रास्ते में
في الطريق
शैलियों
فقال المدير: «الحقيقة أنها مسألة غريبة.. كنت أمس أقرأ كتابا لعبد القادر التميمى، وهو كاتب مصرى وشاعر أيضا.. وإن كان شعره قد ضاع بإهماله - أو على الأصح - لأنه هو أبى أن ينشره لأنه كان يستضعفه ولا يرى رأى الناس فيه. وقد كان مشهورا منذ أربعين سنة، ثم اختفى فجأة ولايدرى أحد أهو حى فيرجى أم ميت فيبكى.. وقد رجعت اليوم إلى المستدرك - وأشار بيده إلى الكتاب الذى بين يديه - وهو كما تعلم الجزء الرابع من كتاب الأعلام للزركلى، فوجدت فيه نبذة عن الرجل فيها تاريخ ميلاده وأسماء كتبه إلى آخر ذلك، وليس فيها تاريخ لوفاته. والمفهوم من هذا بداهة، أنه كان حيا حينما صدر الجزء الرابع من الأعلام - أعنى المستدرك. ولعل صاحب الأعلام لم يقف على تاريخ لوفاته إذا كان قد مات، ولكنه كان حينئذ خليقا أن يذكر تاريخا تقريبيا لوفاته على عادته. لهذا أرجح أن الرجل كان حيا وقت صدور الكتاب. ولكن المسألة تبقى مع ذلك بلا حل ... فهل هو لا يزال حيا؟ أم تراه مات؟ وأين؟ هذه هى المسألة. ولست أعتقد أن فى وسعك أن تساعدنى، ولكن أدر المسألة فى خاطرك عسى أن تهتدى إلى شىء فتخبرنى؟ إذا سمحت ولك الشكر».
ونهض واقفا إيذانا بانتهاء المقابلة.. ولكن سعيدا كان مطرقا، وكان يفرك جبينه بأصابعه، فلم ير المدير يقف.. فعاد ذاك إلى مقعده على مهل وقد جال بذهنه أن لعل هذا الشاب يعرف شيئا أن يصغى إليه، وتنبه سعيد ورفع رأسه وقال وعينه على السقف: «عبد القادر التميمى؟ أى نعم.. أذكر هذا الاسم، وإن كنت لم أقرأ له شيئا. قرأت عنه ولكن لم أقرأ له، وسمعت من أستاذنا فى الجامعة أن الناس فى عصره كانوا فى حيرة من أمره، وكان أكثرهم لا يعرف له جدا من هزل.. وكان يتهكم بكل شىء.. كل شىء حتى نفسه. وكان أسلوبه جديدا فى بابه فأخذ الناس على غرة وكثر مقلدوه، ولكنهم أخفقوا فأقصروا».
وهنا تململ المدير، فما كانت به حاجة إلى من يصف له الرجل.. وإنما كانت حاجته إلى من يدله عليه أو على مكان قبره.
ومضى سعيد فى كلامه غير عابئ بضجر المدير، فقال: «نعم.. وأذكر أن أستاذنا قال: إنه رحل من مصر وخلف أسرته بها، وترك لها كل ما جمع من مال. وكان ابنه قد كبر وصار ذا عمل يكسب منه رزقه، ولم يرجع الأب بعد ذلك.. ولكن من المحقق أنه لم يمت وإن كانت أخباره قد انقطعت.. نعم أذكر هذا».
فقال المدير: «أواثق أنت من ذلك»؟
قال سعيد: «كل الثقة.. ولكن أين هو؟ لا يدرى أحد».
قال المدير: «ولكنه إذا كان لا يزال حيا - لابد أن يكون الآن قد جاوز الثمانين.. انتظر.. ولد.. ولد.. نعم.. سنة 1850، فهو الآن فى السادسة والثمانين؟ يألله! أتظن؟ أنى لا أكاد أصدق، لقد كان معروفا عنه أنه مسرف فى إنفاق حياته.. لا يبالى أعاش أم مات.. فكيف يمكن..»؟
فقال سعيد: «مثل هؤلاء الذين لا يبالون أعاشوا أم ماتوا هم الذين يعمرون».
فقال المدير وهو شارد: «ربما.. ربما.. ولكن 86 سنة.. هذا عمر.. هذا..».
فنهض سعيد ومد يده إلى المدير، وقال: «سأعنى بالبحث.. وإذا وفقت إلى شىء فسأخبرك».
अज्ञात पृष्ठ