ومن حب الناس للوطن، وقناعتهم بالعطن، أن إبراهيم لما أتى بهاجر أم إسماعيل مكة فأسكنها، وليس بمكة أنيس ولا ماء، ظمئ إسماعيل فدعا إبراهيم ربه فقال: " رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم "، أجاب الله دعاءه إذ رضى به وطنا، وبعث جبريل عليه السلام فركض موضع زمزم برجله، فنبع منه زمزم.
ومر بإسماعيل وأمه فرقة من جرهم، فقالوا: أتأذنون لنا أن ننزل معكم؟ فقالت هاجر: نعم ولا حق لكم في الماء، فصار إسماعيل وولده قطان مكة، لدعوة إبراهيم عليهما السلام.
نعم، وهي مع جدوبتها خير بقاع الأرض، إذ صارت حرما، ولإسماعيل وولده مسكنا، وللأنبياء منسكا ومجمعا على غابر الدهر.
وممن تمسك من بني إسرائيل عليه السلام بحب الأوطان خاصة، ولد هارون، وآل داود؛ لم يمت منهم ميت في إقليم بابل في أي البلدان مات، إلا نبشوا قبره بعد حول، وحملت رمته إلى موضع يدعى الحصاصة بالشام فيودع هناك حولا، فإذا حال الحول نقلت إلى بيت المقدس.
وقال الفرزدق:
لكسرى كان أعقل من تميم
ليالي فر من بلد الضباب
فأسكن أهله ببلاد ريف
وجنات وأنهار عذاب
पृष्ठ 411