18 «ولقد كان فيتشينو يعود أحيانا إلى الفكرة الفيثاغورية في انسجام الأفلاك رغبة منه في تأكيد المعنى والأصل الميتافيزيقي للموسيقى؛ فالأفلاك السماوية التي تتناغم سويا تبعا لقواعد التآلف
consonance
تحدث موسيقى إلهية تستطيع سماعها، ولما كانت الموسيقى البشرية محاكاة أرضية للأصوات السماوية، فإنها تحض النفس بتأثيرها الخلاب، على أن ترقى بذاتها إلى عالم الانسجام السماوي، فعن طريق الأذن تدرك النفس توافقات وإيقاعات عذبة معينة، وهذه الصور تحضها وتحثها على النظر إلى الموسيقى الإلهية بحاسة عقلية أشد إرهافا وتحمسا.»
19
ولقد كان تقويم فيتشينو للشعر وثيق الصلة بالموسيقى؛ إذ إن الشعر بدوره يخاطب الأذن، وكثيرا ما يتضمن لحنا، كما أن فيه على الدوام إيقاعا، بالإضافة إلى ما يستخدمه من كلمات. غير أن الشعر أرفع من الموسيقى؛ إذ إنه لا يقتصر على مخاطبة الأذن، بل يخاطب الذهن بدوره مباشرة عن طريق الكلمات؛ وعلى ذلك فإن أصله لا يرجع إلى انسجام الأفلاك، وإنما إلى موسيقى العقل الإلهي ذاته، وفي إمكانه، بفضل ما له من تأثير، أن يوصل السامع إلى الذات العلية مباشرة.
20
ولقد كان فيتشينو يختلف عن نيكولاس دي كوزا، ويتفق مع أفلاطون في القول إن الشاعر لا يستجيب للخاطر العفوي للفكر البشري، وإنما هو يتلقى إلهاما إلهيا. وقد علل القدرة الخالقة الملهمة للموسيقى في ضوء نظرية الجنون الإلهي التي عرضها أفلاطون في محاورتي «أيون» و«فيدروس».
وإذن فقد كانت نظريات فيتشينو في الموسيقى تقليدية في أساسها، تسير على نهج نظريات أفلاطون وأوغسطين. أما من حيث إنه موسيقي يمارس هذا الفن عمليا، فقد نظر إلى مسافة «الثالثة» على أنها صوت متآلف. وكان القدماء، فضلا عن الموسيقيين النظريين في عصره، ينظرون إلى «الجواب» و«الخامسة» والرابعة على أنها هي وحدها المسافات المتآلفة، أما هو فقد أكد أن الأفلاطونيين لم يفهموا الموسيقى كما فهمها المحدثون؛ إذ إنهم لم يدركوا المتعة الناشئة عن «الثالثاث» التي عدوها تنافرا ... مع أنها أكثر التآلفات إمتاعا، وهي ضرورية إلى حد أن موسيقانا بدونها تكون مفتقرة إلى أروع مظاهر جمالها، ويكون الكنترابنط (
counterpoint ) لا طعم له، وسائرا على وتيرة واحدة.
21
अज्ञात पृष्ठ