والكانتلينا
cantilena »، أما هذا الموتيت الذي تحدث عنه جاكوبوس فهو أرقى أنواع الموسيقى البوليفونية، وبالتالي أرقى أنواع الفن الموسيقي المتعدد الأصوات، ولكنه مع ذلك تعرض لأعنف نقد من سلطات الكنيسة. ولقد كانت هناك أنواع أخرى من الموسيقى البوليفونية في القرن الثالث عشر، كالنوع المسمى «كوندكتس
Conductus »،
10
ولكن الموتيت، بما كان يتميز به من طابع شديد التعقيد، كان مصدر إزعاج اللاهوتيين، على الرغم من أن «العصريين» في أواخر العصر الوسيط كانوا يفتتنون بمزاياه الجمالية. وعلى أية حال فليس قلق اللاهوتيين على مشكلات الموسيقى بالأمر الذي يدعو إلى الاستغراب، وذلك إذا علمنا أن نوع «الموتيت» الذي لقي إقبالا شديدا من الناس في ذلك الحين، كان هو ذلك الذي تغنى فيه ثلاثة ألحان مختلفة، لكل منها نص كلامي خاص، في وقت واحد، وبإيقاعات مختلفة مقابل لحن جريجوري، فمن المشكوك فيه أنه كان من الممكن سماع الأنشودة الجريجورية فوق الموسيقى التي تحدثها ثلاثة أصوات تغنى بلغات مختلفة. وقد أبدى «جون أوف سالسبري» والبابا يوحنا الثاني والعشرون، بوجه خاص، استياءهما من تشويه هذا النوع من الموسيقى للأنشودة الشعائرية، أو تقطيع أوصالها إلى حد يستحيل معه التعرف عليها، مما يؤدي إلى القضاء على الطابع المقدس للموسيقى الدينية.
ولقد كان النوع الفرنسي هو أطرف أنواع «الموتيت الدنيوي»؛ فقد كان مؤلف هذا النوع البوليفوني يتحدث فيه عن المشكلات الاجتماعية المعاصرة له، ويلوم رجال الدين وينتقد النبلاء؛ كل ذلك في قالب «الموتيت»، وكانت هذه «الموتيت» في بعض الحالات تمجيدا للحب، وفي حالات أخرى تغنيا بمتعة الشراب، على أنها كانت في حالات أخرى تشيد بمناقب قديس أو ملك بطريقة عاطفية.
ومن الطريف أن نلاحظ أنه كما انتقد رجال الدين الموسيقى، فإن الموسيقيين بدورهم قد انتقدوا رجال الدين من خلال مؤلفاتهم؛ فقد كانت الكنيسة تعارض البدع البوليفونية التي ظهرت عند موسيقيين مثل بيير دي لاكروا
Croix (نهاية القرن الثالث عشر) الذي أضاف إلى الموتيت صوتا ثالثا ثم رابعا، بحيث كان لكل صوت استقلاله اللحني والإيقاعي ونصه الكلامي الخاص به. كذلك لم ينس رجال الدين أن كثيرا من تلك الألحان التي كانت تغنى في مقابل الأنشودة الدينية في «الموتيت» كان أصلها يرجع إلى الشعراء الجوالين (التروفير)؛ ومن ثم فإن لها ارتباطا مباشرا بالنزوات الغرامية. ومن جهة أخرى فقد غضب رجال الدين بوجه خاص من أنواع «الموتيت» الدينية التي كان الموسيقيون والشعراء يسخرون فيها من حياة أقطاب الكنيسة في العصر الوسيط وعصر النهضة، بما فيها من إقطاعيات شاسعة ومعيشة باذخة. على أن الكنيسة لم تنجح في محاربة هذه المظاهر الدنيوية للتمرد في ميدان الموسيقى، أكثر مما نجحت في الوقوف في وجه الاتجاهات الموسيقية التي كانت تهدد قداسة الشعائر الدينية.
ولقد كان «فليب دي فيتري
Vitry » (1291-1361م) باحثا وسياسيا يذكره التاريخ بوصفه موسيقيا بوليفونيا موهوبا، وأسقفا قديرا، وقد ظل متمسكا بالرأي القديم القائل إن الموسيقى فرع من الرياضيات. وكان روجر بيكون قد أشار، في القرن السابق، إلى أن الحقائق الرياضية تتكشف للصغار من خلال فن الموسيقى. وكذلك كان «فيتري» يؤمن بالرأي الأفلاطوني القديم القائل إن الموسيقى انعكاس للنظام المثالي الذي يتكشف للباحث من خلال دراسة الفلسفة. وقد اتفق مع البابا يوحنا الثاني والعشرين على أن من الممكن القضاء على البدع الموسيقية المنتشرة في القرن الرابع عشر لو أخضع المؤلف موسيقاه لنظام محدد، بدلا من أن يؤلف متجاهلا التراث تجاهلا تاما؛ لذلك ألف دي فيتري مقطوعات من نوع «الموتيت» كانت كل الأصوات فيها مستقلة لحنيا، ولكنها كانت تتساوى طوال الوقت في القيم النغمية وتتماثل في الوزن.
अज्ञात पृष्ठ