ومن الواجب في نظر أفلاطون أن تكون المعزوفات والمؤلفات الموسيقية معا ذات طبيعة بسيطة؛ ذلك لأنه كان يخشى أن تؤدي الاتجاهات الناعمة في الموسيقى إلى تخدير أعصاب المواطنين العاديين، مما يترك أثينا تحت رحمة أعدائها. كذلك خالف الموسيقيين في استخدامهم للإيقاعات المعقدة والقوالب الموسيقية المختلطة. وإذا كان تيموثيوس
Timotheus (حوالي 446-357ق.م.) وهو واحد من مشاهير المجددين في عصر أفلاطون، قد زاد أوتار الليرا إلى أحد عشر أو اثني عشر، فإن هذه الزيادة في ذاتها كانت تشكل خطرا ممكنا على الدولة القائمة. ومن جهة أخرى فقد كان أفلاطون معجبا بفلسفة الموسيقى السائدة في إسبرطة، وهي الفلسفة التي كانت تحظر أي خروج عن القواعد القديمة للموسيقى.
21
فيما يلي بعض أمثلة الحظر التي رواها بلوتارك عن إسبرطة: «ولقد كانوا يحترمون موسيقاهم القديمة، في جديتها وبساطتها، إلى حد أنهم لم يسمحوا بأي انحراف من القواعد السائدة ومقاييسها، حتى إن مجلس القضاء الأعلى
Ephori
أوقع، بناء على شكاوى تلقاها، عقوبة شديدة على ترباندر
Terpander (وهو موسيقار ذائع الشهرة والصيت، عرف بمهارته الفائقة، وبراعته في العزف على الصنج، كان يبدي للتراث القديم أعظم التبجيل، بحيث شهدت مدائحه بما كان يحمله من احترام للأفعال البطولية الفاضلة) فحرمه من صنجه، وزاد من قسوة العقوبة بأن عرض الصنج على الجماهير لتصب عليها غضبها، فعلقها بمسمار أمامهم، كل ذلك لأنه أضاف إلى الآلة الموسيقية وترا واحدا يزيد على العدد المعتاد المقرر، مع أنه لم يكن له نفع أو غرض في ذلك إلا تنويع الصوت، وجعله أنفع وأمتع. ولقد كانت أفضل الموسيقى عندهم هي أكثرها جدية وبساطة، وأقربها إلى الطبيعة. ومن أجل هذا السبب ذاته استل أحد هؤلاء القضاة سكينا قطع به أوتار صنج تيوثيوس؛ لأنه تجاوز عدد السبعة بها، أثناء دخوله في مسابقة في «الأعياد الكرنية
Carnean » التي كان يحتفل بها تمجيدا لأبولو. وهكذا بلغ من شدة تشبثهم بعاداتهم وأساليبهم القديمة أنهم لم يكونوا يتحملون أبسط تجديد، حتى ولو كان ذلك في أمور تافهة أو ضئيلة الأهمية؛ خشية أن يؤدي الإسراف في شيء إلى الإسراف في شيء آخر، حتى ينتهي الأمر بعد تغيرات متدرجة غير ملموسة، إلى تجاهل مجموع تشريعاتهم واحتقارها، مما يضعف الدعامة الرئيسية التي يرتكز عليها بناء حكومتهم، ويؤدي إلى تقويضها.»
22
ولقد تمثلت في تيموثيوس الرغبة الملحة القلقة للفنان الخالق في التغير. وعمل الشعراء الموسيقيون على التعبير عن مشاعرهم بأساليب ووسائط جديدة، تحدوا بها القوالب التقليدية. وقد روى تيموثيوس أنه قال: «لست أتغنى بالماضي.» ثم أعقب ذلك قوله: «في التجديد القوة ... إلى الجحيم يا ربة الفن العجوز.» ومضى التمرد في الفنون حثيثا، ولكن أرستوفان تصدى للتحدي الموجه إلى أنصار التقاليد، وقاد حملة ضد الاتجاه الجديد في الموسيقى، ثم سار في أعقابه معاصره فركراتيس
अज्ञात पृष्ठ