وفي 9 أكتوبر سنة 1808 أرسل إليها يقول إنه شهد الرقص في فيمار، وقد رقص الإمبراطور إسكندر، أما هو فقد بلغ حد الأربعين؛ ذلك لأنه أخذ منذ ذلك الحين يشعر بالكبر المبكر فانتفخ وجهه، وخفت حدة بصره، وتجعد جبينه، واستدارت ذقنه، وسمن بدنه، وثقلت حركاته، وفقد سرعة الخاطر وتلك الطلاقة في اللسان.
وفي 18 أكتوبر عاد إلى سان كلود فلم يمكث طويلا لقرب حملة إسبانيا والنمسا، وبعد شهر جرح في راتيسبون فآساه الجراح إيفان، وكان الألم شديدا؛ لأنه لم يخلع حذاءه منذ ثلاثة أيام فتورمت رجله تحت الضغط، وكان قليل الصبر، فاعتلى جواده ورجله المجروحة لا تزال في يد الجراح، ثم سار بين الجنود يريهم نفسه ليطمئنوا فقابلوه بالتصفيق والهتاف.
ووصل الخبر مجسما إلى زوجته فكتب لها مطمئنا أن الرصاصة أصابته دون أن تجرح، فلا سبيل إلى انشغال بالها، وكتب مثل ذلك إلى ابنة عمه ملكة وستفاليا.
الدكتور إيفان في ملبسه الرسمي.
وبعد افتتاحه راتيسبون بأسابيع تعرض لخطر جديد، فإن رصاصة أصابته في رجله فخرقت حذاءه حتى الجلد، وكانت سبب تلك الكلمة التي قالها له أحد قواده: انسحب من هنا، وإلا أمرت رجالي بحملك. وأصابت رصاصة أخرى فخذ جواده فصاحوا جميعهم: إن لم ينسحب الإمبراطور حالا فإننا نضع السلاح ونكف عن القتال.
وكان قبل ذلك قد أحس وهو في شنبرون باعتلال فأشاروا عليه أن يرى الدكتور فرانك الشهير، وقد روى نابوليون عن نفسه سنة 1816 حكاية هذه الاستشارة الطبية، ومنها تتجلى للقارئ حالته الصحية سنة 1809، وتعطيه دليلا صادقا على مزاجه:
إن فرانك حقا لماهر، وقد عرفت هذا آخر إقامتي في فينا سنة 1809، فقد ظهر طفح جلدي في رقبتي أقلق أتباعي فألحوا علي أن أقابل طبيبا مشهورا هو فرانك، فلما جاء أظهر اهتماما كبيرا، وأشار باستعمال عقاقير وأدوية واتباع معالجة لا نهاية لها، فدعوت كورفيزار، وكان ذلك كافيا ليحيي الآمال الميتة، كنت مريضا ملازما فراشي، وقد ضاع رشدي، واضطرب الجميع من حولي، وصار كل يرسم خطته، فأسرع كورفيزار بالمجيء وهو يظن أنني أحتضر، فرآني أستعرض الجيش، ولما قابلته أخذت أضحك للتعجب الشديد البادي على محياه، وقلت له: أي كورفيزار، ما عندك من الأخبار؟ ماذا يقال في باريس؟ أتدري أنهم يعتقدون هنا أنني في خطر الموت؟ بي طفح جلدي خفيف وصداع، يزعم الدكتور فرانك أنه يحتاج إلى معالجة طويلة وصارمة، فما قولك؟ وكنت قد نزعت رباط رقبتي وأريته موضع الألم، فقال: آه يا مولاي، تدعوني من بعيد لأمر تافه كهذا؟! لا تمضي أربعة أيام حتى يزول أثره. وكان كما قال، فقد وضع على الجلد
Vėsicataisc
وكفى ذلك، وقبل أن يترك كورفيزار فينا ذهب لزيارة فرانك وشكره، بل لامه؛ لأنه كان الباعث على هذه السفرة المتعبة، وكان رجوعه لباريس سببا لإزالة قلق البعض وآمال البعض الآخر.
وقد زعم البعض - وفيهم البرنس نابوليون حفيد الإمبراطور - أن البثور التي ظهرت في رقبة عمه ناتجة عن احتكاك الجلد بنسيج السترة القاسي، وظن بعضهم أن معالجتها هي التي سببت له ألم المعدة، وأنه يكفي تهييج الجلد وإرجاعها لتذهب الأعراض الخفيفة، ولكن ذهاب الأعراض ليس دليلا على ذهاب العلة؛ ولهذا كان شفاء نابوليون شفاء ظاهرا، هل يستنتج من هذا أن كورفيزار أخطأ في معالجته أو أضره كما أشاع البعض بتعجيل سير الداء؟ إن الدكتور فرانك ابن فرانك الشهير ادعى ذلك، وقال: إنه شاهد غير مرة بين سكان لومبارديا من أصيب بسرطان في المعدة بعد التداوي من العلل الجلدية، فيكون الإمبراطور بدعوته كورفيزار ليقوم مقام الطبيب الألماني كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولا يخفى ما في هذا من المبالغة ولسنا هنا في مقام الدفاع عن كورفيزار، ولكن ما لا ريب فيه أنه كان أعلم من زميله الغريب بمزاج مريضه الشهير واستعداده وحالته الصحية، ومن المستحيل أن تكون معالجته قد قدمت أو أخرت في سير علة مجهولة في طبيعتها وفي أعراضها.
अज्ञात पृष्ठ