अरबों का मिस्र पर विजय

मुहम्मद फरीद अबू हदीद d. 1387 AH
94

अरबों का मिस्र पर विजय

فتح العرب لمصر

शैलियों

33

ولكن ما كان الاضطهاد إلا ليزيد من استطاعوا مقاومته إيمانا إلى إيمانهم، بدل أن يفتنهم عنه ويقضي عليه. فكانت الشدائد تتوالى بمذهب القبط، والمصائب تفتك بأصحابه، ولكنه ظل قويا لم تلن قناته، وبقي أكثر الناس على إيمانهم ثابتين أقوياء، ولكن حد ذلك البطش كان قد بلغ نفوسهم فثلمها، وجعل الداء ينخر في جراحهم مدة ظلم تلك السنوات العشر وظلامها، فكان ذلك سببا في ضياع كل أمل في عودة السلام والوفاق بين الطائفتين المتنازعتين؛ إذ استفحل الأمر، واستمر مرير العداوة والكراهة لسلطان الدولة البيزنطية ودينها جميعا.

وليت شعري ماذا كان يدور بنفوس أهل مصر إذ ذاك، وبأي عين كانوا ينظرون إلى تلك الحركة العظيمة التي ثارت في بلاد العرب، فما زالت حتى قرعت بلاد الشام وهزت مدائنها هزا. إنا نقول، وإن قولنا لمما يشرف القبط، إننا لا نجد أقل دليل يبعثنا على الظن أنهم نظروا إلى تلك الحركة نظرة الميل والرضا. على أنهم لا بد قد بلغهم أن المسلمين يدعون للمسيحيين أمور دينهم، وفعلهم قد خطر بقلوبهم عند ذلك أن الخضوع للمسلمين قد يخفف من الآلام التي نغصت عليهم حياتهم، وأن نير المسلمين قد يكون أخف حملا من نير الملك الأصيل في دين المسيح وهو هرقل. لا شك في أنهم قد كرهوا دين الإسلام، وتدل على ذلك كل صفحة من صفحات تاريخهم، ولكن سيف «قيرس» قطع آخر ما كان يربطهم إلى الدولة الرومانية من أسباب الولاء؛ وذلك لكثرة ما لاقوه في مدة السنوات العشر من الظلم الذي نزل بهم إلى حضيض من الشقاء لا أمل معه، فرأوا في مجيء المسلمين نازلة أرسلها الله لينتقم لهم بها من ظالميهم.

وهكذا دفع سوء الحكم خير بلاد الدولة الإمبراطورية إلى مأزق ما أضيقه. ولسنا نستطيع أن نعرف جناية من هذه؛ أهي جناية هرقل وقد أطاعه المقوقس فيما أمر به من الشر، أم هي جناية المقوقس وقد عصى سيده وخان أمانته؟ فمن الجلي أن هرقل كان يقصد في مبدأ أمره إلى قصد نبيل، فما كان أعظم أن يخلع على الكنيسة من السلام مثلما خلع على الدولة، ولكنه لم يعرف ثبات الناس على أديانهم وحرصهم عليها، ولم يعرف أن الدين كان متغلغلا في أعمق فجاج الدولة، وأنه إذا شاء أن ينزعه منها بالقوة كان في ذلك أشد الخطر على حياتها. وكذلك كان اختياره لمن ينفذ له أغراضه غير موفق؛ فقد أرسل إلى مصر رجلا ليعيد السلام فإذا به ظالم عات، وأرسل كلمة يقصد بها نشر السلام فلم يؤدها الرسول أو لم يسمع بها الناس. وأما الاضطهاد فلا شك في أنه قد وافق عليه وأقره، ولكنه قد يكون أقره بعد أن لم يجد عنه محيصا، في حين أن قيرس لجأ إلى العسف بادئ ذي بدء ولم يلجأ إلى وسيلة سواه. ومهما يكن من شيء فقد كان رأي الإمبراطور في القضاء على اختلاف المذاهب بأمر يأمر به، رأيا بعث به الخيال والوهم؛ فقد ظن أنه يستطيع بكلمة سحر يقولها أن يهدئ العواصف الثائرة من الخلاف في المذاهب، فما كان منه إلا أن زاد العاصفة شدة، ولم يستطع الصبر على الخيبة، ولم يرض أن يدع الأمور إلى الزمن ويلزم جانب الاعتدال، فعزم على أن يسعى للسلام بخوض حرب دينية في مصر والشام، فكان بعمله هذا يمهد السبيل في القطرين لمطلع جنود الإسلام.

الفصل الرابع عشر

مسير العرب إلى مصر

الظاهر أنه بعد أن سلم البطريق «صفرونيوس» الشيخ مدينة بيت المقدس، سار عمر بن الخطاب الخليفة وعمرو بن العاص القائد وذهبا كلاهما نحو الشمال، وقد أرسل عمرو مددا للعرب المحاصرين لقيصرية،

1

وأما عمر فقد أقام في دمشق. ولعل عمرا قد أفضى إليه برأيه في فتح مصر منذ كانا في بيت المقدس، ولكن الخليفة رأى أن وقت ذلك الفتح لم يحن بعد. فلما ظهر العرب وانتهت الحرب أو كادت، عاد عمرو إلى عرض رأيه، وجعل يبين للخليفة ما كانت عليه مصر من الغنى، وما كان عليه فتحها من السهولة، وقال له إنه ليس في البلاد ما هو أقل منها قوة

2

अज्ञात पृष्ठ