हयात शर्क़
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
शैलियों
وكانت الهند مرموقة بعين الاحتقار في الشرق ولا سيما في القرن التاسع عشر، فكانوا يضربون الأمثال بمذلتها للإنجليز، وكان بعض المصريين يظنون أن الإنجليز يسرجون الهنود ويتخذونهم مطايا، وينذرون بعضهم بحظ سيئ لا يقل عن حظ الهنود. وقد تحققنا من صدق هذه الأقوال إلى حد ما وإن كان فيها بعض المبالغة، فإن الإنجليز حقيقة يسيئون إلى الهنود في بلادهم ويهينونهم كما هي عادة كل فاتح أجنبي قليل العدد في البلاد المفتوحة فهو يستعين على قلته بالقسوة والإرهاب. ولكن يظهر أن الهنود الذين سافروا إلى أوروبا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر وتلقوا العلوم الحديثة في إنجلترا وألمانيا وأمريكا تمكنوا من استرجاع مكانتهم في أوطانهم، ويرجع الفضل في النهضة الأخيرة إلى بضعة رجال من الهندوس والمسلمين، وإلى قسط من الحرية أرغمت إنجلترا على إعطائه للهنود؛ فكانوا يجمعون في كل عام مؤتمرهم الوطني، وكانوا ينشرون في بلادهم وفي الخارج جرائد ومجلات متطرفة في الحرية ساعدت على تشجيع الهنود وهدم صروح الأوهام القديمة التي كانت قائمة في وجوههم. وربما كان أعظم رجال النهضة الحديثة قبل «جاندهي» الأستاذ المرحوم تيلاك الزعيم الهندي الشهير الذي حوكم في سنة 1906 وحكم عليه بالسجن ست سنوات، وهو يعد بحق مؤسس حركة «سواراج» أو الاستقلال التي قامت في الهند في الثلاثين سنة الأخيرة ... ومن المسلمين سير شافعي الذي توفي اليوم.
1
أصول المسلمين الهنود وخططهم
وأخبار النهضة الهندية الحديثة تهمنا في مجموعها كما يهمنا أمر المسلمين في تلك البلاد، فإنهم يبلغون ثمانين مليونا، وقد رأينا منهم في العهد الأخير عددا وفيرا، وكلما حادثنا أحدهم أبهم الأمر علينا لكثرة ما نراه من التناقض في مقاصدهم، ولكن يمكننا الاستنتاج بالإجمال أن معظم المسلمين الهنود جهال كغيرهم من المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأن المتعلمين منهم أقلية، والذين يتعلمون منهم يتمايزون على غيرهم وتظهر كفايتهم ونبوغهم بدرجة مدهشة. وليس كل المسلمين في الهند من أصول عربية أو تترية أو موغولية أو فارسية، بل معظمهم من الهنود الأصليين الذين انتحلوا الإسلام عند دخول المسلمين فاتحين إلى بلادهم، وربما كان الكثيرون منهم من الطبقات المقصية أو القليلة المجد والتي وجدت في الإسلام حرية وإخاء ومساواة وضمانا لحقوق الضعيف والمظلوم فاتخذته درعا ضد اضطهاد البراهمة.
غير أن هؤلاء المسلمين مهما كانت أصولهم فقد احتفظوا بكثير من شجاعتهم وسلطتهم الأدبية، حتى ترى بعضهم يقول مفاخرا:
نحن فاتحون ونحن حكام، ونعرف وسائل الحكم والسلطة والسيادة في هذه البلاد وهذا وجه خوف الهندوك منا، فهم يخشون جانبنا لأننا سادة البلاد.
وكان أعظم المصرحين بهذه السخافة السياسية الرجل المدعو شوكت علي، الذي ثبت لنا كما ثبت لكل شرقي متصل بالحياة العامة أنه يعمل للاستعمار ويخدم الدول الأجنبية في بلاده، وقد اتخذ الإسلام والخلافة ستارا يعمل وراءه لمصلحته الشخصية، لأنه لو سلمنا جدلا بصحة هذه النظرية وبصدق قولهم بأنهم سادة البلاد وحكامها، فقد آن لهم أن يتنزلوا عن هذه الدعوى ويتخلوا عنها لمصلحة الوطن، وهي أعظم من مصلحة فئة من فئاته أو طائفة من طوائفه. فإن العالم المتحضر يسير في طريق المساواة لا في طريق الاستبداد، وإن هذه الدعوى الباطلة لا تفيد مطلقا الآن لأن المسلمين أقلية والهندوك يزيدون على ثلاثمائة مليون، فأين يذهب سبعون أو ثمانون مليونا في بحر هذه الأغلبية؟ فضلا عن أن الهنادك متعلمون ومنورون ومنهم الشعراء والفلاسفة ورجال السياسة والاقتصاد والقانون. وقيام حرب بين الطائفتين الآن مستحيلة، ولو قامت فإنها تدور دائرتها على المسلمين لا محالة. ثانيا: إن المسلمين بالاستمرار على إذاعة هذه النعرة السخيفة يعطون للإنجليز سلاحا قويا جدا يتقربون به لدى الهندوس ويهددونهم به بعد أن يعيروهم بالتفريق الكائن بينهم وبين المسلمين، والهندوس أنفسهم إذا سمعوا ذلك القول تأخذهم العزة ويبغضون المسلمين ويضمرون لهم السوء ولا يأمنون جانبهم مطلقا، وقد يعملون على أذاهم بكل الوسائل إما بنزع ملكية أراضيهم أو بإذلالهم أو بغوايتهم ليعودوا إلى حظيرة الوثنية، وقد حدث شيء من هذا فعلا، وهذا نفس ما ترغبه إنجلترا لأنه عين الشقاق الذي يمكنها من السيادة والحكم المطلق في الهند. فنحن وإن لم يكن لنا أن نلقي على الهنود درسا إلا أننا نرى وجوب الاتحاد بين طوائف البلاد الشرقية جميعا حيال العدو الأجنبي، ويسوءنا عزلة المسلمين عن غاندي.
وقد قابلنا كثيرين من الهنود المسلمين وغيرهم في طريقهم إلى مؤتمر المائدة المستديرة، وقابلنا غاندي ومن معه من الأبطال والزعماء والقادة والشعراء والفلاسفة، وحادثناهم فكانوا جميعا متفقين فيما بينهم على تمام الوفاق مع المسلمين. وقد رأينا من شوكت علي بعد أن جمعنا بينه وبين غاندي وتعانقا على ظهر الباخرة «راجبوتانا» نفورا وتكبرا ظنناه في أول الأمر تهوسا بالعظمة، فإذا به تعلق بحكم الإنجليز الذي كان شوكت علي يدافع عنه بحياته حتى في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس في ديسمبر سنة 1931.
وقد سرنا أن رأينا أفضل عناصر الإسلام منضمة إلى غاندي ولم يمكنوا الإنجليز من أن يقولوا لهم: «اتفقوا فيما بينكم أولا ثم تعالوا إلينا لتتفقوا معنا.»
محمد علي جناه سياسي حذر «حر دستوري»
अज्ञात पृष्ठ