ليلى :
لماذا؟
أسامة :
لأنك لن تجديه، لن تجديه يا ليلى. (يقترب منها، ويأخذ الحقيبة من جوارها، ويتجه إلى داخل البيت. تبقى ليلى وحدها في الصالة، تضع رأسها بين يديها وتبكي.) (يسدل الستار.)
ليست عذراء
أقفل الحاج بدوي دكانه بالقفل، ونفض يده من التراب، ثم أدخلها في جيبه، وأخرج قرن قرنفل وضعه تحت ضرسه، الذي يؤلمه من ثلاثة أيام، ولم يخرج ورقة النشوق كعادته؛ ليشم ويعطس؛ فقد كان مهموما حزينا، نفسه مصدودة عن النشوق وعن كل شيء.
حتى إنه حينما مر في طريقه على قهوة بيومي، التي يجلس عليها كل ليلة مع الحاج محمد؛ ليشرب الجوزة ويدردش، ويراقب الست حمدية، وهي تجلس وراء الشيش الموارب، وعلى رأسها المنديل الحرير الأحمر، الذي يلتهم حاجبها الأيمن، ويترك حاجبها الأيسر متدليا على عينيها العسلية المنكسرة.
لم يستطع الحاج بدوي أن يعرج على القهوة، ولا حتى أن يلتفت إليها، بل مر من بعيد وهو يكبس عمامته على رأسه لتخفي جبهته، إنه لا يريد أن يراه أحد، ولا أن يرى هو أحدا، يكفيه ما سمعه من الناس، الذين ليس لهم عمل منذ ثلاثة أيام إلا الحديث عن الحاج بدوي، وشرف الحاج بدوي، وسيرته على كل لسان منذ ليلة الفضيحة، ولولا تجارته وحاجته إلى القروش التي يكسبها، من بيع البهارات والقرنفل والجنزبيل، لولا ذلك لبقي في بيته لا يبرحه أبدا.
ووصل الحاج بدوي إلى بيته وهو يلهث، إنه لم يتعود المشي السريع هكذا، وأخرج المفتاح من جيبه وفتح الباب، ودخل حجرة النوم، وأخذ يخلع ملابسه في تثاقل، ثم وثب على السرير، وحينما وضع رأسه على الوسادة، سمع شخير زوجته الخافت وهو يعلو على أنفاسها، فالتفت إليها وهي غائبة كالموتى في نوم عميق، وأخذ يتأمل بشرتها ذات التجاعيد، وشفتيها اليابستين، ومصمص شفتيه بازدراء، وأعطاها ظهره وهو ينفخ، وغطى رأسه باللحاف لينام، لكن صورة سعدية بملابس العرس ظهرت أمامه وهي تجلس في وسط كوشة من البنات والأزهار، وعلى رأسها تاج أبيض، والعريس ببدلته الكحلي يروح ويجيء بين الناس، والناس يبحلقون في الناس ويشربون الشربات بالأربعة أكواب، والصوان الفخم مقام، وصوت الميكروفون يذيع الأغاني والزغاريد، وإيقاع الرقص والصاجات، وحي السيدة زينب الذي يبيت كل ليلة بعد صلاة العشاء، ساهرا في نوافذه يطل على ذلك العرس النادر، ويحكي قصة العريس والعروس مئات المرات.
وقلب الحاج بدوي فجأة وجهه ناحية زوجته، ولمعت عيناه الضيقتان كعيني الصقر، وهو يتأمل عظام فكيها البارزة المدببة. إنه لا يذكر أن رأى لزوجته وجها غير هذا الوجه، ولكم دعا في كل ليلة بعد زفافه على أم يوسف الخاطبة، ولعنها ولعن أجدادها، وبصق عليها وعليهم. عشر سنين مضت، وهو في كل ليلة يصب اللعنات على رأسها كلما رأى وجه زوجته.
अज्ञात पृष्ठ