इस्लाही हरकतें
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
शैलियों
وقد أثارت الحركة الوهابية عند ظهورها جدلا كثيرا، فأيدها الكثيرون وعارضها الكثيرون، ومن الغريب أن أشد الناس معارضة للشيخ محمد عبد الوهاب كان أخاه الشيخ سليمان مؤلف كتاب «الصواعق الإلهية»، وهو ينكر على أخيه مرتبة الاجتهاد، ويعارض تفسيراته بتفسيرات تقابلها، ويعتمد في مناقشته على نفس المراجع التي يعتمد عليها أخوه، وهي كتب ابن تيمية وابن القيم، وأهم ما ينتقد فيه أخاه مسألة تكفير المسلمين المتعلقين بالبدع والخرافات؛ فسليمان يلتمس لهؤلاء العذر من جهلهم، ويرى أن تعلقهم بالبدع خطأ ناشئ عن الجهل، ومن الواجب تبصيرهم بأمور دينهم، أما محمد بن عبد الوهاب فيغالي ويعتبر هذا التعلق إثما، ويكفر صاحبه، ويعتبر بلاد هؤلاء المسلمين دار حرب ويدعو لجهادهم، وسليمان يقول مثلا في معرض مناقشته لآراء أخيه: «إن هذه الأمور حدثت من قبل زمن الإمام أحمد، وفي زمان أئمة الإسلام، وأنكرها من أنكرها منهم، ولا زالت حتى ملأت بلاد الإسلام كلها، وفعلت هذه الأفاعيل كلها، تكفرون بها، ولم يرو عن أحد من أئمة المسلمين أنهم كفروا بذلك، ولا قالوا: هؤلاء مرتدون، ولا أمروا بجهادهم، ولا سموا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم! بل كفرتم من لم يكفر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها، أتظنون أن هذه الأمور من الوسائط التي يكفر فاعلها إجماعا، وتمضي قرون الأئمة من ثمانمائة عام ولم يرو عن عالم من علماء المسلمين أنه كفر؟! نبهنا الله وإياكم من الضلال.»
ومما أخذه المعارضون على الحركة الوهابية كذلك تزمتها الشديد واتهامها لكل من لا يأخذ بمبادئها بالكفر والمروق، واقتصارها على الدعوة إلى إصلاح الروح والعقيدة بالارتداد إلى الإسلام الأول، وإهمالها ناحية الإصلاح المادي، بل لقد غالى الوهابيون في أول عهدهم، فاعتبروا المخترعات الأوروبية الجديدة - كالتلغراف والسيارات والتليفون - من البدع المستحدثة التي لا يرضى عنها الدين.
ولقد عاصر الحركة الوهابية حركة إصلاحية أخرى في مصر؛ هي حركة محمد علي، ولكنها عنيت بالناحية الحضارية المادية وبالنقل عن أوروبا؛ لأنها أدركت أن سر تفوق أوروبا يرجع إلى نهضتها العلمية، ولو أن الحركتين اتفقتا وتعاونتا لنال العالم العربي الإسلامي خير كثير؛ لأن العالم الإسلامي حين كان قويا مرهوب الجانب لم تقم قوته على الدين وحده أو على الحضارة المادية وحدها، وإنما قامت عليهما جميعا.
ولكنه لم يكن من طبيعة الأشياء أن يدعو محمد بن عبد الوهاب هذه الدعوة المزدوجة؛ لأن ثقافته كانت دينية بحتة، وتأثر فيها بأساتذة من المتشددين من أمثال ابن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية الذين يلتزمون الأصول، ولا يحيدون عنها قيد شعرة، وهو في رحلاته زار بلادا إسلامية لم تكن تعرف حتى ذلك الحين شيئا عن الحضارة الأوروبية الحديثة أو العلوم الأوروبية.
ولكن فشل الدعوة الوهابية كان فشلا ظاهريا ومؤقتا؛ فإن السعوديين لم يلبثوا أن حاولوا تكوين دولتهم من جديد، وقد نجحوا، ثم حاولوا بعد هذا النجاح أن يوائموا بين المبادئ الوهابية وبين مقتضيات المدنية الحديثة، فعدلوا نظرتهم إلى البلاد الإسلامية الأخرى، واعتبروا أهلها مسلمين، وفتحوا الأبواب لمظاهر المدنية الحديثة، فاستعملوا التلغراف والتليفون والراديو والسيارة والطيارة، وأخذوا يعملون لنشر التعليم المدني إلى جانب التعليم الديني.
أما الدعوة نفسها فقد كانت أعمق جذورا وأقوى آثارا خارج بلاد العرب؛ ففي مواسم الحج اجتمع المسلمون من مختلف أجزاء العالم الإسلامي في مكة والمدينة، واستمعوا إلى دعوة محمد بن عبد الوهاب ومبادئها، وآمن الكثيرون منهم بها، وتحمس لها البعض من القادة المصلحين، فلما عادوا إلى بلادهم أخذوا يعملون على نشرها؛ لهذا لم يكن من الغريب أن كل الحركات الإصلاحية التي ظهرت في العالم الإسلامي في أواخر القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر كانت كلها دعوات دينية، كما كان معظمها متأثرا بالدعوة الوهابية، سائرا على نهجها. •••
ففي اليمن، وفي نفس الوقت ظهر الإمام الشوكاني (1172-1250ه/1758-1834م) ودعا دعوة مشابهة لدعوة ابن عبد الوهاب، فنادى بمحاربة البدع والتقليد، ونادى بالاجتهاد. حقيقة أنه لم يتصل بابن عبد الوهاب ولم يأخذ عنه، ولكن الدعوة واحدة؛ لأن المقدمات والأسباب التي أثرت في الرجلين واحدة، ولأن المنبع الذي صدرا عنه كان واحدا؛ فإن الشوكاني تأثر بمبادئ ابن تيمية؛ ولهذا ألف كتابه «نيل الأوطار» لشرح كتاب ابن تيمية «منتقى الأخبار»، ثم ألف بعد ذلك رسالته «القول المفيد في حكم التقليد»، وقد أثارت دعوته مناقشات كلامية وجدلا فقهيا عنيفا بينه وبين معاصريه من العلماء، وخاصة في صنعاء، ولكنها لم تخرج عن هذا النطاق، ولم يصطنع الشوكاني العنف والقوة كما فعل محمد بن عبد الوهاب. •••
وفي أوائل القرن التاسع عشر حج الزعيم الهندي السيد أحمد بن عرفان، واعتنق المذهب الوهابي، فلما عاد إلى بلاده بذل جهودا صادقة لنشره في إقليم البنجاب، وحارب البدع والخرافات حربا عنيفة، وأنشأ دولة وهابية، وامتد سلطانه حتى هدد شمال الهند، وهاجم الوعاظ ورجال الدين، وأعلن الجهاد على كل من لم يؤمن بمذهبه أو يعتنق دعوته، وأن الهند دار حرب، وقد أثار بحركته المتاعب الكثيرة للحكومة الإنجليزية، ولكنها قاومته وأتباعه إلى أن أخضعتهم.
والسيد أحمد بن عرفان البريلوي
Ahmad Brelwi (1201-1246ه/1786-1831م) مصلح ديني مجاهد، أبوه محمد عرفان، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي، ولد في 6 صفر سنة 1201ه/28 نوفمبر سنة 1786م في مدينة بريلي
अज्ञात पृष्ठ