हक़ाइक़ मारिफ़ा
حقائق المعرفة
शैलियों
وقد ذكر عمرو بن بحر الجاحظ رحمه الله مثل هذا، ومثل فأحسن في كتاب الدلائل فقال: فكر في تقدير هذه القوى للحاجات إليها، والمآرب فيها، وما في ذلك من التدبير والحكمة، فلولا القوى الجاذبة لما كان الإنسان يتحرك لطلب الغذاء الذي به قوام البدن، ولولا الممسكة كيف كان الطعام يلبث في الجوف حتى تهضمه المعدة، ولولا الهاضمة كيف كان ينطبخ حتى يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن، ويسد خلله، ولولا الدافعة لما كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع ويخرج أولا أولا. أفلا ترى كيف وكلت هذه القوى بالبدن، والقيام بما فيه صلاحه، فصار البدن يمنزلة دار للملك فيها له حشم وصبية وقوام موكلون بالدار، فواحد لاقتضاء حوائج الحشم وإيرادها عليهم، وآخر لقبض ما يرد وخزنه إلى أن يعالج ويهيأ، وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه في الحشم، وآخر لكسح ما في الدار من الأقذار وإخراجه منها. فالملك في هذا المثل هو الخلاق الحكيم، ملك العالمين، والدار هي البدن، والحشم هم الأعضاء، والقوام هي هذه القوى الأربع، فهل هذا إلا تفضل ونعمة من الله تعالى، بل هذه الأفعال التي تحدث حالا بعد حال أفعال الله سبحانه، يفعل ذلك في أوقات حدوثه لما يعلم من مصالح خلقه، ولا يكل ذلك إلى تدبير غيره، وإنما كان ضرب المثال لتقريب ذلك إلى الأفهام.
ومما يدل على عظم هذه المواهب والنعم أن العبد الفقير المملوك الذي يكون من أدنى الناس منزلة، وأقلهم نعمة فإنه قد أعطي جميع ما ذكرنا من تمام الخلق، وحصول الآلة، والصحة والسلامة والعافية.
पृष्ठ 246