90

मसीह का जीवन

حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث

शैलियों

وإنجيل مرقس على خلاف ملحوظ فيه أنه يخاطب «الأمم»، ولا يتحفظ في سرد الأخبار الإلهية التي كانت تحول بين بني إسرائيل «المحافظين»، والإيمان بإلهية المسيح.

وإنجيل لوقا يكتبه طبيب، ويقدمه إلى سري كبير، فيورد فيه الأخبار والوصايا من الوجهة الإنسانية، ويحضر في ذهنه ثقافة السري الذي أهدى إليه نسخته وثقافة أمثاله من العلية.

وإنجيل يوحنا غلبت عليه فكرة الفلسفة، وبدأه بالكلام عن «الكلمة»

Logos ، ووصف فيه التجسد الإلهي على النحو الذي يألفه اليونان، ومن حضروا محافلهم، ودرجوا معهم على عادات واحدة.

وسواء رجعت هذه الأناجيل إلى مصدر واحد، أو أكثر من مصدر، فمن الواجب أن يدخل في الحسبان أنها هي العمدة التي اعتمد عليها قوم هم أقرب الناس إلى عصر المسيح، وليس لدينا نحن بعد قرابة ألفي سنة عمدة أحق منها بالاعتماد.

ونحن قد عولنا على الأناجيل، ولم نجد بين أيدينا مرجعا أوفى منها لدرس حياة الرسول والإحاطة بأطوار الرسالة وملابساتها، ولكننا نتبع في مراجعتها طريقة غير التي درج عليها مؤرخو الوقائع والأخبار، فلا نراجعها من حيث هي وقائع تاريخية، ولا من حيث المقاصد التي أرادها كتابها ورواتها، ولكننا نجمع الوقائع والأخبار، ونسأل عما وراءها من الإبانة عن شخصية الرسول، وفي هذه المراجعة تنفعنا الوقائع المستغربة، كما تنفعنا الوقائع المألوفة، وتهمنا الأغراض المقصودة وغير المقصودة. فهل وراء هذه الأخبار «شخصية متناسقة» مفهومة؟ إن كانت هناك علامات على تلك الشخصية المتناسقة، فحسبنا ذلك من جميع الوقائع والأخبار، وعلينا أن نفهم هنا أن النقائض في هذه المراجعة قد تكون من أسباب التصديق، ولا تكون من أسباب الشك والإنكار، ثم يتأتى لنا أن نجعل هذه الشخصية نفسها محكا لكل واقعة، ولكل خبر، ولكل كلمة مروية، فما خرج من السواء فهو فضول.

ومن الأمثلة على الاختلاف بين هذه الطريقة وبين طريقة المؤرخين الذين يطلبون الوقائع لذاتها أن الغرائب هنا شيء يجب أن نبحث عنه، إن لم نجده ماثلا بين أيدينا، فإن خلو هذا التاريخ من الغرائب هو الذي يستغرب، وليس هو المألوف الذي يدعو إلى الترجيح أو اليقين. وهل يخلو من الغرائب سجل قوم يؤمنون بها، ولا يشكون في وجودها؟

ونحب هنا أن نبين موقفنا من الخوارق والمعجزات حيث وجدت في تواريخ الأديان، فنحن نسأل: هل هذه المعجزة لازمة في تفسير مسألة من المسائل؟ فإن كان تفسير المسألة ميسورا بغيرها، فلا حاجة بنا إلى الجدل في إمكانها أو استحالاتها؛ لأن التفسير الذي يقبله كل إنسان يغني عن التفسير الذي يضطرنا إلى امتحان الممكنات، وامتحان الرواة.

أما رأينا نحن في إمكان المعجزات فهو رأينا في إمكان جميع الأسباب، فإن العقل قاصر على تعليل الحوادث بأسبابها، وليس من العقل أن يقال: إن هذه الأسباب المسماة بالطبيعة هي العوامل الفعالة في إيجاد الأشياء، وأصح ما يقال فيها قول الغزالي - رحمه الله - إن الأسباب والمسببات تحدث معا، ولا تزيد علاقتها بعضها ببعض على علاقة المصاحبة والتوافق في الأوقات، وإلا لزم أن تكون المادة ألوفا من المادات، كل منها مستقل بخصائصه ومؤثراته وعلاقته بالمواد الأخرى، ولا يقول بذلك عقل سليم، فإذا كان العقل لا يعلل الأسباب الطبيعية فمن الشطط أن يتعجل بإنكار المعجزات والجزم باستحالتها.

ومتى ناقشناها فلتكن مناقشتنا لها كمناقشة الأسباب: هل هي لازمة لتفسير هذه المسألة؟ وكما نقول: هل هذا السبب لازم؟ نقول أيضا: هل هذه المعجزة لازمة للفهم والتفسير؟ وبهذا القسطاس يجب أن توزن الحوادث، ويدرس تاريخ الأديان وغير الأديان.

अज्ञात पृष्ठ