وكاد النقاش يحتدم، وكاد يصل بالشيخ والفتى إلى ما لا تحمد عواقبه، فلم يجد الحاج إبراهيم بدا من أن يصرف كمالا فينصرف بعد أن يقول للحاج إبراهيم: والله لأجل خاطرك يا عم الحاج إبراهيم، لأجل خاطرك فقط.
ينصرف كمال، ويقبل الحاج إبراهيم على الجماعة في إقبال على الحديث، وعلى تصريف الأمور السياسية والاقتصادية.
يترك كمال هذا المجمع الكريم من قادة القرية وزعمائها، معزيا نفسه أن له مجلسا آخر بين قوم آخرين يعرف لنفسه مكانا بينهم، ومهما يكن هذا المكان قاصيا غير كريم إلا أنه - على أية حال - مكان.
3
في أقصى القرية بيت قائم بذاته لا يحيط به سكن، اختار صاحبه مكانه بعيدا عن الناس، ولم يكن اختياره هذا عفوا أو ليفكر في خالق الليل والنهار - كما يطيب له أن يقول - وإنما اختاره خصيصا ليعصي فيه ومنه خالق الليل والنهار، معصية لا يتوقف شرها على مرتكبها، وإنما هو يبيع المعصية لكل راغب فيها، مدمن لها، متكالب عليها.
يملك هذا البيت هلال النمرود، وفي هذا البيت كان يتاجر في المخدرات، وفي هذا البيت تزوج النمرود من سلمى بعد أن أحبها، وقد بنى لها هذا البيت من المكاسب التي سكبتها عليه تجارته.
وقد ظل النمرود يمارس تجارته في بيته هذا بعد زواجه من سلمى، وظلت أمواله تتكدس وتزيد، ولكنه قابض يده فلا يخرج منها إلا ما يبقي له ولزوجه الحياة، وكانت زوجته تحاول جهدها أن تفك يده المغلولة تلك ولكن هيهات، فهو يحافظ على تلك الأموال حتى ينمي تجارته، فقد كانت تجارته تلك حبيبة إلى نفسه؛ فقد أكسبته مالا وزوجة وبيتا، بل أكسبته أيضا اسما؛ فإن اسم النمرود الذي أطلق عليه قد جاءه من تجارته، ومن مهارته في تصريف بضائعه.
لم تستطع سلمى أن تنجب لزوجها بنين أو بنات، فكانت تجارته عنده هي البنين والبنات، فلها وحدها يختزن المال، ولها وحدها يسهر الليالي الطوال ويجوب المخاطر ويغشى الأهوال.
والزوجة قابعة في بيتها فلا مال في يدها ولا ولد لها ولا زوج بجانبها، فسرعان ما زالت عن هلال لهفة الحب الأولى وأصبح لا يرى فيها إلا امرأة عقيما لا عمل لها إلا أن تفتح عليه أبواب الخراب.
وهكذا وجدت سلمى نفسها قد فقدت كل شيء، ولم يبق لها إلا تركة حواء، امرأة، امرأة عطشى إلى الحياة، مشوقة إلى الولد، مهجورة من الزوج، متجردة عن الحياة، والليل طويل والزوج بعيد، والشباب فوار، والذئاب كثير، والبيت منفرد، فخانت.
अज्ञात पृष्ठ