وجرت بعد أشهر حفلة التنصير، فكان مشهد لم يسبق مثله في العظمة، وقبل أن تنتهي الأعياد سافرت أم الإمبراطور في حاشية كبيرة إلى إكس لاشابل لمعالجة الصداع، ثم تبعتها ابنتها إليزا، ولكنها لم تطل المكث في إكس، بل سارت منها إلى سبا حسب نصيحة أطبائها، وذهب أخوها لويس إلى كراس للتداوي من آلامه العصبية والشلل المصاب به بعد أن طرد طبيبه وتعلق بأحد الدجالين.
وكان لويس بونابرت كسائر الناس المصابين بالأرترتيسم معرضا للصلع، ومن نتائج الصلع الزكام والنزلات الصدرية؛ ولهذا أوصى في باريس بشعر مستعار يقيه مؤثرات الهواء، ثم اطلع في إحدى الجرائد على إعلان لمرهم نباتي ينمي الشعر ويقويه فسارع إلى شرائه.
وكان وهو على عرش هولاندا قد دعا من برلين الدكتور هوفيون، والظاهر أن علاجه لم يفلح فسار يهيم من بلد إلى بلد في استرجاع صحته، وعلى الرغم من شقائه هذا فقد كان يعتبر نفسه سعيدا لبعده عن الأعمال.
أما نابوليون فقد كان في هذه السنة 1811 يستعد لحملة روسيا، وقد عزم على قضاء فصل الصيف في إحدى البلدان المائية، ولكن الأحوال عاكسته، وكان فيما مضى عندما دعا كورفيزار إلى فينا قد سمع الجنرال كلاباريد يثني على حمامات أفن ويغرق في مدحها، فدفع ذلك الإمبراطور إلى أن يطلب من كورفيزار رسالة بهذا الموضوع يعرضها على جامعة مونبلييه، ولا سيما أن أفن قريبة منها، فأيدت الجامعة قول الجنرال وعقد الإمبراطور النية على تجربته هذه المياه، بل ذهب إلى أبعد من ذلك فافتكر في إنشاء مصح عسكري فيها لولا أحوال السياسة التي غيرت كل مشاريعه؛ لأن الأقدار كانت تدعوه إلى ناحية أخرى.
الفصل التاسع
الداء الخفي
من الكلام المأثور عن نابوليون وقد فاه به لأول مرة في حرب إيطاليا: «إن الصحة ضرورية في الحرب، ولا شيء في العالم يغني عنها.» وقد مرت به أحوال، وسنحت له فرص جعلته يرى في هذا القول شبه نبوءة، أجل، لا نريد أن نبالغ في وصف الأثر الذي يتركه هذا العامل العظيم عامل الصحة في تصرفات الإنسان، ولكن ما لا ريب فيه أن له - كما للظواهر الجوية والحوادث الطارئة - يدا في تغيير الخطط التي يرسمها الفكر الشرير وعرقلة المشاريع التي ينفعه في تدبيرها الذكاء والوقت بما ينطبق عليه قول الشاعر:
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ولم تكن حملة سنة 1812 - التي نظر إليها البعض بعين الإعجاب والإكبار كما رآها البعض الآخر جسارة لا تصدق - إلا واحدة من هذه الحوادث التي تظهر أن الأقدار تصرفها قبل فكرة الإنسان.
والأقدار كلمة نأتي بها لتخفيف مسئولية الإنسان وستر جهلنا في تفسير ما لا يفسر، فإذا أردنا أن نكون عادلين في الحكم فعلينا أن نبحث لنحدد تلك المسئولية.
अज्ञात पृष्ठ