फी अदब मिस्र फातिमिया

मुहम्मद कामिल हुसैन d. 1380 AH
82

फी अदब मिस्र फातिमिया

في أدب مصر الفاطمية

शैलियों

اسمه هبة الله بن أبي عمران موسى بن داود الشيرازي، ولد بشيراز في العشر الأخير من القرن الرابع من الهجرة، في أسرة اتخذت العقيدة الفاطمية مذهبا لها، وكان أبوه حجة جزيرة فارس أيام الحاكم الفاطمي، فنشأ ابنه هبة الله ليأخذ مكانته في الدعوة في هذا الإقليم، وأخذه منذ نشأته بالإلمام بكل شيء يخص الدعوة وأسرارها، وكاتب الحاكم بأمر الله بأن يولي ابنه هبة الله أمر فارس من بعده، وبالفعل أصبح هبة الله حجة فارس بعد أبيه، وما لبث أن أصبح يملك نفوس أتباعه فانقادوا له الانقياد كله، فكانوا يفشون إليه أسرارهم الخاصة حتى مع أهل بيتهم، ويضحون في سبيله بأرواحهم، وكثر أتباعه حتى خشي السلطان أبو كاليجار البويهي سطوته ونفوذه، وهم أن ينفيه مرارا من شيراز، ولكنه كان يخاف ثورة أتباع المؤيد، وبلغت كراهية السلطان أبي كاليجار للمؤيد أنه كان يكره سماع اسمه في مجالسه، ولكن المؤيد في الدين احتال حتى استطاع أن يتصل بأبي كاليجار، وأن يجعل السلطان يستمع إليه، وأن يعقد مجالس المناظرة بين المؤيد وعلماء المعتزلة والشيعة وأهل السنة؛ فكان المؤيد يبرز على خصومه ومناظريه، فاضطر السلطان أمام قوة بيانه ودامغ حجته إلى أن يخضع للمؤيد، بل لأن يدخل في دعوته، وأن يعقد مجلسا خاصا يلقي فيه المؤيد على السلطان شيئا من علوم أهل البيت والفقه الفاطمي من كتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان.

كان ذلك كله سببا في غضب جمهور أهل السنة في فارس، ولا سيما القضاة والعلماء، فأخذوا يوغرون صدور المقربين من أبي كاليجار وندمائه على المؤيد، وانتهزوا فرصة واتتهم للإيقاع به؛ ذلك أن المؤيد زار أتباعه في مدينة الأهواز، فوجد مسجدا قديما تهدمت جدرانه فأمر شيعته بتجديده ونقش على محرابه بالذهب أسماء الأئمة الفاطميين، وطلب من نقبائه الأذان فيه «بحي على خير العمل» أذان الشيعة، وخطب يوم الجمعة باسم المستنصر الفاطمي، فجهر بالدعوة الفاطمية دون خشية، وأعلن عصيانه في بلد يدين للعباسيين، مما جعل قاضي الأهواز يرسل إلى الخليفة العباسي ببغداد ينعي الدولة العباسية وضياع خلافتها على يد المؤيد في الدين، كما ثار أهل السنة على أبي كاليجار، وجاء الوزير العباسي ابن المسلمة موفدا من قبل العباسيين للقبض على المؤيد، وكان أبو كاليجار إذ ذاك يرنو إلى ملك بغداد، فكان بين عاملين: إما ضياع هذه الفرصة من يده في سبيل رعاية ذمة المؤيد، وإما أن يضحي بالمؤيد في سبيل أطماعه.

وأدرك المؤيد تردد أبي كاليجار في هذا الأمر، ولا سيما بعد أن قطع السلطان مجالسه الليلية مع المؤيد، ورغبته عن لقائه، فلم يجد المؤيد بدا من النزوح عن وطنه، فسار مختفيا متجنبا الطرق العامة، سالكا البراري والقفار حتى وصل إلى مصر سنة 437ه. جاء مصر يحدوه الأمل فيما سيكون عليه شأنه من جاه وسلطان وتوقير؛ لأنه خدم دعوته بما لم يخدمها به أحد من الدعاة قبله، وقام بأمرها حق قيام، ولكنه من جهة أخرى كان يعلم أن الأمر في مصر ليس بيد إمامه المستنصر، بل كانت السلطة كلها بيد أم المستنصر ووكلائها، أمثال التستري واليازوري وغيرهما، يصرح المؤيد بذلك في سيرته بقوله: «بلغت بشق النفس الباب الطاهر، مترجحا بين أمل ويأس، ومتعقبا لملتقى ما يلقاني من طرفي إيحاش وإيناس؛ فأما الأمل فمن جهة خدمة ما خدم مثلها غيري، حداني حاديها، وناداني بالأهل والمرحب مناديها. وأما اليأس فمن حيث علمت أن المقصود شمس توارت بالحجاب، ووجه نهار تبرقع بالسحاب، وأن المسافة لعلها تقذفني من الإضاعة في يم، وتئويني من حيث أرادت غنما إلى غرم ... أدخلوني من باب القاهرة المعزية إلى قصر الخلافة - عمرها الله تعالى - فاستلمت على جاري العادة في مثله الأبواب، ولمحت الثريا ترابا تحت قدمي إذ ترشفت ذاك التراب، وأجلسوني هنيهة لأفيق من غشية الهيبة التي ملأت جوانحي، لما غشيت المسرة بمشاهدة ذلك المقام قلبي وجوارحي ، ثم أدخلوني إلى الوزير المعروف بالفلاحي - رحمه الله - فرأيت شيخا عليه من الوقار مسحة، ومن الإنسانية سمة، فأدنى وقرب، وأكرم ورحب، وخرجت فأخذوني إلى دويرة كانت فرشت لي، هي من الكرامة في الدرجة الوسطى من الحال، لا بالإكثار ولا بالإقلال ...»

55

وهكذا استقر بمصر، واتصل برجالها، وحضر مجالس الدعوة فيها، ولكن الوشايات لم تنقطع عنه، والدسائس تحاك حبالها حوله، فكان يقربه الوزراء حينا ويبعدونه حينا آخر، فعاش في مصر بين الرضا والغضب، وكثيرا ما فكر في الرحيل عن مصر، ولكن القوم لم يسمحوا له بالرحيل، وكان يأمل أن يولى مرتبة داعي الدعاة، ولكنها كانت تفر منه كلما حاول الإمساك بها، وأخيرا عينه الوزير اليازوري رئيسا لديوان الإنشاء، وزاد في معاشه، فتحسنت حاله، فظل في هذا العمل إلى أن علم بقيام طغرلبك التركماني لامتلاك بغداد، وهنا تظهر لنا موهبة المؤيد وتوقد ذكائه؛ إذ أدرك أن التركمانية خطر على الدولة الفاطمية، وأنه إذا تم أمر بغداد لطغرلبك فإنه لا ينثني عن محاربة أملاك الفاطميين في بلاد الشام وأعالي الجزيرة، فأسرع المؤيد في درء هذا الخطر عن أملاك إمامه، فكاتب رجال طغرلبك يستميلهم إلى الدعوة الفاطمية، كما راسل البساسيري وغيره من رجال العباسيين الذين يحقدون على التركمانية، ويخشون تملكهم للبلاد، ووعد هؤلاء بإمدادات الفاطميين إن قاوموا طغرلبك.

أما البساسيري ورجاله فرحبوا بالعمل باسم الفاطميين، على حين لم يستجب رجال طغرلبك. فأيقن المؤيد أن الحرب لا شك ناشبة بين الفاطميين والتركمانية، فنشط للدعوة بين الوزراء ورجال مصر لحرب طغرلبك، ووجدت دعوته قبولا منهم، وأعدت مصر الخلع والسلاح والعتاد والأموال، وأنفقت الدولة على هذه الحملة أموالا ذكرها المؤرخون في كتبهم، وهي الأموال التي أدت إلى ضعف مصر اقتصاديا، وجرتها إلى ما عرف بالشدة العظمى، وطلب من المؤيد أن يكون على رأس هذه القافلة لتسليم هذه الذخائر إلى البساسيري، فاعتذر المؤيد، ولكن المستنصر الفاطمي أصدر أمره بأن يكون المؤيد على رأس الركب، فلم يسع المؤيد إلا الخضوع لأمر إمامه، وطلب المؤيد لأن يلبس خلع الوزارة فأبى وأمعن في الإباء.

وهكذا بدأ المؤيد حياة جديدة، حياة الرجل العسكري وحياة السياسي الداهية، فقد خرج من مصر وليس معه جندي واحد، وإنما كانت معه ذخائر وأموال وعتاد حربي، ورسم له أن يصطنع من الأعراب وأمراء البادية ومن العرب والأكراد من يشاء، ويغريهم جميعا بالأموال والألقاب من قبل الفاطميين، فإذا كانت إنجلترا تعترف لأحد أبنائها وهو «لورنس» بخدماته في تأليب العرب على العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، وتشيد بذكر أعماله وتمجد بطولته، فكيف ينسى المصريون المؤيد في الدين وقيامه بما عهد إليه من حفظ ممتلكات الفاطميين، بل ما أداه من نشر الدعوة الفاطمية في بلاد لم تذكر الدعوة فيها من قبل، وفي إعادة بلاد أخرى كانت خرجت عن الدعوة وسلطانها. لقد وصف لنا المؤيد في سيرته حركاته ومكاتباته مع أمراء العرب، وكيف استمالهم جميعا للنهوض معه في حرب التركمانية ومساعدته في طردهم من العراق، حتى تكاثر الأنصار حوله، وسارع أمراء الكوفة وواسط وحلب إلى الدعوة باسم الإمام المستنصر، فاستطاع المؤيد بما تجمع حوله أن ينتصر على طغرلبك في موقعة سنجار التي ذكرها الشاعر ابن حيوس في قصيدة منها:

عجبت لمدعي الآفاق ملكا

وغايته ببغداد الركود

وبهذا النصر الذي أحرزه المؤيد دانت له الموصل والجزيرة وديار بكر، ولكن جموعه كانت تضم نفوسا متباغضة متشاحنة، فسرعان ما دب بينها النفور، وحل الشقاق، وتفرق عنه أكثر الأمراء حسدا منهم لمن قربهم المؤيد إليه، ووصف المؤيد حالهم بأنه كان بين ذئاب تتخادش وكلاب تتهارش. وكان يحاول تهدئتهم وإصلاح ما بينهم فلم يوفق، وعلم طغرلبك بحالهم فأسرع إليهم وهزمهم، وكان المؤيد إذ ذاك في الرحبة، فاصطنع الصبر والثبات وأخذ يحث من تفرقوا عنه إلى الرجوع إليه ويعدهم ويمنيهم، ولكنها كانت صيحة في واد، وخشي أن يدركه العدو وهو حي، فآثر أن ينسحب إلى حلب واتخذها مقرا لقيادته، وكانت حلب في يد المرداسيين الذين قطعوا خطبة الفاطميين، فما زال المؤيد بهم حتى سلموا بلدهم إلى الوالي الذي أرسله المستنصر الفاطمي.

अज्ञात पृष्ठ