وساءل نفسه مرة: لماذا يقومون بالخدمة كالفقراء؟ لماذا يقومون بالكنس والرش والسقي؟ أليسوا في حاجة إلى خادم أمين؟! - البوابة تناديه، تهمس في قلبه أن اطرق، استأذن، ادخل، فز بالنعيم والهدوء والطرب، تحول إلى ثمرة توت، امتلئ بالرحيق العذب، انفث الحرير، وسوف تقطفك أيد طاهرة في فرح وحبور.
وملكه الهمس الناعم فمضى إلى الباب المغلق وهتف بخشوع وأدب: يا أهل الله.
وكرر النداء مرات.
إنهم يتوارون، لا يردون، حتى العصافير ترمقه بحذر، يجهلون لغته ويجهل لغتهم. الجدول كف عن الجريان، الأعشاب توقفت عن الرقص، لا شيء في حاجة إلى خدماته.
فتر حماسه، انطفأ إلهامه، جلله الحياء، عاتب نفسه، عنف عشقه، شد على إرادته، قبض على شاربه الشامخ، قال لنفسه: لا تجعل من نفسك حديث كل من هب ودب.
وتراجع وهو يقول: انصرف عن الذين يرفضون يدك لأنهم في غير حاجة إليها، وابحث عمن هم في حاجة إلى خدماتك.
ذهب وجاء وراء اللقمة. يجد زفافا فيتطوع للخدمة، أو يصادف مأتما فيتطوع أيضا. يتقدم لمن يريد حمالا أو رسولا، يرضى بالمليم أو بالرغيف أو حتى بكلمة طيبة.
وصادفه رجل ربعة قبيح الوجه كأن أصله فأر، فناداه قائلا: يا ولد!
فذهب إليه عاشور بأدب واستعداد للخدمة فسأله: ألا تعرفني؟
فأجابه مرتبكا: اعذر غريبا جهلك.
अज्ञात पृष्ठ