٣ - وسُئل ﵁: مَا حَقِيقَة الرُّؤْيَا؟ فَأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ: بِأَن حَقِيقَة الرُّؤْيَا عِنْد جُمْهُور أهل السّنة خلق الله تَعَالَى فِي قلب النَّائِم أَو حواسه الْأَشْيَاء كَمَا يخلقها فِي الْيَقظَان، وَهُوَ تَعَالَى يفعل مَا يَشَاء لَا يمنعهُ عَنهُ نوم وَلَا غَيره، وَعَلِيهِ رُبمَا يَقع ذَلِك فِي الْيَقَظَة كَمَا رَآهُ فِي الْمَنَام وَرُبمَا جعل مَا رَآهُ علما على أُمُور أخر يخلقها تَعَالَى فِي الْحَال أَو كَانَ قد خلقهَا فَتَقَع تِلْكَ كَمَا جعل الله الْغَيْم عَلامَة على الْمَطَر. وَأما قَول من قَالَ: إِن الرُّؤْيَا خيال بَاطِل وَأَن النّوم يضاد الْإِدْرَاك فَهُوَ بَاطِل لَا يعوّل عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، كَيفَ وَقد صرحت عَائِشَة ﵂ بِأَن رُؤْيا النبيّ ﷺ وَحي. وَقَالَ ﷺ: (رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من أَرْبَعِينَ جُزْءا من النُّبُوَّة)، وَفِي التَّنْزِيل رُؤْيا يُوسُف وَغَيره، وَلَا يمْنَع من ذَلِك قَول من قَالَ: الْإِدْرَاك حَالَة النّوم خلاف الْعَادة لِأَن الْعَادة لَيست مطردَة فِي ذَلِك، وَلَو سلم لم يلْتَفت إِلَيْهَا مَعَ أَخْبَار الصَّادِق بِخِلَافِهَا.
٤ - وَسُئِلَ أدام الله النَّفْع بِهِ: كم كَانَ طول عِمَامَة النَّبِي ﷺ وعرضها؟ فَأجَاب أعَاد الله علينا من بركاته: أما طول عِمَامَة النَّبِي ﷺ وعرضها فَلم يثبت فيهمَا شَيْء، وَمن ثمَّ قَالَ جمَاعَة من الْحفاظ الجامعين بَين فني الحَدِيث وَغَيره: لم يتحرر لنا فِي ذَلِك شَيْء، وَمن ثمَّ لما سُئِلَ عَنهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ لم يبد فِيهِ شَيْئا. قَالَ بعض الْحفاظ الْمُتَأَخِّرين: وَرَأَيْت من نسب لعَائِشَة ﵂ أَن عمَامَته ﷺ كَانَت فِي السّفر بَيْضَاء وَفِي الْحَضَر سَوْدَاء من صوف، وَكَانَت سَبْعَة أَذْرع فِي عرض ذِرَاع، وَكَانَت العذبة فِي السّفر من غَيرهَا وَفِي الْحَضَر مِنْهَا، وَهَذَا شَيْء مَا علمناه انْتهى. فَتبين أَن هَذَا الْمَنْقُول عَن عَائِشَة لَا أصل لَهُ فَلَا يعوّل عَلَيْهِ وَكَأن ابْن الْحَاج الْمَالِكِي فِي كِتَابه فِي (الْمدْخل) عوّل على ذَلِك حَيْثُ قَالَ فِيهِ: إِن الْعِمَامَة سَبْعَة أَذْرع وَنَحْوهَا مِنْهَا التلخية والعذبة وَالْبَاقِي عِمَامَة على مَا نَقله الإِمَام الطَّبَرِيّ فِي كِتَابه، وَالله أعلم.
٥ - وسُئل ﵁: هَل ملك الْمَوْت يقبض أَرْوَاح الْحَيَوَانَات كلهَا؟ أَو مَا يقبض إِلَّا أَرْوَاح بني آدم فَقَط، وَأَيْنَ مستقرّ الرّوح بعد قبضهَا؟ فَأجَاب أعَاد الله علينا من بَرَكَات علومه: الَّذِي دلّت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث أَن ملك الْمَوْت يقبض أَرْوَاح جَمِيع الْحَيَوَانَات من بني آدم وَغَيرهم، من ذَلِك قَوْله مُخَاطبا لنبينا ﷺ: (وَالله يَا مُحَمَّد لَو أَنِّي أردْت أَقبض روح بعوضة مَا قدرت على ذَلِك حَتَّى يكون الله هُوَ الْآمِر بقبضها) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَفِي هَذَا الْخَبَر مَا يدل على أَن ملك الْمَوْت هُوَ الْمُوكل بِقَبض كل ذِي روح وَأَن تصرفه كُله بِأَمْر الله ﷿ وبخلقه واختراعه، وَمن ذَلِك مَا فِي خبر الْإِسْرَاء عَن ابْن عَبَّاس ﵄ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ عَن نَفسه: (فَقلت: يَا ملك الْمَوْت كَيفَ تقدر على قبض أَرْوَاح جَمِيع من فِي الأَرْض برّها وبحرها) الحَدِيث. وَذكر أَبُو نعيم عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ: (اللَّيْل وَالنَّهَار أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة لَيْسَ مِنْهَا سَاعَة تَأتي على ذِي روح إِلَّا وَملك الْمَوْت قَائِم عَلَيْهَا فَإِن أَمر بقبضها قبضهَا وَإِلَّا ذهب) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ أَيْضا: وَهَذَا عَام فِي كل ذِي روح وَمن ثمَّ لما سُئل مَالك ﵁ عَن البراغيث أَن ملك الْمَوْت هَل يقبض أرواحها؟ أطرق مَلِيًّا ثمَّ قَالَ: ألها نفس؟ قيل: نعم. قَالَ: ملك الْمَوْت يقبض أرواحها: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأٌّنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] وَأَشَارَ مَالك ﵁ بِذكر الْآيَة إِلَى أَن المُرَاد بقوله تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأٌّنفُسَ﴾ أَنه تَعَالَى: يَأْمر ملك الْمَوْت يتوفاها كَمَا يُصَرح بِهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ . وَلَا يُنَافِي ذَلِك قَوْله تَعَالَى: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ﴾ [الْأَنْعَام: ٦١] وَقَوله: ﴿يُحْيىِ وَيُمِيتُ﴾ [آل عمرَان: ١٥٦] لِأَن ملك الْمَوْت يقبض الْأَرْوَاح وأعوانه يعالجون وَالله تَعَالَى يزهق الرّوح وَبِهَذَا تَجْتَمِع الْآيَات وَالْأَحَادِيث. وَإِنَّمَا أضيف التوفي لملك الْمَوْت لِأَنَّهُ يَتَوَلَّاهُ بالوسائط والمباشرة فأضيف إِلَيْهِ كَمَا أضيف الْخلق للْملك فِي خبر مُسلم عَن حُذَيْفَة سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول: (إِذا مرّ بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله ملكا فصورّها فخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها) الحَدِيث. وَأما قَول ابْن عَطِيَّة: روى فِي الحَدِيث أَن الْبَهَائِم كلهَا يتوفى الله أرواحها دون ملك الْمَوْت كَأَنَّهُ يعْدم حَيَاتهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْأَمر فِي بني آدم إِلَّا أَنه شرف بِتَصَرُّف ملك الْمَوْت وَمَلَائِكَته فِي قبض أَرْوَاحهم فخلق الله ملك الْمَوْت وَخلق على يَده قبض الْأَرْوَاح وإسلالها من الْأَجْسَام وإخراجها مِنْهَا، وَخلق حفدة يكونُونَ مَعَه يعْملُونَ عمله بأَمْره انْتهى. فيجاب عَنهُ: بِأَن الحَدِيث الَّذِي ذكره يتَوَقَّف الِاسْتِدْلَال بِهِ على ثُبُوته وعَلى تَسْلِيمه فَيمكن الْجمع بَينه وَبَين مَا مرّ من الْأَحَادِيث بِأَن معنى قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث دون ملك الْمَوْت أَنه لَا يعاني فِي قبض أَرْوَاح
1 / 3