विज्ञान का दर्शन
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
शैलियों
إلى كل هذا الحد كان نجيب الحضارة الإغريقية - المنطق الصوري وقياساته الاستنباطية - منهجا أكثر من مناسب للاستحواذ على منزع العقل في العصور الوسطى الأوروبية، وكانت المحصلة فلسفتها «المدرسية» المتكرسة لمناقشات نظرية خالصة، تميزت بالتنسيق المنطقي الشديد والعقم الأشد عن الإتيان بجديد، فتلقب الفلسفة المسيحية للعصور الوسطى المتأخرة في أوروبا بالفلسفة المدرسية، وتعد أقوى تمثيل لسيادة المنطق الأرسطي.
ولأن المنهج السائد أقوى تجريد وتجسيد لروح العصر - كما اتفقنا - فقد اقترن إغلاق أبواب العصور الوسطى وفتح بوابة العصر الحديث بالضيق البالغ منتهاه من المنطق الأرسطي وقياساته، والبحث عن مناهج جديدة ملائمة للعصر الجديد، كان هذا لعوامل عديدة، من البديهي أنها عوامل كانت في الوقت نفسه وراء انبثاقة العصر الحديث بأسره، وإلا لما كان المنهج تجريدا وتجسيدا لروح العصر.
وأوضح هذه العوامل هي الكشوف الجغرافية التي أخبرت إنسان عصر النهضة في نهايات القرن الخامس عشر أن العالم الطبيعي أوسع كثيرا مما تصور أرسطو ومن كل ما تضمنته الصحائف وكتب الأقدمين، فبدت الطبيعة عالما مثيرا يغري بالكشف واقتحام المجهول فيه، وتغير موقفها فلم تعد أولا وأخيرا مجرد شيء خلقه الله. لقد طرأ تطور على الفكر المسيحي الغربي: أصبح الله عاليا في السماء بعيدا فوق الأرض، حتى إن التفكير في الأرض بمعزل عن الله يمكن أن يكون ذا معنى. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تصبح الطبيعة بحد ذاتها في ذلك العصر موضوع تمثيل فني لا علاقة له بأمور الدين، فالطبيعة استقلت عن الله وعن الإنسان أيضا، وتستجيب هذه الصورة إلى الدراسة.
41
ومع نهايات القرن السادس عشر كان السؤال عن الطبيعة قد ارتفع إلى الصدارة بعد طول توار، وأوشك أن يكون سؤال العصر الذي تنشغل به كل العقول الكبرى وطبقة المثقفين والصفوة من العلماء والبحاث والفلاسفة والمفكرين، بل كانت الطبيعة هي موضوع الحوار بين وجهاء القوم من رجال الكنيسة والبلاط، وحتى في صالونات سيدات المجتمع، ومنذ عهد الأيونيين والفلاسفة القبل سقراطيين لم تثر الطبيعة مثل هذا الاهتمام، ولم تتمركز هكذا كمحور للنشاط العقلي.
وسرعان ما توالت المتغيرات على كافة الأصعدة: الصعيد الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والتجاري ... وظهرت المطبعة وبدأت المخترعات والماكينات تغير من وجه الحياة، وراحت العقول الواعدة تتلمس الجديد من كشوف العلم الطبيعي، فطغى الإحساس بعقم وإجداب المنطق الأرسطي وقياساته، وما يتسم به القياس من دوران منطقي ومصادرة على المطلوب وتحصيل لحاصل. غير أن ما عابه على الخصوص هو أنه ساهم في إقصاء العقول عن التفكير في الطبيعة بسبب من مجافاته للواقع؛ إذ لا يتعامل إلا مع قضايا مطروحة في الصحائف والأوراق؛ ليعنى فقط باتساق النتائج مع المقدمات. وحتى إذا كانت النتئاج صادقة على الواقع، فهي لا بد وأن تكون متضمنة قبلا في مقدماته، أي نعرفها سلفا. ربما كان لهذا المنهج قيمته في الدراسات القانونية أو اللغوية أو سواها من دراسات نظرية. أما إذا أردنا أن نكسب خبرا عن الواقع أو فهما أكثر للطبيعة المتأججة حولنا، فإن هذا مستحيل باتخاذ هذا المنطق وقياساته منهجا؛ ليجعلنا نلف وندور حول أنفسنا في دائرة مغلقة، أو دائرة محصورة بين أغلفة الكتب، فينتهي بنا المطاف من حيث بدأنا ولا جديد البتة. ومن أين الجديد والعملية كلها انتقال من معلوم كلي إلى معلوم جزئي، من قضية إلى أخرى، في أطر فلسفة لفظية عقيمة لا تثمر جديدا، ولا مساس إطلاقا بآفاق المجهول الرحيبة. وكانت الثورة على قياس أرسطو ومنطقه المعروف باسم الأورجانون، بمثابة الإعلان الصريح برفض الماضي والرغبة في الإقبال بمجامع النفس على الآفاق الجديدة للعصر الجديد، واستكشاف العالم الطبيعي النابض الذي امتد وترامت آفاقه أمام إنسان العصر الحديث.
ومن ثم أصبح هم الفلاسفة الأول هو البحث عن منهج جديد يلائم الروح الجديدة ويلبي المتطلبات المستجدة للعصر الجديد، فكان القرن السابع عشر هو قرن المناهج ، منذ ديكارت الرائد (1596-1650م)، وخطابه الشهير في المنهج لإحكام قيادة العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم عام 1637م.
42
وحتى الأسقف «نيقولا مالبرانش»
N. Malberanch (1638-1715م) الذي يكاد يكون الوحيد من رجالات عصره الذي فعل فعلة الإمام الغزالي وأنكر السببية في الطبيعة وقال بنوع من اللاحتمية. ومثلما فسر الغزالي اطراد الظواهر الطبيعة وارتباطها معا بمذهب الاقتران، فسر مالبرانش هذا بما أسماه مذهب المناسبة
अज्ञात पृष्ठ