» الشهواني الخليع، وديودورس الفيلسوف، ولنا هنا أن نتساءل: هل من علاقة بين فكرة أبيقور هذه وبين دعوة هجسياس للانتحار؟
أما «بلنيوس
» فقد ذهب إلى أن حظ الإنسان من حيث قدرته على التخلص من الحياة يفوق حظ الخالق، ذلك بأن للإنسان القدرة على أن يذهب إلى القبر باختياره، بل قال بأن من أكبر البراهين على كرم العناية القدسية، أنها حبت الناس بكثير من أنواع الأعشاب المسمة التي يجد فيها المتعبون والمتبرمون بالحياة، موتا سريعا لا ألم فيه.
غير أن فكرة الانتحار لم تبلغ مبلغها الأقصى إلا في عصر الإمبراطورية الرومانية، وعند رواقيي الرومان، حيث تحددت فكرتها وكملت صورتها الفلسفية، فمنذ عهد من الزمان عهيد، كانت فكرة التضحية بالذات قد حبذت على اعتبار أنها من الطقوس الدينية.
ولقد تجمعت في أواخر العصر الوثني أسباب كثيرة قادت الناس إلى الإخلاد لفكرة التضحية بالذات، ولن تجد من الأشياء الدنيوية ما هو أكثر مسا للقلب من ذلك الجدل الشعري الذي حوط به «سنيكا
Seneca » الانتحار في عصر نيرون المستبد الروماني على أنه الملجأ الوحيد للمستبد بهم والمظلومين، والنهاية الحلوة التي ينشدها العقل المضطرب الحائر، قال:
بالموت وحده نعرف أن الحياة ليست عقابا، وإني لأقف قوي الأعصاب تحت أنواء الحظ والأقدار، إذ أستطيع أن أحتفظ بعقلي غير مضطرب، وأن أمضي به سيدا لنفسه، فإن لدي الملاذ الأخير، ولقد أرى المخلعة وأرى السندان،
5
مهيأة لأن تلقم كل طرف من أطرافي، وكل عصب من أعصابي، غير أني أرى الموت أيضا بجانب هذه الآلات الجهنمية، إنه يقف بعيدا عن أن تناله أيدي أعدائي، وقصيا عن أن تمتد إليه قدرة عشيرتي ، إن العبودية لتفقد ما فيها من مرارة، ما دمت قادرا بخطوة واحدة أن أصل إلى الحرية، ومن كل متاعب الحياة لي في الموت مهرب وملاذ.
أينما أدرت وجهك رأيت رذائل، وإنك لترى أيضا تلك الهاوية السحيقة، ففيها تستطيع أن تهبط إلى الحرية، هل أنت تنشد طريق الحرية والخلاص؟ إنك لتجدها في أي شريان من شرايين جسمك الزائل.
अज्ञात पृष्ठ