46

ولو سئل الصحافي يومئذ: ما عملك؟ لما وجد كلمة مفردة يجيب بها من يسأله، ويفهمها السائل والمسئول.

صناعة بغير عنوان، أو عنوان بغير جهة، ولا فرق في هذا بين جهة المكان وبين «الجهة المعنوية» إذا استعرنا هذه العبارة من لغة القانون ...

في «سبلندد بار»

فقد ترى في «سبلندد بار» أناسا من الصحفيين، ولكنهم لا يقصدونه لأنهم صحفيون مشتغلون بهذه الصناعة ... وإنما يقصدونه لأنه ملتقى المهاجرين من سورية ولبنان والعراق وغيرها من الأقطار العثمانية ...

وقد ترى أناسا آخرين في قهوة الشيشة، أو القهوة الوطنية، أو قهوة يلدز أو قهوة متاتيا، أو قهوات الحي الحسيني، وباب الخلق، والفجالة ... ولكنك لا تراهم هناك لأنهم يعملون في هذه الصحيفة أو تلك، وإنما تراهم حيث كانوا لأنهم يدخنون الشيشة أو يشجعون القهوات المصرية في أول عهدها بمنافسة القهوات الأجنبية؛ أو لأنهم يلعبون الشطرنج والدومينة؛ أو لأنهم تناقلوا سنة الجلوس في هذا الحي أو ذاك من أيام الطليعة الأولى بين الأدباء رواد الأندية العامة ...

وعلى هذا الاختلاط بين البيئات الصحفية، أو البيئات القلمية، تتحقق من أمر واحد لا اختلاط فيه، وهو اتصال تلك البيئة بالحركات العامة في الشرق كله ... فلم تعرف حركة عامة في قطر من أقطار الشرق لم تكن لها صلة ببعض الجالسين ...

هنالك ترى الباحث في فلسفة النشوء والارتقاء، أو مذاهب الاشتراكية أو تحرير المرأة، ومعهم ترى رئيس جماعة «تركيا الفتاة»، أو صاحب الصحيفة الإيرانية الحرة، أو مؤلف كتاب طبائع الاستبداد، أو عصابة الحملة على فتوى الترنسفال، وهناك رأينا إبراهيم ناصف الورداني بهياجه الدائم، ولهفته الدائمة على أطباق الأرز باللبن، ورأينا مصطفى الصغير الداعية الإسلامي الهندي الذي جازت حيلته في مصر، واعتقله الكماليون في الآستانة فحكموا عليه بالإعدام، ونفذوا الحكم على الرغم من احتجاج الدولة البريطانية ...

وهنالك كنا نلقى من نلقاهم من الأدباء الذين لا يشتغلون بالصحافة إلا إذا كتبوا إليها، ومنهم كانت صفوة الصحب والزملاء على قلة ترددهم، وترددنا على القهوة لغير موعد أو مصادفة.

وكانت الصناعة كلها عارضا غريبا في بيئات غريبة ...

صناعة بغير عنوان

अज्ञात पृष्ठ