وأول الوجائب في الوظيفة أن تكون الغاية من إحداثها تحقيق منفعة عامة ضرورية لا يستغنى عنها ولا يمكن تحقيقها إلا بإحداث هذه الوظيفة، وبغير هذا الشرط لا تكون الوظيفة مشروعة، بل تكون شكلًا من أشكال الاستبداد كما لو أحدثت لمنفعة شخص أو لإرشائه أو لتأمين مصلحة خاصة لحزب من الأحزاب، أو جمعية من الجمعيات السياسية.
وثانيها أن يُختار من الأشخاص أقدرهم على تأمين هذه المنفعة وأن يُراعى في اختياره الكفاية الشخصية والمواهب الذاتية، لا الأسرة ولا اللون الحزبي ولا الشفاعات.
ولهم بعد ذلك حقُّ الطاعة على الرعيَّة من غير أن تحتاج عقودهم وأعمالهم ومقرراتهم إلى المصادقة الفردية من جميع المحكومين أو تحتاج إلى حكم قضائي. يؤيد ذلك اعتبار الحكام (الموظفين) منتخبين من قبل الشعب، وحائزين لثقته، وأنهم (لما هم عليه من الصفات والمزايا) أقل خطأً من سائر الأفراد، وأنه لو أعطي الأفراد حق الاعتراض على كل العقود العامة وإقامة الدعاوى دائمًا لأدَّى ذلك إلى الفوضى وعرقلة سير القضايا العامة وضياع المصلحة التي من أجلها أوجدت الحكومة.
وبديهي أن حق الطاعة لا يكون للحكام إلا إذا اتَّبعوا الدستور وساروا على القوانين والعادات المرعية.
ومن حقِّ الموظفين الذين انقطعوا عن الكسب لأنفسهم وعن تأمين مصالحهم الخاصة أن تؤمَّن هذه المصالح من قبل الدولة وأن يُمنحوا بعض الامتيازات، ويتمتعوا ببعض الحصانات.
أي أن للموظف قبل كل شيء أن يأخذ راتبًا من خزانة الدولة ولكن كيف يقدَّر هذا الراتب؟ وما هو الأسلوب الصحيح لتعيين مقداره المشروع؟
جاء في البخاري عن عائشة: «أن أبا بكر، ﵁، لما استخلف قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي وشُغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال».
1 / 64