अरबों का मिस्र पर विजय
فتح العرب لمصر
शैलियों
29
ما يفهم منه أن بنيامين لجأ إلى دير الأنبا شنودة، وهو الدير العظيم المعروف بالدير الأبيض، على أن هذه الرواية تختلف عما تواتر من الأخبار عن أنه إنما لاذ بدير في الصحراء قريب من «قوص»، ولعل الدير الأبيض كان مع قوة حصونه ومنعة أسواره العظيمة غير كفيل بحماية بنيامين مدة طويلة لقربه من النيل، في حين أنه كان يستطيع أن يجد ملاذا آمنا لا تصل إليه أيدي أعدائه في جبال صحراء قوص، وما بها من المغاور الكثيرة والكنائس المنقورة في الصخور.
وليس من العجيب أن يفتتن كثيرون ممن لم يستطيعوا الهجرة والهرب وأن يخضعوا لما شاء قيرس منهم؛ فقد كان حكمه حكم إرهاب. وإذا كان القبط لم تخمد نفوسهم فما كان لشعب بأجمعه أن يستشهد في سبيل الدين؛ فدخل جماعة من الأساقفة في المذهب الجديد مذهب عدوهم، ومن هؤلاء أسقف «نقيوس»
30
واسمه «قيرس»، وأسقف الفيوم «فكتور»، ولا شك أن عدواهم انتقلت إلى سواهم. أما من لم يستطع الهرب من الناس والخروج إلى الصحراء، وكان مع ذلك غير راض عن ترك مذهبه، فقد لجأ إلى التقية، وأظهر غير ما يبطن، حتى لقد بقيت في الإسكندرية ذاتها بقية من القبط في سني الاضطهاد العشر، مع أنهم لم يكن لهم بها إمام من مذهبهم اللهم إلا قس واحد من أهل مريوط اسمه «أجاثو»، وكان كل يوم يخاطر بحياته في سبيل دينه؛ فكان يخفي نفسه في لباس نجار، ويسير في أنحاء المدينة في النهار يحمل على ظهره كيسا قد وضع فيه آلاته وعدته، فإذا ما جاء الليل ذهب إلى الكنيسة كي يقيم شعائر العبادة لإخوانه القبط. وقد صار هذا القس فيما بعد أكبر أصدقاء بنيامين، وخلفه بعد موته على ولاية الدين.
وروي أن دير «مطرة»، ويسمى بدير «السفونية»، نجح في مقاومة «قيرس»، وكان ذلك الدير في الإسكندرية أو قريبا منها، وكان السبب في أنه بقي على عهده لم يتغير أن كل رهبانه كانوا مصريين خلصا ليس فيهم غريب واحد.
31
والظاهر أن المصريين سعوا مرة إلى التخلص من «قيرس» مع ما كانوا عليه من الصبر والاحتمال الطويل؛ فقد أثار حفيظتهم ما رأوه من فعله؛ إذ تارة ينهب أواني كنائسهم الثمينة لا يرقب فيها إلا ولا ذمة، وتارة يضربهم أو يسجنهم. فاجتمع أتباع الطريقة «الجايانية» في كنيسة «دفاشير» بقرب مريوط، وتآمروا على قتل ذلك الظالم، ولكن سمع بهذا الاجتماع «ضابط» روماني اسمه «أودوقيانوس»، وهو أخو «دومنتيانوس»، وكان عدوا شديد العداوة للقبط، فأرسل جندا وأمرهم أن يذهبوا إلى المتآمرين فيقتلوهم، فكان ذلك، وقتل الجنود بعضهم وجرحوا منهم البعض بسهامهم، وقطعوا أيدي طائفة منهم بغير أن يسمعوا منهم شهادة أو يقوموا معهم بشيء يشبه القضاء؛ وبذلك قضى على المكيدة ونجا قيرس من الخطر.
32
وقد أوردنا هذه القصص جميعها لكي ندل بها دلالة واضحة على شدة الاضطهاد وعنفه. وإنه ليخيل إلى الإنسان أنه من المستبعد أن يبقى مثل هذا الاضطهاد عشر سنوات، ولكن هذا هو الحق الذي لا مراء فيه؛ فقد جاء في ديوان «حنا النقيوسي» ما يأتي: «وظل قيرس إلى ما بعد موت هرقل عندما عاد إلى مصر (وذلك في سنة 641 بعد نفيه من البلاد أو غيابه عنها فترة) لم يذهب عنه حقده على عباد الله، ولم يمتنع عن اضطهادهم، بل زاد قسوة على قسوة.» وقد جاء مثل هذا القول في كتاب «ساويرس» إذ قال: «فكان هرقل كأنما هو ذئب ضار يفتك بالقطيع ولا يشبع نهمه، وما كان ذلك القطيع إلا طائفة «التيودوسيين».»
अज्ञात पृष्ठ