لا تكره ولا تبغض بل علم وثقف، هذا هو الحمل الثقيل الذي حمله هجسياس، ودعا الناس أن يحملوه معه، وإن هذا ليذكرنا ببعض الفلاسفة المحدثين، مثل: إسبينوزا، وهلفتيوس، فكلاهما بدأ شوطه بمثل هذه المقدمات.
أما العنصر الأصيل في فلسفة هجسياس فينحصر في أنه عارض أرسطبس، فقال: إن التحرر من الألم هو الخير الأسمى، ولهذا فضل الموت على الحياة.
4
تلاقح المذاهب من القورينيين إلى الرواقيين
من الأمثال التي نضربها على تلاقح المذاهب جملة وتفصيلا، أن المذهب الرواقي - وهو مذهب نشأ من تدرجات دقيقة، تدرج فيها المذهب الهيدوني - قد نقل عن هجسياس فكرته في الانتحار، ولكنه جعل الانتحار وسيلة يحقق بها الإنسان حريته إذا أراد، ولا شك في أن هذه الفكرة تنطوي من ورائها فكرة الحياة الأخرى، فكان ذلك من الممهدات الأولية التي أفسحت السبيل لذيوع الديانة النصرانية، بما فيها من فكرات أساسية في الحياة بعد الموت، وفكرة الثواب والعقاب والخلاص وما إلى ذلك.
جمعت الفلسفة الرواقية بين فكرتين، فكما أنها حضت على أن لا يفر الإنسان من القيام بواجب من واجباته فإنها أجازت للإنسان أن يتخلص من حياته وأن يتصرف فيها بكامل حريته، وفي الفكرة الأولى عنصر قوريني أصيل، أما في الثانية فعنصر دخيل منقول عن هجسياس ترجيحا.
على أن الانتحار عند الأقدمين لم يعتبر قط من كبائر الإثم، فإن أبيقور مثلا قد حض الناس على أن يوازنوا بدقة بين أن يأتيهم الموت وبين أن يذهبوا للموت بأنفسهم، ولقد انتحر كثير من أتباع أبيقور مثل «لوقرشيوس
Lucretius » شاعر الرواقيين المعروف، و«قشيوس
Cassius » وكان داعية شديد الخطر ضد الطغاة يدعو إلى قتلهم، و«أتيقوس
Atticus » صديق قيقرون الخطيب و«فطرنيوس
अज्ञात पृष्ठ