فان قيل فانا قد نجد العروق من الحجارة والرمل على وجه الارض ولم نجد الماء يخرج فيه، فالجواب فيه انه لو اتصل هذا العرق الذى على وجه الارض بالماء الذى تحت الارض لخرج الماء لا محالة وانما امتنع من ذلك من اجل ان العرق انقطع دون الماء تحت الارض فلم يصل الى الماء واذا كان العرق رخصا كان الماء كثيرا معينا وان كان رملا كان دون ذلك فى القوة والكثرة فهذا اصل بعد مياه الآبار لان بهذا العروق التى ذكرنا ربما انقطعت قبل ان تصل الى وجه الارض بقامة او قامتين او اكثر من ذلك فبقدر ذلك يكون بعد الماء وقربه وكثرته وقلته وربما كان احد العرقين حصى والآخر رملا فكان الماء المندفع فى الحصى اكثر واقوى كما ذكرنا قبل هذا، واما اذا كان العرق كدانا فلا يكون الماء منه الا رشحا لا خطر له، لان الكدان يمسكه بقوة فيندفع شيئا بعد شىء فهذه علة فى الكثرة والقلة وغير ذلك.
فصل: واذا فتح رجل بيرا فى موضع وخرج له من الماء ما يكفيه ثم فتح رجل آخر الى جنبه بيرا ووافق ذلك العرق الذى تندفع فيه المادة الى البير الاول فامعن هذا الآخر بالحفر ولم يقنع بما خرج له من الماء ووصل الحفر الى الطين الذى على الماء وثقبه واخذ الماء على الحصى، فاذا فعل هذا رجعت المادة من البير الاول الى الثانية لان ماء البير الاول كان رشحا فلم يثبت الا طول ما كان مسجنا تحت الارض ولم يجد منفذا الى غير الاول ولو ان صاحب البير الاول كسر الطين واخذ الماء الحصى لم ينقص فى بيره الماء البتة ولو قربت البير الاخرى من بيره على ذراعين او ثلاثة ولهذه العلة يشتكى الناس الضرر بعضهم من بعض فى الآبار المتجاورة التى تكون فى سطح واحد، وتندفع المواد اليها من عرق واحد وذلك ان المواد الضعيفة تنجذب الى القوية ووجه العمل فى هذا اذا نزل ان ينظر الى عمق البير القديمة، فيعرف قدر ذلك وتستطعم فيعرف طعمها ثم ينظر الى البير المحدثة وتستطعم ايضا ويوخذ بعدها فان كان طعمها واحدا او وجد البير المحدثة اكثر انخفاضا واعمق من القديمة علم ان ماء البير القديمة انحط الى البير المحدثة فيحكم عليه بما توجبه السنة من الردم وقد كان الوجه عندنا فى ذلك ان يومر الآخر بردم بيره، اذ العلة فى ذلك بينة وهو ما ذكرناه واما اذا استطعمت البيران فكان طعمهما مختلفا وهى مختلفة فى البعد فلا اعتراض لواحد منهما على صاحبه لان ماء البيرين ليس من عرق واحد وكذلك ان كان طعمهما واحدا وكانت البير القديمة اعمق من المحدثة لم يحكم لصاحب البير القديمة على صاحب المحدثة بشىء واذا اشتكى صاحب البير القديمةالضر من البير المحدثة وصاحب البير القديمة لا ينقص ماؤه ولكنه يشتكى الضرر لقربها منه، فوجه العمل فى ذلك ان تعلق على البير المحدثة ساقية ودابة ويزق ماؤها يوما كاملا، فاذا افعل ذلك ولم ينقص الماء من البير القديمة فلا ضرر فى البير المحدثة عليه ولو كان بينهما من القرب مقدار عشرة اذرع وهذا وجه صحيح ان شاء الله.
पृष्ठ 178