غير بني آدم بل غير الْمُؤمنِينَ مِنْهُم من الرِّعَايَة مَا يعانيه فِي قبض أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ، أَو أَن المُرَاد بقوله دون ملك الْمَوْت نفي التوفي عَنهُ حَقِيقَة لما تقرر أَن الموجد حَقِيقَة هُوَ الله تَعَالَى وَأَن ملك الْمَوْت وَاسِطَة فَقَط، فَحَيْثُ أثبت التوفي إِلَيْهِ فِي حَدِيث أَو آيَة كَانَ المُرَاد إِثْبَات تصرفه الْمَأْمُور بِهِ، وَحَيْثُ نفى عَنهُ فِي حَدِيث أَو آيَة كَانَ المُرَاد سلب الْحَقِيقَة لِأَنَّهَا لله وَحده. وَذكر الْغَزالِيّ فِي (الْإِحْيَاء) حَدِيث: (أَن ملك الْمَوْت وَملك الْحَيَاة تناظرا فَقَالَ ملك الْمَوْت: أَنا أميت الْأَحْيَاء وَقَالَ ملك الْحَيَاة: أَنا أحيي الْمَوْتَى، فَأوحى الله إِلَيْهِمَا كونا فِي عملكما وَمَا سخرتما لَهُ من الصنع وَأَنا المميت والمحيي لَا يُمِيت وَلَا يحيي سواي) . وَالْحَاصِل أَن الله ﷾ هُوَ الْقَابِض لأرواح جَمِيع الْخلق بِالْحَقِيقَةِ وَأَن ملك الْمَوْت وأعوانه إِنَّمَا هم وسائط وَكَذَا القَوْل فِي سَائِر الْأَسْبَاب العادية فَإِنَّهَا بإحداث الله وخلقه لَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ والجاحدون علوًّا كَبِيرا.
وَذكر ابْن رَجَب أَن الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم تكون أَرْوَاحهم فِي أَعلَى عليين، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله ﷺ: (اللهمّ الرفيق الْأَعْلَى)، وَأكْثر الْعلمَاء أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طيور خضر لَهَا قناديل معلقَة بالعرش تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ تشَاء كَمَا فِي مُسلم وَغَيره، وَأما بَقِيَّة الْمُؤمنِينَ فنص الشَّافِعِي ﵁ ورحمه على أَن من لم يبلغ التَّكْلِيف مِنْهُم فِي الْجنَّة حَيْثُ شاؤوا فتأوي إِلَى قناديل معلقَة بالعرش، وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود، وَأما أهل التَّكْلِيف ففيهم خلاف كثير: عَن أَحْمد أَنَّهَا فِي الْجنَّة، وَعَن وهب أَنَّهَا فِي دَار يُقَال لَهَا: الْبَيْضَاء فِي السَّمَاء السَّابِعَة، وَعَن مُجَاهِد أَنَّهَا تكون على الْقُبُور سَبْعَة أَيَّام من يَوْم دفن لَا تُفَارِقهُ أَي ثمَّ تُفَارِقهُ بعد ذَلِك، وَلَا يُنَافِيهِ سنية السَّلَام على الْقُبُور لِأَنَّهُ لَا يدلّ على اسْتِقْرَار الْأَرْوَاح على أفنيتها دَائِما لِأَنَّهُ يسلم على قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وأرواحهم فِي أَعلَى عليين وَلَكِن لَهَا مَعَ ذَلِك اتِّصَال سريع بِالْبدنِ لَا يعلم كنهه إِلَّا الله تَعَالَى. وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك: (بَلغنِي أَن الْأَرْوَاح مُرْسلَة تذْهب حَيْثُ شَاءَت) . وَعَن ابْن عمر ﵄ نَحوه. وَحَدِيث: (مَا من أحد يمر بِقَبْر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه وردّ ﵇ وَحَدِيث: (الجريدتين) لَا يدلان على أَن الرّوح على الْقَبْر نَظِير مَا مر لِأَن الَّذِي دلّ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ حَقِيقَته النفسانية الْمُتَّصِلَة بِالروحِ، وَقيل: إِنَّهَا تزور قبورها يَعْنِي على الدَّوَام وَلذَا سنّ زِيَارَة الْقُبُور لَيْلَة الْجُمُعَة ويومها وبكرة السبت انْتهى. وَرجح ابْن عبد البرّ: أَن أَرْوَاح غير الشُّهَدَاء فِي أفنية الْقُبُور تسرح حَيْثُ شَاءَت. وَقَالَت فرقة: تَجْتَمِع الْأَرْوَاح بِموضع من الأَرْض. كَمَا رُوِيَ عَن ابْن عمر قَالَ: أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تَجْتَمِع بالجابية وَأما أَرْوَاح الْكفَّار فتجتمع بسبْخة حَضرمَوْت يُقَال لَهَا برهوت وَلذَا ورد: (أبْغض بقْعَة فِي الأَرْض وَاد بحضرموت يُقَال لَهُ برهوت فِيهِ أَرْوَاح الْكفَّار) وَفِيه بِئْر مَاء يرى بِالنَّهَارِ أسود كَأَنَّهُ قيح يأوي إِلَيْهَا بِالنَّهَارِ الْهَوَام. قَالَ سُفْيَان: وَسَأَلنَا الحضرميين فَقَالُوا: لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يثبت فِيهِ بِاللَّيْلِ، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
٦ - وَسُئِلَ: متع الله بحياته، مَاتَ شخص ثمَّ أَحْيَاهُ الله تَعَالَى مَا الحكم فِي تركته وزوجاته؟ . فَأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ وبركته: إِذا مَاتَ ثمَّ أحيى فَإِن تَيَقّن مَوته بِنَحْوِ خبر مَعْصُوم لم يكن لِحَيَاتِهِ أثر لِأَنَّهَا وَقعت خارقة للْعَادَة، وَمَا وَقع كَذَلِك لَا يُدار عَلَيْهِ حكم على أنّ من هُوَ كَذَلِك لَا يعِيش غَالِبا كَمَا وَقع لمن أحيى على يَد عِيسَى، على نَبينَا وَعَلِيهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِذا تقرر أَنه لَا أثر لِحَيَاتِهِ، فتُنكح زَوْجَاته وتَقْسم ورثتُهُ مَاله، وَإِن ثَبت فِيهِ الْحَيَاة، لِأَن الْمَوْت سَبَب وضَعَه الشارعُ لحلِّ الْأَمْوَال، والزوجات، فَحَيْثُ وجد ذَلِك السَّبَب وُجِد الْمُسَبّب، وَأما الْحَيَاة بعده فَلم يَجْعَلهَا الشَّارِع سَببا لعود ذَلِك الحِّل، فَلَا يجوز لنا أَن ندير عَلَيْهَا حينئذٍ حُكمًا، لِأَن ذَلِك تشريع لما لم يرد هُوَ وَلَا نَظِيره، بل وَلَا مَا يُقاربه وتشريع مَا هُوَ كَذَلِك مُمْتَنع بِلَا شكّ. فَإِن قلت: يُنَافِي بعض مَا تقرر مَا ذكره الْمُفَسِّرُونَ فِي قصَّة قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [الْبَقَرَة: ٢٤٣] . قلتُ: لَا مُنَافَاة لِأَن أَكثر مَا ذكره الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِه الْقِصَّة ونظيرها لم يَصح فِيهِ عَن النَّبِي ﷺ شَيْء، وَإِنَّمَا يعتمدون فِي ذَلِك على نَحْو أَخْبَار إسرائيلية لَا تقوم بهَا حُجَّة عِنْد النزاع، وعَلى تَسْلِيم مَا ذَكرُوهُ فَأُولَئِك كَانُوا فِي زمنِ شَرْع قَبْل شَرْعِنَا فَلَا يُعوَّل على مَا وَقع لَهُم، لِأَن الصَّحِيح أَن شَرْعَ مَنْ قبلنَا لَيْسَ شرعا لنا، وَإِن ورد فِي شرعنا مَا يُوافقه فَكيف بِمَا ذكر، وَقد علم من قَوَاعِد شرعنا كَمَا قَرّرته أَنه لَا عِبْرة بِالْحَيَاةِ بعد الْمَوْت الْمُتَيَقن،
1 / 4