हिंदुसिया: एक बहुत छोटा परिचय
الهندوسية: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
مقدمة
شكر وتقدير
1 - الباحث والمتعبد
2 - الوحي ونقل المعرفة
3 - فهم الذات
4 - الأبطال المقدسون: التقليد الملحمي
5 - الوجود الإلهي
6 - الهندوسية والاستعمار والحداثة
7 - تحديات تواجهها الهندوسية: النساء والمنبوذون
8 - عبور المياه السوداء: الهندوسية خارج الهند
अज्ञात पृष्ठ
9 - الدارما والهندوسية وصور الهندوسية المتعددة
ملحق
الخط الزمني للهندوسية
مسرد المصطلحات
قراءات إضافية
مراجع
مصادر الصور
مقدمة
شكر وتقدير
1 - الباحث والمتعبد
अज्ञात पृष्ठ
2 - الوحي ونقل المعرفة
3 - فهم الذات
4 - الأبطال المقدسون: التقليد الملحمي
5 - الوجود الإلهي
6 - الهندوسية والاستعمار والحداثة
7 - تحديات تواجهها الهندوسية: النساء والمنبوذون
8 - عبور المياه السوداء: الهندوسية خارج الهند
9 - الدارما والهندوسية وصور الهندوسية المتعددة
ملحق
الخط الزمني للهندوسية
अज्ञात पृष्ठ
مسرد المصطلحات
قراءات إضافية
مراجع
مصادر الصور
الهندوسية
الهندوسية
مقدمة قصيرة جدا
تأليف
كيم نوت
ترجمة
अज्ञात पृष्ठ
أميرة علي عبد الصادق
مراجعة
مصطفى محمد فؤاد
مقدمة
تنتشر آلهة الهندوس، سواء الذكور منها والإناث، في كل مكان بالهند؛ فتجدها مختفية داخل معابد خلابة ومزارات صغيرة على جانب الطريق، وتجدها أيضا مرسومة في نقوش حجرية متداخلة، كما تنتشر صورها في الإعلانات التجارية والتقويمات المطبوعة ولافتات الإعلان عن الأفلام، وتوجد أيضا على أكشاك البيع وواجهات المتاجر على شكل حلي ومنحوتات صغيرة. إنها منسوجة في نسيج الحياة في القرى والمدن الهندية، ويمكن العثور عليها اليوم أيضا في المجتمعات الهندوسية من جزر الكاريبي إلى أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة، ومن جنوب أفريقيا إلى تايلاند. تلك الآلهة تحظى بإعجاب الجميع، والأماكن العديدة التي تظهر بها وتعدد الأشكال التي تتخذها؛ دليل على تنوع وثراء الثقافة الهندوسية.
لكن الهندوسية تتجاوز نطاق الثقافة لتصل إلى نطاقات أخرى، مثل التركيب الاجتماعي والحياة الاجتماعية للهندوس، والقضايا الأخلاقية، والقضايا السياسية المتعلقة بالمساواة والنزعة القومية. تؤثر الهندوسية المعاصرة بما تحتويه من قصص وتعاليم وطقوس قديمة في العديد من جوانب حياة الهنود داخل شبه القارة الهندية وفيما وراءها حتى إننا بدأنا نتساءل عن كيفية تعريفها. فهل من المناسب أن نطلق عليها «ديانة»؟ هل هي شبيهة بالمسيحية أو الإسلام؟ فيم تختلف عنهما؟ وهل تتعارض في الواقع مع أفكارنا عن طبيعة الأديان؟
يأخذنا هذا الكتاب الذي يعد مقدمة عن الهندوسية إلى التفكير في تلك الموضوعات، وسوف نبدأ بطرح سؤال عن كيفية تأثير منطلقات مختلفة في طريقة فهمنا واستيعابنا للهندوسية. على سبيل المثال، ما مدى اختلاف دوافع واستنتاجات أتباع الهندوسية وعلمائها عن دوافع واستنتاجات الباحثين؟ في الفصول التالية، سوف نتعرف على الأهمية التي يوليها الهندوس للتقاليد التي تتضمنها نصوصهم الدينية، ولوحيها المبكر لهم، وعمليات التوارث اللاحقة لها من جيل إلى جيل على أيدي الكهنة والمعلمين الروحانيين ورواة القصص.
أحد الأسئلة المهمة التي فكر فيها الهندوس وتناقلوها عبر قرون عديدة هو «من أكون؟» أو بعبارة أخرى: «ما الذات؟» بحث الفلاسفة في طبيعة الذات وعلاقتها بالإله والعالم، وهل تبقى بعد الممات أم لا؟ وكيف تؤثر أفعالنا فيها؟ ولا تزال هذه القضايا مطروحة اليوم. في الفصل الثالث من هذا الكتاب، سوف نتناول كيفية مناقشة تلك الأسئلة في العصور الأولى، وسوف نتطرق أيضا إلى أهميتها في الوقت الحالي.
في الفصلين التاليين، سوف نتعرف على مجموعة مختلفة من الآلهة الهندوس، سواء الذكور منها والإناث، والقصص المروية عنها، والطريقة التي تصور بها في المنحوتات والصور، وأشكال العبادات التي يتقرب بها إليها. سنتحدث عن راما وسيتا ودورجا وجانيشا وفيشنو وشيفا وكريشنا، وسنتطرق أيضا إلى كيفية فهم الهندوس لما هو إلهي؛ هل يعبدون عدة آلهة في آن واحد، أم إن كل هذه الآلهة هي صور مختلفة لذات إلهية واحدة؟ هل من الوارد أن يكون هناك قدر من الحقيقة في هاتين الفكرتين؟
في القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما احتك الأوروبيون لأول مرة بالأفكار الهندوسية بشأن ما هو إلهي، وبالطقوس والحياة الاجتماعية الهندوسية، أصابهم الذهول ووقعوا في حيرة من أمرهم، لقد رأوا كل شيء من خلال منظورهم الديني والثقافي، وقارنوا ذلك بخبراتهم، وكثيرا ما كانوا يخلصون إلى استنتاجات سلبية. في الفصل السادس، سنتطرق إلى علاقة الأوروبيين والأمريكيين بالهندوسية، وتأثير الاستعمار البريطاني على التطورات الدينية في الهند في القرون الأخيرة. منذ وقت مبكر، بدأ المصلحون الهندوس والحكام البريطانيون بالدعوة إلى المساواة والتغيير الاجتماعي، خاصة للنساء وللطوائف التي توصم بأنها «منبوذة» من جانب الطوائف الهندوسية الأعلى مكانة. أما في الفصل السابع، فسوف ننتقل إلى الحديث عن آراء النساء والجماعات المنبوذة - أو الداليت مثلما يطلق عليهم اليوم - ونناقش أوضاعهم داخل النظام الهندوسي.
अज्ञात पृष्ठ
إن هاتين الأقليتين الكبيرتين ليستا فقط هما ما تثيران أسئلة مهمة حول من يمكن أن نعتبره هندوسيا. فالهنود الذين خرجوا على التعاليم الهندوسية الأولى وعبروا «المياه السوداء» خرجوا عن الحدود المقدسة للهند. مع ذلك، ففي المجتمعات الهندية حول العالم، شيدت المعابد وانتشرت الحركات الهندوسية، وحدث تناقل للأفكار والطقوس الهندوسية، بل إن بعض جوانب الهندوسية قد درست للمهتمين من غير الهندوس؛ الأمر الذي يثير مسألة إن كانت الهندوسية ديانة مقصورة على من ولدوا في عائلات هندية وطوائف هندوسية، أم إنها الآن أصبحت دينا تبشيريا.
سيتم التطرق إلى هذا السؤال وغيره من الأسئلة حول هوية الهندوسية في الفصل الأخير من الكتاب؛ أهي دين واحد أم عدة أديان مختلفة يحدد كلا منها إقليم أو طائفة أو فرقة؟ وهل هي دين من الأساس؟ وهل تجعلنا نفكر في مسألة الدين بطرق جديدة؟ على الرغم من أنه يكاد يكون من المستحيل الإجابة عن كل هذه الأسئلة على نحو مرض، فإن التعرض لها بالنقاش يجعلنا نقدر مدى التعقيد والتنوع والديناميكية الاستثنائي الذي يتسم به كل ما يندرج تحت مصطلح الهندوسية.
شكر وتقدير
أود أن أتقدم بالشكر لكل من ساعدني في تأليف هذا الكتاب. إنني مدين لكل هؤلاء الذين تعلمت منهم شيئا عن الهندوسية: لمعلمي، وأصدقائي الهندوس وزملائي. لم يكن إدراج حواش سفلية موضحة ومفصلة مناسبا هنا، وفي ضوء غيابها فإنني أقر بالعرفان لهؤلاء الذين ساعدتني أعمالهم في شرح ووصف الهندوسية. وأتوجه بشكر خاص إلى طلابي الذين التحقوا بالمحاضرات التي ألقيتها عام 1997 عندما اختبرت أفكاري، وإلى طلبة الدراسات العليا الذين كانوا مصدر إلهام لي، وكل من أبدى على مدار سنوات عديدة اهتماما بالهندوسية وشجعني على تقديم نظرة عامة عنها بأسلوب بسيط يسهل عليهم استيعابه. فلولا كل هذا، ما كنت لأنجز هذا العمل.
أود أيضا أن أتقدم بالشكر لكل من ساعدني في إنتاج مخطوطة الكتاب ونشره: القراء لدى الناشر، وأخص بالذكر منهم جوليا ليزلي، على نصائحهم البناءة وتعليقاتهم المفيدة، وتامسين شيلتون على سرعتها ودقتها، وجورج ميللر وشيلي كوكس من مطبعة جامعة أكسفورد على الدعم والتوجيه طوال هذه الرحلة. استفدت أيضا كثيرا من اللطف والخيال والاهتمام بالتفاصيل الذي أبدته أسرتي وأصدقائي الذين قرءوا مسودة الكتاب، وأتوجه بشكر خاص إلى أمي كاي نوت، وزوجي جون موردوخ، وأورسولا كينج، وإلينور نيسبت، ورام كريشان براشار، وبوب جاكسون. أجريت مناقشات مفيدة مع أصدقاء آخرين وطلبة دراسات عليا في المراحل الأولى من وضع الكتاب، وأخص بالذكر منهم نيلابن بانكولي، وسيوا سينج كالسي، وجافين فلود، وجاكي هيرست، وسوباش شارما، وبوب إكسون، وبريتي تياجي، ودافني جرين. أود أن أعرب أيضا عن خالص تقديري للدعم الذي تلقيته من زملائي بجامعة ليدز، وعلى وجه الخصوص قسم علم اللاهوت والدراسات الدينية، لقد ساعدوني في الحفاظ على حماسي بشأن تأليف كتاب عبارة عن مقدمة قصيرة في وقت كانت للمقالات والدراسات البحثية قيمة أكاديمية أكبر. وقد مكنني الحصول على إجازة دراسية من إكمال هذا المشروع في الوقت المحدد له.
استمتعت كثيرا بكتابة هذا الكتاب، وأتوجه بالشكر للعاملين في مطبعة جامعة أكسفورد على منحي هذه الفرصة. لطالما تملكتني مشاعر الإعجاب والتقدير تجاه من يستطيعون عرض الموضوعات الصعبة على نحو مشوق وإتاحتها للآخرين دون المبالغة في تبسيط محتواها أو تشويه معناها، ولما كان هذا هو الهدف من وراء الكتاب، فإنني قد اعتبرته تحديا لا يمكن مقاومته. ومقدار توفيقي في تحقيق ذلك مع كتاب الهندوسية هو ما سيحدده قراء الكتاب.
أخيرا أعرب عن حبي وشكري لابنتي أنيتا التي كانت تعينني على قضاء أوقات راحة ممتعة ومرحة بعد انتهاء كل يوم عمل، ولولا تلك الأوقات، لما خرج الكتاب على هذا النحو.
خريطة 1: شبه القارة الهندية موضحة بها الأماكن الدينية.
الفصل الأول
الباحث والمتعبد
अज्ञात पृष्ठ
إذا ذهبت إلى مكتبة عامة أو متجر لبيع الكتب بنية العثور على كتاب حول الهندوسية، فإلى أي قسم ستتجه؟ هل إلى قسم «علم الاجتماع» من أجل الكتب التي تتناول النظام الاجتماعي للهندوس؟ أم إلى قسم «الفن والعمارة» حتى تتعرف على المعابد والنقوش واللوحات المدهشة التي تجسد الميثولوجيا الهندوسية؟ أم إلى قسم «اللغات» حيث الكتب التي تتحدث عن اللغة السنسكريتية وغيرها من اللغات الهندية؟ أم إلى قسم «الأنثروبولوجيا» حيث المعلومات عن الهند الريفية ومجتمعها وثقافتها؟ مع أنك سوف تجد في الأغلب مصادر قيمة في هذه الأقسام، فإنك قد تتجه إلى قسم «الأديان»؛ لأن الهندوسية في الدول الغربية تعتبر دينا مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية.
أحد الموضوعات الرئيسية التي سيتم تناولها في هذه المقدمة القصيرة هو مدى صحة هذا الزعم. هل الهندوسية دين كباقي الأديان؟ وما السمات الرئيسية التي تميزها؟ في كل فصل من الفصول التالية، إلى جانب التطرق لموضوع محدد، سوف أتطرق أيضا إلى ما يمكن أن يخبرنا به هذا الموضوع عن طبيعة الهندوسية، التي هي دين الهندوس. على سبيل المثال، في الفصل التالي، سوف نتطرق إلى مدى أهمية مجموعة من النصوص الدينية المعروفة باسم «فيدا» وثقافة البرهميين - طائفة الكهنة - بالنسبة إلى الهندوسية. (ثمة مسرد مصطلحات في نهاية الكتاب يضم معاني أهم المصطلحات الهندوسية.) وفي الفصل قبل الأخير، سوف ننظر في إمكانية ازدهار الهندوسية خارج الهند، وإمكانية اختيار شخص ما ليكون هندوسيا. هل الهندوسية دين يمكن أن يعتنقه أي شخص؟ أم إنه مقصور على هؤلاء الذين ولدوا في عائلات هندوسية؟
في الفصل الأخير، سوف أعود مجددا إلى الحديث عن طبيعة الهندوسية وتعريفها، وعلى وجه التحديد مسألة الوحدة والتنوع. يشير لفظ «الهندوسية» إلى نظام موحد، وبعض الدراسات الحديثة من جانب الهندوس وغير الهندوس يصفها على هذا النحو. رغم ذلك، يقول آخرون إن الهندوسية لها صور متعددة، هناك أوجه تلاق متعددة فيما بينها، غير أنها تختلف في نواح مهمة. فهل يمكننا البت في صحة هذين القولين، وتقديم تعريف جامع مانع للهندوسية؟ حتى الفصل الأخير من الكتاب، سوف أتبع الاستخدام المتعارف عليه وأشير إلى الهندوسية بوجه عام. (1) النظر للهندوسية من زاويتين مختلفتين
عودة إلى النقطة التي يرتكز حولها هذا الفصل، سوف أبدأ بطرح سؤال منهجي ذي صلة. والسؤال المنهجي هو الذي يسأل عن «كيفية» فعل شيء ما؛ في هذه الحالة، كيف يدرس الناس الهندوسية، وسؤالي هو: «هل من يعتنقون الهندوسية يرونها بالطريقة نفسها التي يراها بها الباحثون فيها؟» لتبسيط الأمور، سأشير إلى هاتين المجموعتين باسم «المتعبدين» و«الباحثين»، رغم أنه سيتضح لنا لاحقا أن الصورة أكثر تعقيدا مما يوحي به هذا التمييز.
ما الذي يجعلنا ندرس هاتين الزاويتين المختلفتين الخاصتين بالمتعبدين والباحثين؟ هناك سببان لذلك؛ الأول: أنه كي تختار بين الكتب المتعددة المتاحة في قسم «الأديان» في المكتبة العامة أو متجر بيع الكتب، من المفيد أن تفهم أوجه الاختلاف بين ما يكتبه الباحثون والمتعبدون. فعادة ما يختلف المقصد من وراء الكتابة لدى المجموعتين، ويختلف جمهور القراء أيضا؛ فالباحثون قد يكون مقصدهم الرئيسي التثقيف، أما المتعبدون فيكون مقصدهم الحث على الارتقاء الروحاني. يقف السبب الثاني وراء تأليف كتابنا هذا؛ فمع أن هذا الكتاب مقدمة قصيرة، فإنه ينضم إلى فئة الكتب الخاصة بالباحثين؛ فليس الغرض منه تزكية ممارسات أو أفكار هندوسية، ولا تقديم وجهة نظر هندوسية محددة، بل تعريف القراء المهتمين - هندوسا وغيرهم - ببعض السمات الأساسية للهندوسية.
شكل 1-1: التعرف على الهندوسية من خلال المشاركة. دكتورة أورسولا كينج برفقة أسرتها وأطفال محليين في أحد الطقوس الهندوسية في مدينة ليدز عام 1976.
من بين الكتب البحثية، هناك ما يكتبه الهندوس وغير الهندوس. في الغرب على سبيل المثال، توجد مقدمات للهندوسية كتبها أشخاص درسوا دينهم وكتبوا عنه، أمثال كيه إم سين، وأنانتاناند رامباشان، وأرفيند شارما. وهناك كتب أخرى كتبها أشخاص قضوا سنوات عديدة يدرسون الهندوسية، لكنهم لم يدينوا بها، أمثال كلاوس كلوسترماير وجافين فلود. هل هناك فارق بين ما كتبه الهندوس أمثال سين ورامباشان وشارما وما كتبه غير الهندوس أمثال كلوسترماير وفلود؟ وإلى أي مدى تؤثر قناعات الشخص الدينية على ما يكتبه عن دين ما؟
الواقع أن كل كتاب عن الهندوسية يختلف عن غيره من الكتب حول الموضوع نفسه باختلاف خلفية كاتبه ووجهة نظره، فبعض الكتاب الهندوس قد يكونون أتباعا مخلصين للهندوسية؛ بينما قد يرى آخرون أن الدين لا يشكل أهمية كبرى بالنسبة إليهم. بالمثل، نجد أن الالتزام الديني لدى بعض من غير الهندوس (حتى وإن كان لدين آخر) قد يثري بقوة بحثهم، بينما يظن آخرون أن ترك المعتقدات الدينية الفردية جانبا نقطة انطلاق مهمة. ليس معنى ذلك أن الكتاب يطلعون قراءهم دائما على موقفهم في هذا الصدد. في الماضي، ظن كثير من الباحثين الغربيين أنه من الممكن تقديم رؤية بالغة الدقة والموضوعية عن الهندوسية مثلما يفعل علماء الطبيعة مع ملاحظة البيانات وتسجيلها. واليوم يقر أغلب دارسي الأديان - كما هو الحال مع بعض فروع البحث العلمي الأخرى - أن الاختلافات الفردية تؤثر على البحث والكتابة. فما يختار الباحثون تضمينه داخل كتبهم أو استبعاده منها، والأمثلة التي يطرحونها، وكيفية تنظيمهم للمادة المطروحة؛ كلها قرارات ذاتية من جانبهم.
كيف إذن يمكن أن تختلف روايتي عن الروايات التي يقدمها غيري من كتاب الكتب التقديمية حول الهندوسية؟ لأن هذا الكتاب عبارة عن «مقدمة قصيرة جدا»، فإنني لم أتطرق للكثير من الأمور؛ على سبيل المثال، قررت أن أتطرق للأشكال والصور المعاصرة للهندوسية أكثر من التطرق إلى تاريخ الهندوسية ومعتقداتها وممارساتها الأولى. وبصفتي باحثة، فقد حاولت التأكد من إعطاء النساء الهندوسيات وغيرهن من المجموعات الأقل تمثيلا الاهتمام الكافي. وبصفتي مواطنة بريطانية بيضاء اللون، فإنني أنتسب تاريخيا لمستعمري الهند، ليس في وسعي أن أغير تاريخي، لكنني حاولت أن أفكر تفكيرا نقديا في الأثر الذي تركته بريطانيا على الهندوسية المعاصرة. علاوة على ذلك، فإنني لست هندوسية، بل أنتمي إلى جمعية الأصدقاء الدينية (الكويكرز)، وما سأكتبه هنا لم تؤثر فيه على نحو مقصود هويتي الدينية، ولا يقف وراءه أيضا وجهة نظر هندوسية. ولأنني لا أنتمي إلى الهندوس، فسوف أعرض وجهة نظر مختلفة. لا يمكنني الاعتماد على مصدر معرفة هندوسي داخلي؛ لذا فإنني اعتمدت على الاستماع إلى العديد من وجهات النظر والآراء الهندوسية في فهم هذا الدين بكل تعقيداته. وأتمنى أن يتضح ذلك للقراء فيما سيرد لاحقا في الكتاب.
لكل كاتب وجهة نظره الخاصة، ولكل قارئ أيضا. فمن يختارون قراءة كتاب كهذا على سبيل المثال لا بد أن لديهم بعض الأفكار بالفعل عن الدين بوجه عام، وربما عن الهندوسية على وجه التحديد. بعض القراء سيكون من الهندوس، وبعضهم يتبع دينا آخر أو لا يتبع دينا على الإطلاق. بالمثل، من سيقرأ هذا الكتاب من الطلاب لا بد أن يكون لديه اهتمام بحثي بالهندوسية، بينما هناك طلاب آخرون لن تكون مطلوبة منهم كتابة مقالات عن الهندوسية أو دراستها من منطلق تحليلي، لكنهم يريدون التعرف عليها على نحو أكبر فحسب. أتمنى أن يجد جميع أنواع القراء شيئا مفيدا لهم في هذا الكتاب، حتى ولو كان شيئا يختلفون معه. (2) البحث عن الأصول
अज्ञात पृष्ठ
كي نفهم جيدا الاختلافات بين رؤية المتعبدين والباحثين، سنتخذ التاريخ الهندي المبكر كمثال. سوف يفيدنا هذا أيضا في تقديم بعض الأفكار المرتبطة بالتطور التاريخي للهندوسية (انظر أيضا الخط الزمني للهندوسية في نهاية الكتاب).
كيف يفهم الهندوس أصولهم والتشكل المبكر لدينهم؟ يصف الكثيرون الهندوسية بأنها «ساناتانا دارما»؛ أي التقليد أو الدين الخالد. وهذا يشير إلى الفكرة القائلة إن أصول الهندوسية تتجاوز بداية التاريخ البشري، وحقائقها قد أوحيت من قبل الآلهة (شروتي) ثم انتقلت عبر العصور إلى وقتنا الحالي في أقدم النصوص المقدسة في العالم وهو «فيدا». يتبنى كثيرون الرؤية الدينية هذه، لكن عندما يتعلق الأمر بتفسير التاريخ البشري في الهند القديمة، نجد العديد من الآراء المختلفة. ومن الآراء الشائعة اليوم بين بعض الهندوس، وخصوصا هؤلاء الذين عادة ما يشار إليهم على أنهم قوميون هندوس وهم الذين يرون أن الهندوسية هي الدين الحق للهند؛ أن الحقيقة الإلهية قد نزلت على الآريين الذين يعتبرونهم الجنس النبيل المستنير الذي عاش في الهند منذ آلاف السنين. تحدث الآريون بلغة سامية هي السنسكريتية التي كتبت بها نصوص فيدا المقدسة، وأقاموا حضارة هندوسية عظيمة لا تزال طقوسها وأدبها وقانونها تشكل معا ثقافة الهندوس المشتركة اليوم وتراثا قوميا حقيقيا للهند. وطبقا لهذا الرأي، فإن الأشخاص الذين ينتمون إلى الأديان التي تطورت في الهند بعد حقبة الآريين - مثل البوذيين والجاينيين والسيخ - يعتبرون جميعا جزءا من الديانة الهندوسية، غير أن العديد من الهندوس - بل والبوذيين والجاينيين والسيخ أنفسهم - لا يتفقون مع هذا الرأي؛ فهم يعارضون فكرة أن أصول الهندوسية كانت آرية جملة وتفصيلا، بل يؤمنون أن بعض الآلهة الكبرى والتطورات الدينية المهمة التي نربطها اليوم بالهندوسية مصدره الشعوب الأصلية التي عاشت في الهند قبل الآريين. ووفقا لهؤلاء، كان الآريون هم الوافدين؛ إذ هاجروا إلى شمال غرب الهند، وغزوا المجتمعات المسالمة المستقرة وفرضوا أيديولوجياتهم في الوقت نفسه الذي استوعبوا فيه ما كان قيما وشائعا من الثقافة المحيطة. وقد وافق على هذا الرأي على نطاق واسع أيضا الباحثون الغربيون الذين أرجعوا هجرة الآريين إلى نحو عام 1500 قبل الميلاد، و«ريج فيدا» - أقدم النصوص المقدسة المعروفة لدى الآريين - إلى نحو عام 1200 قبل الميلاد.
بالإضافة إلى من يؤمنون بأي من هذين الرأيين العامين، هناك الكثير من الهندوس الآخرين الذين يستمدون رؤيتهم للتاريخ الهندي القديم من التعاليم الخاصة بالجماعة أو الطائفة الهندوسية التي ينتمون إليها. باختصار، لا يوجد منظور تعبدي واحد؛ وبالمثل أيضا، للباحثين رؤى مختلفة. لا يقدم الدليل المادي - سواء من البقايا الأثرية أم النصوص المبكرة - صورة واضحة، ويظل العديد من الأسئلة بلا جواب للمتعبدين والباحثين على حد سواء.
في مطلع القرن الحالي على سبيل المثال، كشف علماء آثار بريطانيون وهنود عن بقايا العديد من المدن القديمة فيما كان يعرف وقتها بشمال الهند (باكستان حاليا) التي يرجع تاريخها إلى ما بين عامي 2500 و1800 قبل الميلاد؛ أي قبل الفترة التي اعتقد أن المهاجرين الآريين دخلوا فيها شمال غرب الهند. ويشار إلى المجتمع والثقافة المنسوبين لتلك المدن الآن باسم حضارة وادي السند (في دلالة على موقعها) أو حضارة هارابا (وهارابا هي إحدى المدينتين الكبريين، أما الأخرى فعرفت باسم موهينجو-دارو). تضمن الدين الخاص بهاتين المدينتين طقوسا تعبدية، وطقوسا خاصة بالخصوبة، واستخدام الحيوانات، ربما لتقديم القرابين، وطقس الاغتسال في مسبح كبير مشيد من الحجارة. أما القراميد أو الأختام ، فكانت تصور نصا مقدسا لم يحدد بعد ورموزا دينية من أنواع شتى.
هل كان الكائن ذو القرون المتخذ وضع الجلوس والمحاط بالحيوانات الذي عثر عليه على أحد الأختام صورة قديمة للإله شيفا؟ هل الأشكال الأنثوية الكثيرة التي عثر عليها في المدن والقرى المجاورة مجرد رموز للخصوبة، أم هي دليل على أحد أشكال عبادة الإلهات التي استمرت بلا انقطاع على مر القرون، ولا تزال موجودة اليوم؟ هل نص سكان وادي السند مكتوب بلغة قديمة من عائلة اللغة السنسكريتية؛ ومن ثم تعتبر من اللغات الهندية الأوروبية، أم إن اللغة المستخدمة لغة درافيدية، تحدث بها وكتبها السكان الأصليون؟ وهل طغت الثقافة والمجتمع الريفيان للمهاجرين الآريين على الحضارة المدنية لوادي السند، أم إن كل أو بعض سكان مدينتي هارابا وموهينجو-دارو كانوا هم أنفسهم من الآريين؟
يبحث دارسو الحضارة الهندية سواء من الهند أم الغرب على نحو حثيث هذه المسائل وغيرها على أمل إلقاء المزيد من الضوء على التاريخ القديم للهند. وتستخدم مجموعة أخرى من الباحثين الهنود قدرا هائلا من البيانات والحسابات من أجل تأريخ الأحداث المذكورة في النصوص القديمة. لكن الكيفية التي يفسر بها المهتمون - سواء من الباحثين أم المتعبدين - ما يحصلون عليه من أفكار ومعلومات جديدة ليست بالأمر البسيط؛ فعادة ما تكون لهم نظرياتهم الخاصة التي يوائمون تلك البيانات الجديدة معها، وكثيرا ما يزعم الباحثون أن الدليل المتاح هو وحده الذي يوجههم في الوصول إلى استنتاجاتهم، لكننا لا نحتاج سوى النظر إلى الأعمال البحثية الأولى التي قام بها الغربيون في الهند حتى نرى كيف أثرت الاهتمامات الأيديولوجية في ذلك الوقت في عملهم.
معظم الباحثين في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر (الذين نشير إليهم عادة باسم «المستشرقين») الذين أخذوا على عاتقهم ترجمة النصوص السنسكريتية وإحياء الماضي الآري كانوا أيضا مسئولين سياسيين بريطانيين، وعلى هذا النحو، فقد احتاجوا إلى الوصول لفهم جيد للتقاليد والثقافة الهندوسية كي يساعدوا في تأسيس الحكم الاستعماري البريطاني في الهند. وقد توصل بعضهم - بإيعاز مما تعلموه عن أوجه التشابه بين اللغة السنسكريتية واللغات الأوروبية وما تعلموه عن الشعب الآري الوارد وصفه في النصوص السنسكريتية - إلى استنتاجات حول الأصول المشتركة للمجتمعات والثقافات الأوروبية الهندية. وقد راق الرأي الرومانسي الذي توصلوا إليه للبعض في أوروبا والهند؛ لأنه افترض وجود انحدار مشترك من أصول (آرية) نبيلة، ولأن هذا الرأي - القائل برقي الجنس الآري وعظم الحضارة الآرية - له جذوره في الدراسات الغربية المبكرة، فإنه قد أصبح الرأي الشائع لاحقا بين القوميين الهندوس. وقد كان قادة حركة الإصلاح الهندوسية التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر تحت اسم «آريا ساماج» - وتعني في السنسكريتية «المجتمع النبيل» - من بين أوائل من تطلعوا إلى ذلك العصر الذهبي، وزعموا وجود تاريخ متصل موحد لمجموعة منتقاة من المعتقدات والقيم والممارسات الهندوسية الخاصة بتلك الفترة. وما كانت في الأساس رؤى بحثية استعمارية أصبحت الآن معتنقة لدى هذه المجموعة وغيرها ممن تتفق آراؤهم السياسية والدينية معها.
وهناك رغبة كبيرة بين العديد من الهنود وأولئك الذين يعكفون على دراسة الهند في فهم ماضي الهند وإيجاد أجوبة لتلك الأسئلة الإشكالية. ولا يقتصر الأمر على الكشف عن المزيد من المعلومات التاريخية من أجل استكمال الفراغات في الصورة غير المكتملة، هذا غالبا حال الاكتشافات الجديدة؛ تجيب على بعض الأسئلة وتطرح أسئلة أخرى، ونادرا ما تظهر الصورة الكاملة، ودائما ما تكون هناك مساحة لظهور المزيد من التخمينات والفرضيات، علاوة على ذلك، فإن فهم المتعبدين للتاريخ المبكر يتبع قواعدهم الخاصة، بدلا من اتباع الأدلة والحجج الخاصة بالباحثين؛ إذ يسترشد المتعبدون في المقام الأول بالوحي. وعندما يدعم الدليل التاريخي أحد آراء المتعبدين، فإنه يكون محل ترحيب؛ لكن القناعة الدينية الراسخة لا تتطلب دليلا كهذا كي تقوى وتزداد رسوخا، بل إنها تعتمد على الإيمان. وعلى ذلك ينظر بعض الهندوس إلى كل هذا الجدل حول ما حدث في الهند قديما على أنه ذو صلة فحسب عندما يتفق مع ما تخبرهم به النصوص المقدسة، لكن كما أشرنا سابقا، فإن هناك كثيرين من الهندوس المعاصرين لديهم قناعة راسخة بأن النظريات البحثية والبيانات التاريخية تقدم دعما مهما لما يؤمنون به.
إن ما حدث في تاريخ الهند المبكر ليس سوى واحد من عدة مسائل خلافية تؤكد على تلك الاختلافات في الآراء. وسوف أتطرق بإيجاز هنا إلى مسألتين أخريين، هما تاريخ وأهمية النصوص الهندوسية المقدسة، والممارسات الهندوسية. (3) فهم النصوص الهندوسية المقدسة
كما أشرنا من قبل، يرى الهندوس المتدينون أن «فيدا» كتاب منزل؛ ومن ثم فليس لنشأته وقت محدد في التاريخ، بل هو أبدي وإلهي المصدر. واتفق الفلاسفة الهندوس، من أمثال شانكارا ورامانوجا، الذين سنتناول أفكارهم في الفصل الثالث، مع هذا الاعتقاد واعتبروه أساسا لأفكارهم حول العلاقة بين ما هو إلهي وما هو إنساني. لكن الباحثين الغربيين الدارسين للنصوص كانت دوافعهم مختلفة تماما؛ فمن درسوا «بهاجافاد جيتا» - أشهر النصوص المقدسة الهندوسية - كانوا مدفوعين بمبدأ الصرامة العلمية في سعيهم لتأريخ النص، وترجمته بدقة، والسماح له - من وجهة نظرهم - بالتعبير عن نفسه بدلا من أن يعكس اهتمامات المفسرين اللاحقين له. وعمد بعض هؤلاء الباحثين إلى الاعتراض على دقة الترجمات والتفاسير التعبدية. بيد أن النقاد الهندوس تشككوا مؤخرا في منهج هؤلاء الباحثين وفشله في إعطاء أهمية لدور الوحي في المعتقد الهندوسي أو تقليد التعليقات التعبدية. ورأى بعض هؤلاء النقاد أن المنهج البحثي الغربي القائم على التفكير النقدي نفسه يحرف معنى النص المقدس. ويقولون إن النصوص المنزلة لا يستوعبها استيعابا كاملا سوى من يتقبلون مكانهم داخل تقليد حي وديناميكي؛ حيث تسمع وتكرر وتتذكر الآيات والقصص، وتنقل إلى الأجيال التالية. وفي الفصل التالي، سنناقش بمزيد من التفصيل النصوص الهندوسية المقدسة وأهميتها. (4) الجدل حول الممارسات الهندوسية
अज्ञात पृष्ठ
تأثر هؤلاء المستشرقون، الذين درسوا لأول مرة ديانة الهندوس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تأثرا شديدا بالمفاهيم المكونة سابقا لديهم عن الدين. فتمثلت خبرتهم في المسيحية، وهي الدين القائم على الإيمان بالرب وابنه يسوع وكلمة الرب المنزلة في الكتاب المقدس، وتوقعوا أن تكون الديانة الهندوسية مشابهة لذلك؛ لذا، ربما ليس ثمة ما يثير الدهشة في تركيز هؤلاء على النصوص الدينية، مثل «ريج فيدا » و «بهاجافاد جيتا»، وما تحتويه من تعاليم وأحكام؛ بينما لم تحظ الطقوس والأنشطة الدنيوية للهندوس بالقدر نفسه من اهتمامهم، وعندما كانوا يذكرونها، كانوا يفسرونها عادة على نحو نقدي بوصفها إضافات متأخرة لما هو في الأصل نظام عقائدي نبيل. لقد تناول هؤلاء الباحثون الهندوسية تناولا عقلانيا، ووصفوا الممارسات الهندوسية في أغلب الأحيان بأنها خرافية ووثنية، ورأوا أن الهندوسية يمكن أن تكون دينا أفضل إذا تم التخلص من هذه الممارسات والتركيز على العناصر الإيمانية والفلسفية والروحانية فيها. تأثر بعض الزعماء الهندوس أنفسهم في القرن التاسع عشر بهذه الآراء. فنجد أن رام موهان روي - الذي يشار إليه أحيانا بأبي الهندوسية الحديثة - كان معارضا لكل من «عبادة الأوثان» و«تعدد الآلهة» و«حرق الأرامل» (ساتي). وكانت كتاباته مؤيدة للتوحيد؛ أي الإيمان بإله واحد بدلا من عدة آلهة، مستعينا في دعم رأيه بمختارات من النصوص الهندوسية المقدسة ومذهب التوحيد المسيحي. وقد أسس جمعية باسم «براهمو ساماج»، وهي الجمعية التي سعت لإصلاح الممارسات الهندوسية ونشر الأفكار التي تبني جسور التفاهم بين الفكر المسيحي والهندوسي. لاقت هذه الأفكار قبولا لدى عدد قليل من الهندوس الحاصلين على تعليم غربي، بينما لم يتقبلها أغلبية الهندوس. ودافع البرهميون المحافظون عن تقاليدهم. وانضم إليهم باحث غربي يدعى إتش إتش ويلسون احتج بأن طقوسا مثل حرق الأرامل كانت جزءا من التقليد الهندوسي، ويجب ألا يتدخل أحد من غير الهندوس في ذلك، وإن كان بحسن نية. (انظر الفصل السادس للاطلاع على مزيد من المناقشة حول رام موهان روي، والمستشرقين الغربيين، والجدل حول حرق الأرامل.)
يخلص كاتب يدعى نيراد تشودري، وهو الذي كتب بحماس عن هذه المجادلات، إلى أن الهندوسية لا تعتمد في تعريفها على تقاليدها الروحانية والفلسفية بقدر اعتمادها على جانبها «الدنيوي»؛ أي تركيزها على الأشياء الخاصة بهذا العالم، مثل جني الثروة والحب وممارسة الواجب. ويذهب نيراد تشودري إلى أن الممارسات الطقسية والتعبدية والاجتماعية لأتباع كريشنا وشيفا وديفي قد تجاهلها كثير من الدراسات الغربية. ويعتقد نيراد أن القوة أحد الجوانب المهمة في الهندوسية ، فيهتم معتنقوها بالسعي للحصول على المساعدة الإلهية لاكتساب هذه القوة واستخدامها لتحقيق الغايات والمكاسب المرجوة.
لقد رأينا أن الباحثين والمتعبدين دفعتهم في الغالب مبادئ مختلفة في أفكارهم بشأن الهندوسية، وتاريخها، ونصوصها المقدسة، وممارساتها، لكن ثمة اختلافات ظهرت أيضا داخل كل فريق من هذين الفريقين، فحاول بعض الباحثين من غير الهندوس التعرف بأسلوب خلاق على الرؤى الهندوسية بشأن العالم، بينما نظر باحثون آخرون لهذه الرؤى من منظور اهتماماتهم الاستعمارية أو المسيحية. وطور بعض الهندوس نوعا من البعد النقدي تجاه دينهم، يمكنهم من التفكير في دينهم بأسلوب أكثر موضوعية، بينما نشأ آخرون على الأساليب الهندوسية التقليدية، ولم يروا أي داع للتشكيك فيما تعلموه. وفي الفصل التالي، سنلقي نظرة أكثر تعمقا على الطريقة التي يتعلم بها الهندوس تقاليدهم، والأهمية التي يعطونها لمسألة الحفاظ على هذه التقاليد ونقلها إلى الأجيال القادمة.
الفصل الثاني
الوحي ونقل المعرفة
(1) رواة القصص والقادة الشانكاريون: نقل التعاليم الهندوسية إلى الأجيال القادمة
يمكن رؤيته فيما بعد ظهيرة أي يوم، وهو يجلس متربعا منتصب الظهر على أرضية منزله الطينية الباردة، منهمكا في قراءة كتاب ضخم باللغة السنسكريتية موضوع على حامل قراءة خشبي، أو يميل ناحية ضوء الشمس عند المدخل لقراءة مخطوطة قديمة مكتوبة على سعف النخيل. عندما يرغب الناس في سماع قصة بعد الانتهاء من أعمالهم الشاقة في الحقول، يتجمعون في صمت أمام منزله، ولا سيما في الأمسيات التي ينشر فيها القمر ضياءه عبر نخيل جوز الهند ... إنه شخص يعتمد بالكامل على نفسه، ويحفظ عن ظهر قلب كل مقاطع «رامايانا» البالغ عددها 24 ألف مقطع، و«مهابهارتا» البالغ عددها 100 ألف مقطع، و«بهاجافاتا» البالغ عددها 18 ألف مقطع. وإذا فتح نسخة من النص السنسكريتي أمامه، فلا يكون ذلك إلا ليثبت لجمهوره أن ما يرويه مثبت بالدليل.
البانديت (كما يطلق عليه) - رجل الدين - رجل بلغ من العمر أرذله ويواصل إحياء التقاليد التي يرجع تاريخها إلى ألف سنة من خلال عاداته وسلوكياته ... لديه إيمان راسخ بصحة فيدا الذي بدأ في تعلمه وهو في السابعة من عمره . استغرق منه الأمر اثني عشر عاما ليتقن تلاوته ... حتى الأساطير والخرافات، التي تتضمنها بورانا، والتي يوجد منها ثماني عشرة أسطورة رئيسية، ما هي إلا صور للتعبير عن الحقائق الأخلاقية والروحانية المذكورة في فيدا. ويقول الراوي عادة إنه «لا يمكن لأحد فهم مغزى أي قصة في أساطيرنا إلا إذا كان متبحرا في فيدا.» ثمة ترابط وثيق بين كل شيء.
يجسد الراوي - في مجموعة القصص القصيرة «آلهة وشياطين وآخرون» لآر كيه نارايان - مفهوما هندوسيا مهما؛ ألا وهو أن القصص المتوارثة والحقائق التي تتضمنها جديرة بمواصلة إعادة روايتها. فيمثل هذا الراوي وسطا أو قناة لنقل المعرفة؛ إنه الشخص الذي يقدم التعاليم الهندوسية لجمهور حاضر من خلال روايته العلنية لها. عمله عظيم ومهمته مهمة؛ وتتمثل في سرد القصص القديمة المذكورة في النصوص المقدسة، وإبهار جمهوره بقصص عن راما وسيتا، ورادها وكريشنا، ليظهر ملاءمتها للحياة المعاصرة، ومواصلة مسيرة الرواية التي بدأها والده وجده. ويجسد عمله مفهوم التقليد واستمراره من جيل إلى آخر. وشأنه كشأن بعض المتخصصين الهندوس الآخرين، يبلغ ما تعلمه هو نفسه من قبل. «سامبرادانا» هي الكلمة السنسكريتية التي تعبر عن هذا الأمر، وتعني «العطاء» أو «التعليم». وثمة مصطلح آخر مرتبط بهذه الكلمة، وهو «سامبرادايا»؛ أي التقليد الشفهي، ويستخدم بوجه عام للإشارة إلى كيان متمركز حول معلم روحاني (جورو) تنقل عبره التقاليد اللاهوتية والطقسية إلى الأجيال التالية، وتصان من جيل إلى آخر. ويوجد العديد من أنواع السامبرادايا في الهندوسية المعاصرة، بعضها سنتعرف عليه بمزيد من التفصيل في الفصل التالي، وهي التي ترتبط بالمعلمين الروحيين الأوائل عن طريق النسب أو سلسلة من التلاميذ. ومن الأمثلة على ذلك السامبرادايا الذي أسسه أحد المعلمين الروحيين في القرن التاسع، واسمه شانكارا، والذي لا يزال مستمرا إلى الآن في العديد من الأديرة الهندوسية في أنحاء مختلفة من الهند. وتعد هذه الأديرة أماكن رائعة للتعلم؛ حيث يتعلم فيها الرهبان اللغة السنسكريتية والفلسفة، كما يذهب الهندوس العاديون لزيارتها للعبادة والتماس النصح من المعلم الروحاني، ويرأس هذه المؤسسات قامات دينية معروفة يعرفون باسم القادة الشانكاريين (شانكارا أتشاريا) (كلمة «أتشاريا» تعني «زعيما» أو «سيدا»). وقبل ارتداء هؤلاء لعباءة السلطة الدينية، يتلقون تدريبا تقليديا يتلقاه العديد من الصبية البرهميين، وهو التدريب الذي يتعلمون فيه تلاوة نصوص فيدا. وفي مرحلة الشباب، يتعلمون أيضا على يد معلميهم الروحانيين تعاليم السامبرادايا. وعندما يقع عليهم الاختيار ليكونوا قادة المستقبل، يرتحلون لعدة أعوام بمفردهم بوصفهم معلمين روحانيين، يقدمون النصائح الروحانية للناس ويساعدونهم على أداء واجباتهم الدينية. وهكذا يصبحون مؤهلين لأداء دورهم الديني وتحمل مسئولياته. ويشتهر هؤلاء الأشخاص بشخصياتهم الجذابة وحكمتهم وورعهم، لكنهم أيضا حاملو تقليد شانكارا العظيم، يساعدون على نقل تعاليمه عبر الأجيال.
القادة الشانكاريون كهنة برهميون، ومعلمون روحانيون أيضا. ومن خلال هاتين الصفتين، يؤدون الوظيفة المهمة المتمثلة في نقل المعرفة. وعلى الرغم من أن هذين الدورين يجتمعان في القائد الشانكاري وفي بعض المعلمين المهمين الآخرين، فلا يكون هكذا الحال دائما. فقد يأتي المعلمون الروحانيون من أي طائفة، والكهنة البرهميون لا يكونون بالضرورة مرشدين روحانيين، وإن كان الكثيرون منهم كذلك. وما ينقله الكهنة البرهميون والمعلمون الروحانيون، وكيفية فعلهم ذلك، قد يكون مختلفا تماما، وهذا ما سنتعرف عليه في السطور التالية. (2) شروتي وسمريتي: الوحي والنقل
अज्ञात पृष्ठ
لقد أشرت في الفصل السابق إلى مفهوم «شروتي» المهم، ويعني «الموحى به». ويشير إلى تجلي الإله في العالم، ولا سيما الحقائق التي أوحي بها إلى الحكماء (ريشي) الأوائل، والتي جمعت بعد ذلك في صورة نصوص مقدسة. وثمة آراء مختلفة بين الهندوس بشأن ما يعتبر «شروتي» من النصوص المقدسة وما يدخل في الفئة الأخرى المهمة من النصوص الدينية، ألا وهي فئة «سمريتي»؛ أي «المتذكر» أو «المنقول». وتقوم النصوص السمريتي على الحقيقة الموحى بها، لكن يقوم بشر بصياغتها. ويصنف الإطار التالي النصوص الدينية الهندوسية القديمة وفق هاتين الفئتين.
ينتمي «فيدا» و«أوبانيشاد» لفئة نصوص الشروتي، ويقال إن مصدرهما هو الوحي الإلهي. أما «الملاحم»، و«البورانا»، و«السوترات»، فيقال إن الحكماء قد درسوها وذكرها تلاميذهم (سمريتي). ويحتوي «فيدا» على روايات عن الخلق، ومعلومات عن طقوس تقديم القرابين ، وصلوات للآلهة. و«ريج فيدا»، أقدم نصوص «فيدا»، عبارة عن مجموعة من الترانيم للآلهة. وكان أجني، الإله المرتبط بالنار والتضحية، أحد أشهر الآلهة. وبوصفه إله النار، كان يصلي له الناس باعتباره إلها يمكن الوصول إليه وبإمكانه جلب النور. وكان يدعى بالرسول؛ أي الشخص الذي يصل بين البشرية والآلهة الأخرى. وفيما يلي ترنيمة ابتهال له:
أصلي لأجني، كاهن الأسرة، إله التضحية، من ينشد ويبتهل ويجلب أعظم الكنوز. صلى لأجني الحكماء القدامى، وحكماء الحاضر أيضا؛ إنه من يجلب الآلهة إلى هنا. عن طريق أجني، يمكن للمرء جني الثروة والنمو من يوم لآخر، وهو ينعم بالعظمة ويحفل بالكثير من الأبناء الأبطال. أجني، يا من تحيط بك القرابين من كل جانب، أنت الوحيد الذي يمكنه الوصول للآلهة. أجني، أيها الكاهن الذي يتمتع برؤية الشاعر الثاقبة، الحق البصير، الإله الذي يأتي بالآلهة. أيا ما كان الخير الذي تتمنى فعله يا أجني لمن يعبدك، سيتحقق من خلالك. لك يا أجني، يا من يضيء له الظلام، نأتي يوما بعد يوم، جالبين أفكارنا وولاءنا لك، يا ملك التضحيات، يا حامي الجماعة الأمين، التي تزدهر في كنفك. فلتنعم علينا بالتقرب إليك، كالأب وولده. ابق معنا يا أجني؛ لكي ننعم بالسعادة.
هناك اتفاق بين الكثير من الهندوس على مكانة «فيدا» وهيمنته على النصوص الأخرى، لكن عددا قليلا منهم فقط تسنى له قراءته، وإن كانوا يستمعون جميعا إلى أجزاء منه، وهي تنشد باللغة السنسكريتية في أثناء المناسبات المهمة. وأشهر النصوص، التي يعرفها الهنود عادة معرفة جيدة، هي «مهابهارتا» و«رامايانا» (انظر الفصل الرابع). تحتوي «مهابهارتا» على «أنشودة الرب» (بهاجافاد جيتا)، وهي الأنشودة التي يعلم فيها كريشنا المحارب أرجونا أهمية أداء الواجب وكيفية التحرر من العذاب والميلاد المتكرر. ونظرا لكم العشق الذي تحظى به «الملاحم»، يشار إليها أحيانا بالفيدا الخامسة، وأن مصدرها هو الوحي الإلهي.
النصوص الهندوسية المقدسة الأساسية (1) نصوص شروتي
فيدا:
يتألف من أربع مجموعات، وأسماء هذه المجموعات هي: «ريج فيدا»، و«ساما فيدا»، و«ياجور فيدا»، و«أثارفا فيدا». تحتوي المجموعات الثلاث الأولى على ترانيم ومانترا؛ بينما تتضمن المجموعة الرابعة تعاويذ وتمائم. وتعد هذه النصوص أول نصوص مقدسة هندوسية عرفت على الإطلاق.
يوجد ثلاثة أنواع أخرى من نصوص شروتي؛ وهي: «براهمانا»، و«أرانياكا»، و«أوبانيشاد»، والأخيرة هي الأكثر أهمية.
أوبانيشاد:
تعني كلمة «أوبانيشاد» «الجلوس على مقربة»، وتوحي ضمنا بأن هذه النصوص كانت نصوصا مقدسة سرية علمها أحد الحكماء لأحد تلاميذه، وتشمل «أوبانيشاد» الرئيسية: «بريهادارانياكا»، و«تشاندوجيا»، و«كاثا»، و«مايتري»، و«شفيتاشفاتارا».
अज्ञात पृष्ठ
ويرجع الباحثون تاريخ النصوص المقدسة الشروتي عادة إلى الفترة ما بين عامي 1500 و300 قبل الميلاد، وكل هذه النصوص مكتوبة باللغة السنسكريتية. (2) نصوص سمريتي
الملاحم:
أقدم النصوص المقدسة السمريتي هي «مهابهارتا» - التي تتضمن «بهاجافاد جيتا» و«رامايانا» التي يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين عامي 500 قبل الميلاد و100 بعد الميلاد، وهذه النصوص عبارة عن قصائد طويلة تروي أحداثا جرت في حياة محاربين عظماء، ويظهر كريشنا في «مهابهارتا»، بينما يلعب راما دورا رئيسيا في «رامايانا».
السوترات:
في الفترة ذاتها، تم تأليف عدد من النصوص عن موضوعات مهمة، مثل الدارما واليوجا والفيدانتا (انظر مسرد المصطلحات). واحتوت هذه النصوص على أقوال وحكم (تعني كلمة «سوترا» «الخيط»). ومن النصوص المهمة التي ترجع إلى هذه الفترة «مانوسمريتي» الذي تناول الشريعة وآداب السلوك الهندوسية.
بورانا:
تلا ذلك في الفترة من 300 إلى 900 ميلاديا ظهور نصوص تتناول الأساطير وتسمى «بورانا»، تشير هذه النصوص إلى أحداث سابقة، وتروي عادة قصص الآلهة والإلهات، وتشمل نصوص البورانا الأساسية كلا من «ماركانديا بورانا»، و«فشنو بورانا»، و«فايو بورانا»، و«شيفا بورانا»، و«بهاجافاتا بورانا».
تتسم الأنواع الأخرى من النصوص بالأهمية أيضا، وتختلف المكانة التي تمنحها لها الجماعات المختلفة من الهندوس، فنصوص «تنترا»، التي يرجع تاريخها إلى القرنين الثامن والتاسع وتركز على الانضباط الروحاني والنشاط الطقسي واكتساب القوى السحرية وتتخذ عادة شكل حوار بين شيفا وديفي، تحظى بالتقدير في كشمير وبنغال ونيبال. وهذه النصوص مهمة للهندوسية التنترية المبتدعة، التي لها عقائد وطقوس خاصة تختلف عن عقائد وطقوس البرهميين. وبترجمة هذه النصوص (التي تعرف أحيانا باسم أجاماس) إلى اللغة التاميلية، صار لها الآن أيضا استخدام شعائري بين براهمة جنوب الهند، الذين يعتبرونها تكملة لنصوص فيدا. ويعد الشعر التعبدي (بهاكتي)، المؤلف باللغات الهندية المحلية، شائعا أيضا. ومن الأمثلة البارزة عليه مجموعة الأناشيد التاميلية التي أنشدها للإله فيشنو الشاعر نامالفار الذي كان يعيش في القرن العاشر وينتمي لجنوب الهند. ونظرا لأهمية هذه الأناشيد، يشار إليها عادة باسم «فيدا التاميلي».
وفقا لراوي آر كيه نارايان، تستمد كل أساطير الهند وقصصها أهميتها ومكانتها من «فيدا». ويتفق الكثير من الهندوس في هذا؛ إذ يرون نصوص «تنترا» والنصوص التعبدية اللاحقة مكملة ل «فيدا»؛ بينما يرى آخرون أن هذه النصوص تمثل تحديا للديانة المعتمدة على فيدا. لكن نظرا للأهمية الكبرى لفيدا في إجازة العديد من النصوص المقدسة اللاحقة وفي المنهج البرهمي المحافظ، ينظر إليها بعض المعلقين على أنها الجانب المعرف للهندوسية، وفي نص مهم حول الشريعة الهندوسية يرجع تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، اسمه «مانوسمريتي»، يشير مؤلفه ويدعى مانو إلى أن «فيدا» يجب عدم التشكيك فيه، وأن من يفعلون ذلك يحيدون عن الطريق القويم. ولقد أشار باحث أمريكي معاصر يدعى برايان كيه سميث إلى أن الهندوس هم من يستخدمون «فيدا» كمرجع أساسي في إقامة تقاليدهم والحفاظ عليها ونقلها للأجيال اللاحقة، وبهذا التعريف، لا يكون كل من البوذيين ولا الجاينيين ولا السيخ، الذين ينكرون مكانة «فيدا» ودور البرهميين في نقله وتفسيره؛ هندوسا. (3) البرهميون ونقل المعرفة الطقسية
على الرغم من أن مفهومي «شروتي» و«سمريتي» يشيران إلى النصوص المقدسة، فإنهما مهمان أيضا في فهم الشخصيات التي سبق ذكرها في هذا الفصل ودورها الديني. فالكهنة البرهميون والمعلمون الروحانيون ورواة القصص يعملون كوسائط أو قنوات - كل بأسلوبه المختلف - لتوصيل الحقيقة التي أوحي بها في السابق، واحتفظ بها في الذاكرة، ونقلت شفهيا عبر التاريخ. فترانيم «فيدا»، التي سمعها وأنشدها الحكماء الأوائل، صارت مسئولية العائلات البرهمية التي تناقلتها من جيل إلى جيل دون تغيير على مر القرون (إلى متلقين من أمثال راوي نارايان). وفي آية شهيرة في «ريج فيدا» (10 : 90)، عرفت طبقة البرهميين بأنها فم الإنسان الكوني (بوروشا)؛ بينما صارت ذراعاه وفخذاه وقدماه الطبقات الأخرى بالمجتمع (فارنا)؛ ومن ثم، ارتبط البرهميون في المجتمع الفيدي باللغة والتواصل، وبإنشاد الترانيم الفيدية والمانترا، وأخيرا بالقوة المقدسة المتأصلة داخلهم.
अज्ञात पृष्ठ
براهمان، وبرهمن، وبراهمانا، وبراهما
في ظل وجود تشابه كبير في هجاء الكلمات السابقة، يسهل الخلط بينها فيما يتعلق باستخدامها ومعناها، وفيما يلي توضيح للفرق بينها:
براهمان:
أشار هذا المصطلح في الأصل إلى قوة أو حقيقة خلاقة متأصلة في الترانيم الفيدية، ثم في طقوس تقديم القرابين التي تنشد فيها تلك الترانيم. وعند ظهور «أوبانيشاد»، صار هذا المصطلح يشير إلى المبدأ الكوني المجرد أو الحقيقة المطلقة.
برهمن:
شخص متخصص في إدارة الطقوس ويرتبط بمفهوم البراهمان؛ فهو شخص ينشد الترانيم الفيدية ويقدم القرابين؛ وهو ينتمي لطائفة الكهنة. يعرف أيضا بالبراهمانا والبراهمان.
براهمانا:
نصوص تتعلق بمفهوم البراهمان وتوصف فيها التضحية الفيدية.
براهما:
إله هندوسي مرتبط بالخلق.
अज्ञात पृष्ठ
عندما تحدث الحكام البريطانيون لأول مرة مع الكهنة البرهميون في الهند في القرن الثامن عشر، اندهشوا لاكتشافهم أن النصوص الفيدية المقدسة قد انتقلت من جيل إلى جيل بدقة بصورة شفهية - ولم تتعلم من نصوص مكتوبة - عن طريق عملية النقل القديمة؛ إذ تعلم الصبية البرهميون في مرحلة الطلب من حياتهم عن طريق محاكاة الكبار من بينهم. وحتى الآن، يتعلم بعض البرهميين الصغار تلاوة المانترا الفيدية بهذا الأسلوب التقليدي، على الرغم من أن الطباعة الحديثة والتعليم العلماني قد أديا إلى قراءة كثير من الناس للنصوص المقدسة بأساليب جديدة.
الفئات الاجتماعية الهندوسية (1) الطبقات الاجتماعية (فارنا)
عرفت الطبقات الاجتماعية الآرية الأربع التقليدية (فارنا) في «ريج فيدا» (10 : 90) من خلال أجزاء جسم الإنسان الكوني (بوروشا)، وهي كالتالي: • الفم: البرهميون (براهمانا). • الذراعان: المحاربون (كشاتريا). • الفخذان: عامة الناس (فايشيا). • القدمان: الخدم (شودرا).
ورتبت هذه الطبقات ترتيبا هرميا. ووصفت الطبقات الثلاث الأولى منها بأنها «مولودة مرتين»، مع منح الذكور المنتمين لها خيطا مقدسا في حفل تأهيل (أوبانايانا). وكان لا يصرح لأحد بسماع «فيدا» سوى الذكور «المولودين مرتين » فقط. وأضيفت على الأرجح طبقة شودرا للطبقات الأخرى لاستيعاب السكان المحليين غير الآريين. (2) مراحل الحياة (أشراما)
وصفت أربع مراحل للحياة في النصوص الهندوسية المتأخرة، وإن لم يكن ينظر إليها في البداية كمراحل، وإنما كخيارات حياتية بديلة. ولم يخض هذه المراحل الأربع سوى الذكور «المولودين مرتين»، وهذه المراحل هي: • الطالب (براهماتشاريا). • الزوج (جريهاستا). • ساكن الغابة (وانابرستا). • الزاهد (سانياسا).
كانت الشابات بعد أن يقضين سنوات حياتهن الأولى في منازل آبائهن، يتزوجن. وكان ينظر للزواج على أنه نسك التأهيل لهن للاضطلاع بواجبات الزوجة.
شكل 2-1: كاهن برهمي يؤدي طقسا في أحد مواقع الحج.
لكن هؤلاء البرهميين الذكور لا ينشدون المانترا الفيدية للغرض منها في حد ذاتها، وهو الإبقاء على الوحي الإلهي؛ وإنما يؤدون أيضا طقوسا للحفاظ على العالم وعلى العلاقة بين البشرية والآلهة. ويرتبطون بالدارما، التي تترجم أحيانا بالدين، لكن الترجمة الأدق لها هي الحقيقة أو القانون أو الواجب أو الالتزام. وللدارما استخدام عام واستخدام شخصي. فيجب الحفاظ على تناغم العالم، ويلزم أيضا الوفاء بدارما الفرد الشخصية. وعمل البرهمن يدعم هذين المتطلبين. ومن خلال أداء طقوس تضحية (ياجنا) مشابهة للطقوس المذكورة في فيدا، يقدم البرهميون قرابين للآلهة في النار المقدسة ويلتمسون منهم الحفاظ على العالم الطبيعي وإنزال العطاء على عبادها. بعد ذلك، يؤهل البرهميون الهندوس لأدوار جديدة في مناسك خاصة مرتبطة بدورة الحياة (سامسكارا)؛ فبإعطاء الخيط المقدس في طقس أوبانايانا، يمنح البرهميون صفة «المولود مرتين» للذكور الصغار. وفي الزواج، يربطون الزوج والزوجة معا، ويؤهلونهما لمرحلة الزواج في الحياة. وفي المناسك المتعلقة بالميلاد، يضمن البرهميون الدخول الصحيح للطفل المولود حديثا إلى المجتمع، ويساعدون الأسرة في التخلص من الدنس الناجم عن الولادة. وأخيرا، في المراسم المرتبطة بالموت، يسهلون الانتقال السلس للروح، ويتأكدون من خدمة الأسلاف على النحو الصحيح.
فارنا - أشراما - دارما
على الرغم من أن كلمة «دارما» لها العديد من المعاني المهمة، فهي تعني في هذا السياق الواجبات أو الالتزامات التي تقع على عاتق الفرد وفقا للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها ومرحلة الحياة التي يمر بها ، والرجال الذين لم «يولدوا مرتين» ولا يتمتعون بإمكانية تحصيل التعليم الفيدي لا يتوقع منهم اتباع مراحل الحياة ذاتها التي يتبعها من ينتمون للطبقات الأعلى. وكان يشار لالتزامات السيدات المتزوجات، بوجه عام، باسم «ستري-دارما»؛ أي واجبات الزوجة.
अज्ञात पृष्ठ
لا يشارك الكهنة البرهميون في التخلص من جثمان المتوفى؛ لأن هذه المهمة تعتبر دنسة للغاية لشخص يستمد جزءا من سلطته من طهره الطقسي. توجد كذلك طقوس أخرى خارج نطاق عمل كهنة البرهمية، مثل الاسترضاء أو طرد الأرواح الشريرة. ويتولى مسئولية هذه المهام رجال الدين الذين ينتمون لطوائف أخرى لا تكون الطهارة بهذا القدر نفسه من الأهمية لديها. وقد يكون هؤلاء أيضا قد ورثوا المعرفة والمانترا العملية الضرورية من الكبار في طوائفهم. (4) المعلم الروحاني ونقل المعرفة الروحانية
اهتم المؤلف آر كيه نارايان اهتماما كبيرا بالشخصيات الدينية، ووضعها الاجتماعي، وجاذبيتها، وسلطتها. وفي كتاب «الدليل»، كتب نارايان عن سجين سابق اعتقد خطأ أنه رجل دين، وذلك عندما آوى إلى معبد بإحدى القرى بعد خروجه من السجن بيوم واحد. فوجد نفسه يقدم النصائح ويسرد قصصا وعظية (تذكر سماعها من أمه وهو صغير)، ثم صام لينهي القحط الذي هدد معيشة أهل هذه القرية. منحه الناس مكانة جليلة، واعتبروه فوق الإغراء والضعف، وأنه قادر على التشفع لدى الإله، وأنه يتمتع بهبات روحانية تنشأ عن ممارساته التنسكية. واعتقدوا أيضا أنه حكيم ويعرف ما هو أفضل للناس. هذه بعض السمات التي ترتبط غالبا بالمعلم الروحاني (الجورو)، ذلك الشخص الذي يمكنه تنوير الآخرين ومساعدتهم في تجاوز خطر الموت والميلاد المتكرر (سامسارا) للتحرر (موكشا).
النظام الطائفي الهندي (جاتي)
من باب تحري الدقة، تعد الطبقة (فارنا) والطائفة (جاتي) كيانين اجتماعيين مختلفين، وإن كان يعتقد غالبا أن الطوائف تتوافق مع الطبقات الأربع. «جاتي» - كلمة تعني الميلاد - هو نظام تقسيم اجتماعي منظم حسب الطهر النسبي، مع اعتبار كهنة البرهمية في قمة هذا النظام، بينما توجد الطوائف الدنيا و«المنبوذون» (الذين يعتبرون أنجاسا يدنسون الطوائف «الأعلى») في قاعه. وعلى الرغم من أن النظام الطائفي هذا ليس قائما على الثروة، فإن من يحتلون قمة هذا النظام هم الأكثر ثراء، ولا شك أن من يحتلون القاع (المنبوذين) لا يملكون من الموارد سوى أقل القليل، وهم نادرا ما يملكون الأراضي ولا يتمتعون بسلطة اقتصادية كبيرة.
يكتسب الهنود المكانة الطائفية عن طريق ميلادهم في طائفة معينة؛ ويتزوجون عامة شخصا من الطائفة نفسها التي ينتمون إليها. وفي العصور السابقة، مثلت الطوائف جماعات مهنية أيضا، لكن التحضر والتصنيع أديا إلى عمل الكثير من الناس في وظائف مختلفة تماما عن تلك التي ارتبطوا بها في السابق. ونظرا للعلاقة بين الطهر والدنس والطائفة، يمكن لطائفة الفرد التأثير أيضا على علاقاته الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالأشخاص الذين يمكنه الأكل معهم والمكان الذي يمكنه العيش فيه. فالمنبوذون يجبرون عادة على العيش خارج القرية، بعيدا عمن ينتمون لطوائف أعلى منهم. ولقد جرم دستور الهند نبذ الناس، وجعله جريمة يعاقب عليها في خمسينيات القرن العشرين، لكن التغيير كان بطيئا للغاية، ووضع المنبوذين في الهند لا يزال مرضا اجتماعيا بحاجة لعلاج عاجل (انظر أيضا الفصل السابع).
من يصلح لهذه المهمة؟ وهل تتطلب التدريب على اللغة السنسكريتية الذي يحصل عليه البرهمن أو المعرفة التي تكون لدى رواة القصص بالأساطير؟ يشير دليل نارايان إلى أن سر سلطة المعلم الروحاني يكمن في الجاذبية الشخصية أكثر من التقليد الطائفي، أو التدريب الرسمي، أو حتى الفضيلة، فبعض المعلمين الروحانيين لا يحصل على تعليم علماني أو فيدي. وبعضهم أمي، لكنهم جميعا يملكون المعرفة التي اكتسبوها من خلال خبرتهم الروحانية، بالإضافة إلى تمتعهم بقدرة عميقة على استخدام هذه المعرفة بفعالية في مساعدة الآخرين.
وقد كانت أنانداماي ما من هذا النوع من المعلمين الروحانيين. ولدت أنانداماي ما في قرية تقع فيما يعد الآن بنجلاديش عام 1896. وعلى الرغم من أنها تزوجت وصارت ربة منزل، أصبحت ممارسة ومرشدة روحانية للعديد من الناس. كانت مختلفة من عدة نواح عن القادة الشانكاريين الذين عرضنا لهم سابقا؛ لأنها لم تكن جزءا من أي مؤسسة تقليدية. ولم يتم تأهيلها رسميا، ولم تحصل على تدريب أيضا في شبابها على المسئوليات الدينية. وعلى الرغم من كونها من أسرة برهمية، فلم تتلق تعليما فيديا؛ لأنها امرأة، وتزوجت وهي في الثالثة عشرة من عمرها.
على مدار عدة سنوات بعد الاستقرار مع أسرة الزوج، كانت أنانداماي ما تنشد بانتظام أسماء الرب وتجلس للتأمل، وكانت في أغلب الأحيان تستغرق تماما فيما تفعله وتصبح غير مدركة لما يحدث حولها، وعندما بلغت السادسة والعشرين، كانت لديها خبرة مذهلة في التأهيل الداخلي (ديكشا) الذي آمنت بأنها منحت المانترا الخاصة بها فيه؛ أي الكلمة أو المقطع الذي يمكنها التأمل فيه. ولقد ذكرت لاحقا معنى عميقا في هذا الشأن، وهو أنها أدركت أن المعلم الروحاني والتلميذ والمانترا جميعهم شيء واحد، وليسوا منفصلين.
شكل 2-2: معلمة روحانية وتلميذاتها: نيليما ديفي تنقل لتلميذاتها روح الرقص.
يحمل هذا الإدراك قدرا كبيرا من التشابه مع ما وصفه بعض الزهاد الهندوس الآخرين. وهو أيضا ما عرفه الفلاسفة في تقليد شانكارا بأنه خبرة البراهمان؛ الحقيقة المطلقة الوحيدة التي تمثل في الوقت نفسه المبدأ العام والجانب الشخصي أو الروحاني لكل شخص (انظر الفصل الثالث). لكن أنانداماي ما لم تهتم بالتأمل أو الجدل الفلسفي، وإنما اهتمت بالوصول للحقيقة ومساعدة من يتلمسون منها العون. وشأنها شأن العديد من المعلمين الروحانيين الآخرين، سافرت كثيرا، والتقت بتلاميذ من كل الطوائف وعبرت لهم عن ملاحظاتها. كانت تتحدث بعملية، مع الإشارة إلى العالم الطبيعي، والعلاقات، والحياة العادية. وكانت نصيحتها للناس بشأن تحقيق التقدم الروحاني بسيطة ويسيرة؛ فقد دعتهم لتخصيص وقت محدد يكرسون فيه أنفسهم للحقيقة؛ وقت يحاولون فيه الاعتدال في عاداتهم، ومساعدة الآخرين باعتبارهم تجليات للإله، والسعي للسكينة. وشجعتهم على أن يحذوا حذوها؛ أن ينشدوا أو يتأملوا ليدركوا تدريجيا طبيعتهم الحقيقية.
अज्ञात पृष्ठ
نقلت أنانداماي ما المعرفة التي اكتسبتها من خلال خبرتها الخاصة بالأسلوب نفسه تقريبا الذي تتبعه الأمهات الهندوسيات عند تنشئتهن أطفالهن بحنان على الطقوس والقصص التي تناقلتها الأجيال في أسرهن؛ لذا، لقبها الكثيرون، بما في ذلك أصحاب الديانات الأخرى، بلقب «ما»؛ أي الأم، لكنها كانت أيضا طفولية شأنها شأن المعلمين الروحانيين الآخرين ؛ فكانت تمرح في تجربتها الروحانية وتنقلها في ابتهاج للآخرين.
تمثل أنانداماي ما استمرارية تقليد يرجع إلى زمن «أوبانيشاد» أو ما قبله، وهو التقليد الذي يسعى فيه التلميذ من كل قلبه إلى الحقيقة الروحية مسترشدا بالذات الداخلية لينعم بالتنوير. ويقال إن أنانداماي ما قد حظيت بما يعرف باسم «جيفانموكتي»؛ أي التحرر في هذه الحياة. وصارت شخصية يبحث عنها الآخرون للحصول على الحكمة التي يمكنها نقلها. وفي الفصل التالي، سنتعرف على المزيد من المعلومات حول معنى هذه الذات الداخلية والحقيقة التي تكشفها في الهندوسية.
الفصل الثالث
فهم الذات
لقد استمر المعلمون الروحانيون في القرن العشرين في تعليم تلاميذهم وإرشادهم بالأساليب التقليدية مع استخدام تقنيات اتصال حديثة في الوقت نفسه، وأهمها الكلمة المطبوعة، ووسائل النقل الحديثة، ومؤخرا الكمبيوتر والإنترنت. وبفضل ذلك، يحظى عدد من المعلمين الروحانيين بأتباع على مستوى العالم، والجماعات الناجحة المتمركزة حول معلم روحاني، مثل إرسالية سوامينارايان الهندوسية والجمعية الدولية للوعي بكريشنا، وحركة شايفا سيدهانتا، لديها مراكز في الهند وخارجها، ويسافر معلموها حول العالم لزيارة تلاميذهم، وآخر هذه الجماعات حركة هندية جنوبية يقودها في الغرب معلم روحاني يدعى سيفايا سوبرامونياسوامي، وهو أمريكي المولد وهندوسي شايفا الأصل. استخدم سيفايا وسطا يتمثل في صحيفة توزع عالميا، وهي «هيندويزم توداي»، للوصول إلى التلاميذ الحاليين والمحتملين، وغيرهم من الأشخاص المهتمين بالأمر. وأي شخص يرغب في معرفة أفكار هذا الرجل حول الطبيعة ومصير الذات يمكنه الوصول إليها عن طريق البحث في أرشيف الصحيفة السالفة الذكر على الإنترنت. وفي إصدار نوفمبر 1996 من «بابليشرز ديسك»، أجاب سيفايا سوبرامونياسوامي على سؤال «من أنا؟» قائلا:
يشير الحكماء (ريشي) إلى أن هويتنا لا تكمن في أجسادنا أو عقولنا أو مشاعرنا، وإنما نحن أرواح سماوية في رحلة معجزة. لقد أتينا من الإله، ونعيش في الإله، ونتطور لنصير واحدا مع الإله! نحن، في الحقيقة، الحقيقة التي نسعى إليها. أوم.
نحن أرواح خالدة تعيش وتنمو في مدرسة الخبرة الدنيوية العظيمة التي نعيش فيها حيوات عديدة. وقد منحنا حكماء «فيدا» الشجاعة بالنطق بحقيقة بسيطة؛ وهي أن «الإله هو حياة حياتنا.» وذهب حكيم عظيم إلى ما هو أبعد من ذلك بقوله إن ثمة شيئا واحدا فقط لا يمكن للإله فعله، ألا وهو الفصل بينه وبيننا؛ وذلك لأن الإله هو حياتنا. الإله هو الحياة في الطيور! الإله هو الحياة في السمك! الإله هو الحياة في الحيوانات!
إن إدراك هذه الطاقة الحياتية في كل ما يحيا يعني إدراك الوجود الحنون للإله داخلنا. نحن الوعي والطاقة الأبديان المتدفقان في كل شيء.
والتلاميذ الذين التزموا باتباع تعاليم هذا المعلم الروحاني يمكنهم الوصول إليه أيضا مباشرة عن طريق البريد الإلكتروني، ليطرحوا عليه ما لديهم من أسئلة بشأن الروح أو الذات، وبذلك، تكون لدينا صورة جديدة لفكرة قديمة موجودة في «أوبانيشاد»؛ وهي صورة الباحث عن الحقيقة لدى أحد الحكماء. وعلى الرغم من أن العلاقة بين التلميذ والمعلم الروحاني لا تكون عميقة حتى يتأهل الأول على يد الأخير، يمكن للباحث عن الحقيقة الحصول على إجابات مبدئية عن الأسئلة الوجودية والعملية بغض النظر عن المسافة أو الطائفة أو الجنسية أو النوع أو الدين.
لاستكشاف المزيد من الأفكار الهندوسية عن الذات، من المفيد الرجوع إلى قصة أقدم بكثير يتلقى فيها تلميذ التعليم على يد معلمه الروحاني. تخيل تلميذا شابا في العشرينيات من عمره يدعى شفيتاكيتو، ومعلمه الذي هو في الأساس والده، والذي يدعى أودلاكا أروني. كان شفيتاكيتو قد درس «فيدا» بالفعل، واعتقد بذلك أنه قد تعلم، وعاد إلى منزل والده. وهناك، اكتشف والده أن ابنه، بالرغم من سنوات دراسته، لم يكن يدرك طبيعة الحقيقة الصحيحة إدراكا كاملا. وباستخدام مثال ثمرة التين، يوضح أودلاكا أن الجوهر نفسه موجود في كل شيء: فسمات ثمرة التين موجودة في الفاكهة، وفي البذور الموجودة بداخلها، وفي الشجرة التي طرحت منها. ولتأكيد فكرته، يعلم الأب ابنه باستخدام مثال الملح:
अज्ञात पृष्ठ
ضع هذه الكمية من الملح في إناء به ماء، واتركها حتى الغد.
نفذ الابن ما أمر به، وقال له والده: «أحضر إلى هنا الملح الذي وضعته في الماء الليلة الماضية.» فتلمس الابن مكان الملح في الإناء، لكنه لم يجده؛ لأنه كان قد ذاب تماما.
فقال الأب: «والآن، ارتشف رشفة من هذا الجانب، ما مذاق الماء؟» - ملح. - ارتشف رشفة من المنتصف، ما مذاقها؟ - ملح. - ارتشف رشفة من ذلك الجانب، ما مذاقها؟ - ملح. - «تخلص من الماء، وعد في وقت لاحق.» ففعل الابن ما أمر به، ووجد أن الملح كان موجودا دائما في الإناء. وقال له والده: «أنت، بالطبع، لم تره هناك يا بني، لكنه كان موجودا دائما هناك، هذا هو الجوهر الدقيق الذي تتألف منه ذات هذا العالم بأكمله، هذه هي الحقيقة؛ هذه هي الذات (أتمان). وهذا ما أنت عليه يا شفيتاكيتو!
أوبانيشاد: أوبانيشاد تشاندوجيا
إن عبارة «هذا ما أنت عليه» ترجمة لعبارة سنسكريتية شهيرة هي
Tat tvam asi . وتعبر هذه العبارة عن فكرة أن الحقيقة التي تكمن في كل شيء وتمثل جوهره هي نفسها حقيقة ذات شفيتاكيتو (أتمان)، وهذه الحقيقة أو الذات هي قوة الحياة (براهمان) في كل من العالم والبشرية، وينظر إلى هذه الكلمات الثلاث المهمة
Tat tvam asi
على أنها تحتوي على حقيقة مهمة بشأن طبيعة الحقيقة، وأن لديها القدرة على تحقيق إدراك الذات. وبالإضافة إلى ظهور هذه العبارة وغيرها من العبارات الأخرى المهمة في «أوبانيشاد»، فهي توجد أيضا في مجمع للحكم متأخر يعرف باسم «براهما-سوترا» أو «فيدانتا-سوترا». ولقد لخص هذا النص تعاليم «أوبانيشاد» حول الحقيقة المطلقة (براهمان)، وصار جوهريا في نظام فلسفي يعرف باسم «فيدانتا» (انظر الإطار التالي). وكان نظام فيدانتا أحد الأنظمة الفلسفية التقليدية الستة (دارشانا) في الهندوسية؛ وكان نظام «يوجا» أحد هذه الأنظمة أيضا (انظر الملحق).
لفهم المزيد عن نظام فيدانتا الفلسفي، ولا سيما ما يقوله عن الذات، سوف نلقي نظرة سريعة على كيفية فهم ثلاثة فلاسفة وعلماء لاهوت في الوقت نفسه للذات، واستمرار أهمية أفكارهم بالنسبة إلى الحركات الهندوسية الحديثة؛ كان شانكارا ورامانوجا ومادهفا برهميين من جنوب الهند واشتهروا بمهارتهم في التأويل الفلسفي. وصاروا معروفين بمناهجهم المختلفة المتعلقة بنظام فيدانتا. فقدم كل منهم تفسيرا مختلفا متسقا مع تقليد فيدانتا، لكنه وثيق الصلة في الوقت نفسه بالزمن الذي عاش فيه، وسوف نتعرف على المزيد من المعلومات حول هؤلاء الشخصيات بعد قليل، لكننا سنتناول أولا صلتهم بالهندوسية المعاصرة.
عندما تعرف الغربيون لأول مرة على الروحانية الهندوسية في أواخر القرن التاسع عشر على يد معلم رحالة يدعى فيفيكاناندا (انظر أيضا الفصل السادس)، حصلوا على تفسير عصري لأفكار شانكارا عن نظام فيدانتا الفلسفي. وتعلموا منه أن الحقيقة المجردة المطلقة هي أيضا الإله الشخصي الذي عبده الناس، وأن هذا الإله هو أيضا الذات العليا الموجودة داخل كل إنسان، فيقول فيفيكاناندا: «إنه هو أنت، نفسك» (وهي عبارة مشابهة لعبارة «هذا ما أنت عليه».)
अज्ञात पृष्ठ
نظام فيدانتا الفلسفي ومعتنقوه
فيدانتا هو نظام فلسفي ركز فيه الباحثون على دراسة النصوص الفيدية المتعلقة بالحقيقة المطلقة (البراهمان). ومن أهم هذه النصوص «أوبانيشاد» و«بهاجافاد جيتا» و«براهما سوترا». واعتنق الكثير من الباحثين هذا النظام الفلسفي، منهم ثلاثة أثروا بنحو خاص في تاريخ الفكر والممارسة الهندوسيين. وتنوعت أفكار هؤلاء الباحثين ما بين فهم العلاقة بين الحقيقة المطلقة والذات باعتبارهما متطابقين (شانكارا) وفهم الانفصال والاختلاف بينهما (مادهفا). (1) شانكارا (788-820 ميلاديا)
مؤمن باللاثنائية أو أدفايتا فيدانتا.
لا يزال النظام الذي أسسه شانكارا قائما إلى الآن في سرينجيري، ودواركا، وبادريناث، وبوري، وكانتشي.
يظهر أثر أفكار شانكارا أيضا في فيفيكاناندا، وجماعة راماكريشنا، وجمعية فيدانتا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يزال الزهاد والباحثون الهندوس يفسرون الأدافيتا فيدانتا. (2) رامانوجا (1017-1137 ميلاديا)
مؤمن باللاثنائية المؤهلة أو فيشيشتادفايتا فيدانتا.
إن نظام شري فايشنافا، الذي كان رامانوجا زعيما له وتدرس فيه فلسفته، لا يزال قائما إلى الآن ومركزه سريرانجام في جنوب الهند.
حركة سواميناريان في جوجارات هي أحد أنواع السامبرادايا التي تزعم أن أصولها ترجع لتلاميذ رامانوجا. (3) مادهفا (القرن الثالث عشر الميلادي)
مؤمن بالثنائية أو دفايتا فيدانتا.
إن المعبد والدير الموجودين في أوديبي، اللذين شيدهما مادهفا في القرن الثالث عشر، لا يزالان موجودين إلى الآن.
अज्ञात पृष्ठ
تزعم الجمعية الدولية للوعي بكريشنا (وحركة جاوديا فايشنافا ماث البنغالية التي ترجع أصول هذه الجمعية إليها ) أن أصولها ترجع لتلاميذ مادهفا من خلال تشيتانيا صاحب الشخصية الجذابة الذي عاش في القرن السادس عشر.
صارت هذه الصورة العصرية لنظام فيدانتا الفلسفي غير الثنائي لشانكارا واسعة الانتشار في الغرب؛ الأمر الذي جعل العديد من المعلقين يفترضون أنها سمة أساسية للهندوسية ككل. ولم يدركوا وجود وجهات نظر مختلفة تماما ومقنعة بالقدر نفسه حول الإله وعلاقته بالذات البشرية. وعندما بدأ الباحثون والدارسون في زيارة الهند بأعداد كبيرة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، التقوا بمعلمين روحانيين وحركات تمثل وجهات نظر أخرى فيما يتعلق بنظام فيدانتا، وكانت الشعبية الواسعة الانتشار للهندوسية التأليهية التعبدية، التي قامت على أفكار رامانوجا ومادهفا اللاهوتية وتلاميذهما فيما بعد، واضحة في جميع أنحاء الهند وخارجها أيضا بين المهاجرين الهندوس. وما بين سامبرادايا شري-فايشنافا التقليدي في جنوب الهند والحركات المعاصرة للسوامينارايان في جوجارات ولهار كريشنا (الجمعية الدولية للوعي بكريشنا) في البنغال وما وراءها، ازدهر اللاهوت التعبدي الذي تحدى الأفكار غير الثنائية المبكرة بشأن الحقيقة المطلقة والذات.
لكن ماذا كانت هذه الأفكار؟ ولماذا كانت مهمة للغاية لتطور الهندوسية؟ (1) شانكارا
تعني كلمة «أدفايتا» اللاثنائية. واستخدام هذه الكلمة في وصف مفهوم شانكارا عن نظام فيدانتا يشير إلى عدم إمكانية الفصل بين الماء والملح في قصة شفيتاكيتو. فمن وجهة نظر شانكارا، الحقيقة المطلقة والذات متماثلتان، وتمثلت مهمته في تفسير أسباب فشل الناس في إدراك ذلك. ومن الأساليب التي اتبعها لفعل ذلك الإشارة إلى مثال المسافر الذي اعتقد خطأ أن حبلا ما هو ثعبان، وكون انطباعا خاطئا (ثعبانا) عن الحقيقة (الحبل). وذكر شانكارا الصور العديدة التي فهم بها مختلف الناس - أو بالأحرى أخطئوا في فهم - الذات؛ على سبيل المثال، بمساواتها بالجسم أو الأعضاء الحسية أو العقل. كون كل هؤلاء الناس فكرة خاطئة عن الذات (أتمان). أما شانكارا، فرأى أن أتمان ليست في الحقيقة سوى براهمان. ولا توجد أي تعددية في الوعي أو الكينونة، فكلها واحد. ويتحقق التحرر عن طريق التخلص من الجهل، وتعلم كيفية التمييز بين ما هو أبدي وما بدا كذلك فقط، ثم اكتساب المعرفة عن هوية الذات من خلال البراهمان.
ظلت البوذية، في نظر المجتمع البرهمي، تمثل تهديدا كبيرا في الهند؛ لذا، استعان شانكارا ببراعة بأساليب بحثية استخدمت من قبل في الفلسفة البوذية لإعادة التأكيد على الأفكار البرهمية. ومن خلال إقرار مستوى أدنى مشروط من المعرفة تقدر فيه صور التمييز، مثل التمييز بين الحبل والثعبان، تمكن شانكارا من تفسير الأهمية التي أعطيت في «فيدا» للنشاط الطقسي وتقديم القرابين للآلهة. وفرق بين ذلك والمستوى الأعلى أو المطلق الذي يكون فيه كل شيء واحدا والحقيقة غير ثنائية. (2) رامانوجا
اختلفت مهمة رامانوجا، الذي كان يعلم الناس بعد أكثر من قرنين في سياق ديني مختلف، فعلى عكس شانكارا، لم يكن عليه التغلب على شعبية البوذية، وإنما التزم بالترويج لدين الفايشنافا، وهم أتباع الإله فيشنو، عن طريق تقديم الدعم الفلسفي لمزاعمهم التعبدية. عبد رامانوجا فيشنو، وكان ضليعا في «الملاحم»، و«البورانا»، والشعر الخاص بمنطقته. واستندت أفكاره إلى عمل شانكارا، الذي كان قد قبله المجتمع البرهمي واعتبر منهجا محافظا بحلول العصر الذي عاش فيه رامانوجا. واتفق رامانوجا مع فكرة أن الحقيقة المطلقة غير ثنائية، لكنه اختلف بشدة مع شانكارا بشأن طبيعة البراهمان، والذوات الفردية، والعالم. وكان حادا في نقده، واتهم أتباع شانكارا بالخطأ ونقص البصيرة، واستند في زعمه إلى أمثلة من مجموعة واسعة النطاق من النصوص المقدسة.
كان زعمه الأساسي هو أن ما لدينا من قناعة قوية بأننا مختلفون بعضنا عن بعض وعن الإله ليست خاطئة، مثلما يدعي شانكارا. واستنتاجات حواسنا ومشاعرنا ليست وهمية. وإنما تشير إلى حقيقة عميقة، وهي أن الحقيقة المطلقة مؤهلة داخليا (فيشيشتا). علاوة على ذلك، فإن الحقيقة المطلقة ليست موضوعية ومن دون سمات، كما أكد شانكارا، فرأى رامانوجا أن هذه الحقيقة هي إيشفارا؛ أي الإله الذي يتطلع إليه كل من يسعى للهروب من العذاب؛ ومن ثم، فإن براهمان ليس سوى الكائن الأسمى أو الإله المذكور في «الملاحم» و«البورانا».
لكن ما العلاقة إذن بين الذات وهذا الكائن الأسمى؟ إن الإله هو المتحكم الداخلي في كل من الذوات الفردية والعالم. وقال رامانوجا إنه مثلما يعد الجسم البشري أداة الذات الموجود بداخلها، يرتبط العالم والذوات بالإله. إن معرفة الإله تساعدنا على التحرر، لكن فضل الإله واستجابة الذات المستسلمة ضروريتان أيضا. (3) مادهفا
أيد مادهفا وجهة نظر رامانوجا إلى حد كبير، لكن رد فعله على أفكار شانكارا كان مختلفا بدوره. فعندما زهد مادهفا في الدنيا وانضم إلى إحدى جماعات الفايشنافا في سن السادسة عشرة، تعلم نظام فيدانتا الفلسفي وطور تدريجيا نقده الخاص له (دفايتا). وشأنه شأن رامانوجا، استخدم مجموعة متنوعة من نصوص «فيدا» و«بورانا»، والنصوص التعبدية اللاحقة، لكنه ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك باستنتاجه أن تعاليم النصوص المقدسة لا يمكن فهمها إلا بمنظور الثنائية؛ أي بالتأكيد على التمييز الكامل بين الإله والذات؛ فالبراهمان والأتمان ليسا متطابقين، علاوة على ذلك، رأى مادهفا أن الذوات مختلفة بعضها عن بعض، وعن العالم. وحتى داخل العالم نفسه، رأى مادهفا أن الظواهر مختلفة بعضها عن بعض. فكل شيء موجود داخل إطار إرادة الإله الأعلى، لكن مع احتفاظه بخصوصيته. ويتطلب التحرر من العذاب والانبعاث فضلا من الإله، واعتمادا عليه، وتعبدا نشطا عن طريق عبادته في صورة أيقونة (مورتي). ووضع مادهفا أيقونة للإله كريشنا في ديره في أوديبي؛ حيث ظلت في مكانها ليراها الحجاج إلى يومنا هذا.
على الرغم من أن كلا من هؤلاء الفلاسفة وعلماء اللاهوت الثلاثة قد كتب تعليقات على نصوص الفيدانتا الرئيسية، فقد توصلوا إلى نتائج مختلفة اختلافا كبيرا بعضها عن بعض فيما يتعلق، على سبيل المثال، بمعنى العبارة التي تعرضنا لها في قصة شفيتاكيتو: «هذا ما أنت عليه.» فرأى شانكارا أن هذه العبارة تشير إلى اللاثنائية؛ بمعنى أنه لا يوجد اختلاف بين الحقيقة المطلقة والذات. ومن وجهة نظر رامانوجا، كان المعنى الضمني للعبارة هو عدم الاتحاد؛ أي إنها أشارت إلى أن البراهمان والأتمان يختلفان بعضهما عن بعض على الرغم من ارتباطهما الواضح. أما مادهفا، فكان رأيه أن الاثنين منفصلان انفصالا تاما، وإن كان يرى أن الذات تظهر في صورة الرب ويسكنها شاهد داخلي إلهي.
अज्ञात पृष्ठ
على الرغم من أن هؤلاء الفلاسفة والعلماء الثلاثة هم أشهر الباحثين في نظام فيدانتا الفلسفي، فثمة باحثون آخرون، أغلبهم من الفايشنافا مثل رامانوجا ومادهفا، الذين يتغنون بأمجاد فيشنو أو كريشنا، وعمل آخرون، ولا سيما من بجلوا الإله شيفا، خارج تقليد نظام فيدانتا، معتمدين على النصوص التنترية في تطوير أفكارهم اللاهوتية.
اليوم، لا يزال التلاميذ في المؤسسات الدينية المرتبطة بشانكارا ورامانوجا ومادهفا يسمعون ويناقشون هذه الاستنتاجات الفلسفية. فلا يزال القادة الشانكاريون، الذين عرضنا لهم في الفصل السابق، يبشرون باللاثنائية (أدفايتا فيدانتا). وأتباع نظام شري فايشنافا الموجودون في جنوب الهند هم الورثة الطبيعيون للاهوت رامانوجا. ولا يزال الدير الموجود في أوديبي يعلم الثنائية التعبدية التي نادى بها مادهفا. كما أن حركة شايفا سيدهانتا، التي ذكرت في بداية هذا الفصل، تعلم اللاهوت الذي طوره علماء اللاهوت الشايفا القدامى. وفي وقت سابق من هذا القرن، رأى الكثير من المعلقين أن اللاثنائية التي آمن بها شانكارا، هي أهم إنجاز فكري هندي. لكن ساعد، مؤخرا، الوعي بأهمية الحركات التعبدية الهندوسية على إعادة التأكيد على أهمية وجهات النظر التأليهية التي تركز على علاقة المحبة بين المتعبدين وإلههم المختار.
ليست هذه الأفكار الفلسفية، في الواقع، موضوعا للمناقشة اليومية لدى أغلبية الهندوس، لكنها تمثل أساس فكرة الهندوس عن الإله. فتحديد إن كان الهندوسي يؤمن بحقيقة موضوعية مطلقة أم بإله شخصي له نتائج مهمة على ممارسته الدينية ورحلته الروحانية. ويعد اكتساب المزيد من المعرفة عن الحقيقة المطلقة وعلاقتها بالذات أمرا مهما للحقيقة المطلقة، بينما تعد الصلاة والعبادة محوريين للذات. لكن ثمة فكرة دينية واحدة يشير إليها كل الهندوس عادة؛ ألا وهي «الكارما». (4) الكارما واليوجا والذات
لا تكتمل أي مناقشة موجزة حول الآراء الهندوسية عن الذات دون النظر في مفهومين معروفين؛ ألا وهما «الكارما» و«اليوجا». إنهما كلمتان يعرفهما الجميع، ليس فقط في الهند وإنما أيضا في الغرب؛ حيث ترتبط الكارما عادة بالقدرية والتناسخ، وتمارس اليوجا - عادة الهاثا يوجا (اليوجا الحركية) - لتحسين الصحة والعافية. ولقد ذكرت هاتان الكلمتان في «أوبانيشاد» و«بهاجافاد جيتا»، وناقشهما شانكارا ورامانوجا ومادهفا. وعرفهما - بوصفهما أفكارا - الزاهدون أو الحكماء في الهند القديمة.
أي شخص يعرف قصة بوذا سيدرك أن المجتمع الهندي القديم في عصر بوذا كان مكانا للبؤس والشقاء في نظر الباحث الروحاني. فالسعادة زائلة وسرعان ما يحل محلها التقدم في السن والمرض والموت. وأوضح الباحثون أيضا أن ذلك الوقت شهد تغيرا اجتماعيا وسياسيا؛ إذ اتسعت المدن وقضي على نمط الحياة الزراعية وتآكل تنظيمها الاجتماعي. ومع التنمية الحضرية، سنحت فرصة أكبر للتنقل والتواصل. وانتقلت الأفكار الجديدة من مكان إلى آخر، وهكذا الحال بالنسبة إلى الناس. واشترك الكثير ممن نبذوا المجتمع ليرتحلوا ويعيشوا حياة الزهد من وجهة النظر القائلة بأن شخصية المرء أو ذاته يتقمصها جسد جديد عند الموت، وتدفع دورة الانبعاث (سامسارا) سلسلة من الأسباب والنتائج المرتبطة بالأفعال (كارما). وتمر كل الكائنات الحية بهذه الدورة. وعلى الرغم من أن الأفعال الصالحة قد تؤدي إلى نتائج سارة وميلاد أفضل، فقد رأى الكثيرون أن العذاب والحتمية المتأصلين في هذه العملية لا يمكن تحملهما. ومن ثم كان السعي للتحرر من الميلاد المتكرر المستمر؛ إذ حاول الزاهدون إيقاف هذه الدورة باستخدام سبل عدة، مثل عزل أنفسهم عن المجتمع، والصيام ومعاقبة النفس جسديا، وإحاطة أنفسهم بأشياء تذكرهم بالعذاب والموت، والاعتكاف للتأمل. ومن خلال هذه السبل، سيتوقف العمل ونتائجه وسيكون التحرر ممكنا.
شكل 3-1: تناسخ الذات.
وقد تم تناول المشكلات المتعلقة بالعمل والميلاد المتكرر بعد عدة قرون في «بهاجافاد جيتا». ففيه نجد أرجونا يسأل سائق عجلته الحربية، كريشنا، إن كان يجب عليه الدخول في معركة ضد أحد أقاربه. ويقدم كريشنا، الذي هو في الحقيقة الإله الأعلى متنكرا، التوجيه لأرجونا كمعلم روحاني مشيرا إلى مسألة العمل النابع من الشعور بالواجب، وشارحا رحلة الذات وسبل تحررها. ويوضح لأرجونا الحائر أن الذات أو الروح المتجسدة لا تموت في المعركة، وإنما تنتقل إلى جسد جديد: «لا يمكن طعنها، أو حرقها، أو بلها، أو تجفيفها. إنها غير متغيرة، وموجودة في كل مكان، وثابتة، وغير متحركة، وخالدة.» ويذكر كريشنا أرجونا بواجبه الاجتماعي والديني (دارما) بصفته عضوا في طبقة المحاربين، ويعلمه آداب العمل. ويفترض أرجونا أن كريشنا يؤمن بأنه يجب نبذ العمل، شأنه شأن الزهاد.
لكن رد كريشنا جاء عاليا وواضحا: «لا يتحرر الإنسان من نتائج العمل عن طريق الامتناع عن العمل نفسه، ولا يصل إلى الكمال بنبذ العمل.» ويواصل كريشنا حديثه موضحا أن ما يجب نبذه هو نتائج العمل، وليس العمل نفسه؛ فيجب ألا يرغب الإنسان في مكافآت معينة، وألا يفتخر بنفسه بوصفه فاعلا لأمور عظيمة. ويجب أن يكون المرء راضيا عن نفسه، ويقدم العمل ونتائجه كقربان للإله. وهذا هو أدب الكارما يوجا. وبعد أن علم كريشنا أرجونا ذلك، يشرح له سبلا أخرى جيدة يمكنها - إن اتبعت باستمرار - أن تمنح أي باحث الرزانة، والتحرر في نهاية الأمر. ولقد ركز كريشنا - الذي اتضح تدريجيا في الأغنية أنه إله الكون الذي قد يجد لديه كل الباحثين الملاذ - على جنانا يوجا (الطريق إلى المعرفة) وبهاكتي يوجا (طريق الإخلاص في العبادة) بوجه خاص، وهما المفهومان اللذان سنعود لتناولهما في الفصل الخامس من هذا الكتاب.
في الفصل السادس من «بهاجافاد جيتا»، يناقش كريشنا ممارسة خبير اليوجا، وإن كان يوصي بهذا الطريق للقادرين فقط على التحكم القوي في الذات وتقرير المصير. ويصف كيف يجب أن يجلس ذلك الشخص، وكيف يجب أن يتحكم في حواسه وغرائزه، وكيف يجب أن يركز على عقله. ويعد كل من التركيز على الذات، وكبت الأهواء، والمحافظة على الهدوء أهم معالم هذا الطريق، الهادف إلى الهناء. ما يصفه كريشنا هنا ليس الهاثا يوجا الأكثر مشقة من الناحية البدنية، التي يتخذ فيها الممارسون أوضاعا صعبة؛ وليس السيدها يوجا التي يكتسب خبراؤها قدرتي الارتقاء والتخاطر، والقدرة على الاختفاء أو تحمل الألم. وإنما ما يصفه يشبه الممارسة التي أشار إليها باتانجالي في كتابه «يوجا سوترا» باسم «راجا يوجا»؛ أي اليوجا الملكية أو العليا، وهي يوجا تأملية تكمن أهم إنجازاتها في «سامادهي»؛ أي التركيز العميق الذي يؤدي إلى تحرر الذات.
وفي «بهاجافاد جيتا»، يطرح كريشنا فكرتين مبتكرتين؛ الأولى: هي «كارما يوجا» التي تمنح الباحثين العاديين إمكانية إضفاء معنى روحاني على أفعالهم اليومية؛ والثانية: هي مفهوم أنه لا يوجد سبيل واحد للتحرر، وإنما عدة سبل؛ بحيث يجد الباحثون أكثر السبل الملائمة لحالاتهم المزاجية وأوضاعهم. ولم ينس كريشنا من همشتهم الديانة البرهمية. فتم الاعتراف بالنساء وذوي الأصول الدنيا بوصفهم باحثين، ودعوتهم لتقديم أنفسهم وأعمالهم وهدايا بسيطة مثل الماء أو زهرة أو ورقة شجر أو ثمرة إلى كريشنا.
अज्ञात पृष्ठ
يحول «بهاجافاد جيتا» المفهوم المتشائم القديم القائل بأن نتائج العمل تؤدي إلى ميلاد متكرر وتناسخ مستمرين للذات إلى نظام إيجابي للتحول الشخصي. وفي عصور أحدث، شهدت الكارما والكارما يوجا تأييدا مجددا. وقد أوصى قوميون دينيون من أمثال بال جانجادهار تيلاك ومهاتما غاندي بالكارما يوجا في كفاح الهند من أجل الحكم الذاتي، وبوصفها سبيلا لإدراك الذات لدى الهندوس المعاصرين المنشغلين. واعتقد باحث هندوسي معاصر أيضا يدعى أرفيند شارما بأهمية الكارما والكارما يوجا في إعادة التفكير في مسألة الطوائف الهندوسية.
يعرفنا «ريج فيدا» والفصل الثاني من «بهاجافاد-جيتا» على فكرة الطبقات الأربع في المجتمع البرهمي. وكان من المتوقع من أرجونا، بصفته محاربا، أداء واجبه تجاه طبقته وعدم الوقوع ضحية إغراء محاكاة واجبات الآخرين لمجرد أنها تبدو أكثر جاذبية أو أهمية، أو أقل إثارة للجدل. ونوقشت هذه الفكرة عن الواجب الاجتماعي بمزيد من التفصيل في «مانوسمريتي»؛ حيث تم تناول عواقب إهمال المرء لواجبه بقدر كبير من الجدية. فيعاقب المرء على الأفعال المناقضة للواجب أو الدارما بطرده من جماعته الاجتماعية أو بميلاده على نحو أدنى في الحياة التالية.
يتناول أرفيند شارما هذه المشكلة بأسلوب مباشر في كتابه «الهندوسية في عصرنا». فهو يؤمن بضرورة فهم الرابط بين الكارما والمجتمع الهندي القائم على نظام الطوائف، ونقله للآخرين، فيقول: «من وجهة النظر الهندوسية التقليدية، يتحدد ميلاد الشخص في طائفة معينة بالكارما الخاصة به في حياة سابقة.» فيحصل الهندوس على هويتهم الطائفية عند الميلاد؛ إذ يولدون في أسرة داخل طائفة معينة بسبب أعمالهم في حياة سابقة. والذات، على نحو مطلق، لا تتأثر بذلك، وإنما في كل مرة تجسد فيها الذات، تجد نفسها داخل طائفة معينة مع كل الواجبات والظروف المرتبطة بذلك الوضع.
من اليسير التفكير من وجهة نظر قدرية في هذا الشأن، ولقد قدم الكثير من المعلمين الهندوس، الذين يقتدون بكريشنا في «بهاجافاد جيتا»، وصفات روحانية للتعامل مع هذه المسألة. ويتمثل الحل المعاصر الذي قدمه أرفيند شارما في أن التفكير في الكارما على نحو قدري ليس مفيدا، في الواقع؛ لأننا بوصفنا بشرا لدينا القدرة في أي لحظة على تغيير سلوكنا؛ ومن ثم عواقب هذا السلوك على مستقبلنا؛ لذا، فإن الإرادة الحرة هي التي تميز عمل الكارما، لا القدرية. علاوة على ذلك، إذا تقبلنا فكرة أن الكارما ليست عملية سبب ونتيجة بين الحيوات بقدر كونها ذلك داخل حياة واحدة، فإن ذلك سيغير الكثير. فما نفعله في هذه اللحظة له نتائج على ما سيحدث لنا في الدقائق القليلة القادمة، أو في الأسبوع المقبل، أو بعد عشر سنوات. إن الحياة المعاصرة التي تمتد لسبعين أو ثمانين عاما تساوي ما كان على الأرجح ثلاث حيوات منفصلة في الماضي عندما كانت الحياة قصيرة وصعبة (مع ميلاد واحد في طائفة واحدة، بينما كان الميلاد ثلاث مرات النموذج السائد في السابق)؛ ومن ثم، فإن ما يصير مهما من هذا المنظور ليس الطائفة باعتبارها مؤشرا على كارما الحياة السابقة، وإنما الكارما الحالية ونتائجها على الإدراك الذاتي المتطور للشخص وعلاقاته المتطورة مع الآخرين. إن إعادة التركيز على الكارما بهذا الأسلوب، وفقا لشارما، يقلل من أهمية الطائفة وصور الظلم فيها؛ فالمجتمع الذي يدرك فيه كل شخص أنه يتحمل مسئولية مباشرة فيما يتعلق بتحسين مستقبل هذا العالم بدلا من حياته القادمة؛ سيكون مجتمعا يختفي فيه النظر إلى الطائفة باعتبارها مقياسا للأعمال السابقة. ويقول شارما إن تعاليم كريشنا حول أهمية العمل في العالم مع نبذ نتائج هذا العمل، هي التي تجعل ذلك ممكنا.
الفصل الرابع
الأبطال المقدسون: التقليد الملحمي
ماذا كان يفعل ثمانون مليون هنديا في الساعة التاسعة والنصف من صبيحة كل يوم أحد في عام 1987؟
لقد كانوا يجلسون في منازلهم أو مقاهيهم - أو أي مكان يوجد به تليفزيون - لمشاهدة الدراما المليئة بالأحداث الخاصة بالإله راما وزوجته سيتا وأخيه لاكشمانا في الملحمة التليفزيونية «رامايان». لم يسأم أحد منها، على الرغم من معرفتهم المسبقة للقصة. وفي الواقع، عندما انتهت حلقات المسلسل في البداية بعد 52 أسبوعا، وصل الأمر ببعض المتفرجين إلى الإضراب عن العمل مطالبين بإنتاج المزيد من الحلقات لاستكمال القصة (وأنتجت بالفعل 26 حلقة أخرى). وفي مناسبة أخرى قبل نهاية المسلسل بفترة قصيرة، وعندما كان الشرير رافانا على وشك أن يقتل، قطع المعجبون بالمسلسل رحلات طويلة وصولا إلى الاستوديو التليفزيوني الذي يصور فيه المسلسل للمناشدة بالعفو عنه. لم يكن المسلسل عرضا عاديا يتناول مشاكل الحياة اليومية، وإنما كان ظاهرة مقدسة مثلما وصفه مخرجه الذي صار شهيرا الآن، راماناند ساجار؛ فقد بث إلهاما بالتعبد واسع الانتشار، بل وشعورا مؤقتا أيضا بالوحدة الوطنية؛ إذ ضم طاقم التمثيل والمتفرجين؛ سيخا ومسلمين وهندوسا. كان أشبه بالعرض الطقسي منه بالسرد التليفزيوني؛ فاختير الممثلون وصممت الملابس والحوار والديكور والمؤثرات الخاصة للإيحاء بعالم سماوي، لا بشري. وصار الممثلون يعرفون بالآلهة والشياطين الذين مثلوا شخصياتهم، وصار الناس يلمسون أقدامهم ويطلبون البركة منهم.
شكل 4-1: راما وسيتا في معالجة قناة دوردارشان التليفزيونية لملحمة «رامايانا».
هذه القصة الهندية الشهيرة عن راما، التي رويت وتذكرت وأعيدت روايتها على مدار ما يزيد عن ألفين وخمسمائة من السنين، معروفة لكل الهندوس ولعدد هائل من الناس الآخرين حول العالم؛ يسمعها الأطفال الهندوس الصغار من آبائهم أو أقاربهم، ويتعلمها الأطفال في المدارس عندما يحين عيد ديفالي، ويسمعها القرويون من الرواة أو يرونها تعرض على المسرح الشعبي (رامليلا) وفي عروض العرائس، واليوم صار بإمكان من لديه منهم أجهزة تليفزيون وفيديو تشغيل المسلسلات المفضلة لديهم حول هذه الملحمة وإعادة تشغيلها أكثر من مرة.
अज्ञात पृष्ठ