئات الدارما والعناصر المكونة لها.
الخط الزمني للهندوسية
قبل ميلاد المسيح
2500-1800:
فترة وادي السند.
1500-500:
الفترة الفيدية؛ تأليف النصوص الفيدية («سامهيتا»، و«براهمانا»، و«أرانياكا»، و«أوبانيشاد»).
566-486:
فترة حياة بوذا المتعارف عليها.
500ق.م-100م:
تأليف «مهابهارتا» (وفي ذلك «بهاجافاد جيتا»)، و«رامايانا»، وتأليف نصوص «سوترا» (وفي ذلك «مانوسمريتي»، و«براهما سوترا»).
490-410:
فترة حياة بوذا وفقا لبحث حديث.
200ق.م-200م:
الانتشار الواسع للبوذية والجاينية في الهند.
بعد ميلاد المسيح
100-500:
هجرة الهندوس إلى جنوب شرق آسيا.
300-900:
تأليف نصوص «بورانا».
400- :
انتشار الفايشنافية، بدايات التنترية.
500- :
تأليف «ديفي ماهاتميا»، وانتشار السيخية، وتطور عقيدة المعبد واستخدام الرموز.
500-950:
ازدهار شعر البهاكتي بجنوب الهند.
600-1000:
إحياء البرهمية، وتراجع البوذية في الهند.
700-1100:
نشأة لاهوت الشايفا.
788-820:
فترة حياة شانكارا.
1000- :
الغزوات الإسلامية على شمال غرب الهند.
1017-1137:
فترة حياة رامانوجا.
1197-1276:
فترة حياة مادهفا.
1211-1526:
سلطنة دلهي.
1420 تقريبا:
فترة حياة ميراباي.
1440-1518:
فترة حياة كبير.
1469 تقريبا:
ميلاد المعلم الروحاني ناناك، أول المعلمين الروحانيين السيخ.
1485-1533:
فترة حياة تشيتانيا.
1498:
وصول البرتغاليين إلى جنوب الهند (فاسكو دا جاما).
1526-1757:
الحكم المغولي في الهند.
1650:
تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية في بنغال.
1757:
انتصار كلايف في معركة بلاسي.
1772:
تعيين وارين هاستينجز حاكما عاما.
1772-1833:
فترة حياة رام موهان روي.
1774:
تأسيس ويليام جونز للجمعية الآسيوية.
1775:
ترجمة تشارلز ويلكينز ل «بهاجافاد جيتا».
1813:
إجازة الحكومة البريطانية للنشاط التبشيري في الهند.
عشرينيات القرن التاسع عشر:
نمو حركة سواميناريان.
1824-1883:
فترة حياة داياناندا ساراسواتي.
1828:
تكوين حركة براهمو ساماج.
1829:
حظر حرق الأرامل.
1836-1886:
فترة حياة راماكريشنا.
1838- :
بدء نظام توظيف العمال بعقود طويلة، الذي نقل فيه العمال الهنود إلى منطقة الكاريبي وفيجي وموريشيوس.
1858-1922:
فترة حياة بانديتا راماباي.
1863-1902:
فترة حياة فيفيكاناندا.
1869-1948:
فترة حياة موهانداس غاندي.
1875:
تكوين حركة آريا ساماج؛ وتكوين الجمعية الثيوصوفية في نيويورك.
1879-1926:
فترة حياة ساروجيني نايدو.
1885:
تأسيس حزب المؤتمر الوطني الهندي.
1886:
تكوين جماعة راماكريشنا (تأسست إرسالية راماكريشنا عام 1897).
1891-1956:
فترة حياة دكتور بي آر أمبيدكار.
1893:
برلمان الأديان العالمي في شيكاجو.
1894:
تأسيس أول جمعية فيدانتا في نيويورك.
1896-1982:
فترة حياة أنانداماي ما.
1917:
تكوين اتحاد نساء الهند.
1930:
مسيرة الملح بقيادة غاندي.
1947:
تقسيم الهند واستقلالها.
1950 تقريبا- :
هجرة الهندوس إلى الغرب للعمل.
1950:
إقرار دستور الهند.
1954:
تكوين منظمة سارادا ديفي ماث آند ميشن.
1955:
قانون جرائم النبذ الاجتماعي.
1961:
قانون حظر المهور.
1966:
تأسيس الجمعية الدولية للوعي بكريشنا.
1992:
تدمير مسجد بابري في أيوديا على أيدي متطرفين هندوس.
1997:
انتخاب كيه آر نارايانان (وهو أحد المنبوذين) رئيسا للهند.
مسرد المصطلحات
كتب الكثير من النصوص المقدسة الهندوسية باللغة السنسكريتية (وإن كتب بعض النصوص المقدسة اللاحقة باللغة التاميلية والهندية ولغات إقليمية أخرى)، والكلمات المستخدمة في هذا الكتاب والمدرجة أدناه أغلبها مصطلحات سنسكريتية. وتحتوي اللغة السنسكريتية على أصوات متحركة طويلة وقصيرة، والعديد من الأصوات ل
s/sh ، وعدد من الأصوات المختلفة لحرفي
t
و
d
اللذين يصدران بوضع اللسان خلف الأسنان أو أعلى الفم. إذا كنت ترغب بمعرفة المزيد عن كيفية نطق هذه الكلمات، فيمكنك الاطلاع على كتاب «علم نفسك السنسكريتية» أو أحد قواميس اللغة السنسكريتية. ولقد استخدمت على مدار هذا الكتاب التمثيل الصوتي للتهجئة الإنجليزية الشائعة للمصطلحات السنسكريتية.
يوجد العديد من اللغات الإقليمية في الهند، ويكتب بعض المصطلحات التي استخدمتها على نحو مختلف في كل لغة من هذه اللغات؛ فقد تستخدم أسماء مختلفة للآلهة ومصطلحات مختلفة للممارسات الطقسية. علاوة على ذلك، في بعض اللغات الهندية الشمالية، لا ينطق حرف
a
في الكثير من الكلمات (مثل
dharma
و
Ramayana )؛ فيقول البنجابيون: (دارام)
dharam ؛ بينما يقول الجوجاراتيون (رامايان)
Ramayan .
أتمان
الذات أو الروح
أدفايتا
اللاثنائية؛ نوع من نظام فيدانتا الفلسفي يرتبط بشانكارا
أرانياكا
أطروحات الغابة؛ نصوص فيدية سابقة على «أوبانيشاد»
أشراما
مرحلة حياتية
أفاتارا
تجسيد، ويكون عادة للإله فيشنو
أوبانيشاد
الجلوس بالقرب من معلم؛ مذهب سري؛ النصوص الأولى التي استفسر فيها الحكماء عن طبيعة الحقيقة المطلقة والذات
إيشفارا
إله قاهر
براهمان
الحقيقة المطلقة
براهمانا
نصوص فيدية تصف التضحية الفيدية
برهمن
طبقة فارنا أو الكهنة
بهاجافاد جيتا «أنشودة الإله»؛ نص هندوسي مقدس مهم، وهو جزء من «مهابهارتا»
بهاكتي
الإخلاص في العبادة
بوجا
عبادة تقدم فيها القرابين لإله
بورانا
قديم؛ نصوص أسطورية ونسبية تحتوي على قصص الآلهة والإلهات
جاتي
طائفة
جانيشا
إله برأس فيل؛ وهو مزيل العقبات
جنانا
معرفة
دارشانا
رؤيتنا للإله ورؤيته لنا؛ وجهة نظر أو نظام فلسفي
ديفي
الإلهة العظيمة
دارما
الواجب، القانون، التعليم، النظام، وأحيانا «الدين»
داليت
الاسم المفضل لمن يوصفون بالمنبوذين
درفيدي
اسم يوصف به شعب الهند الأصلي لتمييزهم عن الآريين
دفايتا
الثنائية؛ نوع من نظام فيدانتا الفلسفي يرتبط بمادهفا
دورجا
إلهة محاربة خيرة
ديفالي
مهرجان الأنوار
رادها
صديقة كريشنا
راما
إله شهير محبوب بوصفه ملكا لأيوديا؛ تجسيد لفيشنو
رامانوجا
فيلسوف عاش في القرن الحادي عشر
رامايانا
الملحمة الشهيرة التي تروي قصة راما وسيتا ولاكشمانا، ولها الكثير من الروايات
ريج فيدا
أقدم النصوص الفيدية، ويحتوي على ترانيم للآلهة
ريشي
حكيم
ساتي
زوجة فاضلة؛ زوجة تحرق في محرقة زوجها الجنائزية
سامبرادايا
تقليد؛ سلسلة تنقل من خلالها التعاليم من جيل إلى جيل
سامسارا
دورة الميلاد والموت والانبعاث، العالم
سانياسا
الزهد؛ المرحلة الأخيرة من مراحل الحياة؛ ويشير مصطلح «سانياسي» أيضا إلى الشخص الذي زهد الدنيا
سمريتي
متذكر؛ النصوص التي يتم تذكرها ونقلها من جيل إلى جيل عبر التقليد
سوترا
خيط؛ نص يضم حكما
سيتا
قرينة راما، وتوصف عادة بالزوجة المثالية
شاكتا
أحد أتباع الإلهة ديفي
شاكتي
قوة أو طاقة إلهية مجسدة في صورة أنثى، اسم للإلهة ديفي
شانكارا
فيلسوف عاش في القرن التاسع
شانكارا-أتشاريا
زعيم روحي لجماعة شانكارا
شايفا
أحد أتباع الإله شيفا
شروتي
موحى به؛ النصوص الأولى التي تعتبر أنها أوحي بها للحكماء (الريشي)
شودرا
طبقة الحرفيين
شيفا
إله رئيسي يصور كثيرا كزاهد؛ مبارك، يرتبط عادة بالدمار
فارنا
طبقة اجتماعية
فارنا - أشراما - دارما
واجبات الفرد التي تحدد حسب وضعه الاجتماعي والمرحلة التي يمر بها من حياته
فايشنافا
أحد أتباع الإله فيشنو
فيدا
معرفة؛ نصوص هندوسية مقدسة مبكرة، ترتبط بالآريين
فيدانتا «الغاية من «فيدا»»؛ نظام فلسفي يستكشف طبيعة البراهمان
فيشنو
من ينتشر في كل شيء؛ إله رئيسي يحافظ على كل شيء؛ مصدر الأفاتارا
فيشيشتا
لا ثنائية مؤهلة؛ نوع من نظام فيدانتا الفلسفي يرتبط برامانوجا
كارما
عمل
كريشنا
إله شهير، يصور في صورة طفل، أو راعي بقر، أو سائق عجلة حربية؛ وهو تجسيد لفيشنو
كشاتريا
طبقة المحاربين
لينجا
رمز مرتبط بشيفا
مادهفا
فيلسوف عاش في القرن الثالث عشر
مانترا
صيغة لفظية أو صوت مليء بالقوة
ماندير
معبد
مانوسمريتي (يعرف أيضا باسم «قوانين مانو») نص ديني قانوني يصف واجبات الجماعات الاجتماعية المختلفة
مهابهارتا
نص ملحمي شهير ومصدر للعديد من القصص عن الدارما
مورتي
رمز لإله
ياجنا
تضحية؛ ممارسة طقسية فيدية تقدم فيها القرابين للآلهة، عند نار عادة
يوجا
خضوع؛ تركيز؛ انضباط؛ نظام للتحرر
قراءات إضافية
الفصل الأول
An excellent resource for the study of Hinduism will be the forthcoming eighteen-volume
Encyclopedia of Hinduism and Indic Religions , a project of the India Heritage Research Foundation. Useful current articles include 'Hinduism’ by Alf Hiltebeitel in the
Encyclopedia of Religion (ed. Mircea Eliade, London and New York: Macmillan, 1987), vol. vi, 633-60, and “Hinduism” by Simon Weightman in
A New Handbook of Living Religions (ed. John Hinnells, Oxford: Blackwell, 1997). A periodical with a focus on Hinduism is the
International Journal of Hindu Studies (Internet address:
http://www.clas.ufl.edu/users/gthursby/ijhs/ ).
Introductory books by 'insiders’: Nirad Chaudhuri,
Hinduism: A Religion to Live By (Oxford: Oxford University Press, 1979); T. N. Madan (ed.),
Religion in India (Oxford and Delhi: Oxford University Press, 1991); Anantanand Rambachan,
The Hindu Vision (Delhi: Motilal Banarsidass, 1992); K. M. Sen,
Hinduism (Harmondsworth: Penguin, 1961); Arvind Sharma,
Hinduism for Our Times (Oxford and Delhi: Oxford University Press, 1996).
Recent introductions by 'outsiders’: Gavin Flood,
An Introduction to Hinduism (Cambridge: Cambridge University Press, 1996); Klaus Klostermaier,
A Survey of Hinduism (New York: State University of New York Press, 1989).
Two useful books introducing aspects of the debate on early India: Romila Thapar,
Interpreting Early India (Oxford and Delhi: Oxford University
Deciphering the Indus Script (Cambridge: Cambridge University Press, 1994).
الفصل الثاني
Novels and stories by Hindus are invaluable as a source of information about Hinduism and Hindu society. In addition to
Gods, Demons and Others
and
The Guide
by R. K. Narayan, there are many others by authors including Mulk Raj Anand, Kamala Markandaya, U. R. Anantha Murthy, Anita Desai, and Gita Mehta.
Books on revelation and tradition: A. L. Basham,
The Origins and Development of Classical Hinduism (Boston: Beacon, 1989); T. J. Hopkins,
The Hindu Religious Tradition (Encino, CA: Dickenson, 1971); K. Sivaraman (ed.),
Hindu Spirituality: Vedas Through Vedanta (New York: Crossroad, 1989)-this is also useful for Chapter 3; Brian K. Smith,
Reflections on Resemblance, Ritual, and Religion (New York and Oxford: Oxford University
A Dictionary of Hinduism: Its Mythology, Folklore and Development, 1500 BC-AD 1500 (London: Routledge and Kegan Paul, 1977).
الفصل الثالث
Introductions to Indian philosophy: M. Hiriyanna,
Outlines of Indian Philosophy (London: George Allen and Unwin, 1958); Ninian Smart,
Doctrine and Argument in Indian Philosophy (London: Allen and Unwin, 1964). Selected verses by Shankara, Ramanuja, and Madhva: Sarvepalli Radhakrishnan and Charles A. Moore (eds.),
A Sourcebook in Indian
(Princeton: Princeton University Press, 1967).
Translations of other Hindu scriptures: Wendy Doniger O’Flaherty (ed.),
Textual Sources for the Study of Hinduism (Manchester: Manchester University Press, 1988); Ainslee T. Embree (ed.),
Sources of Indian Tradition,
vol. i, 2nd edn. (New York: Columbia University Press, 1988).
For further discussion on
karma and yoga , see Rambachan,
The Hindu Vision,
Sharma,
Hinduism for Our Times,
Flood,
An Introduction to Hinduism,
and Klostermaier,
A Survey of Hinduism.
الفصل الرابع
Retellings in English of stories of the gods and goddesses: Amar Chitra Katha,
Rama, Tales of the Mother Goddess, Mahabharata (all India Book House); C. Rajagopalachari,
Ramayana (Bombay: Bharatiya Vidya Bhavan, 1962); Wendy Doniger O’Flaherty,
Hindu Myths (Harmondsworth: Penguin, 1975); Serinity Young (ed.),
An Anthology of Sacred Texts by and about Women (London: Pandora, 1993).
Rama, Sita, and the Devi in contemporary Hinduism: John Stratton Hawley and Donna Marie Wulff (eds),
Devi: Goddesses of India (Berkeley: University of California Press, 1996); Jacqueline Suthren Hurst,
Sita’s Story (Norwich: Chansitor Publications, 1997); Paula Richman (ed.),
Many Ramayanas: The Diversity of a Narrative Tradition in South Asia (Berkeley: University of California Press, 1991); Mark Tully,
No Full Stops in India,
Chapter 4: 'The Rewriting of the
Ramayan ’ (London:
1991).
On the place of the
Ramayana
in Hindu nationalism: Peter van der Veer,
Religious Nationalism: Hindus and Muslims in India (Berkeley: University of California Press, 1994).
الفصل الخامس
Most general books, such as those by Rambachan
The Hindu Vision , Flood,
An Introduction to Hinduism,
and Klostermaier,
A Survey of Hinduism,
contain accounts of Hindu worship, including
puja
and pilgrimage. See also Christopher Fuller,
The Camphor Flame: Popular Hinduism and Society in India (Princeton: Princeton University
The other books listed here are excellent for gaining an understanding of the way the divine is perceived and expressed in Hindu iconography and architecture: Diana Eck,
Darsan: Seeing the Divine Image in India (Chambersburg, PA: Anima, 1981); George Michell,
The Hindu Temple: An Introduction to its Meaning and Forms (Chicago and London: Chicago University Press, 1988); Alistair Shearer,
The Hindu Vision: Forms of the Formless (London: Thames and Hudson, 1993).
الفصل السادس
Examples of
bhakti
poetry can be found in the books of readings by Embree (Sources of Indian Tradition)
and O’Flaherty (Textual Sources for the Study of Hinduism) . Orientalist accounts of Hinduism are presented in P. J. Marshall,
The British Discovery of Hinduism in the Eighteenth Century (Cambridge: Cambridge University Press, 1970). The lectures and writings of neo- Hindu reformers are quoted extensively in Glyn Richards,
A Sourcebook of Modern Hinduism (London: Curzon
For discussions of American transcendentalism in the nineteenth century with reference to India, see Arthur Christy,
The Orient in American Transcendentalism (New York: Columbia University Press, 1932) and Carl T. Jackson,
The Oriental Religions and American Thought: Nineteenth-century Explorations (Westport, CT: Greenwood Press, 1971).
For the history of the period, see H. Kulke and D. Rothermund,
A History of India (London and New York: Routledge, 1990), and for religious movements and personalities, see Flood,
An Introduction to Hinduism,
for a brief account. A useful book on
sati
is the one edited by J. S. Hawley (ed.),
Sati, the Blessing and the Curse: The Burning of Wives in India (New York and Oxford: Oxford University Press, 1994). See also 'The Deorala Sati’ in Tully, ibid. A useful introduction to Gandhi is provided by Bhikhu Parekh’s
Gandhi (Oxford: Oxford University Press, 1997).
الفصل السابع
On women: Kishwar, Madhu, and Ruth Vanita (eds.),
In Search of Answers: Indian Women’s Voices from Manushi (London: Zed Books, 1984, reprinted New Delhi: Horizon India Books, 1991); Radha Kumar,
The History of Doing: An Illustrated Account of Movements for Women’s Rights and Feminism in India, 1800-1990 (New Delhi: Kali for Women, 1993); Julia Leslie (ed.),
Roles and Rituals for Hindu Women (London: Pinter Press, 1991); Sara S. Mitter,
Dharma’s Daughters (New Brunswick NJ: Rutgers University Press, 1991); Susie Tharu and K. Lalita (eds),
Women Writing in India, 600 BC to the Early Twentieth Century (London: Pandora Press, 1991).
On
dalits : Barbara R. Joshi (ed.),
Untouchable: Voices of the Dalit Liberation Movement (London: Zed Books, 1984); Mark Juergensmeyer,
Religion as Social Vision: The Movement Against Untouchability (Berkeley: University of California Press, 1982); Dilip Hiro,
The Untouchables of India,
Report no. 26 (Minority Rights Group, 1975). See also 'Ram Chander’s Story’ in Tully,
No Full Stops in India.
الفصل الثامن
Books on Hindus and Hinduism beyond India: Richard Burghart (ed.),
Hinduism in Great Britain: The
Cultural Milieu (London: Tavistock, 1987); John Y. Fenton,
Transplanting Religious Traditions: Asian Indians in America (New York: Praeger, 1988); Robert Jackson and Eleanor Nesbitt,
Hindu Children in Britain (Stoke-on-Trent: Trentham Books, 1993); Hugh Tinker,
The Banyan Tree: Overseas Emigrants from India, Pakistan, and Bangladesh (Oxford: Oxford University Press, 1977); Steven Vertovec,
Hindu Trinidad: Religion, Ethnicity and Socio-economic Change (London: Macmillan Caribbean, 1992); Raymond Brady Williams (ed.),
A Sacred Thread: Modern Transmission of Hindu Traditions in India and Abroad (Chambersburg, PA: Anima, 1992).
Internet address of
Hinduism Today :
www.HinduismToday.kauai.hi.us/ashram/htoday .
North American Hindu organizations are listed on the following web site:
http://www.hindunet.org/ .
الفصل التاسع
The general books and articles referred to for Chapter 1 all contain discussions of the meaning of 'Hinduism’. An additional book presenting a range of contemporary perspectives is
Hinduism Reconsidered
edited by G. D. Sontheimer and H. Kulke (Delhi: Manohar, 1991).
مراجع
الفصل الأول
Nirad Chaudhuri,
Hinduism: A Religion to Live By (Oxford: Oxford University Press, 1979), 311-29.
الفصل الثاني
R. K. Narayan,
Gods, Demons and Others (London: Mandarin, 1990), 2-4;
Rig Veda
1.1 in Wendy Doniger O’Flaherty,
Textual Sources for the Study of Hinduism (Manchester: Manchester University Press, 1988), 6;
Manusmriti
2.11 in Wendy Doniger O’Flaherty (ed.),
The Laws of Manu-The Laws of Manu
is another name for the Manusmriti-(Harmondsworth: Penguin, 1991); Brian K. Smith,
Reflections on Resemblance, Ritual, and Religion (New York and Oxford: Oxford University Press, 1989), 13-17;
Rig Veda
10.90 in Embree,
Sources of Indian Tradition,
17-19; R. K. Narayan,
The Guide (London: Mandarin, 1990).
الفصل الثالث
The Internet address for
Hinduism Today
is:
http://www.HinduismToday.kauai.hi.us/ashram/htoday.html .
Upanisads (tr. Patrick Olivelle, Oxford: Oxford University Press, 1996), 154-5;
The Complete Works of Vivekananda,
vol. viii (Calcutta: Advaita Ashrama, 1970), 101;
The Bhagavad Gita
2.24 (tr. W. J. Johnson, Oxford: Oxford University Press, 1994), 9;
The Bhagavad Gita
3.4, Johnson, 15;
The Bhagavad Gita
on practice of
yogin : Johnson, 28; Patanjali on
yoga sutra : Vivian Worthington,
A History of Yoga (London: Arkana, 1989), 69-78; Bal Gangadhar Tilak,
Gita Rahasya (Poona, 1935); Mahatma Gandhi on
karma yoga : Mahadev Desai,
The Gita According to Gandhi (Ahmedabad: Navajivan, 1946); Sharma,
Hinduism for Our Times (Oxford and Delhi: Oxford University Press, 1996), 36-46;
The Bhagavad Gita,
Johnson, 7-13; Sharma,
Hinduism for Our Times,
42.
الفصل الرابع
Madhur Jaffrey,
Seasons of Splendour: Tales, Myths and Legends of India (London: Pavilion Books, 1985), 8; Debjani Chatterjee,
I was that Woman (Frome: Hippopotamus Press, 1989), 23-4.
الفصل الخامس
The British Discovery of Hinduism in the Eighteenth Century (Cambridge: Cambridge University Press, 1970), 21; Henry Martyn in George Smith,
The Life of Henry Martin (London, 1892), 163;
Upanisads,
Olivelle, 46.
الفصل السادس
Kabir, 'Warnings’ (tr. Daniel Gold), in O’Flaherty,
Textual Sources,
140-1; Kabir, 'The World is Mad’ (tr. Linda Hess and Sukdev Singh), in Ainslee T. Embree,
Sources of Indian Tradition,
vol. i, 2nd edn. (New York: Columbia University Press, 1988), 375; Warren Hastings in Marshall,
The British Discovery of Hinduism in the Eighteenth Century,
189; Abbé Dubois,
Hindu Manners, Customs, and Ceremonies,
3rd edn. (Oxford: Clarendon Press, 1906), 8; Walt Whitman,
Leaves of Grass (Oxford: Oxford University Press, 1990); Agehananda Bharati, 'The Hindu Renaissance and its Apologetic Patterns’,
Journal of Asian Studies (29, 1970), 273.
الفصل السابع
Chandalas as 'dog-cookers’ in
The Laws of Manu
10.108, O’Flaherty; high caste women in
The Laws of Manu
5.146-69, O’Flaherty; Sarojini Naidu in Manohar Kaur,
Role of Women in the Freedom Movement, 1857-1947 (Delhi: Sterling, 1968), 111; women’s prayer in Laxmi G. Tiwari,
A Splendour of Worship: Women’s Fasts, Rituals, Stories and Art (Delhi: Manohar, 1991), 8; B. K. Ambedkar (tr. Vasant W. Moon) in Barbara R. Joshi (ed.),
Untouchable: Voices of the Dalit Liberation Movement (London: Zed Books, 1984), 30-1; Neerav Patel, 'Burning at Both the Ends’, in Joshi,
Untouchable,
42.
الفصل الثامن
Richard Burghart (ed.),
Hinduism in Great Britain: The Perpetuation of Religion in an Alien Cultural Milieu (London: Tavistock, 1987), 1-2; David Barrett (ed.),
World Christian Encyclopedia (Oxford: Oxford University Press, 1982),
passim.
الفصل التاسع
Sarvepalli Radhakrishnan,
The Hindu View of Life (London: Mandala, 1988), 55.
مصادر الصور
(1-1) Nina Kellgren, reproduced courtesy of the Community Religions Project, University of Leeds. (2-1) Reproduced courtesy of Kim Knott. (2-2) Reproduced courtesy of the Leicester Mercury. (3-1) The Bhakitivedanta Book Trust International © 1983. (4-1) © Sagar Enterprises, Mumbai. (4-2) © India Book House Limited, Mumbai. (5-1) © Independent, London/Nicholas Turpin. (5-2) Reproduced courtesy of Kim Knott. (5-3) Reproduced courtesy of Robert Jackson. (5-4) © Images of India Picture Agency, London. (6-2) Reproduced courtesy of Julia Leslie. (7-1) Reproduced courtesy of the Trustees of the British Museum. (7-2) Reproduced courtesy of Kim Knott. (8-1) © The Swaminarayan Hindu Mission, London. (8-2) Reproduced courtesy of Kim Knott. (9-1) Reproduced courtesy of Kim Knott.
अज्ञात पृष्ठ