وخير ما يمكن أن يقال فيها إنها تمثيل شخصية الدولة الحقوقية، والتعبير عن إرادتها، وقديمًا كان يشبِّهها فريق من العلماء بالوصاية، ويرون الحكام بمثابة أوصياء على الشعب، ثم اتَّضح أن الوظيفة لا تشبه الوصاية بشيء، وأنها أقرب إلى الوكالة. فَسادَ الرأيُ بأن الحكام وكلاء عن الشعب يقومون بأعمالهم بالنيابة عنهم، ويعبِّرون عن إرادتهم؛؟ بيد أن هذه الوكالة تحتاج إلى موافقة جميع الأفراد، وهذا غير واقع ولا ممكن. فما هي طبيعة هذه الوظيفة إذن؟
إنها كما قلنا من طبيعة خاصة لاشبيه لها في الحقوق الخاصة. «وغاية ما يستطاع أن يقال في هذا الشأن هو تشبيه الحكام - كما أشار إلى ذلك الأستاذ هريو (Hauriou) - بالمتبرعين بالعمل، أي بأفراد يقومون بإدارة مصالح الدولة من دون أن يعهد إليهم بها من قبل جميع الأفراد الذين تتألف منهم الجماعة، ولكن هذا التبرع يختلف عن مثيله في الحقوق الخاصة بأنه لا يحتاج إلى إجازة المتبرع له» (١).
وكون الوظيفة ضرورية يُبَرِّرُ هذا الوضع الشاذَّ للسلطة العامة، أو هيئة الحكام أو الموظفين.
حقوق الموظفين ووجائبهم:
تبينَّ أن تقسيم الهيئة الاجتماعية إلى طبقة الحكام (أعني الموظفين) والمحكومين (أي الشعب)، وتكليف المحكومين بالعمل والكسب لإعالة الحاكمين ضرورة حيوية، ولما كانت القاعدة في الضرورة أنها تقدَّر بقدرها، وأن لها أحكامًا خاصة، وجب أن يمنح هؤلاء الحكام (أي الموظفين) أقلَّ قسط ممكن من الحقوق، لتخفَّ أحمال الشعب، وتقلَّ أتعابه، ويحملوا أكبر مقدار من الوجائب، ليتحقق على أيديهم أكبر قسط ممكن من الخدمة العامة.
أما أن يكون على الموظفين وجائب فأمرٌ أساسي اقتضته طبيعة الوظيفة؛ أما أن يكون لهم حقوق، فأمر ناشئٌ عن تلك الوجائب، يستحيل قيامهم بها دون الحصول على هذه الحقوق.
_________
(١) عن الأستاذ ج. ستيف في كتابه الحقوق العامة الشاملة.
1 / 63