خانت سلمى زوجها ولم تجهد نفسها في اختيار الرجل، الذي لا تتم الخيانة إلا به، فالبيت في الليل مقصد زوار، والزوار لهذا البيت لا يحتاجون إلى إغراء، فهم يشترون المخدرات، وهي من تبيع لهم، والحديث بينها وبين المشتري سائر لا شك إلى الطريق. وقد كان المشتري يعرض وكانت البائعة تعرض عن كلامه، ولكنها حينما أرادت أن تخون أقبلت، وأصبح المشتري يعلم - وهو يشتري - أنها تبذل له مع المخدر نفسها، وأصبح وهو يشتري البضاعتين يدفع الثمن لكليهما جملة، فتأخذ سلمى ثمن بضاعتها وتحفظ لزوجها ثمن بضاعته.
وظل الأمر كذلك حتى عرض لها ضمن المشترين شاب صغير، لم يقف الأمر بينهما عند البيع والشراء، بل أخذ طريقه إلى الإعجاب، فأصبحت تمنحه بضاعتها بغير ثمن، بل لقد منحته أيضا من بضاعة زوجها دون أن تتقاضاه ثمنها، وإن كانت هي تعطي زوجها ماله كاملا.
وجدت سلمى في هذا الشاب كل ما كانت تفقده ولا تجده، ووجد هو فيها كل ما كان يؤمل فيه؛ فقد كان الفتى يحب أن تكون له زوجة في المساء إن خلا المساء من العمل، ولا يحب أن تكون له زوجة في الصباح مهما يكن صباحه فارغا، إلا أن سلمى كانت تريد لنفسها زوجا دائما لا يريم عنها في صباح أو مساء، فهي تطلب إلى هذا الفتى أن يتزوجها فيقول: كيف، وزوجك؟ - وما شأنك؟ - أيطلقك؟ - وهل لا بد له أن يطلقني حتى تتزوجني أنت؟ - إذن فما معنى طلبك هذا؟ ألا أتزوجك أنا في كل ليلة؟ - معناه أن نعيش معا في الصباح والليل. - وأين يمكن أن نعيش معا؟ - في أي مكان. - نهرب معا إذن! - ولم لا؟ - والله ... - أنت متردد. - لا أرى داعيا لهذا، فنحن هنا مبسوطون والحمد لله، لا ينقصنا شيء. - لا ينقصك أنت. - فما ينقصك أنت؟ - رجل. - ألا يكفيك رجلان؟ - تقصد نفسك وزوجي؟ - ألسنا رجالا؟ - أما هو فلا وجود له على الإطلاق، وأما أنت ... - نعم، وأما أنا ...؟ - وأما أنت فلا تأتي إلا مع الظلام، ولا أراك إلا في نور المصباح الباهت. - وفيم تهمك رؤيتي في نور الصباح؟ - أريد أن أملكك جميعا، أريد كلك، أريد أن أحس بالرجل الوحيد الذي أحببته، أريد نفسي أن تطمئن إلى هذا الركن الذي اخترته لحياتي، أريدك. - وكيف نصل إلى هذا الأمل وأنت زوجة لرجل آخر؟ - زوجة لوهم مضى وحلم تبدد، لا أراه - حين أراه - إلا وهو يعد نقوده، ويسلم بضاعته، أو يتسلمها. - ولكنك على ذمته! - وما يهمك؟ - أخاف أن يتعقبني. - أتخاف أنت ولا أخاف أنا؟ - أنت تريدينني جميعا، وأنا لا أريد منك إلا ما أنال. - أيكفيك هذا مني؟ - وهل هناك أكثر من هذا؟ - نعم هناك. - ماذا؟ - أموال وفلوس، نهرب معا، ونتاجر معا. - وزوجك؟ - ألا تزال خائفا؟ - والله مسألة الفلوس هذه ... - ما لها؟ - عظيمة. - إذن. - متى نهرب؟
وهربت الزوجة مع بضاعتها جميعا من مخدرات وآدميين، وعاد الزوج فوجد البيت خاليا، فخرج يسأل الناس عن زوجته فوجد بلاهة عن الإجابة وخوفا من الإفصاح، وطالعه من وجوه الرجال إشفاق فيه كبر، ومن وجوه النساء بسمة فيها اعتزاز وفيها ألم، ولكنه التقى بالاحتقار من الرجال والنساء جميعا، ومن ضجيج البلاهة والخوف والإشفاق والكبر والعزة والاحتقار عرف النمرود الإجابة، ولم يعد إلى بيته، بل لم يقم في البلدة جميعا وإنما تركها من فوره، ولم يعد إلا بعد ثلاثة أشهر وفي يده جريدة تتحدث عن امرأة قتيل لم تعرف شخصيتها. وراح هو يؤكد أن هذه القتيل هي زوجته، وأما القاتل فقد كان يترك لذكاء سامعه أن يستنتجه.
وهكذا، جعلت هذه الأكذوبة من خزيه فخارا، ومن خجله تبجحا، ومن هربه عن القرية إقامة فيها مطمئنة، يحيط به من كل مكان تملق راجف واحترام مذعور.
عاد النمرود إلى بيته القائم في أقصى القرية، وجعل منه منتدى لأبناء الليل يجتمعون فيه على غابة تغيب بهم عن الوعي.
وكان العمدة على علم بهذا المنتدى، ولكنه يغضي عنه عينا مشغولة بالمأمور والمعاون والرشاوي الصادرة عنه أو الواردة إليه.
وكان منصور الدفراوي كبير مجرمي الناحية هو زعيم المنتدى، يتحلق حوله المعجبون والخائفون من سيرته، والمتملقون الذين يريدون أن يتقنوا فن النفاق ويمرنوا عليه، ولكن هؤلاء جميعا كانوا يلمون بالجلسة فلا يلبثون إلا قليلا ثم ينفضون عنها، وتخلص الجلسة إلى الأربعة الزعماء؛ منصور الدفراوي، وهلال النمرود، والزهار عبد السيد، ونور الكحلة.
أما منصور فهو القاتل المحترف، وأما هلال فهو الزوج الذي انصرفت عنه زوجته والذي ادعى أنه قتلها، وأما الزهار ونور فنحن في طريقنا إلى الالتقاء بهما.
فالزهار فلاح قديم دخل القرعة العسكرية، ولكنه ما لبث أن قضى فترة الخدمة العسكرية في الحبوس؛ فقد تعود منذ كان فلاحا أن يسرق المالك ما أمكنه إلى ذلك سبيل. أما اليوم وقد دخل العسكرية فإنه لم يجد مالكا ليسرقه إلا الحكومة والزملاء، فسرق من كليهما وتعود الحبس، ولم يتعود من العسكرية إلا اللمم؛ فقد تعلم كيف يصيب الهدف، وتعلم كيف يسير في دقة وكيف يميل بالطاقية الصفراء، وكيف يفتح الزر الأول من أزرار الجلباب، وتعلم من العسكرية أنه لن يمسك بالفأس مرة أخرى، وتعلم من العسكرية العجز الكامل عن أي عمل يمكن أن يعهد به إليه، اللهم إلا الوقوف في الطابور. ولما كان الزهار لا يجد طابورا خارج العسكرية، ولما كان لا يجديه نفعا طاقيته المائلة أو زره المفتوح أو مشيته المنتظمة، فإنه لم يجد عملا آخر الأمر إلا السرقة التي كانت عنده - قبل العسكرية وأثناءها - هواية، فجعل منها احترافا وانضم إلى جماعة المخدرات مساعدا للنمرود في تجارته، وعضوا في منتداه، ولكن تابعا وليس متبوعا ينفذ الأوامر ولا يصدرها.
अज्ञात पृष्ठ