विज्ञान का दर्शन
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
शैलियों
وهو أيضا من القرن التاسع عشر وترك أبحاثا وتجارب علمية جديرة بالإعجاب، على الرغم من كفاف بصره؛ إذ كان يتصور هذه التجارب ثم يعهد بتنفيذها إلى خادمه الذي كان خالي الذهن من أية فكرة علمية. فكان هوبر الذهن المدبر ينشئ التجارب ويديرها، ولكنه لكفاف بصره مضطر لاستعارة حواس غيره، يقول برنار إن الخادم يقوم بعمل الحواس المنفعلة التي تطيع العقل لتحقيق التجربة المنشأة تبعا لفكرة سابقة، إن الفرض هو العقل المدبر والتجارب هي الحواس التي تعمل تبعا للعقل وفي الإطار الذي يحدده.
يقول برنار إن الفروض حتى ولو كانت فاسدة تفيد في اهتدائنا إلى الاكتشافات، وينطبق هذا على جميع العلوم، فقد تأسس علم الكيمياء في محاولة العصور القديمة لتحقيق فرض فاسد هو تحويل المعادن إلى ذهب. الفروض فقط هي التي تمكننا من تجاوز الوقائع الحسية المحدودة والسير بالعلم قدما إلى الأمام. الفروض لا تفتح الطريق للتجارب الجديدة فقط، بل أيضا تجعلنا نكتشف وقائع جديدة ما كنا لنلحظها دون الفرض . ويشير برنار إلى أهمية العمليات المنطقية كالاستنباط والقياس، في العلوم التجريبية. الفرض قد يكون مستنبطا من نظرية، مع هذا لا بد دائما من التحقق التجريبي، أي إن الاتساق المنطقي لا يغني عن وقائع التجريب.
إن العالم ليس طفلا يجلس بين يدي الطبيعة ليتعلم منها ما تمليه عليه كما تومئ النظرة التي تغفل أهمية الفرض، بل هو - في رأي برنار - أشبه بقاض يحقق مع الطبيعة، وإن كان لا يواجه أفرادا يضللونه بالشهادات الكاذبة، بل يتناول ظواهر طبيعية أشبه بأشخاص يجهل لغتهم ويريد أن يعرف أغراضهم ومراميهم، وهو يستخدم من أجل ذلك كل ما يستطيعه من حيل، أو بعبارة أخرى يبدع قصارى ما يستطيعه من فروض، ما دامت ستخضع لمحكات التجريب.
وسوف نرى لاحقا أن دخول الفرض في منظومة المنهج التجريبي ليس مجرد عنصر أضيف، بل إيذانا بتغيير جذري في طبيعة المعرفة العلمية وفي علاقة العقل الإنساني بالعالم. إذا لم يكن التطوير النقدي للنزعة الاستقرائية مع برنار أمرا هينا، وله أيضا افتراقه البين عن أساسها الوضعي بما يمثل إضافة حقيقية، فقد حرصت الوضعية على أن تنعى الفلسفة وتعلن انتهاء عصرها بمجيء المرحلة العلمية الوضعية. أما كلود برنار فقد دافع عن الفلسفة والحاجة إليها بقوة. هناك فارق واضح بين الفلسفة والأدب وبين العلم، الفلسفة - بتعبير برنار - معبرة عن طموحات العقل البشري من حيث هو عقل في أي زمان ومكان، الأدب يعبر عن عواطف غير قابلة للتغير؛ لذلك فهما من آيات التراث الإنساني، تظل إلى الأبد جديرة بالبحث والدراسة. أما العلم فأمره مختلف، إنه يعبر عن وقائع تجريبية تكشفت أمام الباحث، ولما كانت هذه الوقائع في ازدياد مستمر كان العلم في تقدم مستمر، وعلم الأمس غير ذي جدوى اليوم لا ينبغي إهدار الوقت في كتب الأقدمين، وحتى الفروض والنظريات لا نهتم بها كثيرا، بل يكون البحث دوما في الوقائع ذاتها واليقظة لملاحظة كل ما يظهر ويستجد أثناء التجربة، فالعلم في صعود مستمر. ومع هذا الفلسفة والعلم كلاهما ضروري ومطلوب، وكلاهما مفيد للآخر، الفلسفة تضيف للعلم أبعادا فلسفية، والعلم يطامن من غرورها وتحليقها في آفاق المطلق - كما يرى برنار.
بهذه التوجهات النقدية التطويرية نجد كلود برنار أقرب إلى فلاسفة المنهج في القرن العشرين منه إلى المعاصرين له. لقد كان فيلسوف علم عظيما، كما كان عالما عظيما شغل مناصب علمية رفيعة وحاز جوائز عديدة على كشوفه في الهضم والسموم والتخدير وسواها. ومع كل هذا النفاذ في نظرة برنار الميثودولوجية - أي المنهجية - كان يعمل في إطار تسليم عصره المطلق بالحتمية ووجهها الآخر وهو العلية الشاملة التي هي أساس التعميم الاستقرائي، وإذ يدخل الفرض في هذا الإطار يغدو قبوله مستندا أيضا على تعميم استقرائي، مما يعني أن مشكلة الاستقراء ما زالت ملحة، فما هي هذه المشكلة؟
ثالثا: مشكلة الاستقراء
رأينا كيف نشأت فلسفة العلم معنية بتبرير المعرفة العلمية، وأنها وجدت هذا التبرير في تقنين الانتقال من الملاحظات إلى النظرية العلمية، أي في حجة التعميم الاستقرائي التي هي في الوقت نفسه معيار يميز العلم ويرسم حدودا للمنشط المعرفي الذي يعطينا محتوى إخباريا عن العالم التجريبي الواقعي الذي نحيا فيه، فإذا كانت العبارة تعميما لوقائع مستقرأة من هذا العالم التجريبي فلا بد أنها إخبار عنه، هكذا حققت حجة التعميم الاستقرائي الهدف، فهي معيار يميز المعرفة العلمية كتبرير كاف لها.
ولكن ما هو تبرير التعميم الاستقرائي ذاته؟
إن العالم في معمله يلاحظ عددا محدودا من الحالات، مثلا القطعة (1) من الحديد تمددت بالحرارة ... القطعة (2) ... القطعة (3) ... القطعة (4) ... القطعة (ن) ... فيخرج بتعميم استقرائي: الحديد يتمدد بالحرارة. أو مثلا افترض باحث أن المضاد الحيوي «س» فعال في علاج التيفود، وجربه على المرضى الذين يعالجهم وهم عشرة أو عشرون أو حتى ألف، وهب أنهم شفوا جميعا، سيخرج بتعميم استقرائي: المضاد الحيوي «س» يشفي من التيفود، القانون العلمي طبعا عبارة عامة تحكم الحالة المطروحة للبحث بصفة كلية، وليس مجرد حصر أو تعداد ساذج لأمثلة لوحظت، إن العالم يلاحظ ويجرب على عدد من الوقائع الجزئية مهما كان كبيرا فهو عدد محدود، ثم يخرج منه بعبارة كلية تنطبق على كل الوقائع المماثلة في أي زمان ومكان.
والسؤال الآن: بأي مبرر يخرج من وقائع جزئية محدودة إلى قانون كلي عام؟ كيف يسحب الحكم مما لاحظه على ما لم يلاحظه؟ لماذا يفترض أن الوقائع التي لم يشاهدها تماثل تلك التي شاهدها؟ من أدرانا أن الحديد منذ مليون عام أو بعد ألف سنة أو على كوكب المريخ أو في مجرة أخرى يتمدد أيضا بالحرارة؟ ما الذي يضمن عدم وجود عينات من الحديد هنا أو هناك لا تتمدد بالحرارة ولم يصادفها الباحثون؟ مشكلة الاستقراء هي مشكلة تبرير القفزة التعميمية من عدد محدود من الوقائع التجريبية إلى قانون كلي عام، على أي أساس تمارس التعميم الاستقرائي وهو صلب عملية إنتاج المعرفة العلمية؟ «وهذا التساؤل ليس إثارة لكشف جديد، فأرسطو لاحظ الفارق بين الحجة الصورية المنطقية والحجة الاستقرائية التجريبية، وأن الأخيرة ليست مبرهنة،
अज्ञात पृष्ठ